النقابي صبري ديب بدر إبن قرية سعسع الفلسطينيه


جهاد عقل
2019 / 3 / 28 - 13:23     

من تاريخ الحركة النقابية العربية الفلسطينية: النقابي صبري ديب بدر إبن قرية سعسع

قائد نقابي، على المستوى الفلسطيني والعربي (1934 - 2006) من قادة ومؤسسي الحركة النقابية بعد النكبة. شغل العديد من المناصب النقابية على الصعيدين العربي والفلسطيني. يعتبر مرجعًا نقابيًا بخبرته ومعرفته، قام بتوثيق ذلك في كتاب من أربعة أجزاء.

قامات نقابية لها بصمة ...

مرت الحركة النقابية العربية الفلسطينية،في العديد من المحطات النضالية، في الوطن تحت الاحتلال البريطاني، وفي الشتات واللجوء ومن ثم تحت الإحتلال الإسرائيلي فيما بعد العام 1967م، إلا أن هذه المحطات وما لاقته من قمع لم يقصم ظهرها ولم يثنِ النقابيين الفلسطينيين عن مواصلة النضال في كافة الظروف وبقوة والإنطلاق الى الأمام.

أدت هذه المحطات النضالية، إلى بروز قامات قيادية نقابية،تركت لها بصمة واضحة على العمل النقابي في كل ساحة تواجدت فيها وفي أصعب الظروف تعقيدًا، اذا كان محليًا، أم في الشتات (في العالم العربي) أو على الصعيد الدولي، ومن هؤلاء النقابيين النقابي العربي الفلسطيني إبن قرية سعسع المُهجرة صبري ديب بدر.



نبذة عن حياته

ولد النقابي صبري ديب بدر بتاريخ 24/12/1934م في قريته سعسع قضاء صفد بفلسطين، لعائله تعتمد على الفلاحة والعمل كمصدر رزق لها، وفي أيار 1948م تعرضت القرية وأهاليها الى هجوم من قبل القوات الصهيونية، وجرى تهجيرهم عن بلدهم، حيث هُجر سكانها الى سوريا ولبنان ورست عائلة صبري بدر بعد تهجيرها في سوريا،يوم كان عمره 14 ربيعًا وهو لم يكمل دراسته بعد.

كما جميع الفلسطينين في بلاد اللجوء، اضطر للخروج الى العمل لمساعدة والديه على مواجهة متطلبات الحياة، حيث عمل في مجال الفندقة، واصل صبري بدر دراسته للشهادة الثانوية في الدراسة الحرة حتى حصل على شهادة التخرج العام 1963م ومن ثم واصل تعليمه الجامعي في مجال الحقوق بجامعة دمشق،كل ذلك وهو يعمل من جهة ويناضل نضالًا نقابيًا ووطنيًا من جهة أخرى.



كما ذكرنا عمل النقابي صبري بدر في الفنادق،وبالرغم من مواصلته الدراسة، الا أن اجتهاده ومهنيته وقيادته أبرزت شخصيته النقابية بين رفاقه في العمل، حيث انتخب لاحقًا وهو في سن 22 رئيسًا للجنة النقابية لعمال الفنادق بدمشق للفترة 1956- 1957م، بفضل اجتهاده ونضاله جرى انتخابه في العام 1958م نائبًا لرئيس نقابة عمال الفنادق والمطاعم الإفرنجية بدمشق،لكن دوره النقابي ونضاله هذا لم يغفله عن القيام بدور في مجال إعادة بناء الحركة النقابية الفلسطينية في مناطق اللجوء والشتات، وخلال نضاله النقابي هذا تعرف على زملاء له من النقابيين الفلسطينيين ممن كان لهم دور في الحركة النقابية بفلسطين، ومنهم سعيد خضر الخمرة، وحسني الخفش وأحمد حسين اليماني (انظر ملحق الإتحاد 4/1/2019).



مبادرات هامة لاعادة مأسسة الحركة النقابية الفلسطينية

في مذكراته التي قام بتدوينها قبل وفاته وصدرت بأربعة أجزاء، وتشمل حوالي 2000 صفحة، دوّن فيها مجريات الحراك النقابي الفلسطيني في مرحلة اللجوء، مرفقًا ما كتبه من مذكرات بالوثائق الفريدة، بل تجلى خلال كتابة هذه المذكرات بالشجاعة ودون "مسح جوخ" لقيادات نقابية فلسطينية لم تكن صادقة في نضالها، مثبتًا ذلك بالنصوص والوثائق.

خلال مرحلة "لملمة الجراح " بعد التهجير بدأت اتصالات، بل جرت محاولات لإعادة بناء وهيكلة الحركة النقابية الفلسطينية، وذلك في أواسط الخمسينيات من القرن الماضي وحتى العام 1965م عندما عقد المؤتمر التأسيسي الأول للاتحاد العام لعمال فلسطين في مدينة غزة، حيث ينقل لنا النقابي صبري بدر كامل التفاصيل والوثائق لمرحلة التحضير وما سبقها وحتى إنعقاد المؤتمر وانتخاب قيادته.



صبري بدر النقابي والمناضل

كبقية المناضلين من النقابيين الفلسطينيين في بلاد اللجوء،كان للمرحوم النقابي صبري بدر دور هام في بناء حركة التحرر الوطني الفلسطيني،حيث كان من الأعضاء المؤسسين لجبهة التحرير الوطني الفلسطيني عام 1960م، والتي اندمجت لاحقًا في حركة " فتح "بتاريخ 13/9/1968م،على أثرها وبسبب خبرته ودوره النقابي جرى إنتخابه أو تعيينه لمنصب أول أمين سر للمكتب العمالي الدائم لحركة التحرر الوطني الفلسطيني. وضمن منصبه هذا شغل العديد من المهام النقابية على الصعيدين العربي والدولي بالإضافة الى مسؤولياته الوطنية الأخرى.



كيف تم انتخابه نائبًا لرئيس نقابة عمال الفنادق في سوريا وهو اللاجئ؟

ننقل ما كتبه النقابي صبري بدر في مذكراته عن انتخابه وما رافق ذلك من أحداث بهذا الخصوص :" كُنت في عامي 1956و 1957 رئيسًا للجنة النقابية لعمال الفنادق بدمشق، بحكم عملي بفندق الكرنك، وقد لمست خلال هاتين السنتين مدى الظُلم والاستبداد والإستغلال الذي يمارسه أصحاب العمل ضد العُمّال،وعدم إعطائهم حقوقهم المنصوص عليها في قانون العمل، مما ترك في نفسي أثرًا سيئًا تجاه أرباب العمل بسبب ممارساتهم وأطماعهم واستغلال جهد العمال،مما دفعني عندما حان وقت انتخاب النقابة من تشكيل قائمة وخوض انتخابات النقابة التي جرت يوم 18/3/1958..." ويضيف "لقد فزنا في الانتخابات وتسلمت مهام نائب رئيس نقابة عمال الفنادق والمطاعم الإفرنجية في سوريا، واستطعت مع زملائي النقابيين من تحقيق العديد من المكاسب للعمال من حيث الأجور وتحديد ساعات العمل والحصول على الإجازات الأسبوعية والسنوية للعمال وتسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية وغيرها،واتسع نطاق النقابة لاحقًا حيث ضمت مهنًا أخرى مثل عمال المقاهي والملاهي ودور السينما وعمال مكاتب السياحة والسفر وأصبح اسمها نقابة عمال الخدمات والسياحة".

جدير بالذكر أن عددًا من النقابيين الفلسطينيين شغلوا مناصب قيادية في الحركة النقابية السورية نذكر منهم النقابي سعيد خضر الخمرة الذي انتخب أيضًا رئيسًالنقابة عمال الزجاج في دمشق وفي تاريخ 30/4/1965م انتخب عضوًا في المكتب التنفيذي العام لعمال سوريا.



قانون رقم 260 ومساواة الفلسطينيين

إشغال نقابيين فلسطينيين مناصب ومهام قيادية،جاء بفضل قيام الحكومة السورية التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين بالمساواة وعدم التمييز ضدهم أو منعهم من العمل (كما يحدث في لبنان)، ويكتب عن ذلك النقابي صبري بدر:" بتاريخ 10/7/1956م صدر مرسوم جمهوري من قبل الرئيس شكري القوتلي،رئيس الجمهورية السورية عُدّ بموجبه الفلسطينيون المقيمون في أراضي الجمهورية السورية كالسوريين أصلًا،متساوين وعلى قدم المساواة دون أيّ تمييز في جميع ما نصت عليه القوانين والأنظمة النافذة المتعلقة بحقوق التوظيف والعمل والتملك والتجارة وخدمة العلم والتعليم مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية " وصدر هذا القانون الجمهوري تحت رقم 260 وتم إقراره من قبل مجلس النواب .

لكن النقابي صبري بدر وعلى أثر فك الوحدة بين سوريا ومصر بتاريخ 28/9/1961م وصدور مرسوم جمهوري رقم 50 لعام 1961م الذي جاء:" ليعبث بالحركة العمالية والنقابية في سوريا وإضعافها بسبب نفوذ القوى الرأسمالية وتقييد حرية العمل النقابي " هذا ما كتبه في مذكراته وأضاف:" لهذه الأسباب قدمت استقالتي من النقابة،لأنني لا يمكن أن أقبل على نفسي أن أعمل في ظل حكم انفصالي رجعي عميل بدد آمالنا وطموحاتنا وتطلعاتنا الطبقية والقومية...".بعد هذا القرار والاستقالة بدأ بل واصل النقابي صبري بدر نشاطه لصالح إعادة مأسسة الحركة النقابية الفلسطينية .



الحركة النقابية الفلسطينية أول من أطلق الدعوة لتشكيل اتحاد نقابي عربي.

واصل النقابي صبري بدر نشاطه مع بقية الزملاء لإعادة تشكيل الاتحاد العام لعمال فلسطين كامتداد للحركة النقابية الفلسطينية وضمن هذا النشاط تم عقد المؤتمر التأسيسي لفرع الاتحاد في سوريا وبعدها عقد المؤتمر الأول لاتحاد عمال فلسطين في غزة بنفس العام وكانت له اتصالات مع زميله النقابي أحمد اليماني في هذه المرحلة.

وعن دور الحركة النقابية الفلسطينية في تأسيس الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب يكتب بدر:" إنّ الدارس لتاريخ الحركة النقابية العمالية العربية الفلسطينية والمتتبع لها منذ عام 1920م في صراعها مع الاستعمار،ممثلًا بجيش الاحتلال البريطاني وحكومة الانتداب، ومع الصهيونية العالمية ممثلة في عصابات يهودية مسلحة تحميها حكومة الانتداب البريطانية، ومع الرأسمالية المحلية والإقطاع ليتابع العمال الفلسطينيين في مسيرتهم النضالية التي يفخر بها تاريخ الشعوب المكافحة" جاءت هذه الكلمات تحت عنوان "الدور الطليعي للقادة النقابيين الفلسطينيين الروّاد" في مذكراته مشيرًا لما قام به الرعيل النقابي الفلسطيني الأول من نضال على الصعيدين المحلي والعربي ومن ثم العالمي، لكن النكبة أدت الى تفسيخ الحركة النقابية الفلسطينية قسرًا وتشتيت قيادتها في مختلف الدول العربية.

يذكر النقابي صبري بدر نص القرار الطلائعي الذي اتخذته جمعية العمال العربية الفلسطينية في مؤتمرها الذي عقد بمدينة حيفا بتاريخ 29-30/8/1946م والذي كان بمثابة أول دعوة نقابية عربية لتشكيل حركة نقابية عربية واحدة او اتحاد نقابي عربي وجاء نص القرار كالتالي :" بما أنّ الحركة العمالية في فلسطين هي جزء من الحركة النقابية العربية، لذلك يدعو المؤتمر العمال العرب للعمال على قيام اتحاد موحد يجمع صفوفهم ويوحد كلمتهم".

وتبع هذا القرار قيام عمال فلسطينيين في شهر تموز العام 1955م بتوجيه مذكرة لمؤتمر الخريجين العرب الذي عقد في القدس يطالبون فيها بإتخاذ توصية من أجل قيام اتحاد موحد للعمال العرب، وبعدها وبتاريخ 18/9/1955م صدرت دعوة عن الاتحاد العام لعمال الاردن (الذي كانت قيادته بمعظمها من النقابيين الشيوعيين وحلفائهم من الوطنيين الفلسطينيين ) تم توجيهها للاتحادات النقابية العربية لعقد اجتماع تشاوري من أجل تشكيل قوة نقابية واحدة أو اتحاد نقابي عربي مشترك.

وهكذا نستطيع أن نؤكد ما طرحه النقابي صبري بدر بهذا الخصوص بأن الحركة النقابية الفلسطينية كانت المبادرة لتشكيل الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب والذي أعلن عن تأسيسه بتاريخ 25/3/1956م في المؤتمر الأول الذي عقد بهذا التاريخ في دمشق. وانتخب النقابي فتحي كامل أول أمين عام للاتحاد.

بالرغم من أن فلسطين لم تكن مشاركة رسميًا في المؤتمر،الا أنه كان هناك نقابيون فلسطينيون بصفتهم القيادية لاتحادات نقابية عربية مثل اتحاد عمال الأردن،كما شارك النقابي صبري بدر في افتتاح المؤتمر بصفته عضوا مراقبا ضمن الوفد النقابي السوري وبصفته رئيس اللجنة النقابية لعمال الفنادق بدمشق.



النقابي صبري بدر شخصية نقابية هامة عربيًا

تجربة النقابي صبري بدر في المجال النقابي ونضاله المشهود له، دفعت به الى إشغال العديد من المهام النقابية والمسؤوليات النقابية على الصعيدين الفلسطيني والعربي .

ففي العام 1965م إنتخب نائبًا لأمين سر الاتحاد العام لعمال فلسطيني فرع سوريا، وفي المؤتمر الثاني للإتحاد العام لعمال فلسطين عام 1969م إنتُخِبَ في اللجنة التنفيذية للاتحاد، ومن ثم أمينًا عامًا مساعدًا لرئيس الإتحاد للفترة 1969-1978م كما وإنتُخِب في عام 1971-1972م أمينًا عامًا مساعدًا نائبًا للأمين العام للإتحاد العربي لعمال الصناعات الغذائية.

وفي الفترة 1978-1981م شغل منصب مستشار نقابي للاتحاد العام لعمال فلسطين وعضو في الهيئة الادارية فرع سوريا، وشارك في مؤتمرات الإتحاد العام لعمال فلسطين منذ العام 1967م.

على الصعيد النقابي العربي إنتُخِب في عام 1981م عضوًا في الأمانة العامة للإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب (نائبًا للأمين العام) وأمينًا عامًا مساعدًا لشؤون الإعلام والنشر ممثلًا لعمال فلسطين، وشارك في مؤتمرات الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب من المؤتمر الرابع حتى المؤتمر الحادي عشر ومن المؤتمر الثامن الذي عقد في الجزائر عام 1989م أعيد انتخابه نائبًا للأمين العام وتمت إعادة انتخابه لهذا المنصب في جميع المؤتمرات التي تلت هذا المؤتمر حتى المؤتمر الحادي عشر عام 2004م،حيث قرر الاعتزال بسبب المرض الذي أصابه وفي هذه الفترة وحتى وفاته يوم 17/7/2007 واظب على كتابة مذكراته التي صدرت في أربعة أجزاء تمتد على الفي صفحة دعمها بالوثائق الفريدة التي تحكي حكاية وتاريخ الحركة النقابية ما بعد النكبة .

كما شارك النقابي صبري بدر في العديد من المؤتمرات النقابية للاتحاد الدولي للنقابات، وكان له دور في اعادة عضوية فلسطين للاتحاد، وشارك في لقاءات نقابية دولية وفي حركات تضامنية مع الشعوب منها مع الشعب الكوري والشعب الكوبي وغيرها.

وخير ما نختتم به هذا المقال كلمات كتبها زميله النقابي الجزائري المرحوم حسن جمّام الذي عايشه ضمن منصبه أمينا عاما للاتحاد الدولي للعمال العرب :" أقول بحق لقد شاركت مع الأخ صبري بدر بالقيام سويًا بالعديد من المهام النقابية والأنشطة والمؤتمرات على المستويين العربي والدولي وقد عرفناه من خلال تأدية واجبه ومهامه النقابية خلال مسيرتنا النضالية النقابية المشتركة مناضلًا نقابيًا ووطنيًا مخلصًا متمسكًا بتحقيق مصالح الطبقة العاملة الفلسطينية والعربية وبمبادئ وأهداف طبقته العاملة وأمتنا العربية." كما حصل الراحل صبري بدر على العديد من الدروع تقديرا له على نضاله ومسيرته النقابية، منها درع الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ووسام الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب من الدرجة الأولى العام 2006م، ووسام الذكرى الأربعين للإنتصار على الفاشية منح من قبل المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي عام 1985م، درع الامانة العامة لاتحاد عمال فلسطين العام 2006م، وغيرها من الدروع والأوسمة