شوقي الماجري يخترق حاجز الصوت بدقيقة صمت ..


صباح كنجي
الحوار المتمدن - العدد: 6251 - 2019 / 6 / 5 - 19:43
المحور: الادب والفن     

شوقي الماجري يخترق حاجز الصوت بدقيقة صمت ..

مسلسل ( دقيقة صمت ) للمخرج المبدع ( شوقي الماجري ).. الذي قدم في شهر أيار 2019 مع مسلسلات رمضان .. اقترب كثيراً من محنتنا جميعاً.. و جعلنا نكتشف ما يدور من حولنا من الغاز ومصاعب وعجائب.. سببت لنا الدوار والكثير من المعاناة و الآلام .. عبر (30) حلقة تواصلت.. لتمنحنا الكثير من القوة والثقة بأننا قادرون على تجاوز ما يعترضنا من صعوبات ومعضلات تواجهنا بسبب تحكم مافيات تمكنت من ازاحة الدولة ومؤسساتها الهزيلة المدنية والعسكرية ـ الأمنية.. لصالح سلطة مافيات.. تنشأ من رحم متعفن عشش فيه الفساد.. لتمارس غيها وعبثها.. من خلال لعبة الحياة والموت.. في مكان وزمان غير محدد.. لا يتجاوز الـ 11 يوماً ليس بالضرورة ان تكون سوريا مسرحاً للحدث..
لانه لم يحدد مدينة او رقعة توشي بجغرافية محددة ومعلومة .. لكنها يمكن ان تكون سوريا.. مصر .. العراق.. اليمن .. ليبيا .. السعودية .. او حتى أي بلد شرق ـ اوسطي.. كما هو الحال مع رواية شرق المتوسط ثانية.. للكاتب عبدالرحمن منيف..
التي كان الشخصية المحورية في بنيتها المعتقل العراقي رحيم الشيخ .. النصير حيدر.. الذي اعتقل في ايران مع المجموعة القيادية لحزب توده.. بعد سقوط الشاه وعذب بشكل وحشي .. واصبحت قصته ثيمة الرواية بعد ان جعل من سجستان ـ البلدة .. ساحة ومكاناً لعذاب يتداخل بالموت.. ينهش في كل لحظة شيئاً من روح حيدر.. في ذلك المكان القاصي والمغلق.. المشبع بالقهر والموت..
لا تتعدى مساحة صرخاته ونداءاته الانسانية مساحة زنزانة انفرادية تكور فيها .. يتحكم بها السجان المستبد.. الذي بيده خيوط اللعبة و مفتاح الباب الموصد الوحيد .. هو مفتاح سحري تنشأ منه معجزات تبدل النهايات المستحيلة.. وتجعلها بدايات ممكنة واقعية رغم غرابتها..
لأننا في عصر الغرائب .. غرائب التحولات السريعة المتداخلة.. التي تستهدف الانسان المنسي .. يذكرنا به عامل الميكانيك.. الذي ادى دوره بنجاح كبير الممثل السوري فادي صبيح .. ونجح من خلاله بتذكيرنا بأننا بشر .. انسان .. يا انسان.. وهو يرددها عبر حلقات المسلسل.. في اصعب الاوضاع التي واجهته في محنته.. وهو يواجه صديقه الذي انقذه من الموت قبل فترة .. امير ناصر الذي ادى دوره الممثل السوري عابد فهد.. المحكوم بالإعدام بسبب جريمة قتل نشأت من قسوة رجل السلطة المتهور مدير الناحية.. الذي اهان ضحيته واعتقل امه.. ادت الى مقتل ولدي المدير المستبد انتقاماً في لحظات لا تخلو من الانفعال المغلف بهدوء منضبط.. لا يتعدى حدود الحالة والدوافع التي تجعل من الانسان قاتلاً ومعتقلا ينتظر القصاص ..
لكنها .. يا للمفارقة.. كأننا في العراق .. في السبعينات من ذلك الزمن الهمجي.. الذي كان فيها رمز الفساد حينها .. خيرالله طلفاح.. خال الطاغية صدام حسين.. ووالد وزير الدفاع لاحقاً عدنان خيرالله.. يتحكم بخيوط الاحداث ويتمادى في سرقاته ونهبه للأراضي والبيوت والمزارع.. وأخذ يتدخل في شؤون الدولة والمجتمع .. الى حد بات فيه يتقاضى اجوراً من اهالي المعتقلين المحكومين بالإعدام وصلت الى الـ 50 الف دينار.. كانت تعادل 160 ألف دولار وقتها.. عن كل حالة محكوم بالإعدام يجري تهريبه بعد استبداله بضحية ومخل عقلياً يجلب من الشماعية ـ كما يسميها السوريون بـ العصفورية.. حيث كان يستبدل نزلاء منها بالمحكومين من الاعدام.. يجري تهريبهم بعد تدخل طلفاح وحده ..الذي لا يمكن رفض له طلب في ذلك العهد.. الذي ذكرنا به الكاتب (سامر رضوان) في نصه الذي تحول من خلال المخرج المبدع شوقي الماجري.. الى 30 حلقة من مسلسل حمل عنوان ( دقيقة صمت)..
قدم من خلال مجموعة ممثلين اشتركوا بالعمل.. استكمل بالتصوير والصور والصوت والموسيقى التي وضعها رعد خلف .. اعتقد هو رعد حميد البصري .. ومن خلال مشاركة كافة الممثلين والفنيين ليصبح عملا متكاملا .. نقلنا عبر تواصل مشاهده من حلقة لأخرى.. بسلسلة مفاجآت في كل حلقة.. لترسم معالم الاختلاط بين الواقع والخيال.. وتدمج بين الموت والحياة.. ونحن نخطو خطوة بعد خطوة نحو المجهول..
الذي احيط بالممثل عابد فهد وهو يؤدي شخصية امير ناصر.. الذي تحول الى لعبة بيد عصابات تتحكم بالدولة وتتصارع فيما بينها .. عصابات حولت حياته من الحلقة الاولى الى مجرد قصاصات ورق وصور تتساقط من حوله كالمطر وهو يخطو ليلتقط منها صورة امه .. فيلدا سمور.. التي اصبحت ضحية من ضحايا مدير الناحية.. وجعلت من ابنها الشاب.. منتقماً وقاتلا ومحكوماً بالإعدام ينتظر الموت ..
لكنه يصبح لعبة مع زميل له .. هو المواطن اللبناني ادهم منصور.. وهنا تبدأ محاور الحدث لتنسج لنا صورة للحياة والموت.. يتحكم بها رجل من عصابة تدير البلد.. هو العميد عصام.. الذي تحول الى غول واكتشف سر الحياة والموت المافوي.. ووضع لنفسه قانونا وخططاً تمكنه من التحكم بالرؤوس الكبيرة.. بعد أن قرر ادخالهم في مخطط يتمسك بخيوطه وحده..
وتتداخل الاحداث.. لنشهد عودة الميت المحكوم بالإعدام.. وتحوله الى ولي ومبروك.. يتنازع حوله الناس.. بين مصدق ومكذب.. لكنه يبدأ بالظهور كحقيقة.. وفقاً لمخطط مدعوم من العميد عصام الذي اخذ يتعامل مع الحياة.. ككذبة كبيرة.. ولعبة اكبر تستحق اللهو والعبث والسخرية..
تستقطب الكثيرين للمشاركة فيها بمن فيهم رجل الدين.. الذي يسعى للثبات على موقفه من الأحدث ولا يغير من موقفه.. ويشك بالذي يحدث حوله.. لكنه مرغم على التعامل مع الحقائق.. التي تواجهه فالميت المعدوم أمير ناصر.. الذي جرى دفنه ورفض اداء الصلاة عليه حينها.. حي امامه يدعوه للحضور ومباركة زواجه.. المعلن والمحمي.. بمشاركة الكثيرين من ابناء بلدته الصغيرة ..
هذا الواقع بخيوطه وملابساته و غرائبه التي جسدها المسلسل .. اقترب من الحالة التي يعيشها الناس في اكثر من بلد.. من عقود.. من جراء الفساد ومظاهر الانحلال والتعفن في مؤسسات الدولة والمجتمعات التي تتحكم بها عصابات بدلا من الحكومات.. مسلسل قال الكثير من خلال دقيقة صمت اخترقت حاجز الصوت.. لينبهنا الى..
لعبة خطيرة يتداخل فيها الموت و الحياة
وعبث .. هو عبث.. بمقدراتنا ومستقبلنا.. ينبغي ان لا نكون بلا موقف من تداعياته.. وهو يحاصرنا من كل الجهات..
وهو فساد .. فساد كبير ابتلع الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية.. لا يجوز التغافل عنها والتعويل عيها بعد ان اصبحنا ..
وحدنا نواجه خطر الموت والفناء و الرحيل ..
وعلينا ان نعي ابعاد اللعبة والخروج من نفق الحيرة والاوهام .. هي اوهام كبيرة.. لأننا ما زلنا في دوامة كذبة كبيرة .. من جراء فقدان الحرية.. وعدم المقدرة على التعبير والنطق وكشف اسرار الأحداث المحيطة بنا.. كما عاشها أمير ناصر ـ عابد فهد ومن معه في المسلسل.. وأصبحت حياتهم رهينة بهذا السر القاتل .. سر العصابة التي تسعى للتحكم بنا وبالكون كله.. لتعيد خلقنا وفق مشيئتها كعبيد واسرى لمخططاتها اليوم بعد ان اصبحنا جميعا نعيش الحالة التي مر بها امير ناصر وبقية ابطال المسلسل ..
ـــــــــــــــ
صباح كنجي
5/6/2019