حركة التحرر الوطني العربية ومواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني


صلاح عدلى
الحوار المتمدن - العدد: 6272 - 2019 / 6 / 26 - 17:12
المحور: القضية الفلسطينية     

اجتماع الأحزاب الشيوعية العربية... بيروت 20-21 يونيو 2019

مداخلة الرفيق صلاح عدلي... أمين عام الحزب الشيوعي المصري

تشهد المنطقة العربية وحركة التحرر الوطني العربية في هذه الآونة أوضاعاً خطيرة تهدد جميع دول وشعوب المنطقة العربية وذلك على الرغم من التراجع النسبي للدور الأمريكي وتعثر المشروع الإمبريالي الصهيوني (الشرق الأوسط الجديد) للعديد من الأسباب، لعل أهمها إسقاط حكم الإخوان في مصر واستمرار مقاومة الشعب الفلسطيني البطولية لمؤامرات تصفية القضية الفلسطينية، ونجاح الشعب والجيش السوري بالتعاون مع حلفاء سوريا، في تحرير معظم الأراضي السورية من الجماعات والميليشيات الإرهابية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وخاصة تركيا والرجعية العربية، والقضاء على خطر داعش في سوريا والعراق، وفشل المشروع الأمريكي في تقسيم العراق، وكذلك فشل التحالف بقيادة السعودية والإمارات المدعوم من أمريكا في بسط سيطرته على اليمن ونجاح الجيش الوطني في ليبيا في مقاومة مشروعات التقسيم وسيطرة الميليشيات الإرهابية وجماعة الإخوان المسلمين عليها.

وبعد تراجع الدور الأمريكي في المنطقة جاء ترامب وإدارته اليمينية المتطرفة بمخطط جديد لتحقيق نفس الأهداف الأمريكية في الهيمنة على المنطقة، واستعادة الهيبة والنفوذ الأمريكي العسكري والسياسي فيها بشكل سافر ومتعجرف يستهدف تصفية القضية الفلسطينية تحت مسمى صفقة القرن، وتمهيد الأرض لقيام تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي أو ما عرف إعلاميا "بالناتو العربي" مع إسرائيل وتحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية, وذلك لاستبدال الصراع الوطني التحرري ضد عدونا المباشر إسرائيل، بصراع ديني ومذهبي؛ والعداء مع إيران باعتبارها مصدر الخطر الوحيد في المنطقة.

ورغم كون إيران دولة دينية، نختلف مع توجهاتها الأيديولوجية وبعض ممارساتها، إلا أنها بحكم مصالحها تتخذ مواقف مناوئة لأمريكا وإسرائيل، وتؤيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وهو ما يتلاقى مع المصالح المصرية والعربية في هذه المرحلة. والحقيقة أنه إذا كان النفوذ الإيراني يتمدد في دول المنطقة فإن العامل الرئيسي وراء ذلك هو غياب المشروع التحرري الوطني العربي وهيمنة الدور السعودي الخليجي الرجعي على القرار العربي، خاصة بعد انكفاء مصر وتراجع دورها الإقليمي بدءاً من عهد السادات.

ولقد حدثت تغيرات هامة في الوضع العالمي وتوازن القوى فيه، فنحن نعيش في المرحلة الراهنة عملية تحول جارية على المستوى العالمي من هيمنة القطب الواحد الأمريكي إلى عالم متعدد الأقطاب في ظل تصاعد دور روسيا وعودتها كدولة عظمى مؤثرة سياسياً وعسكرياً على الصعيد العالمي وخاصة في منطقتنا، وكذلك تصاعد دور الصين وبروزها كقطب اقتصادي جبار وتأثيرها المتزايد سياسياً واقتصاديا خاصة بعد طرحها مبادرة الحزام والطريق واتخاذها مواقف مؤثرة في الساحة العالمية والأمم المتحدة وبزوغ تكتلات اقتصادية كبرى تضعف من الهيمنة الأمريكية على العالم كمجموعة البريكس ومجموعة شنغهاي.

كما يشهد العالم بروز ظواهر خطيرة نتيجة تفاقم الأزمة الشاملة للنظام الرأسمالي العالمي في عصر العولمة، وأهمها صعود خطر اليمين الشعبوي والمتطرف ذي النزعات العنصرية والفاشية في أمريكا وأوروبا، وتفاقم التناقضات الثانوية بينهما.

وهذه المرحلة الانتقالية تحمل في ثناياها مخاطر وتحديات كبرى تهدد الوضع العالمي خاصة في ظل إدارة ترامب العدوانية والعنصرية المغامرة والتي تسعى -في سبيل استعادة هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية المنفردة على العالم- إلي تصعيد سياق التسلح في ضوء إستراتيجيتها الجديدة للأمن القومي الأمريكي التي تعتبر أن روسيا والصين تمثلان أكبر تهديد مباشر على مصالحها في العالم، وتأجيج الصراعات وإشعال بؤر التوتر ونذر الحرب في معظم مناطق والعالم، وشن الحروب التجارية مع الصين وفرض العقوبات الاقتصادية والحصار على العديد من دول العالم المناهض لسياساتها الإمبريالية مثل كوبا وفنزويلا وكوريا وإيران وسوريا.

وتتجلى مخاطر هذه السياسة العدوانية على شعوبنا العربية بشكل خاص في قرارات ترامب التي تنتهك كل القرارات والقوانين والأعراف الدولية المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإعلان موافقتها على ضم أراضي الجولان السورية المحتلة إلى إسرائيل، كما تتجلى أيضاً في زيادة الوجود العسكري الأمريكي في الخليج بشكل خطير، والتهديد بشن حرب مباشرة أو بالوكالة على إيران، مما يشكل تهديداً -للعالم ولكل شعوب المنطقة بلا استثناء- لن يستفيد منه سوى إسرائيل. ويتم ذلك بتشجيع سعودي إماراتي وهرولة علنية من العديد من الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل والمشاركة في ورشة البحرين المشبوهة رغم رفض الشعب الفلسطيني بجميع أحزابه ومؤسساته الشعبية والرسمية لها.

ورغم أن هذه المرحلة الانتقالية إلى عالم متعدد الأقطاب تتم في إطار العولمة الرأسمالية وليست بديلاً عنها، إلا أنها تتيح في نفس الوقت ظروفاً أفضل وأكثر مواتاةً لشعوب العالم ولشعوبنا العربية وقواها الوطنية الديمقراطية وفي القلب منها الأحزاب الشيوعية والقوى التقدمية للنضال من أجل مواجهة الامبريالية، والتحرر من التبعية والحفاظ على وحدة وسيادة الدول الوطنية وتحقيق التنمية الشاملة والمعتمدة على الذات أساساً.

والأحزاب الشيوعية العربية مدعوة الآن أكثر من أي وقت مضى للمساهمة في عملية استنهاض وتطوير وتفعيل نضال حركة التحرر الوطني العربية لمواجهة المخاطر والتحديات الكبرى التي تواجه شعوبنا في المرحلة الراهنة، وذلك من خلال الاستفادة من أخطاء ودروس الماضي، والانطلاق من الواقع وطرح مهام نضالية ممكنة تسهم في التقدم نحو أهدافنا الإستراتيجية وتعبئة كل الطاقات والجهود على المستوى العربي والحرص على توطيد أواصر التضامن مع شعوب العالم وقوى التقدم والسلام من أجل:

1- دعم الشعب الفلسطيني في تحقيق أهدافه المشروعة وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين. على أن يكون واضحاً أن هذه الأهداف لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إنهاء الانقسام وتشكيل قيادة فلسطينية موحدة تقود مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي بكافة أشكال النضال في إطار منظمة التحرير الفلسطينية بعد إعادة بنائها على أسس ديمقراطية.

2- التصدي للمشروع الأمريكي الصهيوني لتقسيم وإضعاف وتهميش الدول العربية واستباحة أراضيها وضرب جيوشها ومؤسساتها الوطنية. وضرورة السعي للوصول إلى حلول سلمية لكل الأزمات والصراعات المتفجرة في سوريا وليبيا واليمن تضمن احترام حقوق شعوب هذه الدول في اختيار من يحكمها، وطريق تطورها السياسي والاقتصادي دون أي تدخل خارجي.

3- مواجهة تحدي الخطر الجديد المتمثل في الصراع على غاز شرق البحر المتوسط وسعي إسرائيل وتركيا لممارسة أساليب البلطجة والتهديد بالعدوان على حقوق الدول العربية وخاصة في لبنان وسوريا وفلسطين ومصر.

4- مواجهة خطر الإرهاب بكل صوره وأشكاله سواء كان إرهاب الجماعات الإرهابية المتسترة بالدين بلا استثناء، والتي خرجت من عباءة جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيمها الدولي والمدعومة من الدول الإمبريالية وحلفائها الإقليميين وخاصة قطر وتركيا؛ أو كان خطر إرهاب قوى اليمين المتطرف في الدول الرأسمالية الغربية والذي يعادي الإسلام والمهاجرين بشكل عنصري وإقصائي خطير، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك عملية تغذية متبادلة ومستمرة بين هذين الشكلين من الإرهاب.

ومن جانب آخر على حركة التحرر الوطني العربية مساندة الموجة الثانية من ثورات وانتفاضات الشعوب العربية وخاصة في السودان والجزائر ودعم نضالها من أجل تحقيق أهدافها. ودعم نضال الشعوب في وقواها الوطنية والتقدمية في البلدان العربية من أجل تحقيق المهام الثلاث الرئيسة المترابطة بشكل جدلي وثيق، ألا وهي: المهمة الوطنية وتحقيق استقلال القرار الوطني وإنهاء التبعية، ومهمة تحقيق العدالة الاجتماعية وإنجاز التنمية الشاملة المستقلة بديلاً للسياسات النيوليبرالية ومواجهة الفساد، والمهمة الديمقراطية لمواجهة الاستبداد والنضال من أجل إقامة دولة المواطنة العلمانية التي تحترم الحقوق الكاملة للأقليات الدينية والعرقية.

وبالنسبة لنا في مصر يدعو حزبنا إلى توحيد جهود كل القوى الوطنية والديمقراطية وفي القلب منها قوى اليسار لمواصلة النضال من أجل تحقيق أهداف ومطالب ثورتي الشعب المصري في 25 يناير و 30 يونيو التي لم تتحقق بعد وأهمها:

1- مواجهة المخططات الأمريكية الصهيونية التي تستهدف مصر والمنطقة العربية وتصفية القضية الفلسطينية واستعادة مصر لدورها ومكانتها من خلال الحفاظ على استقلال القرار الوطني المصري ورفض الانخراط في المخططات الأمريكية في المنطقة.

2- انجاز التنمية الشاملة المستدامة المعتمدة على الذات أساساً والتي تستند إلى اقتصاد إنتاجي -وليس ريعياً- مؤسس على مفهوم التخطيط والاستناد على دور الدولة والقطاع العام إلى جانب القطاع الخاص المنتج، وحشد الجهود الوطنية وتعبئة طاقات الشعب في مواجهة محاولات الإلحاق والتبعية التي تدمر أي إمكانية للتقدم، والمواجهة الشاملة والحاسمة للفساد والاحتكار والاستفادة من علاقات التعاون غير المشروطة في عالم متعدد الأقطاب.

3- تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية تجسدها سياسات وقوانين وإجراءات ملموسة منحازة للعمال والفلاحين الفقراء والكادحين وأغلبية شرائح الفئات الوسطى، بديلا لسياسات النيوليبرالية وتوجهات صندوق النقد الدولي التي ينتهجها النظام وتعكس انحيازا واضحاً للطبقة الرأسمالية الكبيرة وشرائحها الطفيلية.

4- المواجهة الشاملة للإرهاب وعدم الاقتصار على المواجهة الأمنية رغم أهميتها، ورفض أي مصالحة مع جماعة الأخوان الإرهابية وحلفائها من تنظيمات الإسلام السياسي وأحزابها التي يجب حلها طبقاً للدستور.

5- إحياء الثقافة الوطنية واحترام حرية الفكر والإبداع وإعلاء قيمة المواطنة تعزيزاً لروح الانتماء الوطني والعربي في مواجهة ثقافة التبعية والفكر الظلامي التكفيري الإرهابي ومواجهة مؤامرات إشعال الفتنة الطائفية.

6- إلغاء كافة القيود والقوانين والممارسات المقيدة للحريات التي تخنق الحياة السياسية المصرية وتحاصر نشاط الأحزاب، وإطلاق حرية الصحافة والإعلام بدلاً من الممارسات التي تكاد تكرس لهيمنة الصوت الواحد، والتأكيد على أن ديمقراطية المشاركة الشعبية وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات وممارسة أنشطتها دون حصار هي السبيل الوحيد لتحقيق هذه الأهداف والحفاظ على الدولة المصرية وحمايتها من المخاطر الخارجية والداخلية.