نظام نقر الدواجن


محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن - العدد: 6262 - 2019 / 6 / 16 - 11:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

إذا وضعت مجموعة من الفراريج في حيز ضيق. فهي تقوم على الفور بالهجوم على بعضها. تأخذ في النقر ونتف الريش وفقع الأعين وإسالة الدماء، وتدخل في معركة حامية الوطيس.

يستمر الحال على هذا المنوال حتى يتحدد المركز الاجتماعي المناسب لكل فروج. أو بالبلدي المريح، كل واحد يعرف مقامه ومركزه الاجتماعي. أنت عارف بتكلم مين؟

ثم نجد في نهاية المعركة الفروج المفتري صاحب السلطة المطلقة. قد يكون أقرعا أو أجربا أو أعورا. لكنه شديد العزيمة، قوي الشكيمة، يستطيع نقر كل الفراريج ولا يقدر أن يقترب منه فروج آخر.

يليه الفروج الثاني في سلم السلطة، وهو الفروج الذى يمكنه نقر باقي الدجاج فيما عدا الفروج الأول. ثم الفروج الثالث وهكذا، إلى أن نصل إلى الفروج المسكين، الذي تقوم كل الدواجن بنقره، دون أن يكون في مقدوره نقر أحد.

المثل الشعبي يقول: " ما يقعد على المدود إلاّ شر البقر" أو “ما يقعد على القور الاّ الفرخ الأعور". العور هنا لا يعني الضعف والعجز، لا سمح الله، وإنما هو رمز للقوة والجبروت، ودلالة ساطعة على خوض الحروب الطاحنة في سبيل الحصول على السلطة، مثل القرصان أو موشى ديان.

هذه المعركة ضرورية لاستقرار الأمن الاجتماعي بين الدواجن والفراريج، متى عرف كل منهم وضعه المناسب بين الرفاق. الدواجن، يا سادة، لا تعرف الديموقراطية، وليس لديها ميثاق اجتماعي مناسب، أو قانون حقوق دواجن متعارف عليه شبيه بحقوق الإنسان.

لكن الإنسان المتحضر في الغرب، وجد بديلا لنظام نقر الدواجن هذا، أطلق عليه اسم الديموقراطية. الديموقراطية وإن كانت لها بعض العيوب، إلا أنها أقل ضررا من قتل الآباء وخنق الإخوة والزملاء، وبقر البطون وسمل العيون، وقطع الرؤوس ونتف الريش.

لكن في بلادنا المنكوبة، هل يختلف نظام الحكم عندنا كثيرا عن نظام نقر الدواجن؟ بأمارة إيه؟ وهل نحن إلا ناقر أو منقور؟ هل الفرخ المسكين المنقور المغلوب على أمره، والذي يُضرب من الجميع يختلف كثيرا عن الشعب المسكين الواقف في طوابير العيش. ثم متى نرتقي في سلم التطور إلى شيء أفضل، ونحكم بنظام لا يشبه نقر الدواجن؟

السلطة مثل الوحش الضاري. لوياثان أو الحية تيمات. إذا لم نروضها ونضعها في قفص فولاذي، تدمرنا جميعا، الحاكم والمحكوم على السواء. هذا ما يقوله المنطق والتاريخ.

إننا لا نتعلم من التاريخ ومن تجاربنا المريرة السابقة. نكرر نفس الخطأ. نثق في الناس وننتظر المهدي المنتظر، أو البطل العادل الذي سيرحمنا من الظلم الواقع علينا. ننتظر قدومه لكى يأتي لينصف المظلوم وينشر العدل في ربوع البلاد.

ده في المشمش، هذا لن يحدث، على الأقل في زماننا هذا. لذلك روضت البلاد المتقدمة السلطة وقامت بتفتيتها. حرمت أي مسؤول من وضع كل السلطات في يده، مهما كان شأنه وإخلاصه وحجم زبيبة الصلاة في وجهه.

قامت البلاد المتقدمة بفصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية. أكدت سيادة القانون والحريات وحقوق الإنسان. ثم قامت بتفتيت كل سلطة من الداخل.

مثلا، السلطة التشريعية، قامت بتفتيتها إلى أكثر من مجلس نيابي. داخل المجلس النيابي الواحد، اختلف وقت انتخاب الأعضاء، حتى لا يتكتلون جميعهم ويكونون سلطة قوية.

السلطة القضائية مفتتة أيضا إلى قاض ومحلفين. وأنشئت محكمة دستورية عليا لا سلطان عليها حتى لا يُستخدم الدستور والقانون في استعباد الناس. رئاسة الجمهورية حددت بفترة أو فترتين على الأكثر ولمدد محدودة دون استثناء. هذا كله لتفتيت السلطة وترويضها.

أما في بلادنا فالدولة بالمفهوم الحديث غير موجودة. إنما الموجود هو ماخور، فيه تزهق الأرواح وتسجن الأحرار وتضيع الحقوق وترتكب الموبيقات وتكبت الآراء وتموت الأفكار. السلطة داخله نجدها مكدسة في يد فرد واحد، لم ولن يجود الزمان بمثله. المواطنون قد تحولوا بقدرة قادر إلى رعايا وأتباع ودراويش.

النظام الجمهوري، إن وجد، فهو بالاسم فقط، لكن ليس له علاقة بالجماهير. الدولة تحولت إلى تكية أو أبعديه. الديموقراطية شكلية فقط، لا تنتمي إلى الديموقراطيات المعروفة بصلة.

الأحزاب هي في الواقع نوادي سياسية، يرأسها كهول يستميتون في طلب السلطة بكل السبل حتى لو أدى هذا إلى نتف الريش وفقع الأعين والركل بالأرجل.

المجالس النيابية تفصيل، تنتخب من ينوب فقط عن السلطة، ولا يمثل الغلابة والمساكين، المنقورين بمناسبة وبدون مناسبة. رجال الدين يحاربون العقل ويشتغلون بالجان والشياطين والثعابين القرع، وحفظ الفروج وشرب بول الإبل، والدعاء لولي الأمر بالتوفيق.

الجيوش تركت مهامها القتالية من تدريب وخلافه، وتفرغت للحكم والعمولات والمناورات السياسية. الشرطة تكرس كل جهودها لحماية الحاكم بدلا من حماية أرواح الناس وممتلكاتها. أوطان تنتحر، نسيجها يكاد يتمزق بسبب ضيق الأفق والغباء والصراع على السلطة وعلى المناصب. هو صراع ليس له علاقة بالديموقراطية، بل أشبه بعراك الدواجن ونقر الفراريج.