النصر على الفاشية ونضالنا ضد الإمبريالية الفاشية الجديدة!


مشعل يسار
2019 / 5 / 9 - 01:34     

يوم التاسع من أيار/مايو من كل عام يوم مشهود تحتفل فيه شعوب الاتحاد السوفياتي وكل البشرية التقدمية بذكرى النصر على الفاشية، كما لا تزال تحتفل به السلطات في روسيا البرجوازية وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا إرضاء للشعب الذي لم ينس مآثر أجداده وتاريخه المجيد من جهة، وتحذيراً لعتاة الإمبرياليين في الغرب من جهة أخرى، أولئك الذين لم ينسوا رغم كل المتغيرات دور روسيا التاريخي وثورتها ثورة أكتوبر في استنهاض الشعوب ألى النضال. لكن الفرق بين احتفالات اليوم والأمس على الصعيد الرسمي أن البرجوازيين الذين استولوا على السلطة في غفلة من الزمن يتجاهلون عمدأ دور الحزب الشيوعي السوفياتي والسلطة السوفياتية بقيادة يوسف ستالين كقائد لمسيرة النصر. ولا ينبغي أن ننسى أهمية هذه الذكرى نحن العرب أيضا إذ عدّنا النازيون المهزومون لاحقا على يد الشعب السوفياتي وجيشه الأحمر من بين الشعوب التي لا تليق بها الحياة، ولا يزال نازيو عصرنا على هذا الموقف العنصري المعادي لشعوبنا، فيرسلون إلينا جيوش الفاشية المرتدية لبوس الإسلام التكفيري لتدمر كل ما هو مشرق وواعد ومشرّف في تاريخنا، ويلجمون تقدمنا بالتهديد المستمر من خلال الدولة الصهيونية إسرائيل التي فرضوا وجودها بالإرهاب والخيانات العربية الرسمية وجعلوا وجودها أمراً واقعاً فرضوه حتى على ألد اعداء الصهيونية ستالين، ويساعدها في مسعاها كل الرجعيين العرب حراس آبار النفط الغربية في الأرض العربية الذين باتوا يشكلون حلفا مفضوحاً معها بحجة مقاومة المد الإيراني الشيعي.

السلطة الروسية الحالية وأربابها، أحفاد إيديولوجية الجنرال الخائن فلاسوف المتعامل مع هتلر تحت العلم المثلث الألوان نفسه والأحفاد السياسيون لجيش البيض المعادين للثورة والشيوعية والاتحاد السوفياتي، تجهد للتمسح والتبرّك بنصر المنتصرين الحقيقيين وتصادر العيد مفرغة إياه من مضمونه الطبقي ومعرضة للنسيان أو للافتراء والتشهير أبطاله الحقيقيين وقادته الفعليين. فتقيم المهرجانات والعراضات العسكرية تدعو إليها أو تستقبل فيها ـ لا فرق ـ أمثال نتانياهو (احتفالات العام الماضي) رئيس وزراء الدولة الصهيونية التي تمارس الأساليب النازية والفاشية نفسها على مرأى العالم كله ضد الفلسطينيين والعرب جميعا، وغزة شاهد دائم على هذه الأساليب، وتتحدث بحماس عن أن هذا العيد هو عيد الشعب كله (أي - في استعارة من الواقع اللبناني – المقاومة الوطنية اللبنانية وبعدها المقاومة الإسلامية، ومعهما "جيش لحد" وكل القوى الحليفة له سرا او علانية) بما أنه لم يعد "مؤدلجاً"، كما يحلو لهم أن يصفوه، ولا حكراً على الجيش الأحمر السوفييتي المكون من أبناء جميع قومياته وجمهورياته، ومن ضمنها أوكرانيا المحكومة من قبل الفاشيين حاليا، ولا خصوصا على النظام السياسي السوفييتي وقائده الأعلى ستالين الذي بقيادته أحرز هذا النصر. هذه الدعاية البرجوازية، إذ تقلل من أهمية دور الأيديولوجية والنظام السياسي، تجهد لإفراغ العيد من مضامينه، بعد أن ألغت الانتماء السوفياتي برمته وحرمت الناس من حقها في هذا الانتماء!

فالحرب الوطنية العظمى للشعب السوفياتي (كجزء أساسي من الحرب العالمية الثانية) كانت في الأساس حرباً طبقية بامتياز على أول دولة للعمال والفلاحين استفز قيامُها ونجاحاتها الباهرة في شتى المجالات - وبسرعة هائلة أرعبت البرجوازيين في العالم بأسره - الغربَ الرأسمالي بقيادة ونستون تشرتشل، فحث هذا هتلر على بدئها ووجّه أطماعه الهمجية التوسعية شرقاً باستغلال نقمة الألمان على المهانة وعلى تعويضات الحرب المضنية المفروضة عليهم بموجب معاهدة فرساي عام 1919 وتوق الاحتكارات الرأسمالية الألمانية إلى التمدد والاستعمار أسوة بغيرها من الاحتكارات بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، ولم يقف ضده إلا حين ارتعدت فرائصه خوفاً من أن ينقلب السحر على الساحر الذي أخرجوه من القمقم ويبتلع البرجوازيين كلهم "بدربه". آنذاك فقط، في 6 حزيران/يونيو عام 1944 فتحوا الجبهة الثانية التي طالما طالبهم بفتحها قبل ذلك ستالين لتخفيف الضغط عن الجيش الأحمر ولو قليلا. لقد كانت الحرب كعادتها صيغة مكثفة للصراع الاقتصادي بين النظامين، للصراع بين الأيديولوجيتين المتعارضتين كل التعارض، الرأسمالية والشيوعية، وكان الهدف المعلن للفاشية ولاتفاقية مكافحة الشيوعية بين ألمانيا واليابان عام 1936هو تدمير الشيوعية. لذلك، دافع الشعب السوفييتي عن أول دولة للعمال والفلاحين في العالم وعن سلطته السوفياتية وعن الحق في الحياة من دون تقسيم الناس إلى أسياد وعبيد. وهو انتصر في أفظع حرب في تاريخ البشرية حتى الآن. وكانت راية الانتصار هي العلم الأحمر، علم اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية حيث المنجل والمطرقة والنجمة الخماسية رمز وحدة العمال والفلاحين والجيش الأحمر. وفي تلك الحرب الوطنية العظمى للشعب السوفياتي التي توجت الحرب العالمية الثانية انتصرت الإيديولوجية الشيوعية.

وها هي اليوم بواكير فاشية جديدة تظهر كنتاج حتمي لأزمة الرأسمالية في تصرفات ترامب ومن قبله ومن سيأتي بعده. وما لم يستطع أن يفعله هتلر بالاتحاد السوفياتي من خلال الحرب الطاحنة على صعيد إعادته إلى حظيرة الرأسمالية والتفرقة الطبقية والاستغلال وهيمنة الطفيليين على المجتمع تقوم به اليوم السلطات البرجوازية في روسيا ومعظم جمهوريات الاتحاد السوفياتي الأخرى سابقا الشبيهة بها من خلال حرب ناعمة تحل فيها السياسة والمال ووسائل الإعلام والانتخابات وشراء الضمائر وغيرها من الأساسليب محل الحرب الساخنة الفظة. والفاشية تعود اليوم مرة أخرى لترفع رأسها من دون تخفٍّ وتمويه في وسط أوروبا، في أوكرانيا مثلا، وفي جمهوريات البلطيق السوفياتية سابقا، وتجرب حظها في أرمينيا وجورجيا ومولدافيا وغيرها، ويظهر صعود الفاشية في نتائج الانتخابات التي تجري في العالم الغربي هنا وهناك حيث يترأس المهرجان الانتخابي تنافس اليمين الصليبي واليمين المتصهين المدعي زوراً أحيانا كثيرة أنه يسار ديمقراطي متنور. ومرة أخرى، كما كان من قبل، يحتاج رأس المال إلى الفاشية في صراعه مع الشعب العامل. وتحظى الفاشية كعادتها برعاية الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة وسائر أعداء الشغيلة الآخرين. ومرة أخرى تسفك الدماء ويقسَّم الناس ويفرَّقون ليُحكموا ويساد عليهم، وترتكب في حقهم الفظائع الرهيبة.

الشعب السوفياتي انتصر في الحرب على الفاشية في خلال خمس سنوات تقريبا لأنه بفضل القيادة الصلبة والحكيمة وما سمي في الغرب بالستار الحديدي استجمع كل طاقاته ووعيه السياسي الطبقي واستفاد من تحالفاته حتى مع البرجوازيين في العالم الذين دعموا هتلر وسلحوه في البداية بهدف استخدامه في سحق الشيوعية وقدم تضحيات بشرية ومادية جمة لأجل هذه المهمة الجلل. والشعب في سوريا الشقيقة استفاد في أيامنا ويستفيد في غياب الدولة الاشتراكية السوفياتية من التحالف مع البرجوازيتين الصاعدتين الإيرانية والروسية المتعارضة مصالحهما تعارضا شديداً مع مصالح جماعة العولمة وأحادية القطبية في الغرب للدفاع عن وطنه وعن مكتسباته السابقة التي أحرزها بمساعدة الاتحاد السوفياتي. ولا يزال العامل السوفياتي يلعب دوره في تأمين مقومات هذا التحالف من خلال تضحيات الجيش الروسي أفراداً وضباطاً وطيارين في سوريا.
أما نحن العرب فلا يزال يعوزنا الكثير من هذه الخصائص والخصائل في خوضنا للمعارك الفاصلة مع الإمبريالية وإن تبدّى بعض منها في مقاومة شريفة خيضت في جنوب لبنان وفي ردع الدواعش الإمبريالية، ولم ننضج بعد لبعضها الآخر. فلا يزال الطابع الطائفي والديني والقبلي المتخلف يطبع الكثير من صراعاتنا ومقاوماتنا، وتستمر البرجوازية في قيادة نضالنا التحرري. وهذا مفهوم نظراً لتخلفنا اقتصادياً وضعف الطبقة العاملة ودورها في ظل العولمة واستئثار بعض بلدان آسيا وعلى رأسها الصين بإنتاج السلع الرخيصة للعالم كله وبالتالي ضعفنا سياسيا وثقافيا وروحياً. وعلينا نحن الواعين لهذا الواقع أن نعمل كل ما نقدر عليه لتجاوز هذا التخلف رغم الصعوبات. والأمر الأهم هنا هو توضيح الطريق الصحيح للكفاح وتصويب الشعارات وتغليب الطبقي والوطني فيها لدحر التأثير الطائفي والمذهبي والانتهازي أيضاً، لأن التحليل اللاطبقي للظواهر يقودنا حتماً إلى الهزيمة والضياع. ووحدة قوى اليسار العربي الرافضة للنزعة الانتهازية المستشرية في زمننا كفيلة برد الاعتبار لهذا اليسار لدى الشعوب العربية وتلك التي هي من أصول غير عربية في عالمنا العربي.
وفي هذه المناسبة نهنئ الشعب السوفياتي المناضل كله بعيد النصر ونتمنى له تصحيح عقارب ساعة التاريخ والسير مجدداً في طريق التقدم والعدالة الاجتماعية الحقة. ونأمل أن تنظم الطبقات المسحوقة في عالمنا العربي صفوفها لتأخذ دورها التاريخي في قيادة حركة التحرر العربية وتلفظ العجز الذي هي فيه تجاه البرجوازيتين العالمية والمحلية وتكف عن ندب حظها التعيس مع كلتيهما في الملمات الصعبة.