الشعوب ودرس الثورة


التيتي الحبيب
الحوار المتمدن - العدد: 6307 - 2019 / 8 / 1 - 10:30
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     


في القرون السابقة حيث كان التواصل بين الشعوب شبه منعدم وقد يقتصر على الرحلات برًا أو بحرًا كانت الشعوب تخوض نضالاتها وتراكم تجاربها الخاصة في شبه عزلة بعضها عن البعض. وبعد أن تطورت المواصلات وظهر البريد ومعه النقل الجوي والهاتف، أصبحت العلاقات بين الشعوب أكثر تواصلا وكثافة عن السابق، فأصبحت الأخبار عن تحركات شعب ما تنتقل إلى علم شعب آخر، وأصبحت الشعوب تطلع على أخبار بعضها البعض وتعلم عن طريق الكتب والمجلات والصحف أسباب النجاح وأسباب الفشل. هكذا بدأت الشعوب تستدمج في خبراتها إلى جانب تجربتها المعاشة، تجارب شعوب أخرى وبدأت تقصر المسافة بين معركة فاشلة ومعركة ناجحة، لأنها استطاعت أن تستخلص الدرس سواء محليا أو عالميا.

واليوم وبعد هذه الثورة العظيمة في التواصل وظهور التلفيزيون وبعده الأنترنيت حيث أصبح كل مالك لهاتف نقال يشكل محطة تليفزيونية ينقل تفاصيل الحدث كيف ما كان حجمه، فتمكنت الشعوب من أن تتابع ما يجري داخلها من أحداث بتفصيل شديد وكذلك تطلع على ما يجري عند شعوب في دول بعيدة جدا، فأصبح الاطلاع على أحداث الثورات والانتفاضات بشكل مباشر أمرًا متاحًا وسهلاً. إن مقولة “العالم قرية صغيرة” تصدق هنا بشكل كامل.

أصبحت وسائل التواصل الجديدة سلاحا بيد الشعوب تستعملها في تنظيم وحشد قواها وقت الثورة. وهذا ما تنبه له المجلس العسكري الدموي في السودان وسارع لنزعه أو إبطال مفعوله؛ لقد أقدم على قطع الأنترنيت وعزل السودان عن الشبكة الدولية.
في الماضي كان الثوار يعتبرون من شروط نجاح الثورة في بلدانهم تحقق الخبرة الملموسة للشعب عبر المراكمة والتجربة العينية. لكن اليوم وبفضل الثورة التكنولوجية فإن هذا الشرط قد تعدل نوعيًا وهو أن الشعب، إلى جانب خبرته في الانخراط في النضال، يراكم دروسًا من خلال معايشته وتتبعه لما تعيشه الشعوب الأخرى من ثورات. إن هذه الشعوب تعيش تلك الثورات بالوجدان والحس، وهنا يصبح دور القوى المناضلة والثورية أساسيًا في تفسير وشرح واستنباط الدرس وتبيئته حتى يصبح درسًا مغمسًا في تربة بلادهم. إن الاستفادة هنا يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الفوارق المحلية والخصوصيات في التركيبة الاجتماعية والثقافية لكل شعب على حدى. يجب أن تكون الاستفادة علمية وليست الاستنساخ أو التقليد. ولكي تكون هذه الاستفادة ناجعة وعلمية يتحتم على القوى المناضلة أن تنسق العلاقات في ما بينها وأن تجري تبادل التجارب وتعقد الحوارات والندوات ونقل المعطيات والتقديرات السياسية والاستنتاجات النظرية. وهذا في حد ذاته عمل شاق ومضني لكن لا محيد عنه.