رأس المال: 2- شكل القيمة النسبي


كارل ماركس
الحوار المتمدن - العدد: 6299 - 2019 / 7 / 23 - 21:39
المحور: الارشيف الماركسي     


آ) مضمون شكل القيمة النسبي

بغية اكتشاف الكيفية التي يختبيء بها هذا التعبير البسيط عن قيمة السلعة وراء علاقة القيمة بين سلعتين، يتعين علينا، بادىء ذي بدء، معاينة هذه العلاقة بمعزل تام عن جانبها الكمّي. إن الطريقة الغالبة في معاينة هذا الأمر، هي العكس، في العادة، فالمرء لا يرى في علاقة القيمة بين سلعتين سوى نسبة للمُعادلة بين كمّيتين محددتين من نوعين مختلفين من السلع. كما يميل المرء عادة إلى نسيان أن مقادير من أشياء مختلفة لا يمكن أن تُقارن كمياً إلا بعد اختزالها إلى وحدة قياسية. وحين تصبح كل من هذه المقادير تعبيراً عن هذه الوحدة القياسية، فإنها تكتسب قاسماً مشتركاً وتضحي قابلة للقياس(1).
وسواء كانت 20 باردة قماش = معطفاً واحداً أو = 20 معطفاً أو س من المعاطف، وسواء كانت كمية معينة من القماش تساوي، في القيمة، عدداً قليلاً أو كبيراً من المعاطف، فإن كل قول من هذا القبيل يعني أن القماش والمعطف أو أي عدد منه، من حيث كونها تعبيرات عن القيمة، إنما هي تعبيرات عن الوحدة نفسها، وأشياء من طبيعة واحدة. القماش = المعطف، هذا هو أساس المُعادلة.
بيد أن السلعتين اللتين نفترض فيهما تماثلاً نوعياً على هذا النحو، لا تؤديان الدور نفسه، فقيمة القماش هي الشيء الوحيد الذي جرى التعبير عنه، وكيف؟ بإحالة هذه القيمة إلى المعطف بوصف هذا الأخير مُعادلاً لها، بوصفه شيئاً تُمكن مبادلة، القماش به. ويمثل المعطف في هذه العلاقة شكل وجود القيمة، أنه شيء – قيمة (Wertding)، لأنه بهذه الصفة فقط يكون مماثلاً للقماش. ومن جهة أخرى تبرز القيمة الخاصة بالقماش إلى الوجود، لتكتسب تعبيراً مستقلاً، لأن القماش بهذه الصفة وحدها، بصفته قيمة، يصبح قابلاً للمقارنة مع المعطف باعتبار هذا شيئاً ذا قيمة مساوية، أي يصبح قابلاً للمبادلة مع المعطف. دعونا نستعير مثلاً إيضاحياً من الكيمياء: إن حامض البوتريك مادة تختلف عن فورمات البروبيل، مع ذلك فإنهما يتالفان من نفس العناصر الكيميائية وهي الكاربون (C) والهايدروجين (H) والأوكسيجين (0)، وبنسبة واحدة هي: C4 H8 O2 والآن إذا وضعنا حامض البوتريك بمُعادلة مساواة مع فورمات البروبيل، فلن تكون فورمات البروبيل، في هذه العلاقة أكثر من شكل آخر لوجود C4 H8 O2 هذا أولاً. وثانياً سنكون قد قلنا إن حامض البوتريك يتألف هو الآخر من C4 H8 O2 وبمساواة هاتين المادتين على هذا النحو نكون قد عبرنا عن تركيبهما الكيميائي المتماثل خلائفً لشكلهما الفيزيائي الطبيعي المتباين.
وإذا قلنا إن السلع، بصفتها قيماً، هي محض تبلورات عمل بشري، نكون قد اختزلناها ، بهذا التحليل، إلى قيمة مجردة، بيد أننا لا ننسب إلى السلع شكل قيمة مختلفاً عن شكلها الطبيعي، ولكن ما إن نضع السلعة في علاقة قيمة مع سلعة أخرى، حتى يصبح الأمر خلاف ذلك. فهاهنا، يبرز الطابع القيمي للسلعة الأولى بسبب علاقتها الذاتية بالسلعة الثانية.
وحين نجعل المعطف مُعادِلاً للقماش على أنه شيء – قيمة، فإننا نساوي العمل المتجسد في الأول بالعمل المتجسد في الثاني. صحيح أن الخياطة، التي تصنع المعطف، عمل ملموس يختلف نوعه عن الحياكة التي تصنع القماش، لكننا حين نعادلها بالحياكة إنما نختزلها إلى ما هو مشترك ومتساو فعلاً في هذين النوعين من العمل، نعني نختزلها إلى طابعهما المشترك كعمل بشري. وبهذه الطريقة الملتوية قمنا بالتعبير عن حقيقة أن الحياكة، ما دامت تحيك قيمة، لا تتميز بشيء عن الخياطة، وأنها بالتالي عمل بشري مجرد. إن التعبير عن التعادل بين مختلف أنماط السلع هو الصيغة الوحيدة التي تبرز الطابع الخاص للعمل الخالق للقيمة، ويتحقق ذلك عملياً باختزال مختلف أنواع العمل، المتجسدة في مختلف أنواع السلع، إلى صفتها المشتركة التي تتمثل في كونها عملاً بشرياً على وجه العموم(2).
ولكن لا يكفي التعبير عن الطابع الخاص للعمل الذي يؤلف قيمة القماش. إن قوة العمل البشرية في حركتها، أو العمل البشري، يخلق القيمة، ولكنه بذاته، ليس قيمة. فهو لا يصبح قيمة إلا في حالة تبلوره، عند تجسده في شكل شيئي، ولكي يتم التعبير عن قيمة القماش بصفته تبلوراً للعمل البشري، يتعيّن التعبير عن تلك القيمة بوصفها “شيئية ذات وجود موضوعي”، كشيء يختلف مادياً عن القماش نفسه، ولكنها مع ذلك موجودة في القماش وفي غيره، من السلع الأخرى. ولقد سبق أن أنجزنا حل هذه المسالة.
وحين يدخل المعطف في علاقة مع القماش فإنه يقف بوصفه مُعادِلاً نوعياً، أو بوصفه شيئاً من الطبيعة نفسها، بسبب كونه قيمة. وعند إشغال المعطف لهذا الموقع، فإنه يغدو شيئاً تتجلى فيه القيمة، أي شيئاً تتجلى القيمة في شكله الطبيعي المحسوس. ومع ذلك فإن المعطف نفسه، كجسد لسلعة المعطف، ليس أكثر من قيمة استعمالية. فالمعطف بذاته ولوحده، لا يعبّر عن قيمة شأنه في ذلك شأن أول قطعة قماش تقع يدنا عليها. وهذا يبرهن أن المعطف، حين يوضع في علاقة قيمة مع القماش، يعني شيئاً أكثر مما يعنيه خارج هذه العلاقة، تماماً مثلما يُعتبر الرجل الذي يتبختر ببزّة رسمية مُذهبة أكثر أهمية منه بدونها.
وعند إنتاج المعطف، لا بد لقوة العمل البشرية، على شكل خياطة، أن نكون قد أنفقت فعلاً. لذلك يكون العمل البشري قد تراكم فيه. ومن هذه الزاوية يصبح المعطف “حاملاً للقيمة” وإن كان لا يدع مجالاً للنفاذ إلى هذه الحقيقة حتى لو تهرّأت خيوطه.
أما في حالة وجوده في علاقة القيمة، كمُعادِل للقماش، فإنه لا يظهر للوجود إلا بهذه الصفة، ويُعد لذلك قيمة متجسدة، أو جسداً للقيمة. ورغم المظهر المزوّر للمعطف، فإن القماش يتعرّف إلى ما فيه من روح قيمية جميلة تربطهما معاً بأواصر القربى. لكن المعطف لا يستطيع أن يمثل قيمة في علاقته مع القماش، ما لم تتخذ القيمة بالنسبة إلى القماش، في الوقت نفسه، شكل معطف ما. وهكذا فإن الفرد (آ) لا يمكن أن يبدو صاحب الجلالة، لعين الفرد (ب) ما لم تتلبس صفة الجلالة في عيني (ب) الشكل الجسدي للفرد (آ)، بل إن صفة الجلالة هذه تبدل قسماتها وشعرها، واشياء كثيرة أخرى، كلما تُوج أب جديد للشعب.
وعليه، ففي علاقة القيمة التي يكون المعطف فيها مُعادِلاً للقماش، يؤدي المعطف وظيفة شكل القيمة. فقيمة السلعة، التي هي القماش، تجد تعبيرها في الشكل الجسدي للسلعة الأخرى التي هي المعطف؛ نعني أن قيمة السلعة الأولى تجد تعبيرها في القيمة الاستعمالية للسلعة الأخرى، وبالطبع فإن القماش، كقيمة استعمالية، شيء يختلف حسياً عن المعطف، أما بصفته قيمة فإنه “يماثل المعطف”، وهو بهذا يشبه المعطف. لذا يكتسب القماش شكل قيمة يختلف عن شكله الطبيعي. ويتجلى وجوده بوصفه قيمة من واقع مساواته مع المعطف، تماماً مثلما أن الطبيعة الخروفية للمسيحي تظهر من خلال شبهه بـ حَمَل الرب.
نرى مما تقدم أن كل ما كشفه لنا تحليل قيمة السلع حتى الآن، يقوله لنا القماش نفسه حالما يدخل في علاقة مع سلعة أخرى، كالمعطف. لكنه لا يفصح عن أفكاره إلا باللغة التي يألفها، أي لغة السلع. ولكي يقول لنا القماش إن قيمته بالذات هي نتاج عمل بشري بطابعه المجرّد، يقول إن المعطف بمقدار ما يساوي القماش، وبمقدار ما هو قيمة، فإنه يتضمن العمل نفسه الذي يتضمنه القماش. ولكي يبلغنا أن حقيقته السامية، كقيمة متشيئة، تتميز عن جسده النسيجي الخشن، يقول لنا إن للقيمة مظهر معطف، وإنه بقدر ما إن القماش هو شيء ـ قيمة، فإنه والمعطف متشابهان كما تشبه الحبة حبة أخرى. وتجوز الإشارة في هذا الموضع، إلى أن لغة السلع تملك، عدا عن العبرية، العديد من اللهجات المتفاوتة في الدقة. فالتعبير الألماني: وجود القيمة (Vertsein) مثلاً، يعبّر بدرجة أقل من الوضوح عما تعبر عنه الأفعال الرومانية، {ساوى} (Valer,Valere,Valoir ) بحيث إن مساواة السلعة (ب) مع السلعة (آ)، إنما هي النمط الخاص بالسلعة (آ) في التعبير عن قيمتها. إن باريس جديرة بقداس (Paris Vaut bien une messe)(*) وبمقتضى علاقة القيمة التي تعبر عنها المعادلة المذكورة، يصبح الشكل الطبيعي للسلعة (ب) شكل قيمة السلعة (آ)، أو أن جسد السلعة (ب) يقوم مقام مرآة تعكس قيمة السلعة (آ)(3) وحين تنسب (آ) نفسها إلى (ب)، بوصفه جسد قيمة، أي بصفتها مادة العمل البشري، فإن (آ) تقوم بتحويل القيمة الاستعمالية (ب) إلى مادة تعبر عن قيمتها هي بالذات، أي قيمة (آ). وهكذا فإن قيمة السلعة (آ)، التي تم التعبير عنها بواسطة القيمة الاستعمالية للسلعة (ب)، تتخذ شكل القيمة النسبية.

ب) التحديد الكمي لشكل القيمة النسبي

إن كل سلعة، يُزمع التعبير عن قيمتها، هي كمية معينة من مادة استعمال، مثل 15 بوشل من القمح، أو 100 باون من البن، وهلمجرا. وتحتوي كل كمية معينة من أي سلعة على كمية معينة من العمل البشري. وعليه لا بد لشكل القيمة من أن يعبّر لا عن القيمة بوجه عام فحسب، بل وأن يعبّر أيضاً عن كمية معينة من القيمة أو عن مقدار القيمة. وفي علاقة القيمة بين السلعة (آ) والسلعة (ب)، بين القماش والمعطف، ليست السلعة الثانية، بوصفها جسد قيمة بشكل عام، متماثلة في النوع مع السلعة الأولى وحسب، بل إن كمية معينة منها (معطفاً واحداً) تعادل كمية معينة من الثانية، 20 ياردة قماش مثلاً.

إن المعادلة : “20 ياردة قماش = معطفاً واحداً، أو 20 ياردة قماش تستحق قيمة معطف واحد”، تعني أن نفس الكمية من جوهر القيمة متجسدة فيهما، تعني أن كلتا السلعتين تتطلب المقدار ذاته من العمل، الكمية ذاتها من وقت العمل. بيد أن وقت العمل الضروري لإنتاج 20 ياردة من القماش أو لإنتاج معطف واحد، يتغير بتغير إنتاجية الحياكة أو الخياطة. وعلينا الآن أن نعاين تأثير هذه التغيرات في التعبير النسبي عن مقدار القيمة.

الحالة الأولى: تغير قيمة(4) القماش عند بقاء قيمة المعطف ثابتة لو افترضنا أن وقت العمل الضروري لإنتاج القماش يتضاعف، ولنقل جرّاء وهن خصوبة الأرض التي يزرع فيها الكتان، فإن قيمة القماش تتضاعف هي الأخرى. وعوضاً عن المعادلة التالية:20 ياردة قماش = معطفاً واحداً، ستكون لدينا مُعادلة أخرى: 20 ياردة قماش = معطفين، لأن المعطف الواحد يحتوي الآن على نصف وقت العمل المتجسد في 20 ياردة من القماش. أما إذا تقلص وقت العمل إلى النصف، ولنفترض أن ذلك يحدث في أعقاب تحسين أنوال النسيج، فإن قيمة القماش تهبط إلى النصف. فنحصل، بالنتيجة، على المُعادلة التالية: 20 ياردة قماش = 1/2 معطف. إن القيمة النسبية للسلعة (آ)، أي قيمتها المعبر عنها بواسطة السلعة (ب)، ترتفع وتهبط بصورة طردية مع ارتفاع أو هبوط قيمة (آ) مباشرة، مفترضين أن قيمة (ب) ثابتة.

الحالة الثانية: بقاء قيمة القماش ثابتة عند تغير قيمة المعطف. لنفترض أنه في أعقاب ظروف معينة، كأن يكون موسم جز الصوف سيّئاً، يتضاعف وقت العمل الضروري لإنتاج المعطف، حينذاك، وبدلاً من المُعادلة : 20 ياردة قماش = معطفاً واحداً، نحصل على معادلة أخرى هي: 20 باردة قماش = نصف معطف. ولو أن قيمة المعطف تقلصت إلى النصف، فإن 20 ياردة من القماش = معطفين. وبناء على ذلك، إذا ظلت قيمة السلعة (آ) ثابتة، فإن قيمتها النسبية، التي يجري التعبير عنها بواسطة السلعة (ب)، تتناسب (ترتفع أو تهبط) عكسياً مع قيمة السلعة (ب).
وإذا قارنا بين مختلف الأوضاع الواردة في الحالتين الأولى والثانية، لرأينا أن تغيراً

معيّناً في مقدار القيمة النسبية يمكن أن ينشأ عن أسباب متعارضة كلياً. فالمعادلة التالية: – 20 ياردة قماش = معطفاً واحداً، تتحول إلى المُعادلة: 20 ياردة قماش = معطفين، إما لأن قيمة القماش قد تضاعفت، أو لأن قيمة المعطف قد هبطت إلى النصف، وتتحول المعادلة الأولى إلى 20 ياردة قماش = 12 معطف، إما لأن قيمة القماش قد هبطت إلى النصف، أو لأن قيمة المعطف قد تضاعفت.
الحالة الثالثة: إذا تغيرت كميتا وقت العمل الضروري لإنتاج كل من القماش والمعطف، في آن واحد وبنفس الاتجاه ونفس النسبة، فإن 20 ياردة من القماش تظل مساوية لمعطف واحد مهما يكن التغير الذي طرأ على قيمتيهما. ولا تمكن رؤية هذا التغير في قيمتهما إلا عند مقارنتهما بسلعة ثالثة ظلت قيمتها ثابتة. ولو أن قيم كل السلع ترتفع وتهبط في آن معاً وبنفس النسبة، فإن قيمها النسبية سوف تظل ثابتة من غير تعديل. وسوف يظهر التغير الفعلي في القيمة في نقصان أو زيادة كمية السلع التي تم إنتاجها خلال زمن معيّن بالقياس إلى السابق.

الحالة الرابعة: بتغير وقت العمل الضروري لإنتاج كل من القماش والمعطف، وبالتالي

تغير قيمتا هاتين السلعتين، في آن واحد معاً وبنفس الاتجاه، ولكن بدرجة متباينة، أو يتغيران باتجاهين متعاكسين، أو بطرق أخرى، إلخ. إن تأثير كل واحد من هذه التغيرات المحتملة التي تطرأ على القيمة النسبية للسلعة يمكن أن يُستخلص من النتائج التي تعرضها علينا الحالات الثلاث الأولى.
وهكذا فإن التغيرات الفعلية التي تطرأ على مقدار القيمة لا تنعكس بوضوح ولا بصورة

تامة من خلال التعبير النسبي، أي من خلال المعادلة التي تعبر عن مقدار القيمة النسبية. فالقيمة النسبية لسلعة ما يمكن أن تتغير على الرغم من ثبات قيمتها، كما يمكن للقيمة النسبية أن تظل ثابتة حتى وإن تغيرت قيمتها، وأخيراً يمكن أن تطرأ تغيرات على مقدار القيمة وتعبيرها النسبي، في الوقت نفسه، من دون أن تكون هذه التغيرات، بالضرورة، متطابقة في المقدار(5).

___________________

(1)- إن الاقتصاديين القلائل الذين انهمكوا في تحليل شكل القيمة، مثل س. بايلي، لم يبلغوا أية

نتيجة، ويرجع ذلك إلى أنهم، أولاً : يخلطون بين شكل القيمة والقيمة ذاتها، وثانياً : بفعل التأثير

الفظ للنشاط العملي البورجوازي عليهم، فقد حصروا انتباههم في الجانب الكمّي وحده، ويقول

س. بايلي “التمتع بالكمية ،،، يؤلف القيمة”. (س، بايلي، النقد وتقلباته ، لندن ، 1837).

(2)- حاشية للطبعة الثانية : يقول الاقتصادي الشهير فرانكلين، ويُعد أول اقتصادي يدرك، من بعد وليم بيتي، طبيعة القيمة: “ما التجارة عموماً إلا تبادل عمل بعمل .. فالعمل هو أعدل مقياس لقيمة كل الأشياء”، (مؤلفات ب. فرانكلين، أعدها للنشر سباركس، بوسطن 1836، المجلد الثاني، ص 267. غير أن فرانكلين لا يعني أنه بتقديره قيمة كل شيء بواسطة العمل إنما يجرد أي اختلاف بين أنماط العمل التي يجري تبادلها، وبذلك يختزلها إلى عمل بشري متماثل. ورغم جهله بهذا الأمر فإنه يقوله. فهو يتحدث أولاً عن “عمل معيّن” ثم يتحدث عن “عمل آخر” ويتحدث أخيراً عن العمل، من دون أية تحديدات إضافية، باعتباره جوهر قيمة كل الأشياء.

(*)- باريس جديرة بقداس (Paris vaut bien une messe). المفروض ان هنري الرابع قد قال ذلك عام 1593 تبريراً لتحوله إلى الكاثوليكية بدافع من مصلحة قومية، {إن. برلين}.

(3)- بمعنى من المعاني، الحال بالنسبة للإنسان، كما هو بالنسبة للسلعة. فنظراً لأن الإنسان لا يأتي إلى الوجود ومعه مرآة، ولا على طريقة فيلسوف من اتباع فيخته تكفيه أن “الأنا هي أنا”، فإنه يؤسس هويته كإنسان بان يُقارن ذاته، أولاً، مع إنسان آخر باعتباره كائناً من نفس النوع. هكذا يبدو له الآخر، الذي يقف بشخصيته المتميزة، وكأنه نموذج الجنس البشري.

(4)- نستخدم تعبير “القيمة” (Wert) هنا، كما جرى في الصفحات السابقة بين حين وآخر، بمعني قيمة محددة كمياً، أو بمعنى مقدار من القيمة.

(5)- حاشية للطبعة الثانية: لقد استغل رجال الاقتصاد المبتذل(*) هذا التعارض بين مقدار القيمة والتعبير النسبي عنها، ببراعة معتادة ونقرأ، كمثال على ذلك، ما يلي: “ما إن تعترف أن (آ) يهبط لمجرد أن (ب)، التي تُبادل لقاءها، قد ارتفعت، من دون أن يكون العمل المتبلور في (آ) قد أصبح أقل أثناء ذلك، ما إن تعترف بهذا حتى ينهار مبدأك العام في موضوع القيمة.. وحين أقرّ هو (ريكاردو) بانه عندما ترتفع قيمة (آ) بالنسبة إلى (ب)، تهبط قيمة (ب) بالنسبة لـ (آ)، فإنه يهدم، بذلك، القاعدة التي اقام عليها فرضيته الكبرى القائلة بأن قيمة سلعة ما تتحدد أبداً، بالعمل المتجسد فيها، لأنه إذا كان تغير كلفة (آ) لا يبدّل قيمة (آ) نفسه نسبة إلى (ب)، التي بادل لقاءها، فحسب، وإنما يبدل ايضاً قيمة (ب) نسبة إلى (آ) بالرغم من عدم حدوث تغير في كمية العمل التي يقتضيها إنتاج (ب)، عندئذ لا يسقط، فقط، المذهب الذي يؤكد أن كمية العمل الذي يدخل مادة معينة ينظم قيمتها، بل ويسقط ايضاً المذهب القائل بأن كلفة المادة تنظم قيمتها”.

وكان بوسع السيد برودهرست ان يقول ايضاً: تفحّصوا الكسور التالية 1020، 1050، 10100 إلخ، ترون أن العدد 10 ظل على حاله، مع ذلك فإن مقداره النسبي، مقداره قياساً إلى الأعداد 20 و50 و100 إلخ. يتضاءل باستمرار، لذلك ينهار المبدأ الكبير القائل بأن مقدار أي عدد، مثل 10 “يتحدد” بما يحتوي من وحدات.

(*)- سيشرح المؤلف (ماركس) في الفقرة الرابعة من هذا الفصل ما يعنيه بـ “الاقتصاد المبتذل”. ف. إنجلز {حاشية للطبعة الإنكليزية. ن. ع}.