العولمة الرأسمالية وكفاح اليسار الاشتراكي


لطفي حاتم
2019 / 4 / 20 - 14:58     

حمل الطور الجديد من التوسع الرأسمالي الكثير من التغيرات على صعيد العلاقات الدولية فضلا عن تأثيره على كفاح القوى اليسارية -- الاشتراكية وبهذا المسار نحاول رصد تلك التطورات بهدف تحديد طبيعة واشكال الكفاح الوطني -- الديمقراطي المرتكز على التغيرات الدولية انطلاقاً من العناوين التالية --
أولا-- التغيرات الدولية بعد انهيار ازدواجية خيار التطور الاجتماعي.
ثانياً-- تأثير التغيرات الدولية على الدول الوطنية.
ثالثا -- المهام الكفاحية لأحزاب اليسار الديمقراطي.
على اساس تلك العدة المنهجية نحاول تناول الموضوعات المثارة بشكل مكثف.
أولا - التغيرات الدولية بعد انهيار ازدواجية خيار التطور الاجتماعي.
أثار انهيار نموذج التطور الاشتراكي وسيادة وحدانية التطور الرأسمالي كثرة من الأسئلة الفكرية والسياسية المتعلقة بطبيعة كفاح اليسار الاشتراكي ومدى ملائمة برامجه الكفاحية المناهضة للطور الجديد من التوسع الرأسمالي؟ طبيعة العلاقات الدولية ومدى مساندتها للتغيرات الاقتصادية – السياسية الحاصلة في التشكيلات الاجتماعية؟ تلازم حقوق الانسان ومدى تلبيتها في التشكيلات الاجتماعية الوطنية؟ فضلا عن طبيعة التناقضات الحاكمة في أنساق التشكيلة الرأسمالية العالمية.
- الأسئلة المثارة تتلازم مع أسئلة موجعة أخرى تتمثل باستراتيجية الحزب الثوري هل يسعى الحزب الاشتراكي الى استلام السلطة السياسية وإعادة بناء النموذج الاشتراكي؟ وإذا كان الجواب إيجابا ما هي المنظومة السياسية للدولة الاشتراكية المفترضة؟ هل يقود الحزب الشيوعي السلطة السياسية بمفرده ام عبر إقامة التحالفات الوطنية الديمقراطية؟ وما هي طبيعة الفئات الاجتماعية الراغبة في التحالفات الطبقية الهادفة الى البناء الاشتراكي؟ وما هي البرامج الاقتصادية- السياسية المزمع تطبيقها عند استلام السلطة السياسية؟ هل تبقى اعمدتها الأساسية المتمثلة بملكية الدولة لوسائل الإنتاج والتركيز على الصناعة الوطنية لزيادة حجم الطبقة العاملة وإعادة بناء الثروة الوطنية؟ وتتلاحق الأسئلة الموجعة يتقدمها كيفية الوصول الى السلطة السياسية هل يتم عبر الثورة الاشتراكية؟ ام عبر الشرعية الديمقراطية؟.
ان المراجعة الأساسية لكل ركائز العمل الفكري تتطلب حسب ما أرى بناء علاقات اممية جديدة تساهم بشكل جماعي على الإجابة التقريبية على الأسئلة المثارة مع إعطاء هامش لحركة الأحزاب الاشتراكية بصياغة توجهاتها الخاصة على ضوء موقع الدولة في تشكيلتها الاجتماعية فضلا عن طبيعة نظامها السياسي وأشكال النشاط السياسي لأحزابها السياسية.
إزاء هذا الكم من الأسئلة الفكرية والتنظيمية يتوجب على القوى الاشتراكية واليسارية صياغة برامجها الكفاحية منطلقة من وحدانية العلاقات الرأسمالية السائدة في عالمنا المعاصر ناهيك عن التجربة التاريخية الثرية لمنظومة الفكر السياسي للاشتراكية وتجربتها الإنسانية.
استنادا الى الأسئلة الكبرى التي تمت اثارتها أحاول ان أشارك جمهرة الكتاب والباحثين بهذا الجهد البسيط مؤكدا على الموضوعات التالية –
- العنف الثوري
تؤكد الادبيات الفكرية لليسار الاشتراكي على أهمية الثورة الاشتراكية وتضع الوصول الى السلطة السياسية على ضوء التغيرات الدولية, بمعنى هل ان الثورة الاشتراكية ممكنة في ظل وحدانية العلاقات الرأسمالية. أم ان هناك بديلا ثوريا آخر؟
- الشرعية الديمقراطية
ان بديل الثورة العنفية هو الشرعية الديمقراطية وسيادتها عبر صناديق الانتخاب المسندة من الشرعية الوطنية. وإذا كان هذا الطريق المعتمد في الدول الرأسمالية الديمقراطية فكيف تتعامل القوى الاشتراكية مع الأنظمة الاستبدادية في الدول الوطنية وأنظمتها المناهضة لحقوق الانسان؟
- دور الدولة في البناء الاشتراكي
ان الدعوة الى الشرعية الديمقراطية في ظل وحدانية التطور الرأسمالي تتجاوب والبرامج الاقتصادية – الاجتماعية لليسار الاشتراكي. والسؤال يتمثل بكيفية تعامل القوى السياسية الأخرى مع اجراءات اليسار الاشتراكي الاقتصادية -السياسية؟ هل يعني ضياع تلك الاجراءات في حال خسارته السلطة السياسية وما هي الإجراءات الوطنية الكفيلة بترسيخ التوازنات الاجتماعية؟
-- هل يحكم الحزب الاشتراكي الفائز في الدورة الانتخابية بمفرده ام بمساعدة القوى اليسارية الديمقراطية؟ وهل يتم تطبيق مبادئ المرحلة الانتقالية ام هناك طرقا جديدة يتبعها لغرض تطوير سلطته السياسية.
ان التوقف عند هذه القضايا الفكرية تتطلب من الأحزاب لاشتراكية والقوى الديمقراطية الحليفة لليسار الاشتراكي إيجاد الحلول الفكرية لها بهدف النهوض ببرامجها السياسية بفاعلية سياسية واعدة.

ثانياً-- التغيرات الدولية والدول الوطنية.
-- سيادة خيار التطور الرأسمالي وضع الأحزاب الاشتراكية والقوى الديمقراطية امام حتمية تبني اسلوب الإنتاج الرأسمالي في الظروف التاريخية المعاصرة واعتماده كمنهج للتطور الاقتصادي وبهذا المعنى يتطلب البحث عن طرق جديدة للتطور الاجتماعي المتوازن بين طبقات التشكيلة الوطنية الاجتماعية او البحث عن طريق آخر يمكن تسميته بدولة العدالة الاجتماعية.
بهذا السياق ارى ترسيخ مفهوم دولة العدالة الاجتماعية على أسس فكرية أهمها –
-- مفهوم دولة العدالة الاجتماعية يرتكز على موازنة المصالح الطبقية لطبقات التشكيلة الاجتماعية في الدولة الوطنية.
-- استناد دولة العدالة الاجتماعية على الشرعية الديمقراطية للحكم والذي تتنافس فيها القوى السياسية الاشتراكية واليمينية الرأسمالية.
-- تعتمد دولة العدالة الاجتماعية على الطبقات الاجتماعية العاملة وصيانة مصالحها الطبقية عبر قوانين الدولة المنبثقة من الشرعية الديمقراطية والمنافسة الانتخابية.
-- يمكن اعتبار دولة العدالة الاجتماعية شكلاً متطوراً من أشكال الاشتراكية الديمقراطية في البلدان الاسكندنافية.
-- ان تحقيق موازنة المصالح يتطلب تشديد كفاح الطبقات الاجتماعية وتطوير أساليب نضالها في الفترة التاريخية المعاصرة.
– استنادا الى ما جرى استعراضه يبقى مفهوم دولة العدالة الاجتماعية مفهوما نظريا خاضاً للمناقشة الفكرية في سيادة وحدانية التطور الرأسمالي وتحكمه في العلاقات الوطنية.
ثالثا -- المهام الكفاحية لأحزاب اليسار الديمقراطي.
إزاء هذه اللوحة الفكرية – السياسية المعقدة تنتصب امام الأطراف الاشتراكية واليسارية الديمقراطية مهمة بناء رؤية فكرية تعتمدها في كفاحها الفكري المناهض للعولمة الامبريالية لغرض اعتمادها عند استلام السلطة السياسية وبهذا المسار أرى من الضرورة تدقيق الموضوعات التالية --
أولا --- تحديد طبيعة التناقضات الرئيسية والثانوية التي تتحكم في تركيبة أسلوب الإنتاج الرأسمالي العالمي المتسم بالعسكرة والتبعية والالحاق.
ثانياً -- الكفاح من اجل بناء الدولة الوطنية على قاعدة الشرعية الديمقراطية المرتكزة على الشرعية الوطنية الانتخابية.
ثالثا- تحقيق موازنة المصالح الاجتماعية بين الطبقات الفاعلة في التشكيلة الاجتماعية الوطنية.
رابعاً – اعتماد المنافسة السلمية بين برامج الأحزاب السياسية وإدانة الروح الانقلابية والنزعة العسكرية.
خامسا – بناء علاقات وطنية – دولية ترتكز على احترام المصالح الوطنية المشتركة.
سادسا – بناء علاقات دولية مناهضة للروح الكسموبولوتية والهيمنة الامبريالية.

ان الموضوعات المثارة تشكل الأسس الضرورية للأحزاب الاشتراكية والديمقراطية الهادفة الى بناء دولة العدالة الاجتماعية كأسوب للتطور التاريخي الفاعل في العلاقات الدولية.