الأساس المهمل من أسس اللينينية


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6203 - 2019 / 4 / 17 - 19:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

الأساس المهمل من أسس اللينينية

ما كان للبروليتاريا في العالم أن تتعلم تعاليم قائدها فلاديمير لينين، وهو الوريث الشرعي لقائدها التاريخي كارل ماركس، من غير تلميذه يوسف ستالين الذي كرّس كل حياته كيما يكون تلميذاً نجيباً للينين .
وهكذا قدم ستالين لينين في سلسلة محاضراته عن "أسس اللينينية" في جامعة سفرديلوف في العام 1924 على أنه ماركس عصر الإمبريالية .. "إذا ما كان كارل ماركس هو ماركس عصر الرأسمالية فإن فلاديمير لينين هو بحق ماركس عصر الإمبريالية" .
طبعاً ما كان ستالين ليقدم لينين على أنه ماركس عصر الإمبريالية من غير أن يرسم الخارطة اللينينية التي تحدد طريق البروليتاريا نحو تفكيك النظام الرأسمالي الإمبريالي في العالم للوصول إلى عبور العالم فترة الإشتراكية الذي يجري قصراً في ظل دولة دكتاتورية البروليتاريا كما أكد ماركس في "نقد برنامج غوتا" .
الأسس التي يقوم عليها مثل ذلك العبور، الذي لا يتحقق آنذاك بغير تفكيك النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي، تتمثل بثلاث تنافضات رئيسة في النظام الرأسماليى الإمبريالي وهي ..
1 . التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج (عمال × رأسماليين) .
2 . التناقض بين شعوب المستعمرات وقوى الإمبريالية .
3 . التناقض بين مراكز الرأسمالية الإمبريالية وحروبها من أجل إعادة تفسيم الأسواق .

ثورة أكتوبر الإشتراكية انتهت إلى تفكيك هذه التناقضات مع الزوال الكلي للنظام الرأسمالي والإمبريالي في السبعينيات غير أن العبور الإشتراكي نحو الشيوعية كان قد توقف في الخمسينيات . فهل يعني هذا أن لينين لم يكن حقاً ماركس عصر الإمبريالية كما قدمه ستالين أم أن ستالين لم يقدم لينين كما هو في حقيقته !؟ التناقضات الرئيسية الثلاث التي اعتبرها ستالين أسس اللينينية، أي ماركسية عصر الإمبريالية، زالت ولم تعد موجودة منذ نصف قرن، فهل انتهت اللينينية ولم تعد البروليتاريا العالمية بحاجة للينين !!؟

البروليتاريا العالمية بحاجة للينين أكثر من أي وقت مضى، أكثر من حاجتها له وهي تناضل لتفكيك الرأسمالية الإمبريالية . البروليتاريا العالمية تواجه اليوم عدواً يتنكر لكل القيم الإنسانية ويهون بالمقارنة معه مختلف أعداء البروليتاريا عبر التاريخ . إنه البورجوازية الوضيعة . البورجوازية الوضيعة التي انحدرت بالإتحاد السوفياتي من القمة إلى القاع .
لينين ليس هو ماركس عصر الإمبريالية فقط بل هوماركس عصر ما بعد الإمبريالية أيضاً ؛ إذ كان قد كتب في العام 1921 في كتابه الضريبة العينية (Tax in Kind) يقول ..
“we must expose the error of those who fail to see the petty-bourgeois economic conditions and the petty-bourgeois element as the principal enemy of socialism in our country.”
يجب علينا فضح أخطاء أولئك الذين لم يدركوا بعد الدور الإقتصادي الذي تلعبه البورجوازية الوضيعة إذ أن البورجوازية الوضيعة هي العدو الرئيسي للإشتراكية في بلادنا .

في العام 1924 كانت معركة الإتحاد السوفياتي تنحصر فقط في الحرب على الإمبريالية وهي العدو الرئيسي للإشتراكية، ولذلك رأى ستالين أنه يكفي أن يقدم لينين على أنه ماركس عصر الإمبريالية، فبمثل ما كان كارل ماركس يقود بروليتاريا العالم في الثورة الإشتراكية على الرأسمالية فإن لينين هو من يقود بروليتاريا العالم في الثورة الإشتراكية على الإمبريالية . تلك هي القضية التي كرّس ستالين كل حياته للدفاع عنها . فقبل اغتياله بثلاثة أشهر فقط وحينما تبارى أعضاء المكتب السياسي أثناء انعقاد المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي في أكتوبر 52 في الإعلان على أنهم مجرد تلاميذ في مدرسة ستالين رد ستالين بقوة يصف تلك الأقوال بالهذيان (Nonsense) مؤكداً أنه هو نفسه إنما مجرد تلميذ للينين .

لما كانت النجاحات المتوالية لمشروع لينين في الثورة الإشتراكية العالمية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتفاصيل اليومية لحياة ستالين رغم كل التفوهات القذرة لأعداء الثورة الإشتراكية التي كانت تدق بقوة أبواب مراكز الرأسمالية الإمبريالية في لندن وباريس وواشنطن في العام 52، حين أكد ستالين لمندوبي مؤتمر الحزب التاسع عشر انهيار النظام الإمبريالي في وقت قريب ؛ إزاء هذه الحقيقة التي لا يجادل فيها إلا سفهاء الشيوعيين المتساقطين في الإفلاس الفكري يتوجب على كل شيوعي حقيقي أن يتوقف مليّاً أمام الموقف السياسي لستالين في المؤتمر التاسع عشر للحزب وقد تميّز بالتالي ..
1. انتهت الحرب العظمى وستالين يقود أقوى قوة حربية ظهرت في التاريخ .
2. عندما جنح حزب العمال إلى يمين حزب المحافظين وشكل مع الولايات المتحدة حلف شمال الأطلسي سخر منه ستالين وقال .. "لن نحاربكم ولكننا سنتغلب عليكم بالمنافسة السلمية" .
3. أكد ستالين لمؤتمر الحزب العام التاسع عشر في أكتوبر 52 .. "أن الإمبريالية ستنهار في وقت قريب"، فكان أن اتخذ المؤتمر قراراً بذات المعنى .
4. في الندوة الفريدة المتخصصة في البحث في "المسائل الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي" التي عقدها الحزب في العام 51 وقف ستالين بقوة ضد تسعير الصراع الطبقي خلافاً للمبدأ الأساس في عبور الإشتراكية ودافع بقوة لماجأة الجميع عن الأخوة الطبقية في المجتمع السوفياتي .
5. حذر ستالين مندوبي المؤتمر التاسع عشر للحزب من أن أعضاء المكتب السياسي للحزب لم يعودوا صالحين للعمل الشيوعي مما يستوجب ابعادهم ولما لم يوافق المؤتمر على ابعاد أحد منهم آصر ستالين على انتخاب 12 عضوا إضافياً كيما يحد من نفوذ الأعضاء القدامى .
6. عبّر ستالين لأول مرة عن مخاوف حقيقية على مستقبل الثورة في تلك الظروف المستجدة محذراً الهيئة العامة للحزب من التهاون بخطورة تلك المخاطر دون أن يحددها .
7. كانت خطة ستالين الرئيسية في تجاوز الثورة الإشتراكية تلك الأخطتار المحيقة تتجسد بتحويل الإقتصاد السوفياتي من الصناعات الثقيلة إلى الصناعات الخفيفة كما في الخطة الخمسية الخامسة .

لما كان الإتحاد السوفياتي في العام 52 هو أولا وأخيراً من صناعة ستالين أكان ذلك بناءً على تقرير خروشتشوف السري ضد ستالين الملحق زوراً بالمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في العام 56، أم على تقرير خروشتشوف نفسه يفتتح المؤتمر الإستثنائي الحادي والعشرين للحزب في العام 59 وقد عزا بناء الإتحاد السوفياتي كدولة اشتراكية عظمى هي محل اعتزاز السوفياتيين لانتصار الحزب بقيادة ستالين لفترة طويلة على سائر الأعداء من تروتسكيين وغيرهم، وهو ما يعني أن الأعداء والأصدقاء سواء بسواء يشهدون على أن الاتحاد السوفياتي في العام 52 هو من صناعة ستالين، أتمَّ ذلك باسترشاد اللينينية كما يؤكد ستالين أم بخلافها كما يدعي أعداؤه، فإن هذه الحقيقة البلجاء تفرض على كل مراجع أو مؤرخ للإشتراكية السوفياتية أن يعلل بصورة علمية وماركسية الإختلالات الواضحة في موقف ستالين وفي تفوهاته مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين . كيف يواجه الإتحاد السوفياتي أخطاراً جدية على ثورته بينما هو في نفس الوقت أقوى دولة في الأرض !!؟ كيف يستهين ستالين بحلف شمال الأطلسي وقد ضمّ أعظم ثلاث دول رأسمالية من مجموع دوله الإثنتي عشر وهو بذات الوقت يتوجس خيفة على مصائر الثورة الإشتراكية !!؟ كيف يدين ستالين رفاقه في المكتب السياسي بأنهم لم يعودوا شيوعيين حقيقيين ويطالب بتنحيتهم عن القيادة وقد عبروا معه أهوال الحرب ومشاق إعادة الإعمار !!؟

العدو الذي يتهدد مستقبل الثورة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي هو بالقطع ليس عدواً خارجياً خاصة وأن ستالين كان قد سخر من تشكيل حلف شمال الأطلسي العدواني في العام 49 الذي ضم جميع الدول الرأسمالية، وقال هازئاً "لن نحاربكم" بمعنى الأمر "لنا" في أن نحارب أو لا نحارب، أي أن مجموع القوى الحربية لدول الحلف ليست في مستوى القوى السوفياتية وكان قد تبدّى ذلك جليّاً في الحرب العظمى .
إذاً العدو الذي كان ستالين يتوجس خيفة منه على الثورة كان عدوا داخل المجتمع السوفياتي لم يشأ ستالين أن يحدده علانيةً كيلا يأخذ العدو احتياطاته فيهاجمه ستالين بكل قواه على حين غرّة مما يضمن هزيمته – سرية الهدف نهج ملازم لنضال ستالين طيلة حياته رغم أن إدارته العلاقة مع هتلر لم تنجح .
لسنا بجاجة لمزيد من الذكاء للتعرف على العدو الداخلي للثورة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي فيما بعد انتصاره في الحرب وبروزه كأقوى دولة في الأرض، العدو الذي عرفه ستالين تمام المعرفة لكنه لم يشأ تسميته وإعلان الحرب عليه تحديداً إذ كان لينين قد حدده في العام 21 وهو البورجوازية الوضبعة .
بالرجوع إلى تلك الندوة اليتيمة ألتي أمر بعقدها ستالين في العام 51 كان موضوع البحث الرئيسي فيها هو الصراع الطبقي وفاجأنا ستالين إذاك، كما شرح في كتابة عن مساق الندوة، رفضه القاطع لتسعير الصراع الطبقي بالرغم من أن فريقاً وازناً من المنتدين برئاسة مولوتوف، وكان الرجل الثاني في الحزب بعد ستالين، طالب بتسعير الصراع الطبقي وبإلغاء طبقة الفلاحين بموجب مرسوم من الدولة . كانت حجة ستالين في رفض تسعير الصراع الطبقي هي أن مثل ذلك الصراع قد يحمل في طياته أخطاراً حقيقية على الثورة، وهو ما يعني أن الصراع المحتدم قد ينتهي لصالح الطبقة المعادية للإشتراكية، وهذا أمر جلل يتحدث فيه صاحب المشروع الإشتراكي اللينيني وهو ستالين .

الطبقة المعادية للثورة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي هي طبقة البورجوازية لبوضيعة (Petty Bourgeoisie) التي سماها لينين في العام 21 ولم يسمّها ستالين في العام 51 . لم يسمّها ستالين لكنه شرع يخطط للتغلب عليها قبل أن تعي ذلك من خلال الخطة الخمسية الخامسة التي كان هدفها الرئيس تنمية البروليتاريا أفقياً وعمودياً، ومن خلال إزاحة قيادة الحزب القديمة غير المؤهلة لمواجهة البورجوازية الوضيعة . كان ستالين يخطط لشن حرب سرية على البورجوازية الوضيعة، وما كان ستالين ليلجأ إلى الحرب السرية إلا لأن طبقة البورجوازية الوضيعة التي تضم الجيش في الطليعة ثم الإنتلجنسيا والمهنيين ثم الفلاحين هي الطبقة الأقوى والمتقدمة على طبقة البروليتاريا . في العام 21 كانت البروليتاريا متحالفة مع الفلاحين الفقراء هي الطبقة الأقوى والتي انتصرت على البورجوازية بكل أشتاتها . في العام 51 غدت المعادلة مقلوبة فطبقة البورجوازية الوضيعة تحديداً هي الأقوى وتقدمت على طبقة البروليتاريا . كان ذلك بسبب الحرب أولاً ثم فسخ الفلاحين تحالفهم مع البروليتاريا وهو ما حدا بالحزب الشيوعي في العام 52 لشطب كلمة "البولشفي" من اسمه وقد اتصف بها أصلاً في العام 1903 لتحالفه مع الفلاحين . خلال أربعة عشر عاماً منذ بداية الاستعداد للحرب في العام 38 وحتى اتعقاد مؤتمر الحزب التالي في العام 52 تنامت طبقة البورجوازية الوضيعة وخاصة من خلال اضطرار الإتحاد السوفياتي لتجنيد معظم قواه العاملة في الجهود الحربية فكان أن تقدمت في المجتمع السوفياتي على طبقة البروليتاريا . لم يكن هناك من سبب آخر دفع ستالين لأن يخوض حرباً سرية ضد البورجوازية الوضيعة .
تلك القيادة القديمة هي التي اغتالت ستالين بالسم أثناء عشاء 28 فبراير شباط 53، وحالما توقف قلب ستالين عن النبض اجتمعت القيادة القديمة وقررت إلغاء عضوية الإثني عشر عضواً المنتخبين حديثاً للمكتب السياسي بناء على إصرار ستالين، وفي ايلول سبتمبر 53 اجتمعت اللجنة المركزية للحزب لتقرر إلغاء الخطة الخمسية وتوجيه الإقتصاد السوفياتي بمجملة إلى التسلح كما أعلن البيان . وهكذا أبطلت القيادة القديمة مختلف الإجراءات التي اعتمدها ستالين لدرء الأخطار المحيقة بالثورة وكما لو أن تلك القيادة القديمة انتصرت لأعداء الإشتراكية وكانت النهاية الحقيقية للثورة الإشتراكية في العام 61 حين قرر ذلك الحزب المرتد عن الشيوعية إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا واستبدالها ب "دولة الشعب كله" أي دولة البروليتاريا والبورجوازية الوضيعة وهو ما يعني التوقف عن محو الطبقات أي رفض الإشتراكية طالما أن الإشتراكية بتعريف لينين ليست إلا محو الطبقات .

لينين كان قد طالب بفضح الشيوعيين الذين لم يدركوا بعد خطورة الدور الإقتصادي الذي تقوم به البورجوازية الوضيعة وهي العدو الرئيسي للإشتراكية السوفياتية .
ستالين لم ينس فقط ذلك المبدأ اللينيني المتعلق بالبورجوازية الوضيعة بل عمل ضده وشرح موقفه في كتابه "المسائل الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " . لقد حكم التاريخ على فشل نهج ستالين في عدم فضح الشيوعيين الذين لم يدركوا أن البورجوازية الوضيعة هي العدو الرئيسي للإشتراكية السوفياتية، فهل كان ستالين سينجح لو امتثل لمبدأ لينين بفضح (expose) الشيوعيين الذين لم يدركوا بعد أن البورجوازية الوضيعة هي العدو الرئيسي للإشتراكية السوفياتية !؟
لا أحد يمتلك الجواب فحكم التاريخ غير قابل للمراجعة .