عكس عملية التنوير


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 6201 - 2019 / 4 / 15 - 23:19
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني     

من الواضح أننا شعوبا و نخبا و حكومات , رجال دين و أكاديميون , و قبل أي شيء جماهيرا و شعوبا , نرفض التنوير كظاهرة غربية و غريبة , إما أننا نريد مصالحته مع إهلاسات محمدنا صلوات الله عليه و سلاماته أو أننا نرفضه جملة و تفصيلا باستنثاء بعض الجزئيات التقنية .. لا شيء يسمح له أن يناقض إهلاسات محمدنا و أصحابه و آل بيته .. إن قصة التنوير معروفة بفصولها المتتالية , كوبرنيكوس , غاليلو , برونو , ديكارت , سبينوزا , هيوم , كانط , داروين , فرويد , آينشتاين الخ .. في الحقيقة ليس فقط أن نظرية التطور و فيزياء الكوانتيم و النسبية الخ الخ من إنتاج كفار أو يهود ينتمون للشعوب المستعمرة أو "عملاء" لها بل إنها تنقض كل ما جاء به سيدنا محمد و بالتالي فإنها تصب في مصلحة الاستعمار بشكل مباشر أو غير مباشر و تقف في وجه تحررنا الثقافي و الفكري و الفعلي .. إلى أين سيقودنا هذا الطموح بالتحرر من الامبريالية الثقافية .. لا تختلف الإجابات كثيرا بين الرفاق و المشايخ و آيات الله .. يعرف كانط التنوير بأنه خروج الإنسان من قصوره بعدم التفكير المستقل .. أما ديكارت فيعتبر التفكير أساسا هو جوهر الوجود الإنساني نفسه .. لكننا نعرف التفكير و الفكر على أنه كل ما لا يناقض إهلاسات سيدنا محمد .. يستطيع العالم انتقاد يسوع , ستالين و هتلر بل و حتى ترامب , لكن سيدنا محمد خط أحمر .. حرر التنوير إمكانيات العقل في نقد أي شيء لكنه جاء عند سيدنا محمد و سقط كما يثبت لنا ادوار سعيد .. حتى نظرية التطور لا تهدف لتفسير أصل الإنسان بقدر ما تهدف للحط من أتباع دين بأكمله و طالما لا تحترم إهلاسات سيدنا محمد فإن نظرية التطور إسلاموفوبية و عنصرية و استعمارية و تجسيد للإمبريالية الثقافية .. يمكنكم نقد كل الملوك و كل القساوسة إلا واحد .. طبعا العالم ليس بهذه السذاجة , و لا حتى النخبة الليبرالية في الغرب , الوحيدة التي نحاول أن نبتزها باسم ليبراليتها لا باسم إنجازاتنا أو مشاريعنا الفكرية , حتى هذه مترددة في الإصغاء لنا و وحدها من تتردد اليوم في انتقاد سيدنا محمد .. إذن ما نقترحه هو عكس عملية التنوير , في هذه الحالة ما هو الفكر أو العلم الذي نقترحه على العالم إذن ؟ لتخيل ذلك يمكننا العودة إلى وضع العلم في روسيا الستالينية أو ألمانيا النازية عندما كان العلم مقيدا و خاضعا كما نريد له أن يكون .. لتفهموا وضع العلماء في عالمنا المتحرر من الامبريالية الثقافية يمكن ببساطة استحضار اختراع بعض كولونيلات الجيش المصري لجهاز فيروس سي .. هكذا بالضبط كان وضع العلماء في روسيا الستالينية .. يكفي أن نذكر السيد ليسينكو رئيس أكاديمية لينين للعلوم الزراعية و نظرياته في الوراثة .. لأن السيد ليسينكو حظي بدعم الرفيق ستالين تم ترديد نظرياته بكل جدية لسنوات طويلة و طرد بسبب مخالفتها آلاف العلماء أو سجنوا أو أعدموا و استمر هذا الوضع حتى منتصف الستينيات بينما تعتبر نظرياته اليوم نموذجا لما يسمى بالعلم المزيف .. في ألمانيا وضع النازيون أمام العلم مهمة إثبات تفوق العرق الآري و محاولة "شفاء" الفاسدين أخلاقيا و المثليين جنسيا و الخارجين عن القطيع الخ .. إذا أضفنا إلى هذا الهستيريا الأخلاقية الكامنة خلف وراء الحجاب و رجم الزناة و سحل المثليين جنسيا و ثقافة القطيع و استئصال كل مخالف التي كان آخر من مارسها بشغف و حماسة هتلر يمكن أن نقول أنه لا جديد تحت الشمس ..