كلمة في الدورة 108 لمؤتمر العمل الدولي

نورالدين الطبوبي
2019 / 6 / 13 - 17:16     


كلمة الأخ نورالدين الطبوبي

الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل

في الدورة 108 لمؤتمر العمل الدولي

جيـنيـف، 13 جوان 2019


السيد رئيس المؤتمر،

السيدات والسادة،

بداية، أتوجّه إلى السيد رئيس المؤتمر المنتخب بأحرّ التهاني وأطيب التمنّيات بالتوفيق والنجاح في مهمّته ويسرّني بهذه المناسبة أن أتوجّه من خلالكم، نيابة عن نقابيات ونقابيي الاتحاد العام التونسي للشغل وجميع الشغّالين التونسيين، بأطيب التمنيّات لمنظّمة العمل الدولية ولمديرها العام الرفيق ڤاي رايدر ولكافة العاملين بها، وكلّ المنضوين تحت لوائها من حكومات وأصحاب عمل وعمّال، في الذكرى المائة لانبعاثها، هذا الصرح الثلاثي التركيبة الذي ما انفكّ يُلْهم الشركاء الاجتماعيين لأجل ترشيد العلاقات فيما بينهم وإرساء الأولويات الكفيلة بِأَنْسَنَةِ العمل وترسيخ تقاليد الحوار الاجتماعي وقيم الحرية والعدالة والمساواة.

والشكر موصول أيضا إلى أعضاء اللجنة العالمية المعنيّة بمستقبل العمل لتفضّلهم بتمكيننا من مجموعة من الوثائق القيّمة وخاصة تلك التي جُمعت تحت عنوان “العمل من أجل مستقبل أكثر إشراقا”، والتي تضمّنت جملة من القراءات حول التحوّلات الراهنة التي تكتسح العالم بأسره وقدّمت جملة من المقترحات والتوصيات الهامة لمواجهة تلك التحوّلات وملاءمة مقارباتنا مع مقتضياتها.

السيدات والسادة،

تمرّ اليوم مائة سنة على انبعاث منظّمتنا الدولية في ردّ فعل مشهود على غطرسة وتسلّط رأس المال وشعاره الشهير “دَعْهُ يَعْمَلْ دَعْهُ يَمُرّْ” والتي اختزلها إعلان فيلادلفيا فيما بعد وتحديدا سنة 1944 بعد أن ذاقت الإنسانية ويلات تلك الغطرسة خلال الحرب العالمية الثانية، والذي أقرّ بوضوح، أنّ العمل ليس سلعة وأنّ حرية التعبير والاجتماع أساسية لأيّ تقدّم مستدام وأنّ الفقر، في أيّ مكان، يشكّل خطرا على الازدهار في العالم بأكمله.

إنّ المتأمّل في واقع سوق الشغل اليوم وما شهده من متغيّرات جرّاء مخلّفات العولمة وتقسيمها غير العادل للعمل يتبيّن أنّ واقع سوق الشغل العالمية ما يزال يراوح مكانه وأن إرادة سَلْعَنَةِ العمل تنامت أكثر من ذي قبل وذلك رغم كلّ الجهود التي بُذِلَتْ في إطار منظّمة العمل الدولية وفي ظلّ الحركة النقابية العالمية. ويكفي ها هنا استعراض واقعنا العربي، حيث لا يزال الحقّ النقابي مُدرجا ضمن قائمة الممنوعات، وحيث معاملة العمّال المهاجرين لا تزال مشدودة إلى عصر العبودية الغابر وحيث نسب الفقر والبطالة والأميّة هي الأعلى في العالم وحيث القيمة المضافة هي الأدنى في العالم وحيث تنتهك حياة الفلسطينيين وتهتم كرامتهم وتضرب حقوقهم على يد الاحتلال الصهيوني العنصري.

السيدات والسادة،

إنّ مستقبل العمل في بلادنا كما في البلدان الشبيهة بنا يواجه تحدّيات كبيرة ومتعدّدة، منها ما هو مرتبط بتعاظم الاقتصاد غير المنظّم وبما أفرزته العولمة من أنماط هجينة للعمل مكرّسة للاستغلال، مغيّبة للحماية، سالبة للكرامة، ومنها ما هو مرتبط بتطوّر الاقتصاد الرقمي الذي بدأ يكتسح العالم في أكثر من مكان، وبات من المؤكّد أن تكون له تأثيرات عميقة على نظم الإنتاج والإدارة وعلى علاقات العمل وهي تحوّلات أصبحت تُحتِّم علينا جميعا كنقابات عمّال وأصحاب عمل مراجعات جذرية ومعمّقة للمفاهيم وللتصوّرات المألوفة حول العمل والعلاقات الشغلية القائمة ولمضامين الحوار الاجتماعي ومجالاته ولمناهج التعليم وتجديد برامجه وضمان إجبارية التعليم لكلّ أطفال العالم وذلك بالتوازي مع صياغة منظومة متطوّرة للتكوين المهني والحرص على ضمان التعلّم مدى الحياة.

السيدات والسادة،

ما من شكّ في أنّ التحديات المرتبطة بمستقبل العمل هي الرهان الحقيقي المطروح علينا اليوم، خصوصا من جهة تزامن هذه التحولات مع استمرار أزمة البطالة ببلداننا بما يضاعف من حجم العمل والجهد لتأمين قدرة اقتصاداتنا الوطنية على خلق المزيد من فرص العمل من جهة وعلى مواجهة التحديات المترتّبة عن تحوّلات سوق الشغل. وعليه فإنّنا ندعو إلى العمل على تفعيل التوصيات الواردة بتقرير اللجنة الدولية حول مستقبل العمل ونشدّد على ضرورة الحرص لضمان نقل التكنولوجيات للبلدان النامية وإسنادها لمجابهة هذه التحديات وفي هذا الإطار ندعو البلدان المصنّعة والمتقدّمة إلى تمكين البلدان النامية من البرمجيات والمنصّات الرقمية والبرامج مجّانا وعلى نطاق واسع بما يتيح لها الانخراط السلس في الثورة الصناعية والرقمية الرابعة.

السيدات والسادة،

إنّه وبقدر تشبّثنا بمبادئ الاستقلالية والشفافية والديمقراطية في إدارة الشأن النقابي، بقدر حرصنا على العمل من أجل تطوير قدراتنا النقابية على مستوى التخطيط الاستراتيجي والبرمجة المرحلية باعتبارها شرطا أساسيا للصمود أمام التغيّرات والمستجدّات الجارية واللاحقة داخل سوق العمل وعلى مستوى العلاقات الشغلية.

كما يتوجّب علينا الحرص من أجل إرساء أرضية للحماية الاجتماعية تتّسم بالعدالة والشمولية لجميع العاملين ومطروح علينا العمل ضمن الحوار الاجتماعي مع بقية الأطراف المتدخّلة في ملفّ الحماية الاجتماعية من أجل توسيع نطاق التغطية الاجتماعية لكافة العمال في مختلف القطاعات خاصّة منها القطاعات المهمّشة أو النشيطة في الاقتصاد غير المنظّم كما يتوجّب علينا البحث في سبل تأمين تمويل منظومات الحماية الاجتماعية بشكل يضمن ديمومتها واستمرار خدماتها وسلامة موازناتها وذلك عبر فتح مجالات جديدة لتمويلها عبر الإيرادات الجبائية والعمل على تأمين الاسهامات المقدّمة من أصحاب العمل.

وعلى صعيد متّصل، فإنّنا نجدّد دعوتنا إلى رفع القيود الإجرائية والتضييقات المرتبطة بحرية تنقّل الطلبة والباحثين والأكاديميين بما يتيح لهم سبل الارتقاء في مساراتهم العلمية والبحثية على مختلف المستويات. كما ندعم ونساند مقترح صياغة اتفاقية دولية لمناهضة العنف بمختلف أشكاله في عالم العمل وخاصّة العنف الموجّه ضدّ المرأة.

السيدات والسادة،

ختاما، لا يسعنا ونحن نحيي الذكرى المائة لتأسيس منظّمة العمل الدولية إلاّ أن نثمّن ما ورد بالتقرير الملحق للمدير العام حول وضعية عمّال الأراضي العربية المحتلّة ونجدّد إدانتنا الشديدة للمجازر الوحشية التي ما انفكّ يقترفها الكيان الصهيوني. ونحن وإذ نُكبر تضحيات شعبنا في فلسطين وصموده دفاعا عن حقّه في الوجود وفي تقرير مصيره بنفسه على أرضه وعاصمتها القدس الشريف، فإنّنا نجدّد إدانتنا لقرار الإدارة الأمريكية بنقل سفارتها إلى القدس وقرارها الجائر بطرد السفير الفلسطيني من واشنطن وبوقف الدعم لوكالة الأمم المتّحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وبإعلان الجولان السورية أرضا إسرائيلية وندعو كلّ أحرار العالم لرفض هذه المظلمة الإنسانية ولرفض هذه القرارات والنضال ضدّها والضغط من أجل إحباطها. ونجدّد تجنّدنا من أجل مقاومة التطبيع مهما كانت أشكاله ومجالاته. وشجبنا الشديد لما يتعرّض له الشعب اليمني من حرب مدمّرة ذهب ضحيتها الآلاف وخاصّة منهم الأطفال، كما نجدد دعمنا لحل سلمي في ليبيا يضمن لها الاستقرار والتقدم وندعو منظمة العمل الدولية الة مباذرة برامج تكوينية واجتماعؤة في ليبيا منها ما يتعلق بالهجرة والعمل اللائق ووضع المرأة العاملة وغيرها… ونؤكد انخراطنا اللاّمشروط في مقاومة الإرهاب والتطرّف والعنف والتصدّي لكلّ أشكال العنصرية والتفرقة وخاصّة ضدّ اللاجئين والمهاجرين بشكل عام.

المناضل معا من أجل الحق في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية

شكرا على حسن الاستماع،

والســــــــــــلام.

شاركها