إننا عندما تهتم بالعمل على تغيير الواقع نصطدم بالفساد وبصيرورة الفساد جزءا من حياة الناس...


محمد الحنفي
2019 / 5 / 8 - 17:33     

ألم يحن الوقت بعد لنستيقظ من نومنا، يوما ما، ونجد أن كل شيء، في هذه الحياة، قد صار في متناول الناس على قدر حاجتهم، ما داموا ينتجون على قدر استطاعتهم، وطبقا لما يقتضيه الحق والقانون؟

لقد تعب الناس جميعا، بسبب ما يسود في المجتمع، من فساد إداري، وسياسي، واقتصادي، واجتماعي، وثقافي. وقد كان المفروض أن يلتئم المتضررون، والمتضررات، من سيادة الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري. ولكنهم، للأسف الشديد، لا يلتئمون. فإذا وجدت مجموعة من اليساريين، أو الحقوقيين، أو الجمعويين، أو التربويين، أو التنمويين، الذين يعانون من الفساد بكرة، وطول النهار، وعشية، بل وحتى خلال الليل هناك فساد.

فكيف تتقبل المواطنات، ويتقبل المواطنون، ممارسة كل أشكال الفساد في واقعهم، وفي حياتهم اليومية؟

ولماذا لا يعملون على محاربة الفساد، بأنواعه المختلفة؟

لماذا ينخرطون في إعادة إنتاج الفساد، في حياتهم اليومية؟

لماذا تقبل المواطنات، ويقبل المواطنون، بأنفسهن، وبأنفسهم، كممارسات، وكممارسين لفساد الإرشاء، والقبول بالتعامل مع الموظفات، والموظفين، المرتشيات، والمرتشين، في الإدارة المغربية؟

ولماذا يتحولن، ويتحولون إلى مجرد بضاعة تباع، وتشترى في أسواق النخاسة، كلما كانت هناك انتخابات غير حرة، وغير نزيهة؟

ولماذا يقبلن، ويقبلون، بتحولهن، وتحولهم إلى حزبيات، وحزبيين، في أحزاب لا يعرفن، ولا يعرفون عنها شيئا، كلما كانت هناك انتخابات تنخرط فيها، وتقودها الأحزاب الفاسدة: الإدارية، وحزب الدولة؟

ألا يعرفون أن ممارستهن / ممارستهم تلك، مساهمة في ترسيخ الفساد في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري؟

ألا يعتبر هؤلاء الناس رجالا ونساء أن إنتاج الفساد أو إعادة إنتاجه جريمة في حق الواقع، وفي حق الأجيال الصاعدة، التي تصير بدورها فاسدة؟

ألا يرين / يرون: أن إعادة إنتاج الفساد، أو تأكيد ماهو قائم منه، أو إقراره، تنكر لكل العناصر الجميلة في الواقع، واستفزاز لها؟

لماذا يطالب المواطنون بتجميل الواقع، في الوقت الذي لا يمارسون إلا تشويهه، بممارستهم السرية، والعلنية؟

أليس ما يكون عليه الواقع، مرتبطا بطبيعة العقلية السائدة في المجتمع، الذي ننتمي إليه جميعا؟

ألا نعتبر: أن العمل على تطوير عقلية المجتمع، وتقدم تلك العقلية، يساهم بشكل، أو بآخر، في تجميل الواقع؟

ألا يؤدي فساد العقلية، إلى فساد الواقع؟

وبالمقابل: ألا تؤدي العقلية المتطورة، والمتقدمة، إلى إنتاج واقع متقدم، ومتطور؟

ألا نعتبر أن تطور الواقع، وتقدمه، لا يتم إلا باستئصال الفساد منه؟

أليس المجتمع المتقدم، والمتطور، معنيا باستئصال الفساد من الواقع، حتى يصير متقدما ومتطورا؟

أليس استئصال الفساد من الواقع، مساهمة في إعداد الأجيال المتقدمة، والمتطورة؟

أليس إعداد الأجيال المتقدمة، والمتطورة، قطعا مع كل أشكال الفساد؟

ألا يساهم القطع مع كل أشكال الفساد في تجميل الواقع، وتقدمه، وتطوره؟

إن غاية الوجود المجتمعي / البشري / الإنساني، على الأرض، أن يعيش حياة الجمال، التي لا وجود فيها لشيء اسمه الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وأن هذا الجمال يتأكد بتغيير العقلية السائدة، وأن هذه العقلية المتغيرة، تعطي وجها آخر للمسلكية الفرديةن والجماعية، التي تصير منسجمة مع جدلية الواقع المصوغ، وفق ما تقتضيه العقلية المتقدمة، والمتطورة.

وللوصول إلى تكريس جمالية العقلية، التي تصوغ جمالية الواقع، لا بد من:

1) عدم تقبل المواطنات، والمواطنين، ممارسة كل أشكال الفساد في واقعهن، وفي واقعهم، وفي حياتهن، وفي حياتهم اليومية، وإذا كان هناك من بين المواطنات، والمواطنين، فاسدات، وفاسدون، يقبلن، ويقبلون بممارسة الفساد، فإن ذلك لا يعني أن كل المواطنات يقبلن، وكل المواطنين يقبلون، ممارسة كل أشكال الفساد، الذي لا يمارسه إلا من كانت مصلحته الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو الثقافية، أو السياسية، أو الإدارية فيه. وهؤلاء الفاسدات، والفاسدون، لا بد أن يأتي يوم للتخلص منهن، ومنهم، لتحقيق مجتمع عادل، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية والمعنوية.

2) المسئولون، في مستوياتهم المختلفة، لا يعملون على محاربة الفساد، بأنواعه المختلفة، لأن وجودهم، في مسؤولياتهم المختلفة، قائم على أساس وجود الفساد، ولأنهم لا يستطيعون الاستمرار في تحمل المسئولية، في مجتمع لا وجود فيه للفساد، بأنواعه المختلفة؛ لأن انتشار الفساد، وتجذره في الواقع، بأشكاله المختلفة، سيكون، بدون شك، مصدرا للثراء، وتراكم الثروات، لدى المسئولين، وعائلاتهم، ولا بأس أن يترتب عن ذلك إفقار غالبية الشعب، مهما كان موقعهم، من علاقات الإنتاج القائمة، على سيادة الفساد، إلى درجة أن المسؤول الفاسد، هو في نفس الوقت، جزء لا يتجزأ من النظام الفاسد. والنظام الفاسد، لا يمكن أن يستمر إلا على أساس تجذر الفساد، وإعادة إنتاجه، على جميع المستويات.

3) والعناصر الفاسدة في المجتمع، تنخرط، ومن الباب الواسع، في إعادة إنتاج الفساد، في الحياة اليومية، وفي كل مجالات الحياة، لضمان استمرارها، حتى تطمئن على واقعها أولا، وتضمن استمرار استفادتها من تجار الفساد في الواقع ثانيا، وتسعى إلى إعادة إنتاج الفساد كمهمة أساسية في حياتها اليومية ثالثا، وتساهم في استمرار تجذر الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، في الواقع المتخلف، الذي لا وجود فيه لمن يقاوم الفساد.

4) والمواطنات اللواتي يقبلن بأنفسهن، والمواطنون الذين يقبلون بأنفسهم، كممارسات، وكممارسين لفساد الإرشاء،، والارتشاء في الإدارة المغربية، إنما يقمن، ويقيمون سدودا منيعة، تحول دون مقاومة الفساد من أي كان، وأينما كان؛ لأن الإرشاء، والارتشاء، أصبحا من المسلمات الحاضرة في المسلكية الفردية، والجماعية، خاصة، وأن أي مواطن، أو أية مواطنة، إذا اتجه إلى أي إدارة، تكون، ويكون، حاملة، أو حاملا للاستعداد للإرشاء، لأن أي مسئول، أو مسئولة، في أي إدارة، تكون مستعدة، ويكون مستعدا للارتشاء. وهو ما يعني: أن مقاومة الفساد، يبدأ من الإرشاء، والارتشاء، باعتبارهما وباء يصيب الجميع، ويحتاج إلى مصل للقضاء عليه.

5) والمواطنات، والمواطنون، يتحولن، ويتحولون إلى مجرد بضاعة، تباع، وتشترى في أسواق النخاسة، كلما كانت هناك انتخابات غير حرة، وغير نزيهة، لأن من يترشح في تلك الانتخابات، يدرك، ويدرك معه من يشترون ضمائرهم، أنه لا يكون في خدمة مصالحهم، وأنه لا يخدم إلا مصالحه الخاصة؛ لأن الانتخابات، غير الحرة، وغير النزيهة، هي التعبير الفعلي عن تمكن الفساد من الضمائر الحية، التي لم تعد حية، والتي تحولت إلى مجرد بضاعة، تباع، وتشترى في أسواق النخاسة.

6) والمواطنات، والمواطنون، أيضا، يقبلن، ويقبلون، كذلك، بالتحول إلى حزبيات، وحزبيين، في حزب الدولة، أو في الأحزاب الإدارية، التي لا يعرفن، ولا يعرفون عنها شيئا، ولا يدركن، ولا يدركون سياق وجودها أصلا، كلما كانت هناك انتخابات، وبالمقابل، لا تدوم الدعاية لها إلا ثلاث عشرة يوما، لأن الأحزاب المذكورة، هي أحزاب فاسدة أصلا، ولا يمكن أن تكون إلا في خدمة الفساد، والفاسدين، ولا يمكن أن تسعى إلى خدمة مصالح الشعب، خاصة، وأنها تكتري من يقوم بالدعاية لها، وفي نفس الوقت، تشتري من يصوت على مرشحيها. وهو ما يعني: أن الأحزاب فاسدة، وأن الأحزاب الفاسدة آتية من أصل فاسد، وأنها لا تعمل إلا على نشر الفساد، وتجذيره في الواقع المتخلف، والفاسد، الذي أنتج تلك الأحزاب، حتى يضمن سيادته فيه، وتحكمه في مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي لا يكون بدوره إلا فاسدا، خاصة، وأن الفساد، لا ينتج إلا الفساد.

7) والعاملون، كمنخرطين في حزب الدولة، وفي الأحزاب الإدارية، التي خططت الدولة وأدواتها السابقة، (إدريس البصري)، لإنشائها في سبعينيات، وثمانينيات القرن العشرين، وفي العشر الأوائل من القرن الواحد والعشرين، بمقابل يومي، يدركون جيدا، أن ممارستهم تلك، هي مساهمة في ترسيخ الفساد في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري؛ لأن ترسيخ الفساد، وتجذره في الواقع، يحيل، في مجتمع متخلف، كالمجتمع المغربي، الذي لا يختلف عن المجتمعات المتخلفة، في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، إلى غاية قصوى، في عرف وفي ممارسة كل فاسد، حتى وإن كان منخرطا في الدعاية الانتخابية، بمقابل يومي، لحزب الدولة، أو لأي حزب إداري، أو كان من الذين يبيعون ضمائرهم في سوق النخاسة.

8) وهؤلاء يعتبرن، ويعتبرون، أن إنتاج الفساد، أو إعادة إنتاجه، جريمة في حق الواقع، وفي حق الأجيال الصاعدة، التي تصير بدورها فاسدة، ما لم يأت من يعمل على مصادرة كل أشكال الفساد، وعدم تأكيد ما هو قائم منها، حتى يتأتى خلو الواقع، من كل مظاهر الفساد، لإنقاذ الأجيال الصاعدة منه.

وللعمل على أن تنشأ هذه الأجيال، على أساس من نمط التربية، المؤدية إلى جعل المجتمع خال من كل أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، فإن الفساد سيصير سيد الموقف، أو يتأكد ما هو قائم منه، أو إقراره.

9) وإعادة إنتاج الفساد، تنكر لكل الخصال الجميلة في الواقع، واستفزاز لها، مما يؤدي، بالضرورة، إلى اعتبار الفساد مصدرا للوجود، ليصبح المجتمع، برمته، قائما على نشر الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، إلى درجة أن معظم من تجمعت حولهم قمامة الفاسدين، يعتبرون فاسدين. والفاسدون، لا ينتجون، في واقعنا، إلا الفساد. والواقع الفاسد، لا يستفيد منه إلا الفاسدون، فكأن الفساد جزء لا يتجزأ من الواقع، وكأن الواقع، والفساد، متلازمان، لا يوجد أحدهما إلا بوجود الآخر.

10) ولذلك، نجد أن محاربة الفساد، أصبحت مهمة صعبة، لا يقوم بها إلا المناضلون الأوفياء، للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والذين فرض عليهم أن يعيشوا في ظروف الفساد. والأوفياء، كذلك، للشعب المغربي، الذي نخر الفساد كيانه. وهذا الوفاء الذي يحكم ممارسة هؤلاء المناضلين، هو الزاد الذي يستمدون منه قوتهم، في مواجهتهم الشرسة للفساد.

11) والمواطنات، والمواطنون، عندما يطالبن / يطالبون بتجميل الواقع، إنما يمارسون الازدواجية في أبشع صورها؛ لأنه في ممارستهم اليومية: السرية، والعلنية، يشوهون الواقع، بمظاهره المختلفة، بممارستهم لكافة أنواع الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري.

12) وهؤلاء الذين يطالبون بتجميل الواقع، هم أنفسهم الذين يرشون العاملين في الإدارة المغربية، على اختلاف مستوياتهم، وهم الذين يبيعون ضمائرهم، وهم الذين يتقدمون بالطلبات، من أجل منحهم الريع المخزني، وهم الذين يتاجرون في الممنوعات، وهم الذين يهربون البضائع، من، وإلى المغرب. وهم الذين لا يخلصون في عملهم، ويفسدون كل شيء في واقعهم. ومع ذلك، فهم يطالبون بتجميل الواقع، الذي يسيئون إليه.

13) وبناء على ما رأينا، فإن المطالبة بتجميل الواقع، تقتضي الامتناع عن العمل على إفساده، حتى يكون المطالبات منسجمات مع أنفسهن، والمطالبون منسجمين مع أنفسهم، بامتناعهن، وبامتناعهم عن ممارسة كافة أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ لأن المطالبة بتجميل الواقع وحدها، ليست كافية، بل لابد أن تكون مصحوبة بالامتناع عن ممارسة الفساد.

14) وما يكون عليه الواقع، مرتبط بطبيعة العقلية السائدة في المجتمع، الذي ننتمي إليه جميعا. فإذا كانت العقلية متقدمة، كان الواقع متقدما، وإذا كانت متطورة، فإن الواقع لا يكون إلا متطورا، أما إذا كانت العقلية متخلفة، فإن الواقع لا يكون إلا متخلفا. والتخلف هو سيد الموقف في هذا العصر، الذي نعيش فيه، والذي أصبح فيه العقل أسير الغيبيات، وأسير الفكر الظلامي / الإرهابي، مما يجعل الواقع، كذلك، أسيرا للغيب، وللفكر الظلامي / الإرهابي، مما يجعل العمل على تحرير العقل البشري، من التخلف، ومن الظلامية، ومن الفكر الإرهابي، من أولى الأولويات، لجعل العقل الإنساني متحررا: جملة، وتفصيلا.

15) ويمكن أن نعتبر: أن العمل على تطوير عقلية المجتمع، وتقدم تلك العقلية، يساهم بشكل، أو بآخر، في تجميل الواقع. والواقع لا يصير جميلا، إلا بخلوه من الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. ولخلو الواقع من الفساد، لا بد أن نسلك الطريق الصحيح، الذي يقتضي منا إعادة النظر في البرامج الدراسي، الذي يجب اعتماد مادة التربية على حقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، والتربية على حقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وأن تتضمن التربية على حقوق الإنسان، تدريس الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، بالإضافة إلى إعادة النظر، في البرامج الإعلامية، التي يجب أن تركز عل إبراز الأمراض الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل تنفير الناس عنها، وتقديم البديل لتلك الأمراض، من أجل تجنب تنفير الناس عنها، وتقديم البديل لتلك الأمراض، من أجل تحبيب أفراد المجتمع لذلك البديل؛ لأن التعليم، والإعلام، يقومان بدور أساسي، في إعداد التصور الذي يكون عليه المجتمع، من أجل أن يصير خاليا من كل أشكال الفساد.

16) ومعلوم، أن فساد العقلية، يؤدي، بالضرورة، إلى فساد الواقع. ولذلك فتقويم عقلية المجتمع، والعمل على جعلها عقلية موضوعية / علمية / علمانية / ديمقراطية / حقوقية، أصبحت ضرورة مرحلية / استراتيجية، حتى تعمل العقلية التي تصير سائدة، على نفي الفساد من الواقع، ليصير خاليا منه، ومتشكلا وفق العقلية المتمكنة منه، والصانعة له، من أجل أن ينخرط واقعنا في عالم، لا وجود فيه إلا للحق والقانون، بعد أن تخلص من المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، وباقي مظاهر الفساد السياسي، التي لم يعد الواقع المحكوم بالعقلية المتقدمة، والمتطورة، يقبل بها، لخضوعه لمقتضيات الحق، والقانون، الذي يصبح هو المبتدأ، وهو الخبر، ولا شيء آخر، يبقى واردا في الممارسة الفردية، والجماعية، على مدار الساعة، ليختفي الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، من الواقع الذي نعيشه.

17) ومعلوم أيضا، أن العقلية المتقدمة، والمتطورة، لا بد أن تؤدي إلى إنتاج واقع اقتصادي، واجتماعي، وثقافي، وسياسي، متقدم، ومتطور، خال من كل مظاهر الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري؛ لأن المتقدم، والمتطور، في كل مجالات الحياة، لا يمكن أن يمارس الفساد، وأن ينتجه، وأن يصل إلى إشاعته في المجتمع؛ لأن الفساد، والتخلف، في العقلية، وفي الفكر، وفي الممارسة، متلازمان؛ ولأن الفساد، والتقدم، والتطور، في العقلية، وفي الممارسة، متناقضان، إلى درجة التنافي القائم بينهما، مما يجعل المجتمع المتخلف، ملازما لكل أشكال الفساد، والمجتمع المتقدم، والمتطور، خاليا منها، وبالتالي، فإن الطبقات الاجتماعية المتخلفة، والمستفيدة، من كل مظاهر الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، تعمل على إعادة إنتاج نفس مظاهر الفساد المتخلفة. والطبقات الاجتماعية المقهورة، والمتضررة من كل مظاهر الفساد في المجتمع، تحرص على محاربة الفساد، الذي تتضرر منه، وتعمل على تقدم المجتمع وتطوره، بعيدا عن عن كل إنتاج، لكل أشكال الفساد، وسعيا إلى تقدم المجتمع، وتطوره، في أفق بناء مجتمع من نوع جديد.

18) والحريصون على بناء مجتمع من نوع جديد، يعتبرون أن تقدم الواقع، وتطوره، لا يتم إلا باستئصال الفساد منه. وهو ما يعني: أن استئصال كل أشكال الفساد، من المجتمع، تقتضي التعبئة اليومية لكل الأفراد، والجماعات، ولكل المجتمع، وللشعب ضد الفساد الممارس، في الواقع، من أجل الامتناع عن ممارسته، مهما كانت الاستفادة منه. وذلك بإعادة النظر في كل البرامج المدرسية، والجامعية، حتى تكون جديرة بإعداد أجيال من نوع جديد، تمتنع، تلقائيا، عن إنتاج كل أشكال الفساد، وبإعادة النظر في البرامج الإعلامية: السمعية / البصرية، والمقروءة، والإليكترونية، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، حتى تساهم بشكل، أو بآخر، في تعبئة جميع أفراد الشعب، ضد الفساد، بالإضافة إلى تقديم الدعم اللازم، إلى الجمعيات الحقوقية الساعية إلى إشاعة حقوق الإنسان، والتربية عليها، وإلى الجمعيات الثقافة الجادة، والهادفة إلى إشاعة القيم الثقافية النبيلة في المجتمع، وإلى الجمعيات التربوية، الجادة، والساعية إلى إشاعة تربية نوعية، حتى تؤدي دورها، كما يجب، في محاربة كل أشكال الفساد، في أفق بناء مجتمع متقدم، ومتطور بدون فساد.

19) والمجتمع المتقدم، والمتطور، معني باستئصال الفساد من الواقع، حتى يصير متقدما، ومتطورا؛ لأن غاية المجتمع المتقدم، والمتطور، من استئصال الفساد، هي إنضاج شروط التنشئة الجديدة، القائمة على أساس التقدم، والتطور، في كل المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من منطلق ما يتصوره الإنسان المتقدم، والمتطور، مساهمة منه في إعداد الأجيال الصاعدة، على أساس محاربة الفساد المادي، والمعنوي، وفي مجتمع يصير خاليا من كل أشكال الفساد، مما يجعل المجتمع يشق طريقه في اتجاه التقدم، والتطور، النابع من الإرادة السياسية السليمة، من أجل ذلك، غير أن عملية استئصال الفساد، في تمظهراته المختلفة، سوف تعرف صعوبة كبيرة، نظرا لتمسك الفاسدات، والفاسدين، والدولة الفاسدة، والحكومة الفاسدة، والأجهزة الإدارية الفاسدة، والأحزاب الإدارية الفاسدة، وحزب الدولة الفاسد، وحزب مؤدلجي الدين الإسلامي الذي أفسد نفسه بأدلجة الدين الإسلامي، وهذه الإطارات، الممارسة لكل أشكال الفساد، السري، والعلني، القاضية باستمرار التخلف في واقعنا، الذي لا يعني إلا استمرار كل مظاهر الفساد فيه.

ولتجاوز وضعية التمسك بممارسة كافة أشكال الفساد، يجب الحرص على المطالبة بتفعيل القوانين المعمول بها، والنضال من أجل ملاءمتها مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وممارسة الاحتجاج الشعبي، وفي إطار ممارسة التضامن، بين جميع الفئات الشعبية، المتضررة من الفساد، ومقاضاة ممارسي، وممارسات الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وتعبئة كل الفئات الشعبية ضدهم، وتفعيل الجمعيات الحقوقية، والنقابات المبدئية / المبادئية من أحل مساندة الفئات المتضررة، في أفق ممارسة الضغط، من أجل توقف الفاسدات، والفاسدين، عن ممارسة الفساد المادي، والمعنوي، وبأمر من المسئولين الذين يستشعرون خطر الفساد الداهم، الذي يحرق الأخضر، واليابس، وصولا إلى القضاء على الفاسدات، والفاسدين، حتى لا تقف الفاسدات، ويقف الفاسدون، في وجه إنتاج التقدم، والتطور، المنتجين لصلاح الواقع، المنتج، بدوره، لمزيد من التقدم، والتطور.

20) وعلى أساس القضاء على الفاسدات، والفاسدين في المجتمع، حتى لا يصرن، ولا يصيرون عقبة في وجه التقدم، والتطور، نجد أن إعداد الأجيال الصاعدة ،على أساي التقدم، والتطور، سوف تقطع قطعا مطلقا، مع كل أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري؛ لأن نشأتها على التقدم، والتطور، تجعل تلك الأجيال، ترفض ممارسة كل أشكال التخلف، التي ترجع بالمجتمع إلى الوراء. مع العلم، أن تمسك الأجيال الصاعدة بالتقدم، والتطور، سيكون له شأن كبير، في دحر كل مظاهر الفساد المنتمية إلى جنس التخلف، حتى يصير الواقع متقدما، ومتطورا، بصفة تلقائية، ودونما حاجة إلا إلى استمرار القرار السياسي، في إعطاء الكلمة إلى الأجيال الصاعدة من الشعب، بعد تحقق التحرر، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية.

وانطلاقا من أن كل ما رأيناه، يساهم، بشكل كبير، في القطع مع كل أشكال الفساد المذكورة، حتى يساهم أبضا، وبشكل كبير، في تجميل الواقع، وتقدمه، وتطوره؛ لأن تجميل الواقع، وتقدمه، وتطوره، لا بد أن يؤدي إلى تجاوز وضعية الفساد، التي تنخر كيان المجتمع، سواء كان الفساد اقتصاديا، أو اجتماعيا، أو ثقافيا، أو سياسيا. وذلك من خلال تجاوز تقبل المواطنات، والمواطنين، ممارسة كل أشكال الفساد في واقعهن، وفي واقعهم، أثناء ممارسة حياتهم اليومية، وعدم العمل على محاربة كل أشكال الفساد المختلفة، وانخراطهم في إعادة إنتاج الفساد في حياتهم اليومية، والقبول بأنفسهن، وبأنفسهم، كممارسات، وممارسين لفساد الإرشاء والارتشاء، في العلاقة مع الإدارة المغربية، وتحولهن، وتحولهم، إلى مجرد بضاعة تعرض في سوق النخاسة، كلما كانت هناك انتخابات غير حرة، وغير نزيهة، والقبول بتحولهن، وتحولهم، إلى حزبيين، لا يعرفون عنها شيئا، كلما كانت هناك انتخابات، تنخرط فيها، وتقودها الأحزاب الفاسدة، مثل الأحزاب الإدارية، وحزب الدولة، لأنهم لا يدركون أن ممارستهم تلك، تساهم في ترسيخ الفساد في الواقع، مع اعتبارهن، واعتبارهم: أن إنتاج الفساد، أو إعادة إنتاجه، جريمة في حق الواقع، وفي حق الأجيال الصاعدة، التي تصير بدورها فاسدة.
وهؤلاء المواطنات والمواطنون، يرين، ويرون: أن إنتاج الفساد، أو إعادة إنتاجه، أو تأكيد ما هو قائم منه، أو إقراره، تنكر لكل العناصر الجميلة في الواقع، واستفزاز لها.

والمواطنات، والمواطنون، المتضررات، والمتضررون، من ممارسة كل أشكال الفساد، يطالبن، ويطالبون، بتجميل الواقع، في الوقت الذي لا يمارسن ولا يمارسون فيه إلا تشويهه بالممارسة السرية، والعلنية للفساد. وما يكون عليه الواقع، مرتبط بالعقلية السائدة في المجتمع، الذي ننتمي إليه.

ونحن نعتبر: أن العمل على تطوير عقلية المجتمع، وتقدم تلك العقلية، يساهم بشكل، أو بآخر، في تجميل الواقع، ما دام فساد العقلية، يؤدي، بالضرورة، إلى فساد الواقع. وفي مقابل ذلك، فإن العقلية المتطورة، والمتقدمة، تؤدي إلى إنتاج واقع متقدم، ومتطور. كما نعتبر أن تطور الواقع، وتقدمه، لا يتم إلآ باستئصال الفساد منه. والمجتمع المتقدم، والمتطور، معني باستئصال الفساد من الواقع، حتى يصير متقدما، ومتطورا. واستئصال الفساد من الواقع، مساهمة في إعداد الأجيال المتقدمة، والمتطورة، التي تقطع، وبصفة نهائية، مع كل أشكال الفساد، مما يعتبر مساهمة من تلك الأجيال، في تكريس تجميل الواقع، وتطوره.

وبذلك نكون قد تناولنا موضوع:

(إننا عندما تهتم بالعمل على تغيير الواقع، نصطدم بالفساد، وبصيرورة الفساد جزءا من حياة الناس...).

من كل الجوانب التي تقتضيها الأسئلة التي طرحناها، في بداية المعالجة، حتى تحكم مسار البناء، خطوة، خطوة، وصولا إلى الخلاصة التي انتهينا إليها، والتي تتلخص في أنه لا تقدم مع الفساد، أو أن السعي إلى التقدم والتطور، مقرونان بمحاربة الفساد، باعتباره المركز المحوري لمظاهر التخلف، في جميع المجالات التي ذكرنا، وأن كون التقدم نقيض للتخلف الملازم لانتشار كافة أشكال الفساد، فإن ذلك يعني: قيام صراع مرير بين من يستفيد من التقدم والتطور، وبين من يستفيد من التخلف. وبما أن المتمسكين بالتقدم والتطور يسعون إلى تغيير الواقع، والمتمسكين بالتخلف، يسعون إلى استدامته، لخدمة مصالحهم الخاصة، فإن الصراع بينهما، لا بد أن يؤدي إلى انتصار التقدم، والتطور، اللذين يتجسدان في التحرر، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، في أفق بناء الدولة الاشتراكية.

ابن جرير في 01 أبريل 2019

محمد الحنفي