وحدانية التطور الرأسمالي ودور اليسار الاشتراكي


لطفي حاتم
الحوار المتمدن - العدد: 6264 - 2019 / 6 / 18 - 15:02
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

وحدانية التطور الرأسمالي ودور اليسار الاشتراكي

تتسم العلاقات الدولية في ظروفنا التاريخية الملموسة بسمات جديدة اشترطتها التغيرات الدولية بعد انهيار الدول الاشتراكية لعل اهمها سيادة وحدانية التطور الرأسمالي وما يحمله من ظهور إشكالات فكرية وسياسية جديدة امام القوى العالمية والوطنية الراغبة في بناء علاقات دولية ترتكز على المساواة وحرية اختيار نهوج التطور الاقتصادي – الاجتماعي بعيدا عن روح الهيمنة الكسموبولوتية.
-- التغيرات الناهضة في العلاقات الدولية تنعكس على المهام الكفاحية لقوى اليسار الاشتراكي ودورها في الظروف التاريخية المعاصرة وبهذا المسار نحاول المرور على بعض الرؤى الفكرية السياسية التي أفرزتها العولمة الرأسمالية على دول العالم وقواها الديمقراطية أملين تقديم وجهة نظر فكرية بخطوط عامة متطلعين الى الباحثين الماركسيين والديمقراطيين معالجة تغيرات العلاقات الدولية لغرض إضاءة طريق كفاحنا المشترك.
من جانبي اسعى الى تناول تلك التغيرات الجارية في عالمنا المعاصر بمحورين الأول منها العولمة الكسموبولوتية والدول الوطنية وثانيهم العولمة ودور اليسار الاشتراكي في صيانة الدول الوطنية وتطوير تشكيلتها لاجتماعية آملين ابداء بعض التصورات الفكرية الهادفة الى معالجة مضامين المحاور المثارة.
أولا – العولمة الكسموبولوتية والدول الوطنية
-- افضى انهيار نموذج التطور الاشتراكي الى سيادة وحدانية التطور الرأسمالي الذي يتغطى بتناقضات جديدة بين أنساقه الثلاث المتمثلة بالرأسمالية المعولمة ورأسمالية الدول الرأسمالية المتطورة واخرهما الدول الوطنية التي تلعب فيها السلطات السياسية دور الرافعة الاقتصادية – السياسية وما ينتجه ذلك من نزاعات دولية بين أطراف التشكيلة الرأسمالية العالمية.
-- تسعى الرأسمالية المعولمة الى الهيمنة والسيادة الدولية استنادا الى سماتها الأساسية المتسمة بالكسموبولوتية والتبعية والتهميش. وما ينتج عن ذلك من ظهور تناقضات جديدة تتمثل بنزوع الرأسمالية المعولمة نحو الهيمنة والالحاق من جهة وبين الدفاع عن الاستقلال والسيادة الوطنية من جهة أخرى.
-- وبهذا السياق تنشأ تعارضات جديدة بين أطراف التشكيلة الرأسمالية تتمثل بتنامي الروح القومية والوطنية عند الدول الرأسمالية المتطورة والدول الوطنية وبين ميول التهميش والالحاق الملازمة للرأسمالية الامريكية المعولمة.
-- التناقضات بين أطراف التشكيلة الرأسمالية العالمية الناتجة عن وحدانية التطور الرأسمالي أعطت دفعة كبيرة لأحزاب اليمين الأوربي وتنامي دوره المناهض للهجرة الدولية ناهيك عن انتشار السلفية الإسلامية الإرهابية في الدول الوطنية.
--رغم اختلاف مسار حركتي – اليمين المتطرف والسلفية الإسلامية – المتمثلة بمسعى الأحزاب اليمينية لمعاداة الاغراب والانكفاء داخل حدودها الوطنية في الدول الرأسمالية المتطورة يسعى اليمين الإسلامي المتطرف الى تهميش الدولة الوطنية واستبدالها (بدولة)اسلامية تستند على وحدة شكلية بين الأقاليم الإسلامية.
-- ان التغيرات الفكرية في البنى السياسية لمستويات تطور الدول الرأسمالية تتلازم والتغيرات الفكرية الجارية في الاحزاب الماركسية في مستويات التشكيلة الرأسمالية العالمية حيث أصبحت الأهداف البرنامجية لا تتمثل بقيام النظم الاشتراكية بل في صيانة الدولة الوطنية من التبعية والتهميش وبناء التحالفات السياسية - الاجتماعية على أساس الشرعية الديمقراطية وما يحمله ذلك من بناء توافقات سياسية تتضمن صيانة الدولة الوطنية وبناء سلطتها السياسية الديمقراطية.
لغرض مواجهة التهميش والالحاق يجهد اليسار الاشتراكي والقوى الديمقراطية بتأسيس رؤى فكرية – سياسية تشكل برنامجا وطنيا ديمقراطيا في الظروف التاريخية المعاصرة وفق عناوين عريضة أهمها-
العنوان الأول – دفاع القوى الوطنية اليسارية والديمقراطية المشترك عن الدولة الوطنية وتنمية روح المقاومة الشعبية ضد عمليات التخريب والتهميش الخارجية.
العنوان الثاني –الدفاع عن الدولة الوطنية يهدف الى رعاية المصالح الأساسية للطبقات الاجتماعية العاملة لغرض ضمان التقدم الاجتماعي المناهضة للتبعية والتهميش.
العنوان الثالث –التحالفات الوطنية الديمقراطية تشترط مكافحة الطبقات الطفلية والبرجوازية الكمبورادورية المتحالفة مع الرساميل الدولية وروحها الكسموبولوتية.
العنوان الرابع –ترسيخ القانون الدولي والعلاقات الدولية بين أطراف التشكيلة الرأسمالية العالمية على قاعدة احترام المصالح المشتركة وعدم التدخل بشؤن الداخلية.
العناوين الفكرية المشار اليها تحث الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية على ضرورة تطوير برامجها السياسية كي تلعب أدواراً رئيسية في توجيه التحولات الاجتماعية والدولية الجارية في المرحلة المعولمة من التوسع الرأسمالي نحو العدالة الاجتماعية.
ثانيا -- اليسار الاشتراكي وصيانة الوحدة الوطنية.
على الرغم من انحياز اليسار الاشتراكي الى الشغيلة والكدحين وتمثيله لمصالح الطبقات الاجتماعية--العاملة والفلاحين والمثقفين الثوريين-- الا ان سمات التوسع الرأسمالي التخريبية تشترط وضع المسألة الوطنية في مقدمة المهام البرنامجية التي يعمل الكفاح الاشتراكي على تحقيقها بعد تفعيل دوره الاجتماعي في النزاعات الوطنية – الدولية.
-- الموضوعة الفكرية المشار اليها تستمد تزكيتها السياسية من ان عمليات التهميش والتبعية التي تنتهجها الرأسمالية المعولمة وطبيعة التشكيلات الاجتماعية الوطنية ومواقعها في التشكيلة الرأسمالية العالمية تشترط تقديم المسألة الوطنية في الكفاح المناهض لميول التبعية والتهميش وبهذا التشخيص الفكري يمكن اعتبار الأيديولوجية الوطنية -الديمقراطية برنامجا مرحليا لليسار الاشتراكي الساعي الى انجاز كثرة من الموضوعات والتي أجدها في --
1-- بناء المنظومة السياسية الديمقراطية للدولة الوطنية.
تتطلب مناهضة التهميش والتبعية للرأسمالية الكسموبولوتية إقامة أنظمة سياسية ديمقراطية تستمد قوتها من مكافحة ميول الرأسمالية المعولمة المتسمة بإضعاف وتفتيت التشكيلات الاجتماعية الوطنية.
2-- يشترط البناء الديمقراطي لمنظومة البلاد السياسية رعاية المصالح الطبقية للطبقات الكادحة بما يضمن مساعدتها على تأمين مصادر دخولها وادامة عيشها الكريم.
3-- بناء شبكة الضمانات الاجتماعية بهدف تعزيز مساندة القوى الوطنية الديمقراطية للدولة الوطنية فضلاً عن مناهضة الطبقات المتحالفة مع الرأسمال الأجنبي والحد من أنشطتها التخريبية.
4-- توفر شبكة الضمانات الاجتماعية في الدول الوطنية حافزاً لمواصلة الكفاح الوطني الديمقراطي الهادف الى ترسيخ التوافقات الطبقية وصيانة الدولة من التبعية والتهميش.
5 -- تحشيد القوى الاجتماعية المناهضة لعمليات التبعية والتهميش تكتسب أهمية طبقية-- وطنية بجانبين أولهما توسيع القاعدة الوطنية المناهضة للهيمنة الكسموبولوتية وثانيهما ًابعاد القوى الوطنية المترددة عن مناهضة القوى الكابحة للتطور الاجتماعي.
6-- إقامة التحالفات الوطنية على أساس برامج سياسية مرحلية تسعى الى انجاز اهداف وطنية وأخرى طبقية تقود الى تحجيم قدرة القوى الطبقية المتحالفة مع الرأسمال الدولي.
7-- يتطلب الكفاح الوطني --الطبقي محاصرة القوى الطفلية الكمبورادورية والجهادية السلفية لغرض اضعاف تأثيرها على الطبقات الكادحة ولجم اضرارها بالنهج الديمقراطي للدولة الوطنية.
8 -- مكافحة اليمين الإسلامي الجهادي وأنشطته الإرهابية المباركة من قوى الطائفية السياسية المتحصنة بشعارات دينية.
9- تطور النزعة الوطنية عند القوى السياسية المتحالفة رغم اتشاحها بأغطية فكرية متعددة الا ان التشديد على النزعة الوطنية كفيل بردع الهيمنة الكسموبولوتية التي تحاول الرأسمالية المعولمة فرضها على طوابق التشكيلة الرأسمالية المعولمة.
10-- بناء علاقات اقتصادية سياسية بين الدول الرأسمالية المتطورة والدول الوطنية على قاعدة المصالح المشتركة بهدف معالجة الهجرة والحد من بواعثها السياسية –الاقتصادية.

ختاماً يمكن القول ان الأفكار والآراء الذي تضمنها البحث المكثف الموسوم بوحدانية التطور الرأسمالي ودور اليسار الاشتراكي في الظروف التاريخية المعاصرة تشكل مادة غنية للحوار الفكري الهادف الى إثراء موضوعة الوطنية الديمقراطية باعتبارها ايديولوجية القوى اليسارية والديمقراطية الوطنية في مرحلة التوسع الرأسمالي وسمات عولمته الكسموبولوتية.