كلنا عبيد قريش وليس فينا من يعبد الله


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 6187 - 2019 / 3 / 30 - 18:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كلنا عبيد قريش وليس فينا من يعبد الله

عندما قلت يوما أن الإسلام الذي بين يدينا لآن ومن قبل ليس أكثر من قصة صراع بين سادات قريش وضجيج عبيدهم أتهمني البعض بأني من ذوي النظرة القاصرة تحركني دوافع الإلحاد والكراهية لدين الله خاصة وللمسلمين عامة، ولنتفق أولا قبل الرد أن نجعل العقل والمنطق حاكما فيصلا فيما أقول ويقولون ولنتمتع بشيء من الشجاعة لمواجهة الحقيقة المرة لنا كانت أو علينا، ولنعود إلى أصل قضية الدين وجوهر الرسالة ونقرأ بتجرد عن كل الأهداف والمرامي التي جاء بها أو أسس عليها فكرة الدين ذاته، سنجد أن القضية الأساسية والتي تنطلق من بعدها كل التفاصيل أن الله أراد لنا الإصلاح وإعمار الأرض بالعدل والمحبة والعمل الصالح، هذه الثلاثية ماذا تحقق منها عبر تاريخ الدين كله عامة وما يخصنا كمسلمين تحديدا؟ هل شهد الواقع الإسلامي إصلاحا للواقع وفي الواقع، أم كل التاريخ يشهد بتجرد وبوقائع دونها أهل العلم كافة أننا كمسلمين أكثر المجتمعات التي عانت من الفوضى والتخريب والدمار الوجودي.
القضية لا تتعلق بعجز الدين أن يكون ملهما للإصلاح ولا محركا دافعا له بقدر ما في طبيعة الإنسان الذي يتمرد عليه ويحاول أن يبحث عما يرضي غروره وأنانيته حتى لو تم ذلك تعديا على الوجود وقوانينه، العقل المنطقي يقول أن البناء المتجدد والدائم في التغيير يحتاج لعمل متواصل ومنضبط ومتراكم، بينما الهدم والتمرد على استحقاقات الزمن لا تحتاج إلا إلى الإهمال والكسل والتراخي، فمن هنا يميل الإنسان دائما لما هو سهل متيسر بدون تعب ولا مشقة، البناء الإصلاحي الإيجابي يحتاج منا كبشر أن نتناغم مع وظيفتنا ونستجيب لما فيها من إلتزامات وأوامر وهذا يعد عند الغالبية شيء لا طاقة لنا به مع إقرار الإنسان الدائم بالحاجة لكل أسباب الرفاهية والخير والتطور ولكنه لا يبذل ما هو المطلوب ولا يعطي الواجب حقه بانتظار من يقوم بتأدية الحمل عنه وبلا ثمن.
الإصلاح بمفهومه العام هو البحث عن كل ما هو متوافق مع حركية الزمن لتجديد الحياة وسيرورتها نظام عام ينقل الإنسان بتسارع وتعجيل نحو الواقع الأفضل والأحسن، وهنا يتطلب الواقع كمعادلة أن يكون الإنسان المصلح عادلا في التعامل مع القانون له ولغيره لأنه يعبش في مجتمع متعدد ومتمدد ومختلف وملون بكل ما في الطبيعة من أسباب وعلل، فحتى يكون كذلك لا بد له أن يكون مجردا من أنانيته وأن ينظر للإنسان كمفهوم واحد بخصائص موحدة دون تبني أي علاقة أخرى تخرج ماهية الإنسان عن قانون الرب (وخلقناكم من نفس واحدة)، المشكلة أن ورثة الدين أو من أستورثوه من المبلغ والمرسل ظن أنه أكبر من أن يكون واحدا من مجموع وأنه يملك ما لا يملك غيره وعلى هذه النتيجة صنع له عرشا وعبيدا ومفاهيم صاغها لنفسه لتكون دينه هو الذي يجب أن يتبع وإلا سيكون عقابه أن يخرج من دائرة الإيمان ولو كان أشد الناس إيمانا بدين الله.
لا يبنى الإصلاح ولا يمكن أن يكون للدين دور في تحريكه وتأسيسه وفقا للرؤية الكلية له دون أن تكون هناك أرضية عادلة ومعد له وثقافة مؤسسة على وحدة الهدف والغاية، وبعكس ذلك لا يمكن أن نتصور إصلاحا ينتصر للبعض دون الأخر ويجعل من الناس عبيد وسادة، طبقات وأصناف وجزئيات وعموميات لأن فلسفة الإصلاح الديني تستهدف الإنسان مؤمنا كان أم على غير ذلك، فالمؤمن سيجد أن أساس إيمانه القائم على الخير والحق قد تحقق وأن غيره سيجد أن أسباب التدين وبالتجربة تثبت له أن الخير هو خيار الدين وليس محاربته وإقصائه فيعيد بذلك قراءة واقعه ليكون حياديا مع الدين إن لم يشترك في إيمان حقيقي به، هنا كسبنا بالعدل الإصلاحي والإصلاح العادل كل الإنسان دون أن نجبره أو نكرهه على ما لا يرتضيه عقله لأننا مؤمنين كما نزعم.
بغياب العدل والإصلاح تتحول الحياة إلى جحيم ساكن جحيم متهالك على نفسه فيه كل أنواع الشرور والباطل والسوء المتكاثر بسرطانية تأكل كل شيء أمامها، والقانون فيه قانون الأنا الباطلة المتضخمة الإقصائية التي لا تقبل المشاركة ولا الحوار وتغيب فيها أهم القوانين الدنية وهو المحبة (حب لأخيك ما تحب لنفسك)، فيتحول المجتمع الديني الفاقد للعدل والإصلاح إلى مجتمع كراهية ونبذ للأخر وهنا تنشأ حالة اللا توازن واللا أستقرار وينقسم على نفسه بين مؤيد لهذا المركز من مراكز القوى وبين ذاك الند والخصم، ويتحول الدين إلى أديان ومذاهب وسلالات شخصية ويختفي وراء كل هذا الدين الرسالي وتبدأ الناس بعبادة الرموز والسادة والقادة ويظنون أن هؤلاء هم وجه الله الذي يتقربون به للرب دون أن ينتبهوا أن الله ليس له وجه في الأرض ولا في السماء غير وجه الإصلاح والعدل والمحبة بين بني البشر.
هكذا هو ما جرى تحديدا مع دين محمد ص ما إن رحل إلى عالم الأخرة حتى تداعت المغريات تدفع السادة الجدد الذين أعتنقوا الدين ليمثلوا دور نائب الله في الأرض وخليفة رسوله، وكل منهم له دعواه ونظريته ومنهجه حتى سالت الدماء بين ظهارينهم وأشتد العداء بين أخوة الأمس على أساس أن (المسلم أخو المسلم) إلى أعداء اليوم على قاعدة (من كان معي فهو مؤمن ومن كان ضدي فهو كافر مستحق القتل)، ولأن الرسول كان قريشيا عربيا مكيا فظن الجميع أن هذه المؤهلات هي قانون عام وعلى القريشين العرب المكيين أن يكونوا السادة والقادة الجدد وأنهم مخولون من الله بذلك وبدأت حرب التأسيس، فنهض كل حزب بما لديه من أسباب لتعرية وتسقيط الخصوم وتسفيه أحلامه ورواه ولا كأنهم كانوا على خط واحد ودين واحد، وتحولت ثقافة العدل والإصلاح والمحبة بين الناس إلى ثقافة الولاء العبدي والخضوع لها بقوة السلطة ومغريات السلطان فتقاتل الطرفان على ملك لا يملكون وكان أول ضحاياه محمد ودينه.
تحول النزاع بين المسلمين من نزاع الخير والشر والحق والباطل إلى تنازع بين بطون قريش ورجالاتها وما ورثوه من دين محمد من سلطان وعز ورفعة، وأنتهى الواقع إلى قرشنة الدين ومذهبنة الصراع وتأسس دين الكراهية والقتل والإقصاء وإصلاح حال القادة الجدد ومصالحهم ومصالح أتباعهم وزبانيتهم وعبيدهم، في الواقع من الجانب الأخر أختل ميزان المصالح فنشأت طبقات مسحوقة مظلومة مقهورة لا ناصر لها ولا معين ينتظرون من السماء أن تنجدهم ولا منجد لهم في ظل نظام فقد كل مقومات العدل والإصلاح والمحبة، وهنا تحديدا ضاع الدين وضاع الرب بين سيوف المقاتلين ودماء الفقراء والمساكين، إنها الأنا القريشية التي نعيش أزمتها لليوم وكل ما وصلنا من أفكار وطقوس وعبادات ومعارف هي نتاج تلك المرحلة ولا علاقة لها بدين محمد ولا برسالة السماء التي جاء بها.
فلا نتعجب اليوم أننا مصرين أن نخوض في نفس المستنقع وننحاز لهذا وذاك لأنه من قريش ومن العرب ومن أهل مكة لا شيء معه وبه سوى أنه يحمل جينات زرقاء ودم من كان قريشيا حتى لو لم يكن من سلالة آدم، المهم أنه يقول أنه قريشي عربي مكي وكفى المؤمنين شر الإيمان والكفر بعد ذلك، أما أن نسأل عن مشروعه الإصلاحي العادل وعدله بالمحبة بين الناس وقدرته على أن يرينا وجه الله فتلك عناوين لا تهمنا الآن ولا داعي حتى لذكرها طالما أننا سنحظى بشفاعة قريش وساداتها في يوم الحساب، الإنسان عندنا قيمة مفتقدة صفرية مقابل قيمة هذا الذي كان يعبد هبل ثم عبد الله على حرف، والإصلاح بمفهومنا أن نعطي ظهورنا بالمجان وبطواعية العبيد وإستسلامهم الخانع ليركبنا الأبناء القريشيون كحمير الفلاة وإبل الرحلتين، لا نكل ولا نمل، والحب لغة مستنكره لأنها عيب أخلاقي في قاموس كهنة بيت الرب القديم.