العقوبات الاقتصادية الأمريكية وخراب الدولة الوطنية


لطفي حاتم
2019 / 5 / 26 - 00:14     

العقوبات الاقتصادية الامريكية وخراب الدولة الوطنية

يتميز عالمنا المعاصر بوحدانية التطور الرأسمالي وما يفرزه ذلك من تحولات كثيرة على صعيد بناء الدول الوطنية وفكر الأحزاب السياسية اومنها الأحزاب الاشتراكية.
-- يخوض العالم بوحداته الدولية المختلفة ومنظماته السياسية صراعا فكريا - سياسياً بين التطور السلمي لبناء الدول وتشكيلاتها الاجتماعية وبين النظم السياسية التسلطية المباركة من قبل الرأسمالية المعولمة متمثلة بروح الهيمنة الامريكية.
-- تتعارض سياسات العولمة الرأسمالية مع فكر الوطنية ناهيك عن تعارضانها مع النهوج القومية في الدول الرأسمالية المتطورة.
-- مضامين التعارضات والتناقضات في عالمنا الرأسمالي تستمد فاعليتها من روح الهيمنة التي تفرزها العولمة الرأسمالية ونهوجها العابرة لمفهومي الوطنية والقومية وبهذا السياق تشكل النزعة الكسموبولوتية تناقضا رئيسياً مع النزعتين القومية والوطنية في الظروف التاريخية المعاصرة.
-- استنادا الى تلك الرؤى نحاول متابعة الضغوطات الاقتصادية - السياسية التي تنتهجها العولمة الامريكية في مواجهة روح التصدي التي تمارسها النزعتان الوطنية والقومية في مواجهة السياسة الرأسمالية العابرة للمصالح القومية والوطنية.
أولا-- العزل الدبلوماسي والثقافي
من المعروف ان العالم وبسبب وحدته الرأسمالية يتطور تطورا متفاوتا لذلك تسعى الولايات المتحدة الامريكية الى تأبيد هذا التطور المتفاوت خدمة لمصالح رأسمالها الدولي وبهذا المسار تدفع السياسية الأمريكية التطور المتفاوت عبر أساليب مختلفة تتقدمها سياسة العزل الدبلوماسي ومحاصرة الأنظمة السياسية الشرعية المناهضة لروحها الكسموبولوتية وتشكل حالة العزل السياسي والثقافي أحد أدوات الضغط الامريكية على حلفائها الاطلسيين فضلا عن تأثيراتها على الدول الوطنية المناهضة للسياسية الامريكية.
ثانيا -- العقوبات الاقتصادية
تشكل العقوبات الاقتصادية اهم أدوات الرأسمال الأمريكي والدولي في مناهضة الدول الوطنية الرافضة للسياسة الامريكية وبهذا المسار نحاول رصد التأثيرات الاجتماعية والسياسية على نمو وتطور الأنظمة الوطنية الواقعة تحت الحصارات الاقتصادية.


1 – تعطيل الدورة الإنتاجية
تهدف العقوبات الاقتصادية الأمريكية الى تعطيل الدورة الإنتاجية في الدول المعاقبة بسبب حاجة الإنتاج الوطني الى أسواق دولية لتوزيع منتجاته الوطنية وبهذا الاتجاه يشكل النفط في دول الشرق الأوسط الجزء الأكبر من صادراتها الوطنية وتحاول العقوبات الاقتصادية إعاقة الدول الوطنية في الحصول على الرساميل الضرورية لتطوير اقتصاداتها الوطنية وادامة دورتها الإنتاجية.
2 – تفكيك التشكيلة الاجتماعية
تسعى العقوبات الاقتصادية الى عرقلة تطور القطاعات الإنتاجية الوطنية وما يفرزه ذلك من تفكك وحدة الطبقة العاملة وتراجع ضبطها التنظيمي وتعرض اقسام منها للبطالة خاصة بعد اغلاق الكثير من الشركات الوطنية التي تعاني من ضعف في تصريف منتجاتها السلعية.
-- تفكيك ضوابط القوى العاملة يفرز نتائج سلبية منها تراجع اجورها المرتبطة بتدني واردات المؤسسات الاقتصادية ومنها اغلاق الكثير من المصانع الوطنية لعدم قدرتها على التصدير خارج الحدود الوطنية فضلا عن تدني القدرة الشرائية للمواطن بسبب مصاعبه الاقتصادية.
3 – نتائج التدهور الاقتصادي المتردي تنعكس على الواقع الاجتماعي والسياسي اذ تقود المصاعب الاقتصادية الى إعاقة القدرة الشرائية للطبقة العاملة وما يشترطه ذلك انهاء بناء ديمقراطية سياسية تعزز الحكم الوطني المناهض للهيمنة الخارجية.
4 _ ان تراجع مساندة القوى الديمقراطية للنظام السياسي بسبب ضائقتها الاقتصادية والإجراءات التقشفية تقود الى الاضطرابات السياسية وتفضي الى انهاء الحكم الوطني وربطه بحماية خارجية.
5 – تفكك الحكم الوطني يفضي الى سيادة الطبقات الفرعية في تشكيلة البلاد الوطنية ويقود الى هيمنة دولية على القرارات الوطنية وبهذا المسار تتلاقى اهداف العولمة الرأسمالية الرامية الى تعزيز تحالفاتها الاقتصادية مع القوى الهامشية والطائفية العاملة بهدف صيانة مصالحها الطبقية.
ثالثاً – التدخلات العسكرية
تسعى الرأسمالية الامريكية المعولمة الى التدخلات العسكرية لغرض إزاحة الأنظمة المعاقبة من الدول الوطنية وما يفرزه ذلك من إعادة الروح الهجومية للقوى الفرعية ذات الاردية الطائفية ومساعدتها على حكم البلاد (بشرعية) انتخابية.


الترابط بين الشرعتين الوطنية والدولية
-- الافكار والرؤى المشار اليها تجد تعبيرها في الدولة العراقية بعد انهيار الحكم الاستبدادي بتدخلات عسكرية خارجية.
--ان بناء عالم جديد ينهض على أساس ترابط الشرعتين الدولية والوطنية المنبثقتان من حرية اختيار الشعوب لنمط حياتها الداخلية تتطلب كثرة من المتطلبات يتقدمها -
-- عدم شرعية التدخلات العسكرية في الشؤون الوطنية وادانتها فضلا عن احترام حرية الشعوب في اختيار نظمها السياسية والاجتماعية وانماط علاقاتها الدولية.
-- تحريم العقوبات الاقتصادية المنبثقة من روح الهيمنة الدولية بسبب استهدافها للتشكيلات الاجتماعية الوطنية وتأثيراتها السلبية على -الطبقات الاجتماعية -- الطبقة العاملة والطبقات البرجوازية الوطنية والبرجوازية الصغيرة - ب - تدهور حقوق الانسان الأساسية – ج - مساندة الدول الغازية للطبقات الفرعية الموالية للحماية الخارجية.
-- تطوير التحالفات السياسية بين الدول الرأسمالية المتطورة والدول الوطنية على اساس التعاون الدولي المشترك المبني على احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤن الوطنية.
-- اعتماد شرعية دولية تبنى على أساس صيانة السيادة الوطنية وإدانة التدخلات الدولية ناهيك عن صيانة المصالح الأساسية لتشكيلات الدول الوطنية وتدعيم نظمها الديمقراطية.
-- ترابط الشرعيتين الدولية والوطنية على أساس الديمقراطية واحترام حقوق الانسان الأساسية فضلا عن احترام السيادة الوطنية وعدم اضعافها عبر التدخلات الدولية.
ان الموضوعات المشار اليها تنطلق من رؤيتين احداهما الميل الجديد في العلاقات الدولية المتمثل بسيادة العوامل الخارجية على التطورات الاجتماعية السياسية الوطنية. وثانيتهما مناشدة دول الرأسمالية المناهضة للعولمة الرأسمالية مساعدة القوى الديمقراطية في بناء نظمها السياسية بعيدا عن الهيمنة والتدخل في الشؤن الوطنية.
استنادا الى تلك الرؤى وبهدف قيام أنظمة حكم وطنية ديمقراطية قادرة على مناهضة الروح الكسموبولوتية للعولمة الرأسمالية لابد من تحقيق الأهداف التالية –
أولا – قيام أنظمة وطنية ديمقراطية تستند على الشرعية الانتخابية مباركة من الشرعية الدولية.
ثانيا – استناد الشرعية الوطنية على منافسة البرامج الوطنية التي تعتمدها الأحزاب الوطنية والديمقراطية في المنافسة الانتخابية.
ثالثا – مناهضة الأحزاب الفرعية المعتمدة على الطائفية السياسية المتحالفة مع القوى الرأسمالية الدولية وتحجيم دورها في تشكيلة البلاد السياسية.
رابعا – إقامة التحالفات الوطنية بشقيها التحالفات الوطنية المبنية على برامج سياسية - وطنية والتحالفات الطبقية المستندة على برامج القوى الديمقراطية واليسارية المتحالفة ضد الهيمنة الرأسمالية والتدخلات الدولية.
خامسا – توطيد العلاقات الوطنية بين القوى الاشتراكية والديمقراطية اليسارية في الداخل الوطني والقوى الديمقراطية في المحيط الإقليمي والعالمي لضمان المساندة الدولية من حركة التحررية العالمية.

أخيراً لابد من التأكيد على ان عالمنا الرأسمالي المعاصر تسوده كثرة من التغيرات والتبدلات الامر الذي يتطلب تجديد مستلزمات كفاحنا الوطني وعدتنا الأممية العاملة على صيانة بلانا من التبعية والتهميش.