شيوعية الزومبيات كحصيلة لرأسمالية القلق!


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 6212 - 2019 / 4 / 26 - 03:07
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

كما ذكرت من قبل, ان تأجيج النزعة الاستهلاكية لدى البروليتاريا وعموم الناس هو ما يبقي الرأسمالية على قيد الحياة, حيث تسوق النزعة الاستهلاكية وهم امكانيتها في كبح مشاعر الضجر والاغتراب, وهي المشاعر المصاحبة سرمديا للمجتمع الرأسمالي. ولكنها حلقة مفرغة, فالاغتراب والضجر يؤديان الى تأجيج النزعة الاستهلاكية كوهم او مخدر لمكافحة الاغتراب والضجر, وتأجيج النزعة الاستهلاكية يؤدي الى, او يزيد من, اغتراب البروليتاريا والاغلبية الساحقة من الناس.
وجهة نظر التحليل النفسي في البروليتاريا والحلم الامريكي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=502161&nm=1

واحصائيات منظمة الصحة العالمية تدعم وجود مثل هذا التوجه. فمعدل الاصابة بمرض الكآبة قد تضاعف الآن بما لا يقل عن عشرة اضعافه مقارنة بمعدله في نهاية الحرب العالمية الثانية, وذلك بالرغم من التطور الهائل في معالجة الكآبة حاليا باستخدام العقاقير والعلاج النفسي والتأهيل الاجتماعي والمهني.

ونلاحظ ان العديد من الناس في عصرنا الحالي يحاولون تجنب الملل كما لو انه طاعون العصر. عند شعورهم بالملل يسارعون على الفور لملأ الفراغ النفسي عن طريق فحص الفيسبوك أو تويتر أو إينستاجرام. واذا صادف وجودهم في طابور في متجر أو بوابة الصعود إلى الطائرة أو في المسرح يهرعون لاستخدام هاتفهم الذكي في سعيهم للخلاص من هلع "الكسل" القسري, وكأن الهاتف الذكي هو حبل المشيمة الذي يربطهم بالام وهم في رحمها في حالة نيرفانا وشعور مطلق بالامن. وقبل قرن ونصف، قال الفيلسوف Kierkegaard أن هذا الدافع للهروب من الحاضر عن طريق دوام اشغال أنفسنا هو أكبر مصدر من مصادر التعاسة.
Kierkegaard on Our Greatest Source of Unhappiness
https://www.brainpickings.org/2014/05/05/kierkegaard-on-presence-unhappiness/

ولكن المللل هو احد تعابير مشاعر القلق. الملل يتم مكافحته من خلال وباء الاستهلاك. والمعالجة هي معالجة افيونية تخديرية وتهدف الى "خداع" مشاعر الكآبة او "التحايل" عليها. ولكنها تفشل في عديد من الاحيان فتحل مشاعر الكآبة او القلق محل الضجر, وخصوصا عندما يعجز الافراد عن الاستهلاك بسب الفقر. فنحن نعلم ان رأسمالية القلق هي نتاج لتفشي الفقر. فحوالي نصف سكان الولايات المتحدة يعانون الآن من الفقر.
Half of Americans Are In´-or-Near Poverty: Here s More Evidence
https://www.commondreams.org/views/2017/10/16/yes-half-americans-are-or-near-poverty-heres-more-evidence

والفقر, ضمن اشياء اخرى, يحرم الناس من متعة الاستهلاك الافيونية, ويصبح حالهم حال المدمن على المخدرات الذي سينتكس الى الحالة التي سببت اصلا في تعاطيه المخدرات كالشعوربالفراغ والضياع والقلق عند فقدانه القدرة على الحصول على المخدر لاسباب مادية في الغالب.

وفي عصر الرأسمالية الحالية تحل مشاعرالقلق محل مشاعر الضجر او الملل. وهذه المشاعر تؤدي بالضرورة الى البحث عن زعيم قوي وطني يخاطب اكثر المشاعر بدائية في منتخبيه, زعيم شعبوي عنصري يفرق العمال ويشتتهم ببناءه الجدار, وكما يتجسد ذلك , مثلا, في ترامب وغيره من زعماء اليمين الشعبوي المتطرف.

لذا بقول البيان العاطفي-نشاطاتي بخصوص النشاط السياسي بالضد من رأسمالية القلق
"يجب أن يواجه النشاط مشاكلا حقيقية: الحرب والفقر والاضطهاد الطبقي والعنصري والفاشية الزاحفة و النيوليبرالية السامة. لكن ما نواجهه ليس فقط الجنود والبنادق بل رأس المال العاطفي: المجتمع التفاعلي، نظام معقد بشكل كبير. الشيء المذهل من وجهة نظر عاطفية هو الطابع الشبيه بالزومبي لهذا المجتمع، وتراجعه إلى الطيار الآلي، وحكمه السبيرنيتيكي. المجتمع النيوليبرالي منظم بشكل كبير, مشفر بشكل كبير. نظرًا لأن أنظمة التحكم جميعها مصنوعة من قبل التخصصات الفرعية مع إمكانية الوصول بدقة إلى التخصصات الأخرى, يجب أن يكون أصل أي صراع في مجالات المعرفة والسلطة خارج نطاق التخصص. "
THE AFFECTIVIST MANIFESTO
https://brianholmes.wordpress.com/2008/11/16/the-affectivist-manifesto/

وعلى حد تعبير احد مؤلفي البيان الشيوعي الثاني, انطونيو نيغري, لقد عززت النيوليبرالية تعدد الجهات الفاعلة الاجتماعية؛ فقد اسبغت التعددية على الكلية الاجتماعية: والآن تتدخل الدولة بكل سيادتها وبقلق التوازن العام في كل صراع ضئيل، في كل جزء من النضال. "أوه, كم هي جميلة هذه النيوليبرالية, فهي تسمح لنا برؤية الحكومة كنقيض لكل تفرد في عملية النضال!"
Negri, Antonio. 2013. The Winter is Over: Writings on Transformation Denied, 1989-1995. Minneapolis: University of Minnesota Pres

لقد سبب انتصار دونالد ترامب الرئاسي لعام 2016 المزيد من المشاعر في الانتخابات الأمريكية أكثر من أي مرشح سابق. هناك نشوة مفاجئة بين المؤيدين خلال تجمعاته الانتخابية - ناهيك عن شعور فريد من الخوف والقلق الذي يثيره في العديد من الناس, وبضمنهم الليبراليين، وحتى في العديد من المحافظين. عندما قام باتريك هيلي وماجي هابرمان من صحيفة نيويورك تايمز, في نهاية عام 2016، بتحليل 95000 كلمة من خطب ومقابلات ترامب، لاحظا "نمطًا من تفوق النداءات العاطفية على النداءات العقلانية", وهو تكتيك تمارسه أيضًا الشعوبية السياسية كما في حالة جوزيف مكارثي وباري جولد ووتر.
95,000 Words, Many of Them Ominous, From Donald Trump’s Tongue
https://www.nytimes.com/2015/12/06/us/politics/95000-words-many-of-them-ominous-from-donald-trumps-tongue.html

والسبب في أن فوز ترامب - بسبب، كما يشير مايكل كازين (2016), إلى الانهيار البطيء الطويل الامد لليسار الشعبي والارتفاع اللاحق لليمين الشعبوي- ينبغي اعتباره ظاهرة عاطفية ليس فقط بسبب ردود الأفعال الشديدة التي ألهمها, ولكن ايضا لأن حملة ترامب التي تم نشرها بفعالية نجحت في إقناع الناخبين الجمهوريين (والديمقراطيين) بأنه مرشح معادٍ للمؤسسة ويقدم بديلا للوضع الراهن, وهو شيء فشل "اليسار" في القيام به لعقود. "اليسار" فشل في القيام بذلك بسبب وجود انقطاع طارئ بين التركيز على تكتيكات السياسات اليسارية وهياكل القمع في أواخرعصر الرأسمالية.
The Fall and Rise of the U.S. Populist Left
https://www.dissentmagazine.org/article/the-fall-and-rise-of-the-u-s-populist-left

ان عجز الحركات الاجتماعية ذات الميول اليسارية عن تطوير بدائل قابلة للاستمرار وشعبية وطويلة الأمد لعمليات الرأسمالية القابلة للاستقرار ترتبط ارتباطًا مباشرًا بفشل اليسار في الاستجابة للفجوة المتزايدة بين استراتيجيات العمل القديمة وتدفقات القمع القديمة. إذا كان اليسار يريد إغلاق هذا الانفصال الناشئ، ينبغي العودة للعاطفة كسابق لما هو شخصي وكتوجه وجودي أقصى. ان العلاقة الحيوية بين العاطفة والنشاط ليست جديدة بشكل خاص- وقد اشرت من قبل الى فشل احزابنا الشيوعية والحركات اليسارية عندنا عموما في استخدام الجزء الايمن من الدماغ باعتباره مركز العاطفة, في حين ان النصف الايسر هو مركز التحليل والتفكير المجرد-وهذا لا يعني للحظة واحدة نجاحهم في استخدام النصف الأيسر.
استخدام علوم الدماغ في مكافحة الماركسية المبتذلة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=516900&r=0

والعاطفة لدى هؤلاء لا زالت نوعا من المحرمات وتعني الطفولية او التهور. ولكننا نعلم تمام العلم انه ليس هنالك من حركة اجتماعية فاعلة بدون عاطفة, وخصوصا عاطفة الامل كنقيض للقلق المشل للحركة. ان العاطفة هي الوقود اللازم لتشغيل حركة الجماهير, تخطي قصورها الذاتي, في احتجاجاتها وثوراتها. اي إن العالم يجب حقنه بالأمل من أجل تغييره كما يذكر الفيلسوف الماركسي ارنست بلوخ
1 The-Principle-of-Hope-Vol
https://de.scribd.com/document/91482426/Ernst-Bloch-The-Principle-of-Hope-Vol

ولذا ان ماركسية "الافنديّة", الشيوعيين القدامى والحداثى, تتكلم عن نقاشات "هادئة" و"رصينة", وما تعنيه هي مناقشات باردة خالية من كل عاطفة ومشاعر واقرب الى حوارات الصالونات الدبلوماسية, وهؤلاء يحيلون انفسهم, لاشعوريا لربما, الى زومبيات لتفادي القلق الرأسمالي, ولذلك فهم لا يناضلون او يناضلون ضد طواحين الهواء. .ونضالهم المزعوم هو نضال الزومبيات, السائرون (السائرين) الاموات Walking Dead كما في افلام الخيال العلمي. ولكن رأسمالية القلق تحيل افلام الخيال العلمي الى واقع معاش, بدلالة, في العراق مثلا, دخول الحزب الشيوعي العراقي في تحالف سائرون (سائرون احياء ام اموات!؟) بجبهة مع الصدريين الذين يأتمرون بامر قائد واحد لكونه, بتعببر القائد نفسه, يعيْش الملايين منهم! فلنتصور حجم القلق الوجودي الذي يعانيه هؤلاء الملايين ووقوفهم بصف واحد خلف قائدهم كما يصطف الفقراء وشريحة واسعة من العمال البيض خلف ترامب خوفا منهم من مزاحمة العمالة الوافدة التي يسعى ترامب لكبحها عن طريق جداره مع المكسيك او بفْْرضه عقوبات على دول تسمح لأفرادها بالتسلل الى داخل الولايات المتحدة بطرق "لاشرعية!" والقلق الوجودي, في العراق على وجه التحديد, لا يقتصر, في عصر رأسمالية القلق, على الصدريين الاتباع بل انه يشمل قيادات وقواعد الحزب الشيوعي العراقي ايضا. لقد اختفى الاب الحنون, على الاقل اسميا وبحق القيادات, الاتحاد السوفيتي, فالي اين المفر اذا قلبت الدنيا عليهم ظهور المجن؟ لذا لا بد من استبداله باب حنون آخر, والافضل ان يكون في نفس الوقت الام الحنون حسب منطق الفيلس في التحليل النفسي. ان هذا القلق عابر للآيدلوجيات ولا تساوي هي عنده شروى نقير. والدماغ البدائي (دماغ البرمائيات) وغريزة النزوع الى البقاء المتأصلة في العقل الباطن هما اللذان لهما القول الحاسم في رأسمالية القلق. لذا لا غرابة ان يتفق شيوعيو الزومبيات, كحصيلة لرأسمالية عصرنا, رأسمالية القلق, في العمل مع المحتل الرأسمالي-امبريالي الذي قتل وشرد الملايين من مواطنيهم وساهم في تحطيم كامل للبنية التحتية لوطنهم!