معادلة الجيش والشعب ومواجهة رجال المال في الحراك الشعبي


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 6211 - 2019 / 4 / 25 - 00:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

معادلة الجيش والشعب ومواجهة رجال المال
في الحراك الشعبي


يتميز النظام الجزائري منذ 1962 بعدة خصوصيات، ومن أهمها نجد دور القيادة العليا للمؤسسة العسكرية في صناعة الرؤساء والقرارات الكبرى قبل أن يدخل بوتفليقة عامل جديد هو الأوليغارشية المالية بعد أن أتى به الجيش في 1999، ثم خطط للإنتقام منه وإضعافه مستغلا بعد أحداث التسعينيات، وما دفعه إلى ذلك هو إعتقاده أن الجيش هو الذي أبعده عن خلافة بومدين في1979، ونجد خصوصية أخرى هي صراع العصب داخل النظام، فغرابة الأمر أن الرئيس هواري بومدين أعتمد في تثبيت سلطته على صراعات هذه العصب ومختلف التناقضات داخل النظام وأيضا في المجتمع، خاصة داخل الجيش بين الضباط الفارين من الجيش الفرنسي وضباط الثورة، إضافة إلى إثارة الصراعات الهويايتية والتناقضات اللغوية بين معربين ومفرنسين والأيديولوجية بين عروبيين وإسلاميين من جهة والتيارت اليسارية والديمقراطية من جهة أخرى، فقد كانت هذه الصراعات هي سلاح النظام الفعال منذ1962 للبقاء وإجهاض أي محاولة لمواجهته، فكلما تقوى مثلا تيار أيديولوجي يتم إضعافه بالتيار النقيض له، وهو ما فشل النظام اليوم على إستغلاله بحكم وعي الشعب بسياساته بإبعاد إثارتها في الحراك، لكن رغم ذلك، فإنه بإمكان هذه الصراعات أن تظهر فيما بعد، ولهذا نرى ضرورة ندوة وطنية للتوصل إلى عقد وطني بين كل التيارات ومختلف مكونات المجتمع، مما سيعطي ثقة لكل تيار في الآخر، وقد أثبتت التجربة التاريخية أن إنعدام هذا العقد هو وراء فشل الكثير من محاولات الإنتقال الديمقراطي في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
تواصلت عصب النظام وصراعاتها بعد وفاة بومدين، لكن أنتقلت من توظيف بومدين لها تثبيت سلطته إلى تأثيرها في المجتمع بخلق كل عصبة أذرع مالية وإعلامية وأحزاب، بل حتى داخل الشعب بمدنييه وعسكرييه، فتحولت العصب إلى لعبة ومسرحية تجعل جزء من الشعب والإعلام والمال والعسكريين وغيرها تصطف حسب هذه العصب التي تصل إلى توظيف الشعب بشكل عنيف عندما تصل الأمور إلى قمة الإنسداد كما وقع في 1988، أن هاتين الخصوصيتين الرئيسيتين للنظام تجعلنا نفهم الكثير من الأمور فيما يحدث اليوم في الجزائر في ظل الحراك الشعبي الذي فاجأ النظام في 22فيفري2019، ولم يكن قادرا على مواجهته بسبب قوته الشعبية دون أن ننسى عامل مهم وهو صعوبة إعطاء أوامر سواء للشرطة أو الجيش بمواجهة المتظاهرين، وذلك بحكم أنهم أبناء الشعب ايضا دون أن ننسى الإشارة إلى تذمر الكثير منهم من النظام ذاته، فهذه العوامل ستكون حاسمة في تحقيق الحراك أهدافه كاملة شريطة إلتزامه بالسلمية وعدم الوقوع في محاولات بعض عناصر السلطة إحداث شرخ بينه وبين الجيش والأجهزة الأمنية.

فبشأن الخصوصية الأولى نعتقد أن اللعبة اليوم بدأت تنكشف، فقائد الأركان مصر على تنفيذ المادة102 مهما كان الثمن لأن الهدف من ذلك ليس هو إعادة السيادة للشعب حسب المواد 7و8 من الدستور، وتتحكم في رغبة قائد الأركان العنصر الرئيسي الأول الذي أشرنا إليه آنفا، فكلنا نعلم أنه منذ 1962 حتى 1999 كان الجيش هو صانع الرؤساء وصاحب القرارات الكبرى، لكن تغير الوضع بعد مجيء بوتفليقة الذي عمد إلى إضعاف المؤسسة العسكرية وإعطاء نوع من السلطة للأوليغارشية المالية لموازنتها، كما وطد بوتفليقة الفرع البوتفليقي من مجموعة وجدة بحكم أنها الوحيدة المتبقية من هذه المجموعة التي أخذت السلطة في 1962 بقيادة بومدين، كما عمل أيضا بوتفليقة على إعطاء إمتيازات لقوى دولية كفرنسا وأمريكا وكذلك أقليمية خاصة الخليجية منها مقابل دعم حكمه، ولهذا السبب أصبحت أربع عوامل أو عناصر أساسية تصنع الرئيس والقرار وهي: المؤسسة العسكرية والأوليغارشية المالية والفرع البوتفليقي لمجموعة وجدة، خاصة أسرة الرئيس، وكذلك قوى دولية وأقليمية، وهو ما عقد مسالة خلافة بوتفليقة بحكم التناقضات بين كل هؤلاء، مما جعلهم غير قادرين على التوصل إلى إتفاق حول مرشح واحد، وهو ماجعلهم يسعون لربح الوقت حتى يتفقوا مستقبلا، فرشحوا بوتفليقة لعهدة خامسة، لكن ثار الشعب الذي مس في كرامته ، فأستغلت المؤسسة العسكرية ذلك بحماية الحراك ثم إستخدامه لإضعاف كل العناصر التي أصبحت تنافسه في إختيار الرئيس وصناعة القرار، وعلى راسها ألأوليغارشيا المالية، وذلك بالإستعانة بالحراك، وهو ما يفسر كل المتابعات القضائية ضد بعض رجال الأعمال، وبهذا الشكل أستعادت المؤسسة العسكرية لدورها الذي كان قبل1999، وهي تعيين الرؤساء، وهو ما يختفي وراء الإصرار على تنفيذ المادة102 ببن صالح وبدوي بدعوى الإلتزام بالدستور، لكن كي يكون الرئيس هو الذي تتفق عليه القيادة العليا للجيش كما كان يقع منذ 1962، لكن علينا أن نضع في الحسبان ظهور قوة أخرى هي الشعب، ولهذا يبقى التساؤل: هل سنعود إلى ماقبل 1999 أم سيصبح للشعب دور أساسي في إختيار حكامه ورؤسائه؟، فهنا تكمن المشكلة وكل الصراع السائد اليوم.
نعتقد أن من أراد ان يكون للجيش دور سياسي هي بعض القيادات القديمة فقط، والتي هي في طريقها إلى النهاية البيولوجية، وهي لاتعبر عن أغلبية ابناء المؤسسة العسكرية، خاصة ضباطها الذين لايختلفون في تفكيرهم عن أغلبية الشعب، فهم يريدون جزائر ديمقراطية بمؤسسات قوية ومزدهرة وأن يدخل الجيش في الإحترافية ويلتزم بمهامه الدستورية فقط، خاصة أن هؤلاء الضباط جد متعلمين، ودرسوا في كبرى المدارس ومتفتحين، ولهذا نعتقد أن الجيش سيقف آجلا أم عاجلا إلى جانب دمقرطة كلية للجزائر، لكن يتوقف ذلك كله على مدى قدرة السياسيين على القيام بمهاهم على أحسن وجه والحفاظ على وحدة الجزائر وإستقرارها.

أما الخصوصية الثانية وهي صراع العصب، فلنشر إلى أن الصراع بين العصب والتكتلات له خطوط حمراء لاتتجاوزها، وتتماسك وتتوحد بمجرد ما تشعر بتهديد مصالحها، خاصة من الشعب، وعلينا أيضا الإشارة إلى أن طرح مسألة صراع عصب هي في بعض الأحيان مجرد مسرحية يقع في لعبتها الكثير من المحللين بهدف التمويه وإخفاء حقيقة وجوهر النظام، كما تذهب هذه العصب أحيانا إلى الصراع فيما بينها بواسطة الشعب كما وقع في أكتوبر1988، ولهذا يطالب بعض السياسيين وينصح بعدم الدخول في لعبة عصب النظام بالوقوف مع هذه ضد أخرى أو العكس، ويبدو أن الهدف من إبراز صراع العصب بقوة اليوم هو إضعاف الحراك الشعبي بدفع البعض إلى الوقوف مع هذا أوذاك، خاصة أن الجنرال توفيق يحمله بعض الإسلاميين ما وقع لهم في التسعينيات، ولهذا سيقفون مع كل من ينتقم لهم منه، لكن يبدو أن الكثير من الفاعلين في الحراك قد تنبهوا لذلك، فهم لديهم سواء، ويرون ضرورة تغيير النظام كله وذهابه بكل عصبه، لا يمكن أن ننفي وجود صراع شخصي بين توفيق وقايد صالح، بل حتى مجيء بوتفليقة بقايد صالح كقائد أركان كان الهدف منه إضعاف توفيق، فالنظام الجزائري مبني على ثلاث ركائز وهي: الرئاسة وقيادة الأركان والمخابرات، ولهذا أستفاد بوتفليقة من الصراع بين توفيق وقايد صالح، وتم إبعاد توفيق من بوتفليقة، فهل من المعقول أن يتحالف معه اليوم؟، لكن ما يوحي لنا اليوم أنه صراع هو في الحقيقة -حسب ما يبدو- مجرد مسرحية لإضعاف الحراك كما سبق أن أشرنا، وما يخشاه البعض هو الإستناد على توفيق وأذرعه للتملص من بعض مطالب الشعب كما كان بوتفليقة مثلا يتملص ويختفي وراء عرقلة الجيش، خاصة المخابرات لكل محاولاته الإصلاحية، كما أن التركيز على هذا الصراع بقوة هو أيضا جزء من عملية تخويف الشعب بإمكانية إنفلات الوضع في هرم النظام، ويؤدي إلى حرب أهلية، مما سيدفع الشعب إلى العودة إلى بيوتهم خوفا على الأمن والإستقرار.

البروفسور رابح لونيسي