قانون وحدة الأضداد هو قانون التناقض وماديّا جدليّا، لا وجود لقانون- صراع الأضداد - الخوجيّ


ناظم الماوي
الحوار المتمدن - العدد: 6187 - 2019 / 3 / 30 - 22:52
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

قانون وحدة الأضداد هو قانون التناقض وماديّا جدليّا، لا وجود لقانون" صراع الأضداد " الخوجيّ


يعنون أصحاب " هل يمكن إعتبار ماو تسى تونغ ماركسيّا - لينينيا ؟ " النقطة النظريّة الثالثة من المدّعى زورا و بهتانا " بحث " بسؤال : " ما الأساسي ؟ وحدة الأضداد أم صراع الأضداد ؟ ". و كتعليق على ذلك و على مضمون هذه النقطة ، نسوق جملة من الملاحظات وفق المحاور التالى ذكرها .

1- مغالطة تحريفية :

سؤال من هذا القبيل يحمل لغما متفجّرا لمن يبتلع الطعم إذ أنّ الطرح مغلوط أصلا و مموّه عمدا و ينمّ عن إنتهازية ، و يا لها من إنتهازيّة !

1- وحدة الأضداد كمفهوم جدلي تعنى و تساوى ، دون أدنى ريب أو ظلّ للشكّ، كما هي مستعملة و متداولة فى الفلسفة الماركسية - اللينينية - الماوية قانون التناقض فلينين يقول بكل وضوح فى " حول الديالكتيك " ( صفحة 468 من " المختارات فى 10 مجلدات " ، المجلد الرابع ، دار التقدم ، باللغة العربيّة ) :

" إنّ مفهومي ( أوالمفهومين الممكنين ؟ أو المفهومين الذين يعطيهما التاريخ ؟ ) التطوّر الأساسيّين هما : التطوّر بوصفه نقصانا و زيادة ، بوصفه تكرارا ، و التطوّر بوصفه وحدة الأضداد ( إزدواج ما هو واحد، إلى ضدّين ينفى أحدهما الآخر ، و العلاقات بين الضدّين )." ( التسطير منا )


و قبله أفصح إنجلز عن الفكرة ذاتها فى " أنتى دوهرينغ " (الصفحة 145 ، دار دمشق ، الطبعة الخامسة 1981) : " الحركة هي بكل بساطة ... تناقض ."

و بعدهما قال ماو تسى تونغ :

" إن قانون التناقض فى الأشياء ، أي قانون وحدة الضدين هو القانون الأساسي الأول فى الديالكتيك المادي . و يقول لينين إنّ الديالكتيك ، بمعناه الأصلي ، هو دراسة التناقض فى صميم جوهر الأشياء ".

( المجلد الأوّل من " مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " ، الصفحة 453 ، طبعة بيكين باللغة العربيّة ) .

2- و صراع الأضداد ليس سوى مظهر من مظهري قانون التناقض أو وحدة الأضداد ذلك أن التناقض ينطوى على مظهرين أي مظهر وحدة كمظهر نسبيّ و مظهر صراع كمظهر مطلق وهما مظهرين متصارعين داخل وحدة الأضداد / التناقض .

و بالتالي تقديم وحدة الأضداد ( وليس مظهر الوحدة فى وحدة الأضداد أي التناقض) كنقيض لصراع الأضداد لا يستقيم البتّة ماركسيّا فالثاني - صراع الأضداد - ما هو إلاّ مظهر فقط من مظهري وحدة الأضداد / قانون التناقض . و نعيدها وحدة الأضداد قانون يشمل كلاّ من الوحدة كمظهر و الصراع كمظهر آخر فنتبيّن عندئذ بجلاء أنّ صراع الأضداد ليس نقيضا لوحدة الأضداد / التناقض .

المغالطة تتركز فى كلمة " وحدة " فوحدة الأضداد هي التناقض أمّا الجماعة فيتوقّعون منّا أن نتبنّى غصبا عنّا مفهومهم التحريفي " التناقض هو صراع الأضداد ". و مفهومهم التحريفي الخوجي هذا ، مع تتالي الصفحات ، تطوّر بفجاجة ليصبح " قانون صراع الأضداد و وحدتها " (ص 57 من "هل يمكن...؟ ") وهو يلتقى تمام الإلتقاء مع المفاهيم المستخدمة من قبل التحريفيين السوفيات فى كتابهم " نقد المفاهيم النظرية لماو تسى تونغ " ( دار التقدّم ، 1974) حيث نقرأ بالصفحة 62 :

" من الواضح أن قانون وحدة و صراع الأضداد له طابع شامل ، و لهذا فإن صراع الأضداد يعتبر مصدرا للتطور فى ظلّ الإشتراكية أيضا." ( التسطير منا )

و فى كتاب فاسيلي بودوستنيك و أوفشى ياخوت المعنون " ألف باء المادية الجدلية " يجرى الحديث عن " قانون وحدة الأضداد و صراعها " (الصفحة 57 ، دار الطليعة ، الطبعة الأولى 1979 ).

2- تلاعب بكلام لينين :

1- ورد بالصفحة 11-12 من " هل يمكن ...؟ " :

" و قد أكد لينين أن وحدة الأضداد لا تعني إلا نضال الأضداد داخل مادة ما أو ظاهرة ما فى فترة ما. أما نضال الأضداد فهو خيط رابط بجملة من الوحدات و الإنفصامات ، بجملة من التقابلات و التفاعلات ثم الإنقطاعات كسيرورة المواد و الظواهر . يقول لينين : "إن تماثل الأضداد ( قد يكون وحدتها أصح ! ... فالكلمتان كلتاهما صحيحتان بمعنى ما ) هو إقرار (إكتشاف ) بميول متناقضة ، متضادة ينفى بعضها بعضا فى جميع ظاهرات الطبيعة و تفاعلاتها (1)".

و كيما نتمكّن من إستيعاب التحريف إستيعابا لا يرقى إليه شكّ ، نضع بين أيديكم النص الأصلي للينين :

" إن تماثل الأضداد ( قد تكون "وحدة "ها أصح؟ رغم أن التمييز بين كلمتي تماثل و وحدة ليس بذات أهمية فى هذا المجال. فالكلمتان كلتاهما صحيحتان بمعنى معين ) هو إقرار (إكتشاف ) بميول متناقضة ، متضادة ، ينفى بعضها بعضا فى جميع ظاهرات الطبيعة و تفاعلاتها ، ( و فى عدادها تدخل أيضا ظاهرات الروح و المجتمع و تفاعلاتهما ). و لأجل إدراك جميع تفاعلات العالم من حيث " حركتها الذاتية " ، من حيث تطوّرها العفوي ، من حيث واقعها الحيّ ، ينبغى إدراكها من حيث هي وحدة من الأضداد . إنّ التطوّر هو " نضال " الأضداد . إن مفهومي ( أو المفهومين الممكنين ؟ أو المفهومين الذين يعطيهما التاريخ؟ ) التطور الأساسيين هما : التطوّر بوصفه نقصانا و زيادة ، بوصفه تكرارا ، و التطور بوصفه وحدة الأضداد ( إزدواج ما هو واحد ، الى ضدين ينفى أحدهما الآخر ، و العلاقات بين الضدين). "

( لينين ، المختارات فى 10 أجزاء ،المجلّد الرابع ، الصفحة 468)

كيف تسمح الجماعة الخوجيّة المتستّرة لنفسها بإدعاء أن " لينين قد أكد أن وحدة الأضداد لا تعنى إلا نضال الأضداد ..." هكذا بصيغة حصرية ؟ هل تساوى مفردة "وحدة" مفردة " نضال " و هل أضاف لينين سهوا "العلاقات المتبادلة بينهما" ؟ بالطبع لا . لينين كفيلسوف ماركسي ليس بصدد ممارسة لعب طفولي صبياني هنا ، ما أبعده عن هذا . إنه يختار المصطلحات و المفاهيم بدقة متناهية أما هؤلاء المدعين التتلمذ على يديه فإنهم يقوّلونه ما لم يقل ، يغتصبون نصه و يحرفونه خدمة لمآربهم الإنتهازيّة .

و لينين فى الفقرة نفسها يكتب "التطوّر هو " نضال " الأضداد " و يضع كلمة " نضال " بين هلالين . لماذا يا ترى ؟ فهمنا جميعا لا ريب أنه فعل ذلك للتأكيد على أن ذلك هو مظهر فحسب من مظهري وحدة الأضداد /التناقض ولو أنه المظهر الرئيسي المطلق ، لينين لا ينسي الوحدة كمظهر يفيد "العلاقات المتبادلة " التى تعنى ، بدورها ، من جهة الترابط بين الضدين و من جهة ثانية تحول الضد الى ضده ، تحول الضد الى نقيضه. و لذات السبب وضع لينين أيضا هلالين على كلمة الوحدة فى السطر الأول من الفقرة :"تماثل الأضداد (قد تكون "وحدة"ها..." وهو ما أسقطه محرفوه إستجابة لأغراضهم الإنتهازيّة الدنيئة .

و يتأكّد هذا الفهم للوحدة فى" دفاتر فلسفية " ( المجلد 38 من الأعمال الكاملة ، طبعة باللغة الفرنسية ، موسكو، ص 107) أين صاغ لينين:

" إنّ الديالكتيك هو النظرية التى تدرس كيف يمكن لضدّين أن يكونا متّحدين ، و كيف يصيران متّحدين ( يتبدلان فيصيران متّحدين ) - فى أي ظروف يكونان متّحدين ، و يتحوّل أحدهما الى نقيضه – و لماذا ينبغى للفكر الإنساني ألاّ ينظر إلى هذين الضدّين كشيئين ميّتين جامدين ، بل كشيئين حيّين مشروطين قابلين للتبدّل أحدهما إلى نقيضه ."

( ذكره أيضا ماو بالصفحة 489 من " مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلد 1 ، بالعربية )

و لن ننسى طبعا التعليق على شيأين إثنين آخرين ضمن فضح التلاعب بلينين فى الإستشهاد الذى نتفحّص . الشيء الأوّل هو أن لينين وضع سطرا تحت " جميع ظاهرات الطبيعة و تفاعلاتهما " و الجماعة قفزوا على التشديد على " جميع " و فسخوا تماما و كلّيا إضافة لينين بالضبط بعد تلك الكلمات : " ( و فى عدادها تدخل أيضا ظاهرات الروح و المجتمع و تفاعلاتهما )." والدافع وراء هتين العمليّتين واحد وهو إنكار شموليّة أو عموميّة وحدة الأضداد / التناقض فبينما يشدّد لينين على شمولية وحدة الأضداد / التناقض واضعا سطرا تحت "جميع" و تحت " فى عدادها " جاعلا الأمر ينسحب على الفكر و الطبيعة و المجتمع جميعا ، لا يعترف جماعة " هل يمكن...؟ " بذلك و يفسخونه لأنّه ضرب لهم فى الصميم بإعتبار أنّ الحزب كمادة و كظاهرة إجتماعية و كسيرورة إجتماعية يخضع هو الآخر و بدوره لوحدة الأضداد / التناقض و شرط معرفته لأجل تغييره ثوريّا شأنه فى ذلك شأن "جميع تفاعلات العالم من حيث "حركتها الذاتية " ، من حيث تطوّرها العفوي ، من حيث واقعها الحي ، ينبغى إدراكها من حيث هي وحدة من الأضداد. إن التطور هو " نضال" الأضداد". (التسطير مضاف ).

3- وحدة الأضداد القانون الأساسي للديالكتيك :

و ضمن إستهتار آخر بالحقيقة ، تجرى محاولة معارضة ماو تسى تونغ بلينين من خلال كلامه السالف فى الإستشهاد الذى نقدنا و الحال أنّهما يلتقيان تمام الإلتقاء فى تحديد القانون الأساسي للديالكتيك :

" و تطابقا مع وحدة الأضداد ، القانون الأساسي للديالكتيك فإن المتناقضين هما فى نضال و هما فى نفس الوقت متحدان ، إنهما ينفيان بعضهما البعض و هما مرتبطان الواحد بالآخر و فى ظروف معينة يتحول الواحد منهما الى الآخر " ( التسطير للجماعة ) و يستنتجون أن :" قول "وحدة الأضداد ، القانون الأساسي للديالكتيك " هو تحريف لقوانين المادية الجدلية " .( الصفحة 10 من " هل يمكن...؟ ")

و هذا الإستنتاج خدعة و مكر فماو لا يتحدّث فى الجملة إيّاها عن مظهر الوحدة فى التناقض بل يتحدّث بالذات عن وحدة الأضداد / التناقض و هذا بالتالي لا يتعارض بالمرّة مع ما قاله لينين من أنّ " وحدة الأضداد ( إزواج ما هو واحد ، إلى ضدين ينفى أحدهما الآخر ، و علاقات بين الضدين )" و قول ماو إنّ" المتناقضين هما فى نضال " لا معنى له سوى " ضدين ينفى أحدهما الآخر " لدى لينين و " هما فى نفس الوقت متّحدان " لا دلالة له سوى "علاقات بين الضدين " لدى لينين.

" إنّ قانون التناقض فى الأشياء أي قانون وحدة الضدين هو القانون الأول فى الديالكتيك المادي. يقول لينين إن الديالكتيك بمعناه الأصلي هو دراسة التناقض فى صميم جوهر الأشياء و كثيرا ما أسمى لينين هذا القانون جوهر الديالكتيك كما أسماه لبّ الديالكتيك ".

(ماو تسى تونغ ، مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 1، الصفحة 453) .

و إن إعتبار وحدة الأضداد / التناقض هو القانون الأساسي للديالكتيك شيء صحيح تماما سلف و أن أشار إليه لينين العظيم و جاء ماو شارحا له و مطوّرا و لا أدلّ على موقف لينين هنا من تصريحه : " إن إزدواج ما هو واحد و معرفة جزئيه المتناقضين ( راجعوا "هيراقليت " ،لاسال ، رأي فيلون بهيراقليت ، فى مطلع القسم الثالث، " فى المعرفة " ) يشكّلان جوهر الديالكتيك ( أحد "جواهره " ، إحدى خصائصه أو ميزاته الرئيسيّة ، إن لم تكن خاصته الرئيسية )". و إزدواج الواحد كما أفصح عن ذلك هو نفسه فى فقرته فى " حول الديالكتيك " هو وحدة الأضداد أي التناقض، و كذلك تصريحه " ولأجل إدراك جميع تفاعلات العالم من حيث "حركتها الذاتية"، من حيث تطوّرها العفوي ، من حيث واقعها الحيّ ، ينبغى إدراكها من حيث هي وحدة من الأضداد."

إزدواج الواحد هو جوهر الديالكتيك و وحدة الأضداد هي شرط معرفة جميع تفاعلات العالم و وحدة الأضداد هي أيضا إحدى المفهومين الأساسيّين للتطوّر : " إنّ مفهومي ...التطوّر الأساسيين هما : التطوّر بوصفه نقصانا و زيادة ، بوصفه تكرارا ، و التطوّر بوصفه وحدة الأضداد ."

إضافة إلى ذلك ، مفهوم " وحدة الأضداد " يعطينا مفتاح "الحركة الذاتية " لكلّ ما هو موجود ماديّا ، ...يعطينا مفتاح "القفزات " ، و "الإنقطاع فى الإستمرار" ، و " تحول الشيء إلى ضدّه " ، وتدمير ما هو قديم و ولادة ما هو جديد". (نفس المصدر السابق : "حول الديالكتيك " ، الصفحة 468 عينها ) و " التطور هو " نضال الأضداد" ( نفس المصدر السابق ، و قد ذكره ستالين فى " المادية الديالكتيكية و المادية التاريخية "، دار دمشق، المكتبة الإشتراكية ، الصفحة 21 ).

و بإختصار يقول لينين :

" إنّ الديالكتيك ، بالمعنى الخاص للكلمة ، هو درس التناقضات فى ماهية الأشياء نفسها " .

( الدفاتر الفلسفية - صفحة 263 ، الطبعة الروسية ، ذكره ستالين بالصفحة 20 من " المادية الديالكتيكية و المادية التاريخية "، و ذكره ماو بالصفحة 453 من المجلّد الأوّل من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ).

أوضح من كلمات لينين هذه لن نجد بصدد الموضوع الذى نحن بصدده إلا ّما جاء على لسان قلمه في " ملخّص "علم المنطق " لهيغل:

" يمكن تلخيص الديالكتيك و تعريفه بأنّه نظريّة وحدة الضدّين. و بذلك نستطيع الإمساك بلبّ الديالكتيك، غير أن هذا يتطلب إيضاحا و تطويرا " . ( " دفاتر فلسفية " الصفحة 211، المجلّد 38 من " الأعمال الكاملة " للينين و ذكره ماو تسى تونغ فى الملاحظة (2) ضمن " فى التناقض " ، المجلّد1 من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، الصفحة 501 ) .

إذن الديالكتيك هو نظريّة وحدة الضدّين . وحدة الأضداد هي بلا منازع القانون الأساسي و الجوهري للجدليّة و يريدون من ماو ألاّ يتّبع خطى لينين و يعتبر التناقض / وحدة الأضداد القانون الأساسي للديالكتيك!!! لقد لمّح لينين بعظمه و دمه الى ضرورة تفسير ذلك و تطويره - هذا يتطلب إيضاحا و تطويرا- و أتى ماو تسى تونغ ليستجيب لتلك الضرورة و ينهض بتلك المسؤولية مؤلفا ، فى تفاعل مع واقع الصراع الطبقي فى الصين و الحركة الشيوعية عالميّا ومحليّا ، كرّاس " فى التناقض " معتمدا على لينين شارحا و مطبّقا منهجه و مطوّرا أطروحاته .

و من يتطلّع إلى نقاش مستفيض لتطوير ماو تسى تونغ للجدلية بإثبات أنّ التناقض هو القانون الجوهري للديالكتيك و أنّ التغيير الكمّى الى الكيفي و العكس تناقض و أنّ نفي النفي ليس قانونا مادياّ جدليا ، ننصحه بدراسة ما نشرناه سابقا بهذا المضمار فقد فصّلنا القول في هذه المسألة بالذات في مقال يوجد على صفحات الحوار المتمدّن و قد ضمّنناه أيضا فى كتابنا " نقد ماركسيّة سلامة كيلا إنطلاقا من شيوعيّة اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة " ، المتوفّر بمكتبة الحوار المتمدّن ، على الأنترنت .

و نتابع.

4- التراكم الكمّي و التحوّل النوعي :

إثر الإستشهاد بلينين و تشويه كلامه و تحريفه ، بالصفحة 12 تمضى الجماعة الدغمائية التحريفية الخوجية المتستّرة قدما فى قلب الحقائق رأسا على عقب لتعلن أنّ " الغاية من دراسة الأشياء و الظواهر بالنسبة إلى الماركسيين هي معرفة طرفي أو اطراف التناقض فيها و علاقتها ببعضها . و المهم بالنسبة إليهم التحول النوعي فى المجتمع و الطبيعة لا الوحدة و الإستقرار و تبدل المواقع حسب موازين القوى لطرفي الصراع مثلما يزعم ماو تسى تونغ ".

و لا يفوتنا هنا أن نشير و لو إشارة سريعة الى أنّ مفهومهم الذي ينسبونه بهتانا الى ماو و المقصود هو " تبدل المواقع " مستعار من التحريفيين السوفيات : " وفقا لرأي ماو تسى تونغ ، تتبادل البروليتاريا الأماكن مع البرجوازية نتيجة لإنتصار الثورة الإشتراكية " ( ص47 من " نقد المفاهيم النظرية لماو تسى تونغ" دار التقدم،1974 ) وهو ما كرّره قبلهم الخوجي و أحد أبرز قادة حزب العمّال الشيوعي التونسي آنذاك ، سنة ،1989 محمد الكيلانى فى " الماوية معادية للشيوعية " ص16 ) " يعتقد مثلا أن البرجوازية والبروليتاريا تتبادلان المواقع و تحافظان فى نفس الوقت على وجودهما ".

بالنسبة لعلم الشيوعيّة ، الغاية من المعرفة ( و ليست المعرفة غاية فى حدّ ذاتها كما نفهم من أصحاب " هل يمكن...؟ " المثاليّين ) ، من تفسير العالم هي تغييره . و المثاليّون فى فقرتهم هذه يهملون إهمالا كلّيا الجانب المادي من ناحية الممارسة كوسيلة لمعرفة العالم و من ناحية الممارسة كمحك أيضا يؤكّد صحة المعرفة من عدمها. إنّهم لا يفقهون شيئا من نظرية المعرفة الماركسية .

ثمّ من أين أتى هؤلاء بأنّ التحوّلات النوعيّة هي المهمّة ؟ أليست مهمّة كذلك التراكمات الكمّية ؟ و هل حدث تحوّلات نوعيّة دون تراكمات كمّية ؟ هذه الأخيرة بالتأكيد مهمّة لأنها فى إرتباط جدلي مع التحولات النوعية فهي التى تقف وراء حصولها و تؤدى إليها وهي أيضا نتيجة و إفراز للتحولات النوعية الجزئية فى سيرورة ما . و عندئذ رؤية النوعي فقط دون الكمي فى الأهمية هي رؤية إحادية الجانب و ليست جدلية و فى النهاية ميتافيزيقية تتنكر للنوعي والكمي كوحدة أضداد / تناقض يتحول الواحد منهما إلى الآخر، إلى نقيضه فى ظروف معينة ." تحول الكمّي الى نوعي و العكس بالعكس " ( لينين : " دفاتر فلسفية "، ص 210 من المجلد 38 ).

على المستوى الإجتماعي و الصراع الطبقي تحديدا أيهمّنا التحوّل النوعي فقط ، مثلا الثورة ؟ لا بطبيعة الحال، يهمّنا العمل اليومي الدؤوب و المثابر من أجل المراكمات الكمية التى دونها لن يوجد تحوّل نوعي وذلك لسنوات طوال و لعقود أحيانا لإنجاز الثورة و هذه الثورة ، التحوّل النوعي بدوره سيفسح المجال مجدّدا للتراكمات الكمية فى سيرورة هكذا لولبية من الأدنى إلى الأرقى رئيسيا دون أن نستبعد البتة الإنتكاسات و التراجعات ثانويا كمظهر ثان لوحدة ضدين تقدم / تراجع و لا نستبعد البتة أن تتحول التراجعات كمظهر ثانوي الى مظهر رئيسي فتشهد السيرورة ( أو الشيء أو الظاهرة ) تحولا نوعيا إلى الوراء ، إنتـكاسة ، و مثال ذلك ما حصل للحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي و الإشتراكية فى ذلك البلد حيث تحوّل الحزب الشيوعي البروليتاري الى حزب تحريفي برجوازي جديد و هو تراجع يجسد كيف أنّ الكمى فى التراجع صار نوعيا و إنتصر الخط التحريفي على الخط الثوري فى الحزب وإنتصر الطريق الرأسمالي على الطريق الإشتراكي و إنتصرت الثورة المضادة على الثورة .

هذه مفاهيم جدليّة تعتمد الماديّة أي الوقائع الملموسة أساسا لها فلا مجال لإنكار أهمية الكمّي و تحوّله كمظهر فى وحدة ضدين كمّي / نوعي الى نقيضه أي إن كان رئيسيا يغدو ثانويا و العكس بالعكس . فى الظروف غير الثورية في البلدان الإمبرياليّة ، هل الأهمّ هو القيام بالثورة أم التحضير و الإعداد لها عبر المراكمات الكمية وصولا الى وضع ثوري تتوفر فيه إمكانيّة ثورة ؟ لا غرو أنّ المهمة الرئيسية فى الظروف غير الثورية فى البلدان الإمبريالية هي خلق رأي عام و مراكمة القوى إستعدادا للهجوم الثوري الشامل لاحقا حين يتوفر وضع ثوري وتتوفّر إمكانية الإنتصار.

و هذه المراكمة الكمية نسبة للثورة تحوّل نوعي تتضمّن لا تحوّلا نوعيا كبيرا فحسب بل تحوّلات نوعية عديدة جزئيّة إذا ما إتّصل الأمر بكل مجال أو حقل نضال على حدة أو بنقطة أو معركة معيّنة فى هذا المجال أو الحقل . و لا نظنّنا في حاجة إلى شرح كبير بهذا المضمار فالأمثلة العديدة في متناول يد القرّاء أمامهم و خلفهم و على يمينهم و شمالهم و فوقهم و تحتهم . هذه واحدة ، و تاليا نتوجّه بالدعوة لهؤلاء الخوجيين المتستّرين لأن يناقشوا ما يعبّر عنه إنجلز من تحوّل الكمّي إلى نوعى و العكس أيضا أي تحوّل النوعى إلى كمّي كموقف مناهض تماما لموقفهم بشأن الموضوع الذى نحن بصدده : " الكمّية تتحوّل فيها إلى كيفيّة و العكس بالعكس " ( " انتى دوهرينغ " الصفحة 151 ، دار دمشق 1981).

هذه هي المادية الجدلية التى علمنا إيّاها لينين و ماوتسى تونغ و التى يدوسها أصحاب "هل يمكن...؟ " دوسا بأحذيتهم الغليظة .

و فى معرض حديثهم السالف الذكر ، يعارض الخوجيون المتستّرون التحول النوعي بالوحدة و( يساوون بين صراع الأضداد و التحول النوعي وهذا لشديد الغرابة ماركسيّا ) كأنّ التحول النوعي فقط هو الذى يمثل مظهر صراع الأضداد و كأن التراكمات الكمية ليست إفرازا لصراع الأضداد و الوحدة فى التناقض / وحدة الأضداد و ليست هي أيضا إفرازا لصراع الأضداد الذى هو واحد من مظهري التناقض (الصراع و الوحدة ) . " فالصراع يكمن بالضبط فى الوحدة و لا وحدة بدون صراع " (ماو ، الصفحة 497 من المجلّد الأوّل من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ") .

5- عن مظهر الوحدة فى التناقض :

و فى ذات حديثهم السالف الذكر ثمّة سعي منهم محموم لتمرير مفاهيم غريبة عن الماديّة الجدليّة تقدّم الوحدة على أنّها حصرا و تحديدا تحول مظهري التناقض كل إلى نقيضه فى ظروف معينة ( و لينين و ماو بعد قد أكّدا أن ذلك جانب واحد من الجانبان المكوّنان لمفهوم الوحدة ) و الجانب الذى تعامت عنه و تناسته الجماعة الخوجية المتستّرة هو إشتراط المظهر لنقيضه داخل وحدة الضدين . كما بيّن ماو :

" الوحدة ، الإتحاد، التطابق ، التداخل ، التمازج ، الإعتماد المتبادل ( أو الإعتماد المتبادل فى البقاء ) ، الترابط أو التعاون- هذه العبارات المختلفة جميعا تعنى فكرة واحدة و تقصد هاتين النقطتين التاليتين : أوّلا ، ان كل طرف من طرفي عملية التطور شيء ما يستلزم وجود الطرف الآخر المتناقض معه ، كشرط مسبّق لوجوده هو ، و ان الطرفين يتواجدان فى كيان واحد ، ثانيا ، ان كل طرف من الطرفين المتناقضين يتحول ، تبعا لعوامل معينة ، إلى نقيضه . و هذا ما يقصد بالوحدة ."

( ماو تسى تونغ ، الصفحة 497 من المجلّد الأوّل من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ")

و ما أفظع أن تتداخل المفاهيم فتصير الوحدة عند نقّاد الماوية ، بعد ذلك ، عوض مظهر من مظهري وحدة الأضداد شكلا و يصير صراع الأضداد مضمونا " ... بينما غيب المضمون ، وهو نضال الأضداد و التحول النوعي فطغى الشكل وهو الوحدة " ، فظيع و رهيب أليس كذلك ؟!!!

6- تصحيح و إجابة :

و قد بلغنا هذا الحدّ من نقاش قضايا الماديّة الجدليّة ، لنتوقف قليلا عند تصحيح السؤال المغلوط فى عنوان النقطة الثالثة من المسائل النظرية المعالجة فى "بحثهم" ونقصد : " ما الأساسي؟ وحدة الأضداد أم صراع الأضداد ؟ ". السؤال الذى يمكن أن تكون له دلالة مادية جدلية فى غاية الأهمّية ينبغى أن يطرح على النحو الآتي ذكره : أي مظهر من مظهري التناقض / طرفي التناقض الوحدة أم الصراع هو الأساسي ؟

رغم الشبهات التى يثيرها هؤلاء الدغمائيين التحريفيين و رغم تشويهاتهم البغيضة و التحريفية الخوجيّة الفجّة المدّعية بأنّ ماو جعل من الوحدة القانون المطلق، فإنّ وجهة نظر ماو تسى تونغ تبقى لينينية فى عمقها فى هذه القضية و كذلك فى غيرها من القضايا التى أنفت معالجتها و التى سنعالج آجلا. ففى " فى التناقض " يعرض ماو تسى تونغ الصيغة اللينينيّة : " إن إتّحاد ( تطابق ، وحدة ، تواحد) الضدين مشروط ، مؤقت ، عارض ، نسبي . أمّا صراع الضدّين المتعارضين فهو مطلق ، تماما كما أنّ التطوّر و الحركة مطلقان ". ( المجلّد1 ، صفحة 495 ) و يشرح ، إثر ذلك ، لماذا تكون الوحدة مشروطة و لماذا يكون صراع الضدّين مطلقا معمّقا هذه الصيغة و مستجيبا لدعوة لينين حول ضرورة مزيد تفسير و تطوير الجدلية و قانونها الأساسي التناقض/ وحدة الأضداد ليخلص إلى جملة إقراريّة تلخص موقفه الذى ينكره الجماعة و يحرّفونه : " إنّ الوحدة المشروطة النسبيّة تشكّل مع الصراع المطلق غير المشروط حركة التناقض فى جميع الأشياء ". (المجلّد1 ، صفحة 497).

و بهذا تجلّى موقف الخوجيّين بكلّ قبح تزويره للماركسية - اللينينية و الماويّة كتطوير لها و بكلّ عجزه عن التفكير و التحليل العلميّين و حتّى فى طرح الأسئلة كما يطرحها الماديّون الجدليّون الحقيقيّون .

ستالين و وحدة الأضداد :

والآن إلى التطرّق إلى النقد الذى صاغه ماوتسى تونغ لستالين فيما يخص رؤيته لمظهر الوحدة فى التناقض و العلاقة بينه و بين مظهر الصراع فى التناقض بإعتبارها مثاليّة و إلى كيفية التلاعب التحريفي بهذا النقد الصائب من قبل " نقاد ماو".

" وقد نسب ماو إلى ستالين فكرة نوردها كما هي :" قيل فى القاموس الفلسفي الصغير ، الطبعة الرابعة بالإتحاد السوفياتي ، فى فصل "الوحدة " الذى يعبر عن وجهة نظر ستالين ما يلى : " إنّ الظواهر مثل السلم و الحرب ، البرجوازية و البروليتاريا ، الحياة و الموت ، إلخ لا يمكنها أن تكون متحدة إذ أن الإتجاهين هما متعارضين تعارضا تاما و ينفى الواحد الآخر " معنى هذا أنه لا توجد وحدة بالمعنى الماركسي للكلمة ، بين هذه الظواهر المتعارضة تعارضا تاما ، و أنها لا تفعل إلا أن تنفى بعضها البعض بصورة متبادلة دون أن تكون مرتبطة الواحدة منها بالأخرى و دون أن تستطيع أن تتبدل الواحدة منهما إلى موقع الأخرى فى ظروف معينة ، إن هذا إدعاء كاذب من أساسه ". ( الصفحة 13 من "هل يمكن...؟" )

و لكيما يظهروا بمظهر النزهاء ، ينقل هؤلاء الخوجيين المتستّرين تاليا النص بالفرنسية إلا أن بمقارنة بسيطة و سريعة بين النص بالفرنسية و تعريبهم ، نخرج بالإعتراضين التاليين :
أ) فى المصطلحات التى يستخدمها ماو تسى تونغ كماركسي - لينيني لا تعرّب les deux aspects
ب"الإتجاهين " و إنما ب"المظهرين " أو" الطرفين " و se -convert-ir l’un en l’autre أبعد ما تكون
عن " تتبدل الواحدة منهما إلى الأخرى" فالعبارات الفرنسية تفيد مثلما مر بنا أعلاه لدى لينين و ماو تسى تونغ تحديدا "تحول الواحد إلى نقيضه". حينئذ من أين جاء هؤلاء بمفاهيمهم التى يفرضونها فرضا على ما كتبه ماو ؟ إنها لا تعدو أن تكون نقلا ساذجا عن أضرابهم الخوجيين و التحريفيين السوفيات و جميعهم يلصقونها إلصاقا بماو و هو منها براء . لا هو تحدث عن " إتجاهين " و لا هو من "منظري تبديل المواقع " بل يستعمل المفاهيم اللينينية : تحول أو تبدل الطرف إلى نقيضه .

ب) Voilà une assertion fondamentalement erronée تعريبها مشوّه قصدا
ف assertion تعنى تأكيد و erronée تعنى خاطئ
فنحصل على "إن هذا تأكيد خاطئ في الأساس " لا " إدّعاء كاذب من أساسه ". و الفرق جليّ وبيّن و القارئ هو المستهدف من هذا التحريف حيث يرمون إلى جعلنا نعتقد أن ماو تسى تونغ يعامل ستالين وهو أحد معلمى البروليتاريا العالمية على أنه كاذب ، يدعى أشياءا و يكذب. لا . ماو وهو ينقد ستالين رفاقيا و نقدا بناءا يكشف أخطاء يجب على البروليتاريا العالمية و منها الصينية أن تتجنبها بغية مواصلة السير على الطريق الثوري الذى خطه لينين و ستالين العظيمين، إستفادة من التجارب و تعزيزا لما هو صحيح نظريا و عمليا و إصلاح الأخطاء و المضيّ قدما نحو معرفة و ممارسة أرقي . و إن ستالين أو لينين قبله ما إدعيا و لا فى مناسبة واحدة أنهما معصومين من الخطاء و إنما دعيا للنقد و النقد الذاتي كخبز يومي و الخوجيون إذ يحولون ستالين إلى إمام معصوم من الأخطاء فهم يطبقون الميتافيزيقا و المثالية و يلطخون التلطيخ كلّه المادية الجدلية و " إزدواج ما هو واحد و معرفة جزئيه المتناقضين ... يشكلان جوهر الديالكتيك " ( لينين ) و ما ذكره ستالين فى " المادية الديالكتيكية و المادية التاريخية " عن لينين : " إن الديالكتيك ، بالمعني الخاص للكلمة ، هو درس التناقضات فى ماهية الأشياء نفسها ". أمّا الكذب كنهج و ممارسة فأصحاب "هل يمكن...؟" يحترفونه هم و تجليات ذلك سابقة و لاحقة !

و لأن الدفاع عن خطاء ستالين إياه ، كما سيبيّن ماو ، يقتضى و يتطلّب سفسطة و تزويرا ، فإن أعداء المنهج العلمي فى البحث و أعداء الحقيقة وجدوا أنفسهم يخبطون خبط عشواء . " و يدلّل ماو على مفهوم الوحدة و الصراع من منظوره هو بمثال : الموت و الحياة يقول " إذا لم يتبادل الموت و الحياة المواقع ، و يتحول كل منهما إلى مكان الآخر ، قل لى إذن من أين تأتى الكائنات الحيّة ؟ " و يطبّق ماو نفس المثال على البرجوازية و البروليتاريا . إنّ الحياة و الموت هما ظاهرتان جدليتان متواصلتان و مرتبطتان بوجود الحيوان و الإنسان و غيرهما : الموت و الحياة . يحصل التحول النوعي و التجديد و الإرتقاء من الأدنى إلى الأعلى ، و قد وجدتا منذ ظهرت الكائنات الحية فوق الأرض . و لهذا لا يمكن أن يستدل بهما للتدليل على الوحدة و الصراع بين البرجوازية و البروليتاريا. و لو سلمنا بهذه الفكرة لقلنا إن البرجوازية فى وحدة و صراع مع البروليتاريا منذ ظهر الجنس البشري، وهما فى صراع متواصل مستمر، إحداهما غالبة مرة و مغلوبة مرة أخرى إلخ...و هذه رؤية ميكانيكية لقانون صراع الأضداد ..." (ص14 من "هل يمكن...؟").

و لعلم الجميع هذا من الخوجيين المتستّرين إجترار حرفيّ تقريبا لكلمات و جمل التحريفيين السوفيات الذين عنهم أخذ خوجا و من هذا الأخير نهل الخوجيّون جميعا ( "الإمبريالية و الثورة " - الفصل المعنون " فكر ماو تسى تونغ معاد للماركسية " و " الماوية معادية للشيوعية " لمحمّد الكيلاني ( صفحات 16 و 17 ) .

طبعا من حقّ ماو تسى تونغ علينا أن ندعه يعرض أفكاره كما صاغها هو لا كما يشوّهها أعداؤه و كذلك من حقّ القرّاء أن نضع بين أيديهم النصّ الأصلي موضع النقاش هنا حتّى يتسنّى البتّ فى الأمر على أساس متين و من ثمّة الحكم لماو أو ضدّه .

مفسرا لماذا يعدّ تأكيد ستالين إيّاه خاطئا ، كتب ماو تسى تونغ :

" حسب هذا الفصل ، الحرب هي الحرب و السلم هي السلم ، شيئان لا يفعلان سوى نفي الواحد الآخر ، دون أية علاقة بينهما فلا يمكن للحرب أن تتحول إلى سلم مثلما لا يمكن للسلم أن تتحول إلى حرب . يستعمل لينين مقولة لكلوزفيتش : الحرب هي إمتداد للسياسة ، و لكن بوسائل أخرى ." الصراع فى فترة السلم هو السياسة و الحرب هي أيضا سياسة ، لكن مع الإلتجاء إلى وسائل خاصة . الحرب و السلم ينفى الواحد الآخر مع بقائهما مرتبطين الواحد بالآخر و تحولهما الواحد إلى الآخر ، فى ظروف محددة . إذا لم يجر الإعداد للحرب فى فترة السلم كيف يمكنها أن تندلع فجأة ؟ لو لم يجر الإعداد للسلم خلال الحرب كيف يمكن توطيده بغتة؟

لو أن الموت و الحياة لا يتحولان الواحد إلى الآخر ، قل لى إذا من أين تأتى الكائنات الحية . فى البدء ، لم توجد إلا المادة التى لا حياة فيها أو الجامدة . كل كائن حي يعرف سيرورة الأيض:métabolisme
ولادة ، نشوء ، توالد و موت . طوال نشاط كائن حي ، الحياة و الموت فى صراع و يتحوّلان بإستمرار الواحدة إلى الأخري .

لو أن البرجوازية و البروليتاريا لا تستطيعان التحول الواحدة إلى الأخرى ، كيف تفسرون أنّ عبر الثورة ، تصبح البروليتاريا الطبقة المهيمنة و البرجوازية الطبقة المهيمن عليها ؟ لنضرب مثالا: نحن و كومنتنغ تشان كاي تشاك متعارضين تمام التعارض. نتيجة صراع و تنافى مظهري التناقض غيّرنا الموقع مع الكومنتنغ : من قوة مهيمنة التى كان تحول إلى قوة مهيمن عليها و من قوة مهيمن عليها التى كنا أمسينا القوة المهيمنة. بالنسبة للكومنتنغ فإن العشر فقط هرب إلى تيوان بينما التسعة أعشار بقيت على الجانب القاري للبلاد. إننا بصدد إعادة تربيتهم وهذه هي وحدة أضداد فى ظروف جديدة . نشكّل دائما وحدة أضداد مع الذين ذهبوا إلى تيوان و سيتعين علينا أيضا تحويلهم عبر الصراع .

ستالين لم يكن يرى العلاقة بين صراع الأضداد و وحدتها " .

( مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد الخامس الصفحتان 399 و 400)

من أين نشرع فى التعليق و هنالك الكثير من الأفكار المردودة على أصحابها كما لمستم و لا شك؟ فلتكن البداية بملاحظة إضافة نقّاد الماوية ، عند تعريبهم للنصّ الماوي ، حول " الموت و الحياة " ، " يتبادل الموت و الحياة المواقع". ربّما ذهب البعض إلى الإعتقاد بأنّها كرم منهم ! لنشكرهم على هذا الكرم الحاتمي ! و فى الوقت ذاته ننبههم إلى أنّ المسؤولية العلميّة للتعريب لا تسمح بهذا التحريف . و هم يتحيّلون و يضغطون علينا بعمليّة إعادة مفهومهم هذا و وضعه حيثما شاؤوا علّنا نحلّه محل مفهوم الوحدة فى وحدة الأضداد / التناقض . و لكن هيهات !

و نتوقّع منهم حين يقولون :" و يدلّل ماو على مفهوم الوحدة و الصراع من منظوره هو بمثال "الموت و الحياة" أن يطلعونا على هذا التدليل و أن يفنّدوه بيد أنّهم لم يوفّروا لنا أكثر من مطلع الفقرة التدليلية أي جملة واحدة يحقنونها حقنا ب" تبادل المواقع " و يغيّبون تحليل المثال المتعلّق بالموت و الحياة كوحدة أضداد وهو مثال جدلي لا يجدون منفذا لمهاجمته فيقفزون عليه قفزا بهلوانيّا . و بالضبط بعد ذلك ، تأتى جملة تترجم عمق المأزق الذى وجد أنفسهم فيه من صاغوا "هل يمكن...؟" فبعد عدم إيراد تدليل ماو و عدم قدرتهم على دحضه ، يكتبون : " و يطبّق ماو نفس المثال على البرجوازية و البيروليتاريا ". عن أيّ مثال يتكلّمون ؟ هل يطبّق مثال على مثال آخر و الحال أنّ المنطق و التدليل هو الذى يقوم على شاهد أو مثال ؟ هذه منهم لخبطة فكريّة لا غبار عليها .

ماو لا " يطبّق " مثال الموت و الحياة على البروليتاريا و البرجوازية بل يشرح نفسه بمثال آخر عن الوحدة فى التناقض أو وحدة الأضداد وهو فى كلّ الأمثلة الثلاثة التى أورد يصب نقده على ما جاء فى المعجم الفلسفي الصغير الذى أشار للموت و الحياة و للحرب و السلم و للبرجوازية و البروليتاريا على أنّ كلا منها يشكّل مظهري أو طرفي تناقض لا رابطة و لا علاقة و فى النهاية لا وحدة بينهما و هذا يتنافى مع ما قد مرّ بنا من المفاهيم اللينينية التى يحطّمها الخوجيّون مدّعين الهجوم على ماو و الدفاع عن الماركسيّة - اللينينيّة .

إرتباك صيغة "هل يمكن...؟ "هذه تشى بإرتباك فكري بلغ ذروته و تجسّد فى إستخلاصهم من كلام ماو أن صراع البرجوازية والبروليتاريا دائر منذ وجود البشر على الكرة الأرضية وهو إستخلاص بلاهته مقرفة حقا ، حقّا ؛ صدقا ، صدقا !!!

و قد تمعّننا مليّا فى نص ماو دون نظارات التحريفيّين و لمسنا لمس اليد إفتراءات الخوجيّين المتستّرين ، يجوز لنا أن نقرّ بأن النقد الماوي العميق للرفيق و المعلّم ستالين ، الماركسي العظيم الذى قام بأخطاء أحيانا جدّية ، صدر من منظور مادي جدلي ماركسي و خاصة لينيني وهو نقد فى الواقع صائب و بناء ممّا سيخوّل لماو وهو على رأس الحزب الشيوعي الصيني ، أوّلا ، أن يدافع بدقّة و شراسة عن المكتسبات الحقيقة لتجربة الثورة البروليتارية العالمية و مساهمات ستالين فيها و ثانيا ، أن يبني على أساس ذلك و يمضي بالتجربة إلى مستوى أرقي نظريّا و عمليّا .