إلى الوراء سر


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 6288 - 2019 / 7 / 12 - 14:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

المشهد معد لأسوأ الاحتمالات , ما بين النزوع المستمر إلى إعادة إنتاج نفس الصراعات إلى استكمال كل المقدمات لنظام سوبر شمولي إلى انهيار شبه عام في القدرة على الاختلاف و التفكير النقدي و المستقل .. من الحرب الأهلية اللبنانية التي قرأها مهدي عامل "كحرب ثورية" تشارك فيها الطبقة العاملة و حلفائها , أما سوريا و على الرغم من كل الفروق بين مواجهة السبعينيات و الثمانينات و بين الحرب السورية الراهنة لكن الخلاف الوحيد تقريبا بين الحربين كان فقط في البدايات و في حجم الدمار .. العشرية السوداء في الجزائر , الجهاد في الصعيد و سيناء , الحرب الطائفية العراقية على دفعات منذ 2003 , مجزرة حماة , حلبجة , تهديم النجف و كربلاء و مقامات سامراء و حملة الأنفال , تل الزعتر و الدامور , ثقافة المظلومية عند الجميع و غياب أية محاولة للفهم أو حتى للتأمل , لا تفسير سوى نظرية المؤامرة , العشرية السوداء و أسلمة الثورة السورية و صعود الجهاديين كلها من إنتاج مخابرات الأنظمة أما "نحن" , الأكثرية القومية و الطائفية فهي التي تستهدفها المؤامرة و الأقليات ليست إلا رأس حربة تلك المؤامرات .. حطمنا كل التابوهات أمام حل نهائي ينتظر صعود قوة محلية راغبة و قادرة على وضعه موضع التنفيذ , بل الجميع ينتظر ظهور مثل هذه القوة , كل شيء هنا كما وجد مع هتلر و حله النهائي : وصم "الآخر" بالانحطاط القيمي , اعتقاد راسخ بالتفوق "الأخلاقي" و "القيمي" على الآخر الطائفي و القومي المشرقي و أيضا على الأوروبي و الغربي عموما , يأخذ هؤلاء مكان اليهودي الذي اتهمه هتلر بالانحطاط المادي و القيمي , إيمان لا يتزعزع بالقائد المخلص الذي سيعيد "الأمجاد الغابرة" وسط احتفاء عام بصدام و صلاح الدين , بالأمس فقط صفقنا لمن هتف بإبادة العلويين أما الجولاني و الصدر و المحيسني و محمد مرسي فهم ثوارنا , جيفاراتنا , ما الذي بقي ليحول بيننا إذن و بين غرف الغاز ؟ فقط عجزنا , لا شيء آخر .. يمكن اختصار أحوالنا بكلمة واحدة : فشل عام , فشل في كل الميادين : ثوراتنا , دولنا , اقتصادنا , أخلاقنا , أفكارنا , لا نجد اليوم إلا تكرار تافه بل أو أكثر من تافه و غاية في السذاجة لآخر منتجات الفكر الديني الغيبي بعد انحطاط الثقافة و الحضارة العربية الإسلامية القروسطية نمارسه بكل جدية بل و ننسب إليه , مستغلين قيم ليبرالية نعاديها بعمق , صفات و ميزات إنسانية ما , فشل حتى في عنفنا الهمجي .. آخر ما لدينا ( ما تبقى لنا بعبارات كنفاني ) هو فقط إهلاسات محمد و تلامذته الأشد شمولية و انحطاطا و هوسا .. إن التخلف و الانحطاط و داحس و الغبراء هو ما نتمسك بهم بكل قوة أما نموذجنا المثال فهو إيران الملالي و بغداد ما بعد صدام و ليبيا ما بعد القذافي الذي نسعى نحوهم جاهدين .. بين تقمص دور الضحية و استدرار شفقة أقوياء العالم من جهة و إنكار إنسانية خصومنا و رفض أية شفقة أو حقوق قد يستحقونها .. اعتقدت في وقت سابق أننا قادرون على ممارسة دور آخر البرابرة الذين يمكنهم بالفعل أن يقضوا على البشرية أو على الأقل على الحضارة الغربية , لكن يبدو أنني غاليت في ثقتي بنا و بالإسلاميين و حلفائهم الليبراليين المازوخيين كطليعة متوجة لبربريتنا .. من الواضح أننا أعجز من ذلك , حتى الآن على الأقل .. مقارنة صغيرة فقط تكفي لتبين عجزنا و الفوارق الهائلة بيننا و بين قبائل الهون و المغول , و بين الصينيين المعاصرين مثلا أو حتى عصابات المافيا القادمة من البلقان و شرق أوروبا و جنوبها .. كل ما يمكننا فعله حتى الآن هو إعادة إنتاج معاركنا مع طواحين الهواء الطائفية و الهوياتية و الإعداد لحل نهائي على شاكلة حلبجة أو سنجار أو عفرين أو كنائس العريش أو إبادات جماعية محدودة في ظل غياب القدرة على حل نهائي حاسم ... لكن هذا لا يعني أننا فاشلون تماما : يمكن القول أننا نساعد العالم بالفعل على تجاوز أوهام الليبرالية التعيسة و الإعداد لحروب جديدة ستسحق دون رحمة أعدادا لا حصر لها من الأغبياء الذين يؤمنون بساداتهم و قطعانهم و بإهلاسات أنبيائهم و قديسيهم