صفعة الشعب التركي لسلطانها المستبد الجديد


كاظم حبيب
الحوار المتمدن - العدد: 6192 - 2019 / 4 / 5 - 13:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

وجه الشعبان التركي والكردي وبقية القوميات في تركيا عبر نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، صفعة شديدة الدلالة لسلطان تركيا الجديد ومستبدها الإخواني الأهوج، رجب طيب أردوغان، الذي أوغل في السنوات الأخيرة بممارسة سياسات القهر والاضطهاد والاعتقال والسجن لمعتنقي الرأي الآخر والسياسة الأخرى، كما تلبسته النرجسية المرضية وداء العظمة والزهو بالنفس إلى حد الاعتقاد بقدسيته وتجريم من ينتقده شخصياً ويسيء إليه بأي صورة واعتقال من ينتقده أياً كان حين يصل إلى أي مطار من المطارات الخاضعة للدولة التركية، كما اتسع الفساد في البلاد، وتحول حكمه إلى ما يماثل حكم قره قوش، النموذج المشين المعروف شرق أوسطياً. وبسبب سياساته غير العقلانية ونهجه الإخواني الاستبدادي وعنصريته في الموقف إزاء القوميات الأخرى في تركيا، ولاسيما ضد القوميتين الكردية والأرمنية، وبسبب تدخله السياسي والعسكري الفظ في الشؤون الداخلية للشعوب والدول الأخرى المجاورة، كما في حالتي سوريا والعراق، حيث يقيم قواعد عسكرية هناك ويشن حملات عسكرية جوية وبرية تنتهي بسقوط المزيد من الضحايا والتخريب، ثم خوضه الحرب ضد الشعب الكردي في كردستان تركيا (الشمالية) بتكاليفها العالية جداً وتعاونه مع عصابات داعش الإجرامية وقوى إسلامية سياسية متطرفة أخرى، واجه ولا يزال يواجه الرفض من جانب الشعوب العربية وشعوب الشرق الأوسط، وكذلك من الشعوب ودول الاتحاد الأوروبي حيث توقفت منذ سنوات مفاوضات دخول تركيا في الاتحاد الأوروبي. وأدت سياساته الاقتصادية الخاطئة والمضرة وتدخله الفظ فيها وتأثيره على سياسة البنك المركزي، حيث يجلس زوج ابنته على رأس البنك، وعموم السياسة المالية والنقدية، إلى تدهور شديد في الأوضاع الاقتصادية وفي سعر صرف الليرة التركية في السوق المحلية وإزاء الكثير من العملات، إضافة إلى الفساد السائد في تركيا وعلاقاته المتوترة مع عدد كبير من دول العالم ولاسيما أوروبا والشرق الأوسط. ومن يتابع واقع الاقتصاد التركي سيجد إن سنوات الازدهار الاقتصادي قد اختفت وحلت محلها سنوات شد الأحزمة والتراجع الشديد في معدلات النمو الاقتصادي وتنامي البطالة وارتفاع كبير وسريع في معدلات التضخم السنوية، التي كلها تهرس جلود الكادحين والمعوزين وهم في زيادة مستمرة، كما تضعف الطبقة الوسطى.
وفي السنوات الأخيرة دخل أردوغان في معارك سياسية مع الولايات المتحدة في فترة رئاسة باراك أوباما وكذلك في فترة رئاسة دونالد ترامب، كما وتر الأجواء مع روسيا ثم حاول التراجع عن ذلك، وخاض المعارك السياسية مع الاتحاد الأوروبي، ولاسيما مع ألمانيا وهولندا وغيرهما، منطلقاً من محاولته اليائسة إعادة "أمجاد!" السلطنة العثمانية، تلك الدولة الاستعمارية المتخلفة والمناهضة لحرية الشعوب واستقلالها، وبدأ يشعر بأنه السلطان العثماني الجديد الذي في مقدوره أن يمارس سياسات تجسد هذا الوهم. وسببت هذه الأجواء تعيش الشعوب العديدة في تركيا أوضاعاً سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة ومتفاقمة. وحين حصلت المحاولة الانقلابية الفاشلة من مجموعة عسكرية ضد حكومته، والتي اتهم فيها غريمه الإسلامي المماثل له وحليفه السابق فتح الله غولن، مارس اردوغان سياسة القمع الوحشي بأعلى صوره وبعيداً عن الدستور التركي والقوانين المرعية، رغم أنه كان على علم بمحاولة الانقلاب ضده ولم يحطها قبل وقوعها. فاعتقل ما يزيد عن 150 ألف فرد من القوات المسلحة وجمهرة كبيرة جداً من المدنيين العزل، ومنهم جمهرة كبيرة من الموظفين في مختلف الوزارات وأساتذة جامعيين ومدرسين وحكاماً وقضاة، وزجهم في السجون وقدم جمهرة منهم للمحاكمة، في حين ما تزال الألوف منهم تقبع في السجون دون محاكما شرعية وعادلة. ولم يكتف بذلك بل اعتقل صحفيين كرد وترك والمان وعرضهم للسجن دون محاكمة ولفترة طويلة وبعضهم الكثير ما يزال في السجن. كما اعتقل بصورة غير شرعية نواباً برلمانيين كرد من قادة حزب الشعوب الديمقراطي بذريعة التآمر على النظام والتعاون مع حزب العمال الكردستاني PKK.
إن الصفعة التي تلقاها أردوغان في الانتخابات المحلية الأخيرة في تركيا كانت في خسارته الكبيرة في أغلب المدن الكبيرة، ولاسيما أنقرة وإسطنبول وانطاكيا.. إلخ، في حين كان فوزه في المناطق الريفية والفلاحية التي لا يزال يعاني سكانها من تأثير الدين المشوه وشيوخه عليهم وتخلف الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي في صفوفهم. وكان رد فعل أردوغان في الوهلة الأولى بأن حزبه لم يوضح سياساته بشكل دقيق ولم تكن علاقاته بشكل مناسب مع سكان هذه المدن. أي أن الرجل ما يزال راكباً رأسه ويرفض الاعتراف بأن السبب وراء ذلك يكمن في نهجه الفكري وسياساته المناهضة للحوكمة الرشيدة والعقلانية، وأن الخسار له ولحزبه الإسلامي الإخواني ربما ستكون أكبر وأوسع في الانتخابات العامة القادمة بعد أربع سنوات ما لم يغير النهج العام والسياسات التفصيلية والموقف من العلاقات الدولية ومع دول الجوار والكف عن التدخل في شؤونها أو دعم قوى الإرهاب الإسلامي السياسي فيها. إن النهج الفكري المتخلف والسياسي الاستبدادي الراهنين لأردوغان لن يحصد بهما سوى الخذلان على الصعيدين المحلي والدولي، وستتسع مقاومة الشعب له وتتعزز مواقع قوى المعارضة لنظامه السياسي وتصرفاته السلطانية المشينة.