أعداء الشيوعية الأكثر وقاحة اليوم (6)


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6195 - 2019 / 4 / 8 - 20:14
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

أعداء الشيوعية الأكثر وقاحة اليوم (6)

عندما نؤشر إلى أعداء الشيوعية الأكثر وقاحة اليوم يقفز إلى الذهن إجتماع المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي في يونيو حزيران 1957 حين قرر البلاشفة في المكتب إعفاء نيكيتا خروشتشوف من الأمانة العامة للحزب وكان الماريشال وزير الدفاع جوكوف حاضراً كونه مرشحاً لعضوية المكتب السياسي لا يحق له الحديث أو التصويت على القرار، فما كان منه إلا أن قال في الحال تعقيباً على القرار .. "أن الجيش لن يقبل بهذا القرار ولن تتحرك دبابة واحدة إلا بأمري" . وفعلاً كان أن تدبّر الجيش الأمر وتم طرد جميع البلاشفة من المكتب السياسي ومن الحزب وكانوا سبعة أعضاء من مجموع تسعة . وهكذا فبعد أن أعلن الجيش ولايته على الحزب وعلى الدولة اتخذ الحزب "الشيوعي" في مؤتمره العام الثاني والعشرون في العام 61 قراراً بإلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا ؛ وعليه ووفقاً للمعايير الماركسية واللينينية لم يعد هناك اشتراكية في الاتحاد السوفياتي منذ العام 61 – وعليَّ هنا أن أستذكر المطارحات الحامية مع قيادة الحزب الشيوعي الأردني ما بين عامي 63 – 65 وأطروحتي التي أكدت على أنه لم يعد هناك اشتراكية في الإتحاد السوفياتي وأن عصابة خروشتشوف في الكرملين هي عصابة معادية للشيوعية، وتركت الحزب الذي رفض إلا أن يكون موالياً لعصابة خروشتشوف منذ العام 65 .
مؤتمر الحزب الشيوعي السوفياتي الثاني والعشرون في العام 61 أعلن رسمياً أن البروليتاريا لم تعد صاحبة الأمر والنهي في الإتحاد السوفياتي ومع ذلك أصر أدعياء الشيوعية الأفاقون وما زالوا يصرون بكل وقاحة فجة أن الإشتراكية ظلت قائمة في الإتحاد السوفياتي في ظل دولة ليست بروليتارية !! ماذا نسمي مثل هذا الصلف بغير الوقاحة الفجة، وأن هؤلاء الأدعياء إنما هم أعداء الشيوعية الأكثر وقاحة !! حيث كان ماركس قد أكد في "نقد برنامج غوتا" أن مابين الرأسمالية والشيوعية هناك فترة عبور ثورية لا يمكن أن تكون بغير دكتاتورية البروليتاريا الثورية .

مما لا شبهة فيه هو أن الجيش كان قد استولى على كامل السلطات في الاتحاد السوفياتي وأن السياسات السوفياتية منذ إلغاء الخطة الخمسية الخامسة وتحويل الإتحاد السوفياتي إلى مصنع للأسلحة منذ ايلول سبتمبر 53 وحتى اليوم تؤكد ذلك .
الإدعاء السخيف بأن روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي تتطور اليوم على الطريقة الرأسمالية ليس أقل سخفاً من الإدعاء باستمرار الاشتراكية في ظل دولة ليست بروليتارية منذ العام 61 .
العسكر لم يكونوا يوما براعماً للنظام الرأسمالي . أصلاً تعميم إنتاج الأسلحة الذي تحول إليه الإتحاد السوفياتي منذ العام 53 بإدارة العسكر ليس إنتاجاً رأسمالياً حيث لا يُصرف في السوق ولا تحتاجه الشعوب في حياتها اليومية بالإضافة إلى أنه يعمل على تخلف قوى الإنتاج . النظام الرأسمالي يشتري من العسكري روحه ودمه ليستعبده كليّاً، بينما لا يشتري من البروليتاري غير قوة عمله ليستعبده نسبياً . الجيش بحكم امتلاكه لقوى النار رغم استخدامها لغير صالح ملاكاته فهو يستميت حفاظاً على تقسيم العمل وهو ما يكرّسه عدواً للإشتراكية علاوة على عدائه للنظام الرأسمالي وقد جعله عبداً مأجوراً . العسكري هو من الشريحة الدنيا في الطبقة الوسطى (lower middle class) التي دمغها ماركس في البيان الشيوعي بدمغة التخلف حتى وهي تناضل بجانب البروليتاريا ضد النظام الرأسمالي . والعسكري هو من الطبقة البورجوازية الوضيعة المتخصصة بإنتاج الخدمات التي اعتبرها لينين العدو الرئيسي للنظام الإشتراكي في الإتحاد السوفياتي . ولا حاجة للتنظير في هذه المسألة فالعالم كله يعانى اليوم ما يعانى بسبب تراجع النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي منذ أن تولى العسكر على مقاليد الأمور بعد اغتيال ستالين وحولوا الإتحاد السوفياتي إلى مصنع للأسلحة المعاكسة لبناء الإشتراكية .

نحن لا نصف أدعياء الشيوعية كأعداء للشيوعية الأكثر وقاحة اليوم إلا لأنهم يتنكرون لأبسط الحقائق في المشروع اللينيني في الثورة الاشتراكية البولشفية . ينكرون الصراع الطبقي داخل المجتمع السوفياتي بينما الصراع الطبقي هو الأساس لمختلف سياسات الدولة الإشتراكية التي قصرها ماركس على دولة دكتاتورية البروليتاريا . كما ينكرون تبعاً لذلك أن البورجوازية الوضيعة كانت العدو الرئيسي للإشتراكية السوفياتية كما أكد لينين . عقب مثل هذا التنكر لأبسط الحقائق في علم الماركسية يجب ألا يلومننا أحد على وصف هؤلاء الأدعياء بالأعداء الأكثر وقاحة .
ثمة فرق نوعي بين أن تنقلب البورجوازية الوضيعة على الإشتراكية وأن تنقلب البورجوازية الدينامية – غير الوضيعة – غير الموجودة أصلاً في الاتحاد السوفياتي وقد قضي عليها تماما في الحرب الأهلية 1918 . الفرق كبير ونوعي حيث البورجوازية الوضيعة لا تمتلك أسلوب إنتاج قابل للحياة .
البورجوازية الوضيعة لا تنتج غير الخدمات – باستثناء الفلاحين – والخدمات لا يحتاجها إلا الشعب الذي ينتج حياتة ؛ والأسلحة ليست من حياة الشعب بل ضدها تماماً فكيف عندئذٍ الإفتراض أن البورجوازية الوضيعة يمكن لها أن تبني الإشتراكية أو حتى الرأسمالية !!؟

ماذا يعني انتفاء الإشتراكية والرأسمالية في روسيا الإتحادية بنفس الوقت !؟ بعض أعداء الشوعية من أدعياء الشيوعية الوقحين اليوم يصرون على أن روسيا رغم كل الحقائق المعاكسة تتطور على طريق الرأسمالية . مجمل الإنتاج في روسيا هو 10 أضعاف مجمل الإنتاج في البرتغال إلا أن حصة الفرد من الإنتاج في البرتغال تساوي 150% من حصة الفرد في روسيا، أما قوى العمل التي هي المعاير الوحيد للنظام الرأسمالي فهي تقريبا متساوية في الطرفين حيث قوى العمل في المداخيل الروسية لا تساوي أكثر من 10% من قيمة الصناعات الإستخراجية بينما هي 100% تقريبا في الصناعات البرتغالية وهو ما يعني أن نصيب الفرد في البرتغال من قوى العمل في الإنتاج القومي يساوي خمسىة عشر ضعافاً من نصيب الفرد في روسيا الأمر الذي يقطع بأن "النظام" في روسيا أبعد ما يكون عن النظام الرأسمالي .

لكن لماذا يدعي هؤلاء الأعداء الوقحون للشيوعية مثل هذا الإدعاء الأجوف الكاذب !!؟
ذلك هو اللغز الأكبر !!
لذات اللغز يصرون أيضاً على أن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت دولة رأسمالية إمبريالية بالرغم من أن كل الحقائق الماثلة اليوم تنفي مثل هذا الإدعاء الأجوف وفق أبسط المعايير الماركسية ومنها بجانب مؤشرات عديدة أخرى أن دولار اليوم لا يساوي أكثر من 3 سنتات من دولار 1970 !!
الإمبرياليون في أميركا تحولوا لإنتاج الخدمات إنقاذا لسيادتهم في العالم بعد أن تعذر عليهم الاستمرار في انتاج البضاعة نظرا لفقدانهم الأسواق . والبورجوازية الوضيعة السوفياتية تحولت لإنتاج الأسلحة رفضاً للإشتراكية . الإنسان هو إنسان أصلاً لأنه ينتج حياته ولذلك فقط افترق عن مملكة الحيوان . لكن الإنسان لا ينتج حياته بإنتاج الأسلحة والخدمات . الأسلحة في روسيا والخدمات في أميركا لا تنتج الحياة . قوى الإنتاج في مختلف المجتمعات تنتج حياتها قبل حياة مجتمعها، أي أن إنتاجها هو ما يجدد فيها القوى كيما تعيد إنتاج حياتها من جديد . لكن الأسلحة والخدمات تستهلك قوى العمل نهائياً دون أن تعيد أي جزء صغير منها . وعليه فإن الحقيقة الصارخة التي تتحدى الإقتصاديين من مختلف الدرجات تقول أن روسيا وأميركا يفتقدان لأي نظام إنتاج قابل للحياة .
لو اعترف هؤلاء الأدعياء الأعداء أن روسيا لم ولن تتطور على الطريق الرأسمالية وأن أميركا لم تعد دولة رأسمالية منذ السبعينيات فإن ذلك سيرتب عليهم أن يفكوا لغزهم الأكبر ويعلنوا دون لبس أو مواربة عن طبيعة "النظام" الماثل اليوم في كل من روسييا والولايات المتحدة لا بل في كل دول العالم وإذا ما كانت أي دولة في العالم تمتلك نظام إنتاج ثابتاً ومستقراً قابلاً للحياة !!

لن يغامر هؤلاء الأدعياء الأعداء بمواجهة الحقيقة والإعلان أن النظام الرأسمالي لم يعد موجوداً في العالم لأن من شأن ذلك الإعلان أن يضع نهاية تامة لهم . لهذا يتوجب علينا نحن الشيوعيين الماركسيين البلاشفة أن نقرأ التاريخ كما هو، وهو وحده ما يكشف خيانة هؤلاء الأدعياء الأعداء .
التطور الإشتراكي المتسارع خلال النصف الثاني من العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين جعل من الإتحاد السوفياتي أقوى قوة في الأرض وهو ما تبدّى جلياً في الحرب العالمية الثانية إذ بعد تصفية الإمبراطوريتين الإستعماريتين بريطانيا وفرنسا خلال الحرب لم تستطع الولايات المتحدة أن تتغلب على اليابان حتى من خلال جريمتي حرب وقتل مائتي ألف مدني باستخدام القنابل الذرية لأول وآخر مرة في التاريخ إذ حاربت اليابان أكبر دولتين في العالم هما الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة ما بين 9 أوغست آب يوم القنبلة الذرية الثانية و 2 سبتمبر ايلول يوم الإستسلام بعد أن سحق الجيش الأحمر كامل القوى البرية اليابانية في منشوريا وتعدادها مليون جندياً .
ما كانت قوى التحرر الوطني والإستقلال في كافة المستعمرات والبلدان التابعة لتنجح وتحقق استقلالها الوطني خارج المظلة السوفياتية الجبارة التي وفرت حمايتها . تجلى ذلك في الإنذار السوفياتي لدول العدوان الثلاثي على مصر في 5 نوفمبر 56 الذي وصفته الصحف بالرهيب وقد اشترط الإنذار أن يتوقف العدوان قبل الساعة الثانية عشر منتصف الليل وإلا ستقصف عواصمها بالصواريخ البالستية . طالبت بريطانيا وفرنسا الولايات المتحدة اعتراض الإنذار السوفياتي إلا أن جواب إدارة آيزنهاور كان عدم القدرة على الإعتراض . وتجلى أيضاً بالإنذار السوفياتي في 23 يوليو تموز 58 لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا بسحب قواتهما من لبنان والأردن خلال ثلاثة أيم وقد أنزلت فيهما بتاريخ 16 يوليو تموز توطئة للإعتداء على الثورة العراقية، وإلا سيضطر الاتحاد السوفياتي القيام باجراءات لحماية حدوده الجنوبية. فكان أن صدعت كل من الدولتين للإنذار لكن بعد أن وسطتا عبد الناصر لتمديد مهلة الثلاثة أيام إلى ثلاثة شهور . كما تبدى جبروت الاتحاد السوفياتي في العام 91 نفس عام انهيارة عندما عبرت القوات الأميركية والبريطانية في حرب تحرير الكويت الحدود الجنوبية للعراق وهزم جيش النخبة العراقي، جيش الحرس الجمهوري وباتت الطريق مفتوحة إلى بغداد، اتصل غورباتشوف عن طريق الخط الساخن بالرئيس بوش الأب يطالبه بوقف الحرب على العراق خلال نصف ساعة وإلا سيوجه الجيش السوفياتي – قال الجيش وليس الدولة - إنذاراً نهائياً إلى الولايات المتحدة فكان أن أمر بوش بوقف القتال في الحال رغم أن مجلس الأمن كان قد رفض وقف القتال قبل نصف ساعة بالإجماع بما في ذلك المندوب السوفياتي . لذلك عقدت اتفاقية وقف القتال في خيمة صفوان بوجود المندوب السوفياتي يفيجني بريماكوف .
بفضل المظلة السوفياتية الجبارة تحررت جميع شعوب الأرض وفقدت مراكز الرأسمالية الإمبريالية أسواقها التقليدية ومن هنا كان القرار الشهير الذي اتخذه المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي السوفياتي بوجود ستالين في أكتوبر 52 والذي قال .. "إنهيار النظام الإمبريالي في وقت قريب" .

من كل ما تقدم لا بد للباحث الموضوعي من الخلوص إلى حقيقة كبرى وهي الأم الشرعية لكل حقائق الحياة الأخرى وهي أن افتقاد العالم لأي نظام إنتاج ينتج الحياة إنما هو من تداعيات ثورة أكتوبر الإشتراكية . الخطة الخمسية الخامسة ضيقت الخناق على البورجوازية السوفياتية فاغتنم الجيش فرصة زوال ستالين عن طريقه فاستولى على السلطة لكن البورجوازية الوضيعة والجيش على رأسها لا تمتلك اسلوب إنتاج ينتج الحياة وعليه فسيادتها مؤقتة وغير قابلة للإستمرار .
وانهار النظام الرأسمالي بفعل ثورة أكتوبر وابنتها الشرعية ثورة التحرر الوطني فهربت البورجوازية في العالم الرأسمالي إلى إنتاج الخدمات وهو أيضا لا ينتج الحياة .
عالم اليوم لا ينتج الحياة ولذلك تجده يستدين كل سنة 2 ترليون من الدولارات كيلا ينهار . إنه في فوضى الهروب من الاستحقاق الإشتراكي الذي أحقته ثورة أكتوبر البلشفية . عبثاً يهرب العالم من الاستحقاق الإشتراكي .
يجادل البعض في أن الإنتاج البضاعي انتقل إلى شرق آسيا فالصين تنتج من البضاعة ما يكفي احتياجات العالم . الإنتاج البضاعي في الصين وشرق آسيا إنما هو تورم سرطاني . فكل إنتاج شرق آسيا لا يقبل المبادلة إلا بالدولار الأميركي والدولار الأميركي مكشوف ومفرغ من كل قيمة رأسمالية . مع انهيار الدولار الوشيك سينهار كل إنتاج شرق آسيا من البضائع . ولنا أن نتذكر هنا أن إنتاج الصين البضاعي بدأ كمهرب من بناء الإشتراكية بعد فشل الثورة الثقافية . كان صفقة تآمرية من جانب نكسون في مواجهة الدولار المنهار عام 72 والزعيم الصيني دنغ هيساو بنغ خروشتشوف الصين عدو ماو .

الفوضى العارمة التي يعاني منها نظام الإنتاج في كل أطراف العالم المختلفة إنما هي فوضى الهروب من الإستحقاق الإشتراكي ولات مهرباً .

(إنتهى)