فى المنطق -400 حجة تُفند وجود إله


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 6210 - 2019 / 4 / 24 - 18:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

-أربعمائة حجة تُفند وجود إله - من 316 إلى 329 .
-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (87) .

كتبت فى السابق ثلاثمائة حجة تفند وجود إله بدأتها بخمسين حجة , لتمتد لمائة حجة , فمائتين حجة لتصل لثلاثمائة حجة , وجاء هذا الإمتداد لأننى وجدت أن فكرة الإله فكرة ثرية بالتناقضات والفرضيات المتخبطة مخاصمة للعقل والمنطق والعلم فى كل مفردة من مفرداتها .
مازال فى جعبتى الكثير من الأفكار الناقدة لفرضية وجود إله لأمد هذه السلسلة إلى أربع مائة حجة تُفند وجود إله , وأستهلها بخطأ الفكر التحليلى المنهجى التقييمى والمفاهيم المغلوطة التى أنتجت فكرة الإله , ففكرة الإله لا تعيش إلا فى ظل الأفكار الصنمية والضبابية والتحليل الخاطئ المُتعسف لتزدهر فى ظل مجموعة من الأوهام تؤسس للوهم الأكبر .
تناولت فى ال315 حجة السابقة التى تُفند وجود إله من خلال نقد الفرضيات المُقدمة عن الإله كقدرات وإمكانيات لأثبت تناقض وتخبط وهراء ووهم هذه الفرضيات مع ما يماثلها من فرضيات أخرى .. ولكن فى هذا المقال سأُفند المنطق الذى يستدلون به على وجود إله , فتفنيد هذا المنطق هو تفنيد لفكرة الآله .

316 - الوجود ذات وماهية وكينونة .
- فى الحقيقة كان من المفترض أن تكون هذه الحجة أول الحجج التى تُفند وجود إله ,فهى أول حجة بديهية تتعامل مع فرضية وجود إله , فألف باء تعريف لشئ متواجد أن تمتلك القدرة على تعريفه فى ذات وكينونة وماهية , فماذا تستطيع تقديمه فى تعريف الإله , فالمؤمنين بفكرة الإله عاجزون عن الإدلاء بأى فهم وتعريف بل يستحرمون السؤال عن ذات وماهية وكينونة الإله ليعتبروا الخوض فى هذا الأمر شطط غير مقبول ,فكيف يؤمنون بوجود غير مُدرك ولا مُعرف بذات وكينونة وماهية ؟!
- ما معنى كلمة اله ؟ فعندما اقول هذه تفاحه فهنا وصلت الفكرة كاملة بالمقصود بالتفاحة , وهذا لا يتوفر فى سؤال ما معنى كلمة إله , فلا يوجد تعريف محدد لكلمة إله , ليس على مستوى تقديم إجابة عن الذات والماهية والكينونة فحسب بل على مستوى تصور المؤمنين لهذه الفكرة , ففكرة الإله هي فكرة شخصية , فمثلا كل مؤمن يرى الإله بمنظوره الشخصي ليشكل مفهومه حسب رؤيته الشخصية , فهناك من يرى الله قوى الطبيعة , وهناك من يراه الحزم والغضب والإنتقام والعقاب , وهناك من يراه رحمة ومحبة وفداء , وهناك من يراه حالة قدسية أو أزلية حتمية , وهناك الربوبيين الذين يرونه كيان خالق ومصمم فحسب , فالإله مجرد انعكاس لقيمة ذهنية ونفسية في صديق خيالي يُسمى الله.
- كيف تستسيغ عقول المؤمنين وجود إله والتصديق بأن هناك شيء غير مادي موجود لا نعرف أي شيء عن كيفيته وماهيته بل لا ندرك تعريف اللامادى ونوعية وجوده , كذا هو ذو وعي معقد أكثر من الكون وجِد من الأزل من غير مُوجد.. أنا لا أتكلم هنا عن آلهة الأديان المفترضة البائسة لأنها تمثل هراء وتهافت هذه الفكرة كلما غصت فى أساطيرها وقصصها , فبعيدا عن فكرة إله الأديان كيف يستطيع العقل البشري تقبل وجود شيء أوجد المادة من عدم و هذا الشيء غير مادي و صاحب وعي وذكاء معقد جدا , فاذا كانت عقولنا لا تستطيع تصور موجود غير مادي فضلاً عن أنه لا مُسبب له فكيف نصدق به , إذا كان ادراك هكذا كائن فوق قدرات العقل البشري كشيء لا يتصور في العقل و لا يضبط بالحواس فكيف يُطلب من هذا العقل الإيمان به ؟!
- العقول تقبل و تستسيغ كينونة هذا الموجود العالي " الإله" في جميع آفاق الوعي البشري قديما وحديثا لأن هناك دواعي لا تعد ولا تحصى أغلبها نفسى وكتعبير عن العجز أمام الطبيعة لتقتضي وجود هذا المعنوي أي على صعيد الفكر و معالجته لجملة الانطباعات الحسية وآثارها في حياة الكائن الحي ككل مرتبطة بحاجاته ومخاوفه وآماله ضمن بيئته ,فيتبني في الوعي الخاص والعام كمرجعية أبوية أو حاكمية أو تمثيل لسلطة عليا ذات إقتدار قد تشبع في حالة أو مرحلة من حياة الكائن حاجته للحماية واللجوء ولو معنوياً لكيان ذي صفات فائقة , ولا ينصرف البشري عن هذه الحاجة مادام ليس لديه أجوبة كافية تسندها دلائل واضحة لأمور تدور فيها أسئلته العتيقة والعميقة التي تتقلب في ترسبات تراثه الواعي .

317 - فوقوا ..السببية تعتنى بالوجود المادى فقط .
- السببية قانون يسرى على الوجود المادى فقط حيث الزمان والمكان لذلك لا يصح القول بأن الله مُسبب الكون .. فعندما نقول بأن لكل مصنوع من صانع ولكل حادث من مُحدث فنحن نتكلم عن أسباب فى عالم مادى حيث الصانع والمصنوع مادي , وهنا يتحقق قانون ومنطق السببية ولكن لا يَصح أن نطبق السببية على وجود غير مادى فنحن لا نعرف خصائص هذا الوجود اللامادى , ومن هنا فالقول بأن الله هو المُسبب قول خاطئ إلا إذا كان الله وجوداً مادياً .

318 - السببية تعنى أن هذا السَبب جاء من ذاك المُسبب .
- هناك مغالطات وعمليات قفز على منطق السببية ليتم الخداع والتضليل , فلو إعتمدنا منطق السببية ليسرى على مُسبب غير مادى فرضاً , فالسببية تعنى أن السَبب والمُسبب من نتاج خبراتنا ومشاهداتنا وتجاربنا المتكررة , فلن نسبب البعرة من البعير إلا بمشاهد وتراكم خبراتنا بسقوط بعرة من بعير .. السببية تعتنى أن يكون هذا السَبب من ذاك المُسبب حصراً بناء على مشاهدات وخبرات , فهل شاهدنا آلهة تصنع أكوان ؟!.
- عندما تأتى حجة وجود الإله كونه المُسبب لوجود الكون فمن حقنا إستخدام منطق السببية للسؤال من خلق الله ؟ وهنا تجدهم يلغون منطق السببية ويرمونه عند أقرب صندوق قمامة بالرغم أنه كان وسيلتهم الوحيدة لإثبات وجود إله كمُسبب .!
منطق نفى التسلسل اللانهائى قد يكون له وجاهته ولكن هذا سيضعنا فى إحتمالية أن الإله أوجد نفسه وهنا سنقف أمام إشكالية عقلية ومنطقية هائلة .!

319 - السببية تفقد الإله ألوهيته .
- سنتناول السببية من جانب آخر يتعامل مع إستحالة الخلق فكل البشر يؤمنون بالسببية مؤمنيهم وملحديهم فى إطار الوجود المادي , ليكون الإختلاف فى طبيعة المُسبب ,فالمؤمنون يرونه عاقلاً ذو إرادة والملحدين يرونه غير عاقل فلنتناول فرضية أنه عاقل , فمعنى ان المُسبب عاقل واعي فهذا يعنى أن ما يصدر منه كأسباب ومُسببات هى ذات حكمة وترتيب ومعنى , كذا لديه خطة أى انه خاضع لها بإلتزاماتها وترتيباتها ومنطقيتها وأحكامها فلا يستطيع ان يقفز على نظامها ومن هنا يكون الإله خاضع لنظام , أما لو إعتبر أحد بغطرسة أن الله غير خاضع لمسببات ونظام كونه يخلق ممتلكاً مشيئة وحرية مطلقة فسيكون الخلق فعل عبثى عشوائى بدون نظام ليجد المؤمن نفسه يذهب للملحد برجليه فقد جعل الخلق يتم بشكل غير واعي ولا منظم وفق ترتيبات .
- مقولة الله مُسبب المُسببات والأسباب تخضع لنفس هذه الرؤية النقدية , فكونه مُسبب الأسباب ليضع لكل سَبب ما يناسبه من مُسبب , فلا يستطيع احد القول أن المُسببات عشوائية لا يَحكمها ترتيب وحكمة فهذا يعنى العبثية ولكن أن تكون المُسببات ذات ترتيب فهذا يعنى ان الله محكوم بنظام لا يستطيع ان يحيد عنه لتكون الأمور منطقية وذات هدف وغاية , وهذا يفقد الإله ألوهيته وحريته عندما يكون محكوماً ومقيداً بالتعاطى مع حيز معين من المُسببات القاهرة لا يحيد عنها .
السببية تفقد الإله ألوهيته فهو لا يستطيع فعل شئ إلا بسبب وهذا يعنى أنه تحت قيد المُسببات فلو أخذتك العزة بالإله لتقول انه قادر على فعل الأشياء بلا مُسببات فقد نزعت عنه الحكمة والترتيب ونزعت عنه المشيئة والإرادة ووضعته فى خانة العبثية والفوضوية!

320 - حجة فلسفية جديدة .
-الكون له بداية كما يؤمن المؤمنون , وقوانين الطبيعة جاءت مع بداية الكون , فلا تستطيع القول بأن القوانين سابقة أو لاحقة لوجود الكون .
السببية وحجة العلة وحجة الحركة ألخ تعتبر من قوانين الطبيعة التى جاءت مع بداية الكون وليس قبله ولا بعده , ومن هنا يستحيل تطبيق السببية كقانون طبيعى أو كتفسير على فعل غير موجود , فالسببية لم تكون موجودة قبل الكون بل وجدت مع الكون فلا يمكنك تفسير الكون وفق السببية .
قد يلتف أحدهم بالقول ان السببية مرتبطة بالوجود الإلهى وهنا نال من الذات الإلهية كونها خاضعة لمنطق لتنتفى الإرادة والمشيئة المطلقة العاجزة عن فعل إلا بسبب , ولتسأل هنا من أوجد السبب ؟! كما يحق السؤال من سَبب وجود الإله ؟!.

321 - الأزلية للمادة أم للإله .
- هناك مغالطات شائعة عن البدايات والنهايات ليتم تعميم هذا الفكر على الوجود المادى .. البدايات والنهايات لا يجب أن تتخطى مفاهيم النسبية فهناك بداية لشئ بالنسبة لشئئ ومن هنا فللكون بداية ولكن الوجود المادي بلا بداية.
الأزلية الأبدية مفاهيم فلسفية رياضية لا يمكن التحقق منها ولكن لا يمكن نفيها فهناك أزلية ما وأبدية ما ليحتار الإنسان الباحث هل هى أزلية الوجود المادى أم الوجود إلإلهى .. يجب الإنتباه أنه لا يوجد أزليتان وأبديتان فهذا هو الهراء بعينه فأى أزلية تنفى الأخرى ووجود أزليتان تبددا مفهوم الأزلية .
- هذا التأمل جاء من طرح زميل مسلم يسأل كيف إستطاعت المادة أن تتجاوز الأزلية لنقول بداية إذا كان الله أزلي فكيف استطاع أن يجتاز اللابداية حتى يصل إلى اللحظة التي خلق فيه الكون؟ فالأزلية هى الوجود من دون بداية أى قبل وجود الكون بمليار سنة أو مئة مليار سنه أى قبل أي رقم وقبل أي لحظة , و تفسير ذلك بشكل رياضي بسيط أقول قبل خلق الكون بثانية كان موجود و قبلها بثانية وهكذا الى مالا نهايه مما يجعل من المستحيل العقلي أن يصل الى الثانية التي خلق فيها الكون , وإذا احتج أحدهم بأن الله كان موجود قبل الزمان سنطبق نفس المبدأ على الزمان يعني مجرد أن تستعمل كلمة "قبل" معناها وجود مدة و هذا تناقض يبطل كلامه , وإن قيل لا يجري عليه زمان ولا يجوز في حقه كلمة قبل وبعد , فهذا معناه أنه لم يكن موجود قبل العالم ولا بعد العالم و هذا مؤداه أنه غير موجود و لم يوجد أصلاً .
- أما بالنسبة للوجود المادى فليس هناك أى مشكلة لأن السؤال بكيف إستطاعت المادة تجاوز الأزلية إشكاليته فى صياغته , فعلى المستوى العلمى فالمادة لم تخلق من عدم ولا تفنى للعدم , ووفقاً للفكر الفلسفى فلا يصح القول بأن المادة تتجاوز وتعبر الزمن , فوجود المادة أزلى غير عاقل فلن يسرى عليها التجاوز والعبور التى تصدر من وجود عاقل يُدرك ويعبر ويرصد , فإدراك ومعرفة تجاوز الزمن خاصية الكيان العاقل الذى يدرك التغيير فى الزمان والمكان لذا يبقى سؤالنا كيف إستطاع الإله أن يجتاز اللابداية حتى يصل للحظة .

322 - ليس كمثله شئئ .
- ليس كمثله شئ أقوى فكرة تناولت فرضية وجود إله وأرى فيها عبقرية فى طرحها لتلك الفرضية , فلكى يكون الإله إلها ً فيجب أن لا يكون له مثيل او شبيه أو مناظر أو مقارب وإلا فقد ألوهيته ودخل فى دوائر النسبية والمقارنة , ولكن ليس كمثله شئ يعنى أن كل ماطرحته الاديان عن الإله غير صحيح , فلو تأملت كل صفات وسمات وأسماء والسرد عن الإله ستجد له مثيل ومناظر إنساني ومن هنا تسقط فكرة الوجود الإلهى وتسقط معها الأديان المروجة لوجود إله .

323 - ليس غياب الدليل دليلا على الغياب .
- المنطق الإيمانى منطق مراوغ إحتيالى قافز فهناك منطق يقول : "ليس غياب الدليل دليلاً على غياب الشئ" . بمعنى أننا لا نستطيع نفى وجود عناصر أو أنواع من الأشعة قبل إكتشافها ومن هنا يتسللون بفكرة الإله البائسة بالقول : ليس معنى عدم وجود دلائل ملموسة وحقيقية على وجود إله أنه غير موجود .
هذا المنطق يتم إستغلاله وإبتزازه بمفهوم مراوغ قافز , فالأمثلة التى تتعاطى مع المنطق المادى كوجود عناصر فى جدول مندليف تنبأ بوجودها ولم تكن مكتشفة حينئذ أو إكتشافنا لأشعة كانت موجودة قبل إكتشافنا أو إدراكنا الآن بإمكانية وجود حياة على المريخ لا يعنى أن الحياة لم تكن موجودة على المريخ مثلا .
- هذه الأمثلة وغيرها تتماشى مع منطق ليس غياب الدليل دليلاً على غياب الشئ ولا ينطبق ولا يخدم فكرة وجود إله لأن ما نكتشفه هو فى وجود مادي يحتمل الإستنتاج والإحتمالية والإحصاء من دراسة الوجود المادى , فمندليف إستنتج وجود عناصر لم تكن مكتشفة من جدوله الذى دون فيه الأوزان الذرية , وهكذا فى أى شئ نكتشف وجوده فهناك دلائل مادية سمحت لنا بالإستنتاج , أما فكرة وجود إله فهى مستحيلة كغائب فهى غير متحققة لأنها غير قابلة للتحقق والمعاينة والإستنتاج حتى ولو بعد مليون سنه , كذا لن تستطيع توقع أو بحث أو رصد حالة غير مادية , فاللامادة مجهولة الفهم والتعريف والماهية فأدوات الإستنتاج والتوقع والتخمين غير متواجدة كونها غيرمادية .

324 - حجة : عود الكبريت لا يشتعل إلا مرة واحدة وليس مصدر كل النيران من عود كبريت .
- لكل سَبب من مُسبب ولكل صنعه من صانع ولكل نظام من منظم ولكل حركة من محرك , فمن هذه الملاحظات يبنون فكرة وجود إله مُنظم وصَانع ومُحرك وهنا أقدم حجتى الجديدة المتواضعة , فليس من المنطق فى شئ إستعمال عود كبريت بعد إشتعاله فقد إستخدمت مشهد عود الكبريت فى تفسير مشاهد وجودية فلا يصح إستخدام نفس المنطق ثانية , كما لا يجب تحديد مصادر النيران كلها فى عود كبريت أى إختزال سبب كل المشاهد الوجودية فى سببية عود الكبريت .

325 - إشكالية فى اليوم الإلهى وزمن الخلق .
- المؤمنون من فرط تعظيمهم للإله لا يفطنون لما يقولونه ولا يدركون أنهم يقوضون ألوهيته ويصيبوا الأساطير بالعبث بمقولة أن الله أزلى أبدى ,فهذا يعنى أنه لا يخضع للزمن ,والذى لا يخضع للزمن لا ينتظر ,فلا يوجد لديه نقطة بدء ونقطة إنتهاء ونقطة إنتظار أى لا توجد لديه محطات بينما هو إنتظر يوم الخلق وينتظر يوم القيامة , فالأزلى الأبدى يشبه الخط المستقيم اللا نهائى أو الأعداد اللانهائية فلا توجد نقطة أو رقم تحدد نسبة ما قبله إلى ما بعده لذا الخلق والإنتهاء لا يتحققا فى الزمان اللانهائى .
لن يعنينا أن الخلق تم فى ستة أيام وأن اليوم24 ساعة أو مليون سنه بالرغم أن النص الدينى يعنى يوماً بتوقيتنا الأرضى أو بألف سنه أو بخمسين ألف فى مواضع ميثولوجية أخرى , لذا سنهمل مدة يوم الخلق ولنعتبر اليوم الإلهى بمليون سنه ,كما سنهمل الرؤية الساذجة عن الخلق التى تمت فى ستة أيام إستأثرت الأرض التى تمثل حبة رمل فى صحراء شاسعة على أربعة أيام بينما مليارات المجرات والأجرام التى تمثل الصحراء الشاسعة إستغرقت يومان !! .. لن ننقد من يقول أن اليوم الإلهى هو 24 ساعة أو معادلاً لخمسين ألف سنه بل سنجعل اليوم الإلهى يعادل مليون أو مليار سنه فليس لدينا أى مشكلة ولكن الإشكالية التى لا يفطنون إليها أن الزمن يرتبط بوجود المكان لنقول كيف ضبط الله ساعته التى تعادل مليون سنه مثلا بإنعدام خلق وإنعدام وجود حركة مكان لتكون مقياس لساعته, فهذا يعنى أن المكان متواجد قبل الخلق فى حالة وجودية مستقلة فكيف يكون خلق والمكان خارج الخلق وسابق له . !
- وللتوضيح أكثر فاليوم الإلهى الذى تم فيه الخلق هو وحدة زمنية بغض النظر عن حجمها تتحدد بحركة مكان معين ,فإذا كان اليوم الأرضى هو دوران الكرة الأرضية حول نفسها دورة كاملة ,والسنه الأرضية هى دوران الأرض حول الشمس لذا يكون يوم الخلق هو حركة مكان معين دورة كاملة فلو افترضنا جدلاً أن اليوم الإلهى هو دوران العرش الإلهى حول مجرة دورة كاملة لتساوى يوم إلهى واحد ليعادل هذا مليون أو تريليون سنه من سنينا الأرضية فهذا يعنى أن المكان مستقل عن الله الذى هو المجرة فى مثالنا , وبذا لن يتحقق الخلق فى الزمان , فلكى تستقيم قصة اليوم الإلهى فلابد من وجود مكان .. ولكن لو وُجد المكان نفى قصة خلق الوجود . !!
- الله يخلق أى يمارس فعل لم يفعله من قبل أى يعيش الحدث , فالخلق حادث فى زمن بغض النظر أنه فى علمه وترتيبه المُسبق كما يزعمون , ولكن حدث الخلق هنا يتواكب مع زمن محدد أى أن الإله خضع للزمن بمحدداته فكل يوم خلق هو زمن ضمن جدول أعمال الخلق يتم فيه إنجاز ليحوله عن فعل شئ قبل ميعاده لذا فهو خاضع للزمن ولن تجدى المقولة العبثية أنه خالق الزمن لتعسف هذا الزعم , فالزمن ليس وجود بل إرتباط وعلاقة بالمكان كما هو معروف ,علاوة ان الخالق من المُفترض فيه أن لا يخضع لخلقته ملتزماً بها .

326 - لا يوجد خالق ومُصمم فى نفس الوقت .
- المنطق الإيمانى يقول بأن الله خالق فهو خالق كل الكون والطبيعة ويمتلك خاصية كن فيكون ولكن ظهر حديثاً صفة تم إلصاقها بالإله من قبل المؤمنين المعاصرين وهى أنه مُصمم بالرغم أن تلك الصفة غير متواجدة فى أسماء الله والكتب الدينية ليأتى إبداعهم لتلك الصفة كمحاولة لتميز وأهمية وجوده , ليسرف المؤمنون المعاصرون فى الإدعاء بتصميم المخلوقات من قبل الإله دون أن يقدموا لنا مثال لحالة تصميمية واحدة سوى أنهم يفتحون أفواههم عجباً أمام الظواهر الطبيعية , لنتوقف هنا : هل الخلق يتوافق مع التصميم ؟
- مفهوم الخلق هو إيجاد الشئ من العدم أى اللاشئ , بينما مفهوم التصميم هو تركيب وتنظيم أشياء موجودة أى هناك أشياء أو مواد خام يبدأ التعامل معها وفق قوانينها فهل يتفق الخلق مع التصميم .. إن فكرة التصميم تعنى العجز عن الخلق التام والكامل فلابد أن يخوض الإله فى خطوات وحسابات وقوانين رغماً عنه لينتج الشئ .

327 - هل نحن نكون منطق وفكر وتصميم وفق ماهو متاح وشائع أم من رؤية ذهنية خالصة ؟
- أي عجينة مهما كان شكلها غير منظم في إدراكنا الحسي فبوسع العقل أن يجد لها نظاما ما أي إنتظام متكرر وفق قاعدة ما يبتدعها العقل بشكل حر, فأي مجموعة من الارقام المنتهية مهما بدا لادراكنا الحسي أنها غير منظمة فبوسع العقل ان يجد لها نظاما ما أي انتظام متكرر وفق قاعدة ما , وأي حوادث تظهر أنها غير منظمة فبوسع المنهج العلمي المعاصر أن يعالجها بنجاح , حتى القوانين فما هى إلا إستنباط العلاقات فى الطبيعة وصياغتها فى معادلة .
- دعونى اقدم هذا المثال للتوضيح :
الأعداد 1 ,2 ,3 , 4 نعتبرها متسلسلة نظامية كذلك يمكن أن نجد مجموعات نظامية أخرى مثل 2-5-8-11 ومجموعة 2- 4- 8- 16 فالأولى متوالية عددية والأخرى متوالية هندسية ولكن لو وجدنا مجموعة 3- 9 -81 فسنقول أنها مجموعة عشوائية لجهلنا العلاقة بين حدودها ولكن لو قلت أن هذه المجموعة تعتمد على تربيع كل حد ليعطى الحد التالى فهنا سنقول هذه المجموعة نظامية ولو قلت لك مجموعة 7-5- 3- 5-7 فستعتبرها عشوائية أيضا لأقول لك أننا يمكن تنسيقها فى نظام فهى مجموعة تقل بمقدار -2 لتصل للحد الثالث 3 فتنقلب لزيادة +2 وكذلك مجموعة 8-6-4-8- 16 يمكن إيجاد علاقة نظامية فهى متوالية عددية تقل -2 حتى تصل للحد الثالث (أربعة) لتتحول لمتوالية هندسية لتزيد بالضرب فى 2 .
ما أريد قوله هو أننا نبدع فى إيجاد علاقات بين الأشياء , كما لا ننسى أن القول بمتوالية عددية أوهندسية هى من إبداعنا ومن هنا نقول هناك نظام بينما قولنا عن الشئ عشوائى يأتى من عجزنا عن إيجاد علاقات لجهلنا أو صعوبة وتعقيد العلاقات ولكن يمكن أن نجرب ونجتهد لو أردنا ذلك لنبدع ونختلق علاقات .
- العقل يفترض فرضاً ممكناً ثم يستنبط من هذا الفرض نتائجه ويتحقق منها في الواقع مع ملاحظة ان هذا الفرض لا يخلو من عبقرية وإبداع وذكاء الإنساني , لذا سؤال ما علة وجود النظام في العالم؟ سؤال خاطئ , فعندما يقال ان لكل حادث علة فهذا قول خاطئ فالنظام في العالم ليس حادثاً حتى نبحث له عن علة خارجية..إن الوجود في أصله منظم وفق معاييرنا وأدمغتنا وتقييماتنا وبالتالي لا معنى للبحث عن علة خارجية لنظامه ولا معنى لعبارة لكل نظام لا بد له من منظم .

328 - المنطق الأخلاقى .
- يقال أن الإله موجود كونه سن وأرسى قوانين أخلاقية وسلوكية للبشر فبدون تلك القوانين والتشريعات لعاش البشر فى بدائية لم يغادروها , لنتوقف هنا أمام سؤال ومنطق , فالسؤال هل القوانين الأخلاقية إنتاج بشرى أم رسائل نزلت من السماء ليطل سؤال ومنطق آخر : هل الإنسان عاجز عن سن قوانين أخلاقية فالأمور لا تحتاج كل هذا العجز والشلل , فإذا كان الحيوان إكتشف قيم سلوكية فى التعاضد والتكاتف وحك ظهرى كى أحك ظهرك , فهل من الصعوبة أن يكتشف الإنسان أهمية الوحدة والتعاضد , وأن القتل يقوض من وحدة وقوة الجماعة البشرية , وأن السرقة شئ مكروه فى مجتمع الملكية , وأن الزنا يخلط الانساب مما يؤدى إلى تبدد الملكيات فى مجتمع الملكية .. لقد وصل الإنسان بتطوره الحضارى إلى إستحداث أخلاقيات راقية بدون آلهة بل حذف ومحا أخلاقيات وتشريعات إلهية بلا رجعة كمحو الرق والعبودية والسبي .

329 - المعنى والغاية والقيمة والجدوى .
- فهم الإنسان الوجود من خلال المعنى والغاية والقيمة والجدوى لذا جعل الإله يبحث عن الغاية فى طلبه للعبادة ولكن هذا يتناقض مع فرضية الكمال الغير خاضعة للحاجة والإحتياج .
- كذلك توهم الإنسان أن للإله قيمة ولم يفطن لسؤال : إذا لم يكن الانسان موجود في هذا الوجود فهل ستكون هنالك قيمة للإله ؟! فسواء وُجد أم لم يوجد فالله ليس له أي قيمة الا بوجود الانسان , ومن هنا يتضح ان الانسان هو صاحب القيمة وليس الله .
- سؤال آخر : ماجدوى وجود الله ؟!
الشئ ليستحق الوجود فلابد أن يكون له جدوى وجودية فما جدوى وجود الإله .. ولكن مهلك فأى إجابة إفتراضية للجدوى يلزم إثباتها والتحقق منها .

دمتم بخير.
- أجمل ما فى الإنسان هى قدرته على مشاكسة الحياة فهو لم يرتقى ويتطور إلا من قدرته على المشاكسة ومعاندة كل المسلمات والصنميات والقوالب والنماذج , وأروع ما فيه هو قدرته على السخرية من أفكاره فهذا يعنى أنه لم يخضع لصنمية الأفكار فكل الأمور قابلة للنقد والتطور .. عندما نفقد القدرة على المشاكسة سنفقد الحياة .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع.