كان عليها ان تفشل


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 6194 - 2019 / 4 / 7 - 09:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يراقب كثير من السوريين اليوم ما يجري في الجزائر، وكيف استطاع الجزائريون بحراكهم السلمي ارغام الرئيس بوتفليقة على الاستقالة، ليفتح الطريق سالكا أمام اجراء تغييرات عميقة وحقيقية في بنية النظام السياسي الجزائري، تحوله فعلا إلى نظام ديمقراطي تعددي تداولي. ويذهب بعض المثقفين السوريين وكتاب المقالات للموازنة بين ما يجري في الجزائر وما جرى في سورية لاستخلاص نتائج تتعلق بالتشابه الكبير بيم الحراكين الشعبيين في سورية والجزائر. ويذهب البعض منهم إلى القول بوجود أثر واضح للبصمات السورية في الحراك الشعبي الجزائري؟!.غير أنه بالتدقيق يسهل اكتشاف شيء واحد مشترك بينهما فقط وهو إن كلا الحراكين ينشدان تغيير النظامين السياسيين الحاكمين في البلدين، وما عدى ذلك فلكل حراك خصوصيته، كما كان حال بقية الانتفاضات الشعبية في البلدان العربية الأخرى.
بداية حصل التمرد المجتمعي السوري بتحفيز شديد من انتفاضة الشعب التونسي، وبصورة خاصة من انتفاضة الشعب المصري، أي انه حصل في سياق ما سمي بالربيع العربي، (وأسميه خريف الاستبداد)،وبالتالي استقى منها الشعارات ذاتها، لكنه خالفها في وسيلة تحقيقها بلجوئه إلى خيار العنف المسلح، بدفع من النظام، وبتخطيط مسبق من قبل بعض المعارضين في الخارج ومن داعميهم الأجانب. اما انتفاضة الشعب الجزائري فجاءت خارج هذا السياق تماما، وكانت دوافعها المباشرة منع الرئيس بوتفليقة من الترشح لعهدة خامسة، تطورت لاحقا لتطالب بتغيير النظام بصورة جذرية وشاملة.
وثانيا؛ ثمة اختلاف جوهري في طبيعة المعارضة الجزائرية والمعارضة السورية ، فهي في الجزائر كانت قد تكونت سياسيا في فضاء واسع نسبيا من الحريات السياسية، ونضجت فيه، في حين لم يكن يوجد في سورية معارضة بالمعنى الدقيق للكلمة، فهي في أغلبها الأعم كانت قوى معادية للنظام وليست معارضة، لأنه لم يسمح أصلا بوجود حياة سياسية في المجتمع السوري طيلة عقود من السنين. وثمة فرق جوهري بين المعارضة ومعاداة النظام، في الحالة الأولى تقدم المعارضة نفسها من خلال رؤى وبرامج سياسية بديلة لما يطرحه النظام، او تبني على ما لديه وتطوره، وتقبل المنافسة معه للفوز بالرأي العام الذي تترجمه صناديق الاقتراع، أما في الحالة الثانية فإن اعداء النظام يقدمون أنفسهم كبديل لأشخاص النظام على قاعدة نفيهم وليس المنافسة معهم، إنه صراع على السلطة ذو طبيعة استبدالية.
وثالثا؛ فإن المعارضة الجزائرية لم تفقد طابعها الوطني، بل ازدادت تمسكا بخياراتها الوطنية ورفضت أي تدخل أجنبي، في حين، ومنذ اللحظة الأولى، كشف اعداء النظام من الإخوان المسلمين السوريين وجماعة اعلان دمشق على وجه الخصوص، عن طابعهم اللاوطني من خلال ارتباطاتهم المتشعبة مع دول أجنبية عديدة لها مصالحها الخاصة في سورية والتي لا تتطابق مع مصالح الشعب السوري. وصار واضحا، من خلال اعترافات و"مكاشفات" العديد من قادتهم في الخارج ان ارتباطهم بأجهزة مخابرات أجنبية له تاريخ يعود على الأقل إلى مرحلة الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 .
ورابعا؛ استفادت المعارضة الجزائرية من مأسي العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضي، فتمسكت بسلمية الحراك الشعبي، في حين اعداء النظام السوري من الاخوان المسلمين وقوى اعلان دمشق سارعوا فورا للدعوة إلى السلاح في تكرار موسع للسنوات الأربع السوداء في نهاية سبعينات القرن الماضي وبداية الثمانينات منه. على ما يبدو لم يكن حراك الشعب التونسي السلمي، وكذلك حراك شقيقه الشعب المصري السلمي، ونجاحهما في احداث تغييرات مهمة في هرم السلطة، وفي طبيعة النظام السياسي الحاكم في كلا البلدين، كافيان لإقناع اعداء النظام السوريين بضرورة التقيد بسلمية الحراك، فجاء حراك الشعب الجزائري ليقدم برهانا جديداً على صواب خيار الانتفاضات السلمية لإحداث تغييرات في النظام السياسي العربي الجامد والمتكلس. في الحقيقة ما كان باستطاعتهم التقيد بسلمية انتفاضة السوريين لفترة طويلة، ويمكن القول اليوم بثقة عالية أن اللجوء إلى السلاح هو الخيار الوحيد الذي كان متاحا أمامهم، لآنه ببساطة كان خيارا مسيطرا على العقل السياسي الإخواني، ومطيتهم المطواعة جماعة قوى اعلان دمشق منذ غزو أمريكا للعراق، ليس فقط لأن النظام الأمني السوري شديد المحافظة، ولا يمكن إسقاطه في الشارع بالقوة، بل لأنه كان وسيلتهم لاستدعاء التدخلات العسكرية الخارجية لإسقاطه.
وخامسا؛ بنى اعداء النظام من السوريين كل سياستهم على الكراهية والحقد على النظام، وليس على فهم ممكنات تغييره، وبناء على ذلك ارتضوا ان يكونوا مجرد أدوات في خدمة أجندات اجنبية على أمل أن يتدخل أصحابها لإسقاط النظام، لكن ذلك لم يكن في سلم أولوياتهم بل تدمير سورية وتمزيق وحدة شعبها. لقد اخاف حراك السوريين السلمي خلال الأشهر الأولى من بدء انتفاضته في شهر آذار من سنة 2011 ليس فقط السلطة الحاكمة، بل وبالقدر نفسه، وربما اكثر جماعة الاخوان المسلمين، وحلفائهم من قوى اعلان دمشق، وهم يسمعون هتافات الشارع " لا سلفية ولا اخوان بدنا دولة مدنية"، فسارع الطرفان كل على طريقته للانقضاض عليه وتحويله عن مساره السلمي الصحيح باتجاه العنف .
يحاجج دعاة العنف عادة بالقول بأن الجيش السوري يختلف عن الجيوش العربية في تونس ومصر والجزائر في انحيازه إلى جانب السلطة، في حين تلك الجيوش انحازت إلى خيارات شعوبها، وكان دورها حاسماً في تغيير انظمة بلدانها السياسية. هذا القول كان بحاجة للاختبار من خلال استمرار سلمية الحراك، وليس من خلال لجوئه إلى العنف، فاللجوء للعنف خصوصا تحت رايات الاسلام السياسي الجهادي المتطرف، لم يترك أمامه اي خيار سوى الانحياز للسلطة، للحفاظ على الدولة من السقوط، وهو إذ فعل انجز مهمة وطنية كبيرة.
سادسا"؛ من جهة أخرى، فإن النظام السوري كنظام استبدادي أمني يتمحور حول السلطة، لم يبد أية حساسية تجاه مصالح الدولة السورية، ومصالح الشعب السوري، فتبنى الخيار الأمني في قمع الحراك الشعبي منذ لحظة انطلاقته الأولى، بدلا من الاستجابة لمطالبه في الاصلاح التي كان هو ذاته قد وعد بها في بداية العهد الجديد. ترتب على ذلك عدم رؤية المخاطر الكبيرة التي كانت تنتظر تفاقم الصراع المسلح لكي تطبق على الوطن والشعب. وما هي إلا أشهر قليلة حتى صار المشهد السوري بكليته محكوم بصراع بين شكلين للاستبداد واحد يدعي العلمانية، وآخر يطمح لخلافة على منهاج النبوة، فكانت النتيجة تدمير سورية وتمزيق وحدة شعبها. لكل هذه الأسباب كان من الطبيعي أن تفشل انتفاضة السوريين، وان تنتصر انتفاضة الجزائريين.