وفاة مرسي في تونس .


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 6275 - 2019 / 6 / 29 - 04:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


ثارت ضجة في تونس حول موت الرئيس المصري السابق محمد مرسي ، الذي توفي فجأة أثناء محاكمته ، ووصلت تلك الضجة الى قبة البرلمان ، بمطالبة رئيس كتلة حركة النهضة الاسلامية قراءة الفاتحة على روحه ، والتشهير بمن رفضوا ذلك بالقول إنهم شياطين ترعبهم قراءة الفاتحة ، و ذلك في توظيف للدين . و بدا أن المشكلة تتعلق بموضوع خلافي ، وأن بإمكان الحركة الترحم عليه في مقرها بمنبليزير ، بعيدا عن أخونة البرلمان ، الذي يمثل مؤسسة وطنية لا مؤسسة حزبية . وبينما كان النقاش محتدما حسم رئيس الجلسة وهو من تلك الحركة النقاش بالقول إنه يفرق بين السياسي والإنساني، وبدأ بقراءة الفاتحة ، و أخذ النواب وهم في غالبيتهم من الإسلاميين في ترديد ما يقوله .
وخارج البرلمان انقسم أيضا السياسيون الى فرقاء ، بين من قالوا إن واجب العزاء والترحم أمر انساني بحت ، ولا علاقة له بالسياسة ، فالموت حق على كل انسان ، و الأخلاق توجب مواساة أهل الميت ، بغض النظر عن العداوة السياسية ، التي لا ينبغي أن تقف حائلا دون التنديد بقتله البطيء في سجنه ، أما الإسلاميون الاخوانيون فكان موقهم أنه شهيد فضلا عن القائلين أن مرسي لا يستحق الرحمة ، فقد أجرم في حق مصر والعرب أجمعين بالمحافظة على التطبيع مع الكيان الصهيوني ، وتوجيه برقية تهنئة الى رئيسه بمناسبة استقلاله المزعوم ،وأن المسالة سياسية وليست دينية .
و أستثمر الحدث أيضا من طرف حلفاء الاخوان السابقين ، من جماعة 18 أكتوبر، مثل الرئيس السابق منصف المرزوقي ، الذي نشر فيديو وهو يبكي مرسي ، معتبرا أنه دخل التاريخ من أبوابه الواسعة وهو شمعة تنير الظلام ، وأن الله يقف الى جانبه وسينصفه ويقتص من قتله في السماء، أما حمة الهمامي القائد اليساري والحليف السابق للإخوان فإنه تماهى مع موقف النهضة تماهي قطرتي ماء ، محملا النظام المصري المسؤولية عن وفاته ، مطالبا بتشكيل لجنة للكشف عن أسباب موته ، معتبرا ذلك مسألة مبدئية .
وبرز لدى البعض السؤال عن الانسان ، فعن أي انسان نتحدث ، فالإنسان مفهوم مجرد، وفي الواقع هناك ناس متناقضون ، متصارعون بحسب المصالح والأفكار، وأن مرسي هو أولا وأخيرا رئيس، ويمثل حزبا وايديولوجيا وسياسة ، مذكرين بترحيب الاسلاميين واحتفالهم بمقتل القذافي وصدام حسين بتلك الطريقة الهمجية ، مؤكدين أن الإخوان مورطين في مقتل القذافي وصدام لحساب الناتو ، فلماذا يستغربون وفاة مرسي في قاعة محكمة ؟ ثم كم من السوريين والعراقيين واليمنيين والمصريين والتونسيين من الشعب العربي الكريم الذين ماتوا بسبب جرائم الاخوان وأشقائهم ؟ منبهين الى الرئيس التركي أردوغان ، الذي يبكي مرسي بنفاق ، وهو من قتل آلاف الكرد والعرب والأتراك ، و أن المسألة لا علاقة لها بالأخلاق والا كيف نحكم على قتل الاخوان في السودان مثلا للمئات ؟
وبينما ذكر الاخوانيون بشرعية مرسي ، وأنه أول رئيس ديمقراطي ، جاء به صندوق الاقتراع ، قال معارضوهم أن ازاحته لا تمثل انقلابا وانما هبة شعبية مصرية ، شارك فيها الملايين والتحق بها الجيش ، ومن ثمة لا شرعية له ، فما مارسه هو الاستبداد السياسي مضافا اليه الاستبداد الديني ، وقد تجلى ذلك في موجة عنف وقتل راح ضحيتها الآلاف وقد استحق ما حصل له ، مثلما حصل لغيره في ارتداد للانتفاضات العربية ، التي لا يمكن التكهن بمفاجآتها القادمة ، وأن الأمر لا يتعلق بغير الاستثمار في الموت ومحاولة خلق شهداء وتوظيفهم في المعارك السياسية ، ومنها الانتخابية ، وأنه يحدث في الصراعات التي ترافق زمن الانتفاضات أن يموت سجناء و منهم رؤساء ، وأن مرسي ربما كان يمكن أن ينتهي كما القذافي أو على عبد الله صالح ، ولا يعرف حتى أين دفن ، وما إن كانت جثته قد ردمت في الصحراء ، أو وضعت في فرن ، أو ألقيت للحوت في البحر ، أو للضباع في الصحاري .*