الوطنُ يستحقُّ أكثرَ.. والشعبُ يستحقُّ أفضلَ


سعود قبيلات
الحوار المتمدن - العدد: 6222 - 2019 / 5 / 6 - 19:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     





«سنتين مش خسارة بالبلد، الوطن يستحقّ أكثر».

هذا ما قاله المناضل الوطنيّ الشابّ صبري المشاعلة عند سماعه للنطق بقرار الحكم عليه بالسجن سنتين بموجب قانون «إطالة اللسان» القروسطيّ.

وبموجب قوانين تكميم الأفواه، عموماً، وأبرزها قانون إطالة اللسان هذا، نفسه، وقانون الجرائم الإلكترونيّة الذي تسعى السلطة الحاكمة لتغليظه وتوسيع «الجرائم» المشمولة به، يوجد في سجون ومعتقلات النظام في الأردن العديد من السجناء والمعتقلين الآخرين الذين سُجِنوا بسبب كلمةٍ نطقوا بها أو كتبوها على مواقع التواصل الاجتماعيّ. ومنهم:
سالم جرادات؛
المعتصم بالله السالم؛
أحمد طبنجة الكناني؛
أحمد اللحام؛
وليد حجازات؛
عبد الله الوريكات؛
علي الدماني الحويطات؛
سويلم علي المشاقبة؛
أحمد عدنان محيسن؛
معاوية الشواورة؛
طه الدقامسة؛
علي خريسات؛
سمير النمراوي؛
سالم أحمد العبيدية..
وآخرون..

وهذا إضافة إلى عددٍ كبيرٍ من الشبّان والفتيات الحِراكيين الذين تمَّ ويتمّ استدعاؤهم إلى دائرة المخابرات للتحقيق معهم والضغط عليهم لكي يتوقَّفوا عن المشاركة في الاحتجاجات (خصوصاً احتجاجات الرابع).

وخلال الأيّام القليلة الماضية، تمَّ الاعتداء بالضرب على الشابّ الحِراكي عبد الله العموش أثناء وجوده في المستشفى على إثر حادثٍ تعرَّض له وهو يسير في الشارع العامّ المارّ بـ«جامعة آل البيت».

وفي فيديو بُثَّ له من المستشفى، ألمح العموش إلى أنَّ الحادث متعمّد.

وقد أثار هذا الحادث بكلّ تفاصيله (الاعتداء بالضرب و«حادث السير») ردودَ فعلٍ غاضبةً جدّاً.. خصوصاً مِنْ حِراك شباب قبيلة بني حسن الذي ينتمي إليه الشابّ المعتدى عليه.

وفي الفترة نفسها، تمَّت مداهمة بيت الناشط الحِراكيّ عبد الله محمّد بطّاح، وجرى الاعتداء عليه أمام زوجته وأطفاله ثمّ أُخِذَ إلى المعتَقل.

وكتبت ابنته، على صفحته في الفيسبوك، ليلة الجمعة الماضية، تقول:

«أبوي تمَّ اعتقاله اليوم وهو مصاب، والمركز الأمنيّ يرفض تحويله للمستشفى».

وكان الناشط بطّاح قد نشر قبل فترة صورَ فيديو عن أعمال الحفريّات الجارية لمدّ خطّ الغاز الإسرائيليّ إلى الأراضي الأردنيّة المرفوض من الشعب الأردنيّ.

يأتي هذا كلّه، في ضوء اشتداد تذمّر الناس من الفساد والفاسدين. الأمر الذي اضطرّت السلطات معه إلى اعتقال بعض المتّهمين الهامشيين بقضايا الفساد وتوجيه التُّهم لهم؛ في حين أنَّ كبار الفاسدين وأبرز رموز الفساد لم يقترب منهم أحد.. كما يلاحظ الكثير من الناس.

ويأتي هذا أيضاً، في ضوء اشتداد مطالبة الناس بالديمقراطيّة؛ حيث يحكم البلاد واحدٌ مِنْ آخر تسعة أنظمة ملكيّة أوتوقراطيّة في العالم. هي، بالإضافة إلى النظام في الأردن، أنظمة دول الخليج وسلطنة بروناي.

ويطالب النشطاء السياسيّون والحراكيّون والقوى السياسيّة بتعديلاتٍ دستوريّةٍ تفعِّل المبدأ الدستوريَّ القائلَ إنَّ «الشعب مصدر السلطات»، ما يترتَّب عليه أنْ تكون السلطة التنفيذيّة كلّها بيد حكومة منبثقة مِنْ برلمانٍ منتخبٍ انتخاباً ديمقراطيّاً نزيهاً يحقِّق التمثيلَ الصحيحَ للشعب الأردنيّ، وليست بيد الملك.. كما هو جارٍ الآن.

وتشمل التعديلات الدستوريّة المطلوبة، اقتران المسؤوليّة بالمساءلة، وتفعيل مبدأ فصل السلطات واستقلالها. وسوى ذلك من التعديلات الأخرى الضروريّة.

كما يطالبون باستعادة ثروات البلاد المنهوبة وأموالها المسروقة، وبالتنمية الوطنيّة، وبالعدالة الاجتماعيّة، وإنهاء التبعيّة، ورفض المؤامرات الهادفة إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح العدوّ الصهيونيّ وعلى حساب الشعبين الشقيقين.. الأردنيّ والفلسطينيّ.

وما يثير قلق النظام، بل رعبه، هو أنَّ قاعدته الاجتماعيّة أصبحت في الحضيض الآن؛ حيث أصبح يعيش على «الأجهزة» (الأجهزة بإيحاءاتها المختلفة) فقط. وهذا في حين أنَّ الحِراك (خصوصاً حِراك «الدوّار الرابع») أصبح يحظى بقاعدة اجتماعيّة واسعة، بل غير مسبوقة، رغم محدوديّة عدد المشاركين به حتّى الآن.

ففي دراسة أُعلِنَتْ مؤخَّرا، قام بها مركز «نما» للدراسات (يديره خبير استطلاعات الرأي المعروف الدكتور فارس بريزات)، جاء أنَّ النسبة الإجماليّة للأردنيين الذين يؤيّدون حِراك الرابع تبلغ 63%، وأنَّها ترتفع إلى 70% بين الأردنيين المتعلِّمين الذين يحملون شهادات أعلى من الثانويّة العامّة.

ونعود إلى قوانين تكميم الأفواه، التي تستخدمها السلطة الحاكمة لملاحقة الحِراكيين واعتقالهم وسجنهم، فنقول إنَّها قوانين تعتمد على مفرداتٍ عموميّةٍ فضفاضة؛ بحيث أنَّه يمكن استخدامها بسهولة حسب هوى السلطات ومآربها.

وقد فُصِّلتْ هذه القوانين خصَّيصاً لتحمي كبار الفاسدين من النقد والتشهير، ولتقيّد حريّة الناس في التعبير على مواقع التواصل الاجتماعيّ.

أهمُّ هذه القوانين وأخطرُها، هو قانون الجرائم الإلكترونيّة الذي لم تكتفِ السلطة بالعقوبات القاسية الموجودة فيه؛ بل إنَّها تسعى إلى تغليظها.

وفي لقاء عامّ لنشطاء سياسيين وحِراكيين عُقِدَ قبل أيّام في مدينة إربد، قال محامي وناشط حِراكي إنَّه بموجب هذا القانون، فإنَّ كلّ مواطن أردنيّ مهدَّد بالزجّ به في السجن لمدّة ستَّة أشهر.. إذا ما شاءت السلطات ذلك لأيّ سببٍ من الأسباب.

يمكن القول، بناءً على ذلك، إنَّ هذا القانون يجعل المواطنين الأردنيين جميعاً، «محكومين بالسجن مع وقف التنفيذ».

ويرى المحامي الدكتور محمّد الدهيمات، عضو تنسيقيّة (ائتلاف حراكات وقوى «مش ساكتين») التي تقود الحِراك، أنَّ النصّ في مشروع قانون الجرائم الإلكترونيّة الجديد على تجريم «الإشاعات» هو أخطر ما فيه.

فـ«في ظلّ غياب أيّ تعريف للإشاعة بموجب أحكام القانون – يقول الدهيمات – فإنَّ هذا سيؤدي إلى تحصين المسؤول العامّ مِنْ رقابة الرأي العامّ على أعماله، بينما المفترض أنَّ المسؤول يعلم أنّه بقبوله المنصب العامّ فهو معرّض للرقابة وعليه أن يقبل مِن الانتقاد واللوم والمساءلة وحتَّى الهجوم ما لا يُطلب مِن الشخص العاديّ قبوله».

ويتابع الدكتور الدهيمات قائلاً:

«وأمّا القول بأنَّ هذه المادّة جاءت لحماية الأشخاص من الابتزاز أو الشتم أو الذمّ فهو غير مقنع لأنَّ هذه الأفعال جميعها تُشكّل جرائم موصوفة ومُعاقب عليها ليس فقط في قانون العقوبات الساري المفعول بل وأيضًا في المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونيّة الحاليّ بموجب نصٍ قُصد به رفع الحدّ الأدنى للعقوبة خلافاً للحال في قانون العقوبات».

هذه الحملة على الحرّيّات وحقوق الإنسان، لم تعد موضع انتقادٍ محلِّيٍّ فقط؛ بل تجاوز الأمر ذلك إلى الخارج؛ حيث، خلال الأيّام الماضية، نشر ناشطون، على مواقع التواصل الاجتماعيّ، صوراً لمواطنين أردنيين قاموا بوقفاتٍ احتجاجيّةٍ، في أماكن مختلفةٍ من العالم، مطالبين (بلغات تلك البلدان وباللغة العربيّة أيضاً) بوقف هجمة النظام الشرسة على حُرّيّات الشعب الأردنيّ وحقوقه.

لقد جرت هذه الوقفات في: هولندا، والولايات المتّحدة، وفرنسا، والسويد، وأميركا الوسطى، وكندا، وتركيا، وبلجيكا وسواها.

ويخطِّط نشطاء سياسيّون لإطلاقِ عملٍ منسَّقٍ لتشديد هذه الحملة ودعوة المواطنين الأردنيين المنتشرين في مختلف أنحاء العالم إلى متابعة مبادرتهم التضامنيّة المحمودة، والتعبير عن مؤازرتهم لشعبهم في الوطن بكلّ وسائل التعبير الممكنة وعلى أوسع نطاق؛ بل ويفكِّر البعض، كذلك، في توسيع نطاق هذه الحملة ليشارك فيها أنصار الحُرّيّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان مِنْ مختلف أنحاء العالم.

وهذا كلّه، مِنْ دون أنْ تخفت حملة الشعب الأردنيّ، الجارية على أرض وطنه، ضدّ الفساد والاستبداد ومِنْ أجل الحُرّيّة والديمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة.

عاد النظام، إذاً، إلى أسوأ عاداته القديمة في القمع وتقييد الحُرّيّات. وبالمقابل، عاد الألق للنضال الوطنيّ الأردنيّ المجيد.. في ظلّ الزجّ بهذه الكوكبة الشجاعة من الوطنيين الأردنيين الأحرار في السجون، واستدعاءات المخابرات، ومداهمات البيوت والمستشفيات.

ختاماً،

إذا كان صبري المشاعلة قد ردّ على النطق بالحكم عليه بالسجن بأنَّ «الوطن يستحقّ أكثر»، فإنَّنا نقول:

نعم، والشعبُ، أيضاً، يستحقُّ أفضل.