تفاقم العصاب والانكار سيقود النظام إلى الذهان


سعود قبيلات
الحوار المتمدن - العدد: 6276 - 2019 / 6 / 30 - 21:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     





(الكلمة التي ألقيتها، مساء يوم الثلاثاء 25 حزيران 2019، في وقفة التضامن مع سجناء الرأي التي أقامها حِراك ذيبان في بلدة مليح)

تمرّ الأيّام والأشهر على صبري المشاعلة ونعيم أبي ردنيّة، ورفاقهما، وهم رهائن في سجون الطغمة الفاسدة.

ونستخدم كلمة رهائن ونحن نعنيها؛ فوجود هؤلاء الأحرار في السجون لا مبرِّر له، وليس مقصوداً به الضغط عليهم فقط، بل هو أيضاً لتخويف الآخرين القابعين في بيوتهم لكي لا يخرجوا منها ويدافعوا عن حقوقهم وعن بلادهم وشعبهم.

وإذا كان الانخراط في الحِراك لا يجلب سوى دفع الأثمان، فإنَّني أعتبر نفسي محظوظاً وكاسباً من انخراطي به، لأنَّه أتاح لي أنْ أتعرَّف مِنْ قرب على الشباب الأردنيّ الوطنيّ الحرّ، وفي مقدِّمته، صبري المشاعلة ونعيم أبو ردنيّة ورفاقهما المودعون في السجون.. سجون عصابة الفساد والاستبداد.

كان بإمكان صبري ونعيم أنْ يحطَّا رأسيهما مع باقي الرؤوس، وأنْ يستمرآ الذلّ والمهانة، ويصبحا مجرّد فردين من الأغلبيّة الصامتة.. هذه الأغلبيّة التي تُضطهد وتُذَلّ وتُهان وتُسرَق بلادها وتُباع، فلا تقول «للفاعلين التاركين» إفّاً ولا تنهرهم.

صبري ونعيم ورفاقهما، يؤكِّدون، مع ذلك، على أنَّ هذا الشعب هو شعبٌ حيّ؛ لأنَّه لا يتوقَّف عن إفراز المناضلين الشجعان، مِنْ بين صفوفه، فوجاً تلو فوج.

السجن – بخلاف ما يعتقد الفاسدون المستبدّون ويخطِّطون – لن يكسر صبري ونعيم ورفاقهما؛ بل سيزيدهم عزيمةً وصلابة، ويعمِّق شعورهم بالمسؤوليّة الوطنيّة؛ وهو أيضاً لن يصيب الشعب بالعقم، بل سيظلّ يلد المناضلين الشجعان.. بلا انقطاع.

صبري ونعيم ورفقهما كانت الكلمة هي كلّ سلاحهم في مواجهة الظلم والطغيان والقهر والاستغلال. وفي المقابل، ردّ عليهم النظام بالمزيد مِنْ عنف السجون والمعتقلات والقهر والظلم.

النظام الآن يتصرّف بعصبيّة واضحة؛ لأنّه يدرك ويعلم أنَّ قاعدته الاجتماعيّة قد انخفضت إلى الحضيض، وبدلاً مِنْ أنْ يجد العلاج المناسب لهذه المشكلة، اختار أنْ يعيش على الأجهزة. وهذا السلوك العصابيّ لن يزيده إلا تأزّماً، وسيعمِّق مأزقه، وينحدر به أكثر فأكثر. وإذا استمرّت حالة الانكار التي تتلبّسه، فسيصل به الأمر إلى الذهان.

لقد كشف الحِراكُ النظامَ وأظهره على حقيقته، كنظام قمعيّ قهريّ متسلِّط. وكان قد حاول خلال العقود الماضية أنْ يخفي هذه الحقيقة البشعة ويسوِّق نفسه على أنَّه متسامح!

نعم، هو متسامح ما دام الناس ساكتين على ظلمه وقهره وانفراده بالسلطة وهيمنته على البلاد ونهبها وبيعها بالجملة والمفرّق؛ لكن ما إنْ يقف أحد أبناء هذه البلاد، ويُعلن رفضه لهذا الظلم والقهر والعبث، حتَّى تتكشَّف حقيقة النظام ويتبدَّى جوهره.

وهذه الصورة التي تتعمَّق وتنفضح، يوماً بعد يوم، يُحسب الفضل في كشفها وفضحها للحِراك ومناضليه الشجعان، أمثال صبري المشاعلة ونعيم أبو ردنيّة ورفاقهما. وكما قال صبري لدى سماعه النطق بالحكم عليه: هذه التضحيات ليست كثيرة على الوطن.

ورغم كلّ هذه الظروف والأحوال الصعبة، التي أوصلت إليها البلاد، فإنّ عصابة الفساد والاستبداد لا ترعوي؛ بل إنَّها تتابع سياساتها الجائرة نفسها، وتتابع رهن مصير البلاد ومصالح الشعب لمطامع الأعداء الإمبرياليين والصهاينة وأتباعهم في المنطقة.

وإنَّ مشاركة ممثِّل للسلطة الحاكمة، في مؤتمر البحرين، لا تكشف فقط أنَّ هذه السلطة لا يمكن ائتمانها على مصالح البلاد والشعب وأمنهما، بل أيضاً بُعدها عن البلد والشعب، فهي رغم انخفاض قاعدتها الاجتماعيّة المريع، لا تزال تستهتر برأي الشعب وتستهين بإرادته.

ونقول لهم، هنا: إنَّ مشاركتكم المشينة في مؤتمر البحرين ليس لها ما يدعمها سوى سلطتكم القهريّة. الشعب ضدّ هذه المشاركة وضد صفقة القرن، وهو لا ينوي أبداً أنْ يبيع بلده ونفسه للأعداء، ولا ينوي أبداً أنْ يساوم على القضيّة الفلسطينيّة.

أنتم لم تحصلوا على تفويض من الشعب.. لا للذهاب إلى البحرين ولا لسواه. والشعب لا يثق بكم أصلاً، ولا يأتمنكم على قضاياه، وهو بالأحرى لا يمكن أنْ يفوِّضكم للقيام بمثل هذه المهامّ اللاوطنيّة الذليلة.

والسلطة القهريّة لا تمتلك الشرعيّة ولا تصنعها. وبناء عليه، فمشاركتكم هذه تمثِّلكم أنتم وحدكم ولا تمثِّل البلاد والشعب. والبلاد والشعب غير ملزمين بما يتوصَّل إليه المؤتمرون في البحرين.. خصوصاً إذا كان يضرّ بالحقوق والمصالح الوطنيّة الأردنيّة.

في الختام،

أدعو جميع القوى الوطنيّة والديمقراطيّة الأردنيّة، إلى مواصلة فضح سياسات النظام الجائرة واللاوطنيّة وأساليبه القمعيّة السافرة، والتصدّي لها بلا هوادة. وأدعوها أيضاً إلى زيادة وتيرة عملها، وتنسيق جهودها وتوسيعها، مِنْ أجل إطلاق سراح معتقلي الرأي، ومِنْ أجل الدفاع عن الحرّيّات وحقوق الإنسان والمواطن.

الحرّيّة لصبري المشاعلة ونعيم أبو ردنيّة ورفاقهما الوطنيين الشجعان،

الحرّيّة لشعبنا المقهور المستَغَل،

الحرّيّة لوطننا.. وليكن عزيزاً سيّداً،

الخزي والعار لمنظومة الفساد والاستبداد.