نظرة في كتاب -الاقتصاد العراقي – الأزمات والتنمية للسيد الدكتور علي خضير مرزا - الحلقة الثامنة - قراءة في الفصل الثامن: معضلة الأوبك بين حصة السوق وتحديد الإنتاج


كاظم حبيب
الحوار المتمدن - العدد: 6202 - 2019 / 4 / 16 - 11:18
المحور: الادارة و الاقتصاد     

تميز العقد السادس والنصف الأول من العقد السابع (الخمسينيات والنصف الأول من الستينيات) من القرن العشرين بسمات أساسية أشرت تصاعد حركة التحرر الوطني في الدول التابعة والمستعمرة وإلى انبلاج صبح جديد للشعوب التي عانت من استغلال وقهر الدول الاستعمارية، ولاسيما في القارات الثلاث آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية، كما سجلت هذه الفترة تراجعاً ملموساً في قدرة الدول الاستعمارية على فرض إراداتها بشكل مباشر على الشعوب، ولهذا كانت تستخدم أساليب وطرق جديدة وغير مباشرة للوصول إلى ذات الأهداف، وأعني بذلك استغلال الموارد الأولية وشعوب البلدان النامية، إضافة إلى الهيمنة على أسواقها، إنه الاستعمار القديم الجديد بتقنيات حديثة.
رغم إن وعي الشعوب لم يكن في جميع القارات والدول متقدماً وبشكل متماثل، إلا إن قواها السياسية الديمقراطية والتقدمية لعبت دوراً كبيراً في التأثير على جملة من الإجراءات التي أعاقت بحدود معينة بعض الجهود الاستعمارية ومنها تشكيل الأحلاف العسكرية او عقد اتفاقيات اقتصادية مخلة بالاستقلال والسيادة الوطنية أو منعها من اتخاذ مواقف سياسية واجتماعية مستقلة على الصيد الدولي. وجاء اقتراح تشكيل منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك) في هذه الفترة المهمة من حياة وتاريخ شعوب البلدان النامية، ومنها شعوب الشرق الأوسط. وكان العراق لتوه قد خرج من دائرة الهيمنة البريطانية ومنطقة الاسترليني وحلف بغداد بعد ثورة تموز 1958، حيث بدأت السلطة السياسية تفكر في تنفيذ بعض أبرز الشعارات التي رفعتها القوى الديمقراطية المعارضة لسياسات الحكومات العراقية في العهد الملكي، ومنها في المجال الاقتصادي: الإصلاح الزراعي، التوجه صوب التصنيع والتعليم المهني، قانون العمل والعمال، عقد اتفاقيات اقتصادية واسعة مع الاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا، إضافة إلى مقترح تأسيس منظمة ألـ(أوبك) في عام 1960. وخلال هذه الفترة عمدت شركات النفط الدولية والاحتكارية إلى تخفيض حجم إنتاج وتصدر النفط بهدف رفع أسعاره وتحقيق ربحية عالية للشركات الاحتكارية، ولكنها كانت مؤذية بالنسبة للدول النامية المنتجة والمصدرة للنفط لحاجتها الماسة لمزيد من الإنتاج والتصدير، مما أشعر البلدان المنتجة والصدرة للنفط بأهمية وضرورة تشكيل هذه المنظمة ووافقت عل اقتراح العراق.
يشير الدكتور علي مرزا في بداية الفصل الثامن حول منظمة الأوبك إلى عوامل عدة أثرت وتؤثر على سياسة الأوبك النفطية، وسواء أكان ذلك في مجالي إنتاج وتسويق النفط، أم في مجال أسعار نفطها في السوق العالمية، وعلى الدول الأعضاء في هذه المنظمة. ويلخصها:
1. "وجود مجموعة من الدول الأعضاء في الأوبك التي لها أهداف مختلفة ووسائل محدودة في التأثير على سوق النفط العالمية (بالذات أسلوب تحديد "حصص" إنتاجية للدول الأعضاء في مرحلة الاستخراج) تختلف عن كارتل الشركات النفطية الكبرى".
2. امتلاك الكارتل العالم من خلال تكامله الأفقي والعمودي قدرة التأثير على عقود النفط وفي التأثير على الصناعة النفطية. كما يمتلك الكارتل العالمي إمكانيات بثلاثة اتجاهات، هي: أ) إيجاد مناطق بديلة لاستخراج النفط وعرضه في السوق الدولية، وب) إيجاد بدائل عن استخدام النفط أو بعض استعمالاته، وج) القدرة على زيادة الكفاءة في استخدام النفط وتقليص الكميات المستخدمة منه سنوياً.
3. وجود خلافات سياسية ووجهات نظر متباينة بين بعض أعضاء دول الأوبك التي تسمح للكارتل العالمي اللعب عليها والاستفادة منها مما يحد من فعالية المنظمة. لم يتوسع الكاتب في هذه النقطة حرصاً والتزاماً بمحاولة معالجة الموضوع اقتصادياً. ولكن النفط ذو جانبين لا فكاك منهما، إنهما السياسة والاقتصاد.
ويبدو لي بأن العامل الثالث يمكن أن ينظر إليه من جانب آخر، وأعني بذلك دور الصراع السياسي الدائر منذ عقود بين بعض الدول الأعضاء في الأوبك، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط، وبتأثير واضح من الدول الكبرى المستهلكة للنفط. وقد لمس الكاتب هذه المسألة في العامل الثالث، ومشاركة بعضها في محاور سياسية دولية، بحيث يستطيع الكارتل العالمي للنفط والدول الكبرى التي تساهم الشركات النفطية الكبرى فيه، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، التأثير المباشر وغير المباشر على سياسات تلك الدول بما في ذلك السياسة النفطية، سواء أكان من حيث كميات الإنتاج الموجهة للتصدير، أم ما ينشأ عن ذلك من تأثير واضح على السياسة السعرية للنفط في السوق الدولي. وغالباً ما لعبت السياسة دوراً مؤذياً جداً في اقتصاد النفط للدول المختلفة، سوأ أكان عبر مقاطعتها اقتصادياً أو الحد من كميات تسويقها للنفط أو حجز إيراداتها النفطية في البنوك الدولية. وقد واجه العراق ذلك في أوقات عديدة خلال القرن الماضي، كما واجهته إيران في فترة رئيس الوزراء الإيراني د. مصدق في الخمسينيات من القرن العشرين، أو ما تواجهه إيران حالياً، كما تواجه فنزويلا هذه المعضلة بقسوة بالغة في الوقت الحاضر، بالرغم من التباين في الدولتين، ولكن الهدف من هذه المقاطعة إسقاط النظامين من خلال الحصار الاقتصادي، ومنها حصار تسويق النفط الخام، وقبل ذاك عانى الشعب العراقي، وليس نظام صدام حسين وحاشيته، من الحصار الدولي الذي دام 13 سنة وأدى إلى كوارث هائلة في العراق، وخاصة وفيات الأطفال والمرضى وكبار السن، رغم التخفيف النسبي الذي حصل بعد صدور قرار "النفط مقابل الغذاء".
علينا أن نؤكد هنا بأن النفط سلاح ذو حدين، ولكن الاعتماد الرئيسي والأساسي على موارد تصدير النفط الخام والغاز في اقتصاد بلد ما، أي في اقتصاد ريعي، لا يصبح ذو حدين، بل بحدٍ واحدٍ يلحق أفدح الأضرار بالاقتصاد والمجتمع في عالمنا الرأسمالي المعاصر والمتناقض والمتصارع لتحقيق أقصى الأرباح على حساب حياة ومصالح وإرادة الشعوب.
الدكتور علي مرزا يبحث في هذا الفصل المهم عن العلاقة الجدلية بين مسألتين عرض النفط أو حصة الأوبك من النفط في السوق الدولية، وتحديد الإنتاج وتأثير ذلك سلباً أو إيجاباً على أسعار النفط هبوطاً وصعوداً، وبالتالي مد تأثير ذلك على الإيرادات المالية للدول الأعضاء في الأوبك. وقد تابع هذه المسألة بعناية كبيرة وعبر فترات ومقارنات وإحصائيات يصعب التعبير عنها باختصار في مثل هذه التعليقات والمراجعات المكثفة. ومن هنا أعود لأنصح، لا العراقيات والعراقيين فحسب، بل وكل قراء العرب ممن لهم اهتمام أو رغبة الاطلاع على هذا القطاع المهم في الاقتصاد الوطني للدول المنتجة والمصدرة للنفط، وأغلبها دول ريعية وحيدة الجانب في تطور اقتصاداتها الوطنية ومتخلفة في بنية دخلها القومي رغم ارتفاعه بسبب دور موارد النفط في تكوينه. ولا أبتعد عن الحقيقة حين اشير دون تردد بأنها دول غير ديمقراطية أو مستبدة وتنقصها الحوكمة الرشيدة والوعي بحاجات الشعب وضرورات تغيير بنية اقتصاداتها الوطنية وتنوع مكونات الدخل القومي بقطاعات إنتاجية، وخاصة الصناعة التحويلية والزراعة. إن تجارب شعوب الدول المنتجة والمصدرة للخامات الأساسية كالنفط أو الماس أو الذهب .. إلخ حتى الآن ومنذ أكثر من قرن من الزمان تشير إلى أن أغلب تلك النظم السياسية أن لم نقل كلها، ليست ديمقراطية، بل ومستبدة أو دكتاتورية مطلقة، سواء أكانت عبر العسكر أو عبر حزب واحد أم من خلال عائلة واحدة أم عبر دكتاتور أهوج ونرجسي مريض، وتعيش أغلب شعوبها في عوز شديد أو تغيب عنها شمس الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، كما هو حال دول الخليج العربي والسعودية وإيران والعراق وليبيا والجزائر والكثير من الدول الأفريقية أو أمريكا الجنوبية ... إلخ.
انتهت الحلقة الثامنة وتليها الحلقة التاسعة: وتبحث في الفصل التاسع عن القطاع الزراعي