مسألة الأقليات في سوريا


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 6226 - 2019 / 5 / 11 - 13:27
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير     

سؤال عن انعتاق الأقليات في سوريا .. علاقة المسيحيين بالمسلمين كانت غالبا هي التي تحت المجهر بحكم التاريخ و وجود دول مسيحية مجاورة قوية خاصة بعد صعود قوة الغرب عدا عن وضعهم كأهل ذمة نظريا منحهم شيئا من الامتياز مقارنة بالأقليات الإسلامية المتهمة بالهرطقة .. كان العهد الأيوبي و المملوكي أسوأ عهد بالنسبة للأقليات ثم جاء النظام المللي العثماني الذي منح المسيحيين و اليهود شيئا من الاستقلال الذاتي مع وضعية مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة .. أول من طرح فكرة المساواة بغض النظر عن الدين كان محمد علي باشا و تبناه بعد ذلك العثمانيون لمواجهة صعود القوميات في البلقان العثمانية .. نبعت فكرة المساواة من رغبة أجزاء من البيروقراطية الحاكمة بناء دولة "عصرية" على النمط الأوروبي و لم يجر لها أي تأصيل نظري و قوبلت بمقاومة شرسة من غالبية الطبقة الحاكمة و المسلمين .. بلغت تلك المقاومة ذروتها في المجازر بحق المسيحيين المشرقيين التي بدأت منذ أوائل القرن التاسع عشر و تسارعت فيما سمي بالمجازر الحميدية ( نسبة لعبد الحميد الثاني ) لتبلغ ذروتها في الإبادة الأرمنية على يد حكومة الاتحاد و الترقي القومية نصف العلمانية .. أدت هذه المجازر إلى تغيير ديموغرافي كبير في تركيا و جزئي في المشرق و ما تزال الإبادة الأرمنية - اليونانية - الآشورية - السريانية تفرض نفسها كأقصى عنف ديني - قومي - عرقي استئصالي في تاريخنا القريب و كأول جينوسايد معاصر و ما تزال تشكل بإنكارها و تبريرها أحد مرتكزات ثقافة الجينوسايد الحالية .. مع ذلك فإن انعتاق المسيحيين المشرقيين بدأ قبل الأقليات الإسلامية غير السنية بوقت طويل .. هناك شبه إجماع تاريخي على أن هؤلاء بقوا خارج أي فعل أو مشاركة سياسية بل انحصر همهم في تحاشي جيرانهم و السلطة التي تشكلت من الأرستقراطية السنية المدينية و الإقطاعية و العسكرية .. بدأ انعتاق هؤلاء الفعلي مع مجيء الفرنسيين ثم صعود نجم ضباط الجيش .. بعد انقلاب آذار أصبح دور ضباط الأقليات مهما حتى أصبح مركزيا بعد تخلصهم من خصومهم المدنيين و العسكريين .. لكن النظام السوري لم يصبح أقرب لما يوصف اليوم بالنصيري إلا بعد المواجهة مع الإخوان في السبعينيات و الثمانينيات .. لعب الدروز دورا أكبر في السياسة السورية بعد الانتداب من وزنهم البشري نتيجة دورهم في ثورة 1925 , دورا عملت حكومة الاستقلال على تحجيمه و انتهى عمليا باعتداء جيش الشيشكلي على الجبل .. منذ الانتداب الفرنسي كان الانخراط في الجيش وسيلة الصعود الاجتماعي لأبناء الفلاحين من الأقليات و منذ السبعينيات أصبح الضباط العلويين مركزا اجتماعيا لطائفتهم عبر تلبية بعض الخدمات لمحيطهم رغم أن خدماتهم الأهم كانت معروضة لأثرياء المدن التي كانت مجزية أكثر .. ارتبط انعتاق العلويين بهيمنة الخارج ثم بهيمنة العسكر .. هل كان هناك احتمال آخر لانعتاق العلويين في سياق آخر .. و هل أدى ارتباط هذا الانعتاق بهيمنة العسكر إلى ظهور علوي سوبريماست في مواجهة معارضة السني سوبريماست .. و لأي درجة يمكن أن نصف الحركات الإسلامية السورية , السنية , بأنها تمثل السني سوبريماست و المسلم سوبريماست و العربي سوبريماست .. و لأي درجة يلعب السني سوبريماست و العربي سوبريماست و المسلم سوبريماست دورا مركزيا في المعارضة السورية العلمانية أيضا .. هل صحيح أن الضباط العلويين يشكلون مركز طائفتهم و رمز العلوي سوبريماست في مقابل رجل الدين و الجهادي الذي يمثل السني سوبريماست و أهم القوى التي تطمح لتشكل مركزا للطائفة السنية .. و هل غطى الصراع بين هؤلاء و أولئك الذي بدأ منذ الستينيات على أي محاولات أخرى لتفسيره أو تجييشه باتجاهات أخرى .. هل قصص اللجنة العسكرية العلوية و ما يشاع عن مركز للطائفة يحكم سوريا هو نسختنا المحلية من بروتوكولات حكماء صهيون .. لماذا لم يحاول أحد إيقاف المجازر المتبادلة بين الطوائف في سوريا و لماذا يبحث الجميع عن مبررات لقهر الآخر و قتله فقط , لماذا أطلق النظام سراح الجهاديين من صيدنايا و لماذا اعتبرت المعارضة هذا مؤامرة على الثورة بينما تحظى أفعال هؤلاء الجهاديين بتغطية و تبرير و دعم كامل من المعارضين السنة .. فقط كيلا يساء فهمي , أنا شخصيا مع استمرار المعركة بين السوريين و ضد أي تدخل خارجي فيها , ليس فقط لتغليب طرف على آخر بل أيضا للحد من همجية القتلة و من انفلات كل نوازعنا و رغباتنا و كراهيتنا التي تغلف رغبتنا بقهر الآخر و اضطهاده حتى الاستئصال عند اللزوم .. أنا مع أن تطلق الطوائف السورية العنان لكل نوازعها الجينوسايدية و الإبادية حتى لو عنى ذلك حربا تدميرية أو جينوسايد أو جينوسايدات ..