مستقبل الحراك الجزائري-سيناريوهات وحلول-


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 6181 - 2019 / 3 / 23 - 22:23
المحور: ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية     


ثار نقاش حاد في الجزائر حول مستقبل الحراك الشعبي والحلول الممكنة، نعتقد أن هناك عدة سيناريوهات ممكنة سيتطور بها هذا الحراك، وسيتحكم فيها كلها عامل رئيسي، ويتمثل في موقف المؤسسة العسكرية التي تعد العمود الفقري للدولة منذ1962، فمن ضمن السيناريوهات المستقبلية نستبعد السيناريوين البرتغالي1974 والإسباني1975 بسبب إختلاف كبير في الثقافة والظروف، فشعوب منطقتنا للأسف لازالت تتحكم فيها ما نسميها "العصبيات الخلدونية" التي دائما ماتبرز بقوة، وتستخدمها السلطة الإستبدادية لإجهاض أي ثورة ضدها، لكن يبدو أن الحراك في الجزائر لحد اليوم ألتزم بالسلمية، وأبعد نسبيا مثقفي وسياسويي العصبيات الدينية واللسانية والقبلية والجهوية وغيرها، مما يدل على وعي كبير، خاصة أن القاعدة الرئيسية لهذا الحراك هم شباب يبدو أنهم تجاوزوا كل الدوغمائيات الأيديولوجية، وهو ما يدفعنا إلى إستبعاد سيناريو آخر هو السيناريو الإيراني1979 الذي كان من الممكن أن يظهر بقوة منذ عشرين سنة، لكن اليوم يبدو أن التيارات الدينية ضعيفة بسبب سنوات الإرهاب وتطور وعي شبابي قوي، بل البعض من هذه التيارات هي ضد هذا الحراك خاصة السلفية التي تعتبر الخروج عن الحاكم حرام، وأصدرت فتاوي ضده، لكن يجب الحذر من هذه التيارات التي يمكن أن تدخل إلى الحراك لسرقته أو إفساده بدعم من السلطة المعروفة بتوظيفها لها ضد أي تقدم، ولهذا فلن يبقى أمامنا إلا أربع سيناريوهات ممكنة، بعضها تعمل من أجلها السلطة وأخرى تتبناها بعض أحزاب المعارضة التي تريد الحفاظ على مكاسب كي لا تستبعد من المشهد السياسي فيما بعد، إضافة إلى بعض النخب التي لا تبحث في حقيقتا إلا على إيجاد مكانة في النظام السياسي دون أن تأخذ بعين الإعتبار المصالح الإجتماعية والإقتصادية لعموم الشعب، خاصة الطبقات الشعبية المحرومة منها، وهناك سيناريو آخر يمكن أن تتبناه بقوة القوى الشعبية في الحراك، ويستهدف خدمة الطبقات الشعبية المحرومة، وسيكون التطور حسب عملية الطرح، فنعتقد أن السلطة تطرح أدني الحلول لكن لمواجهتها يرى البعض ضرورة الراديكالية في الطرح لتحقيق جزء كبير من المطالب، فهذه السيناريوهات الأربعة هي:

أولا- سيناريو ينطلق من الإلتزام الدستور، وهو السيناريو الذي تروج له السلطة، وتدفع بعض الحقوقيين والسياسيين إليه دون وعي الكثير منهم لخلفيات ذلك، ومن غير المستبعد أن يكون سكوت السلطة وترك المسيرات كل جمعة الهدف منها ربح الوقت ثم الإعلان عن الشغور قبل نهاية عهدة الرئيس بوتفليقة بيوم، وهو وقت كاف يسمح لها تنظيم نفسها وملاحظة وقراءة تطورات الحراك ومحاولة إضعافه وإستنزافه، إضافة إلى عملية تهريب أموال وإخفاء حقائق في حالة الرحيل، لكن نعتقد أن أي حل ينبع من الدستور، ومنها تطبيق المادة102 معناه بقاء النظام كما هو دون أي تغيير بإستثناء تغيير وجوه وتنحي بوتفليقة والمحيطين به، لأنه ستسلم السلطة لرئيس مجلس الأمة الذي سينظم إنتخابات رئاسية في ظرف 90يوم في غياب قوى مهيكلة بإستثناء أحزاب السلطة، وبالتالي سيجد الجزائريون أنفسهم كأنهم لم يفعلوا شيئا.

ثانيا- السيناريو المصري2011، وهو تولي الجيش السلطة بعد إستقالة الرئيس وتنفيذ مرحلة إنتقالية، أين ستشرف على ندوة وطنية ستؤدي إما إلى تأسيسية أو رئاسيات، ففي حالة إنتخاب رئيس مثلا فإنه يمكن الإنقلاب عليه كما وقع مع مرسي، ويمكن حتى لرئيس غير مؤدلج ومتفق عليه أن تخلق له مشاكل من مراكز قوى تتحكم في كل شيء، فتتم الإطاحة به بدعوى الفوضى.
وما يدفعنا إلى افشارة إلى هذا السيناريو هو الشبه الكبير بين النظامين المصري والجزائري بسبب البنية التأسيسية لكلاهما سواء في 1952 لمصر أو 1962 في الجزائر حيث نقل بن بلة نفس النموذج الناصري، وقد بيننا ذلك في مقالة لنا نشرناها في أوت الماضي بعنوان "الجزائر على خطى مصر2011"، وتنبأنا فيها بما يقع اليوم من حراك. نلاحظ تشابه كبير بين النظامين وفي مسار الدولتين، فهذا الحراك يشبه كثيرا ما وقع في مصر2011، فما علينا إلا العودة إليه، وقد صور مثلا الصحفي الفرنسي روبرت صولت Robert Solt ثورة 25جانفي 2011 بالتفاصيل في إحدى كتبه، فنجد تشابها كبيرا بإستثناء أن في مصر اعتصموا في ميدان التحرير مع مسيرات كل جمعة وتخللها قليل من العنف، أما في الجزائر فهي مسيرات سلمية كل جمعة دون أي عنف يذكر، فلايسعني الإشارة إلى كل التشابهات الممكنة في هذه المقالة

ثالثا- السيناريو التونسي، فهو مقبول نسبيا لدى الكثير من النخب، لكنه غير كاف، لأنه لم يأخذ البعد الإجتماعي بعين الإعتبار، مما يمكن أن يؤدي إلى تذمر شعبي، فيحن الشعب إلى النظام السابق، فالسيناريو حل التونسي ما هو في الحقيقة إلا توسيع الحكم لطبقة برجوازية كانت مهمشة من قبل، وهو ما أبقى على التهميش الإجتماعي السابق للطبقات الشعبية المحرومة، بل ضخمه أكثر، مما جعل الكثير من التونسيين يحنون إلى حكم بن علي لدرجة تصويتهم على السبسي، فلنضع في الحسبان بأن بعض الطبقات الشعبية لاتهمها السياسة والحريات بقدر ما تهمها العدالة الإجتماعية والرفاهية والعيش الكريم.
مادام نتحدث عن النموذج التونسي، فلابأس علينا طرح مسألة المجلس التأسيسي الذي يطالب به البعض، صحيح المجلس التأسيسي هي قاعدة دستورية عالمية لاغبار عليها، وهو نقطة الإنطلاقة لبناء أي نظام سياسي جديد، حيث يتم إنتخاب هذا المجلس شعبيا، وتكون مهمته وضع الدستور الجديد للدولة، فهذه القاعدة يمكن تطبيقها في الغرب، لكن في مجتمعاتنا اليوم تحمل مخاطر عدة، لأنه من الممكن أن ينال تيار أيديولوجي معين أغلب مقاعد المجلس، ويضع دستورا لخدمة هذا التيار، فقد جربنا ذلك في إيران في1979 عندما حول المجلس التأسيسي المنتخب إيران إلى جمهورية إسلامية، وكاد أن يقع نفس الأمر في تونس لولا حكمة حزب النهضة الإسلامي الذي تنازل عن مقاعد كان بإمكانها الفوز بها، وذلك لصالح قوى أخرى، لكن من يضمن ذلك في الجزائر؟، فهل نسينا أن أحد أسباب إيقاف المسار الإنتخابي في 1992 هو خوف الكثير إستغلال الفيس للبرلمان ووضع دستور آخر يغير به طبيعة الدولة مادام له أكثر من ثلثي النواب حسب دستور 1989، ولهذا يجب حصول توافق داخل هذا الحراك الذي يمكن أن يشكل جبهة وطنية واسعة جدا، وتضم كل التوجهات والأطياف بداخلها، مما يسمح لها بالتفاوض فيما بينها لمصلحة الجميع، مما سيؤدي إلى عقد وطني فيما بينها وممكن تأسيسية سينتج دستورا توافقيا بطرق متفق عليها فيما بينهم ولآ يقصي أي يتم ذلك وفق العقد الوطني بين كل أطياف وتوجهات المجتمع.

رابعا- سيناريو تحويل الحراك إلى ثورة سلمية: يتطلب هذا السيناريو مواصلة الضغط بالمسيرات وأساليب سلمية أخرى، لكن أيضا الإنتقال إلى عملية التنظيم في كل المستويات والمجالات، خاصة على مستوى الشرائح الإجتماعية المهنية (جامعيون، الصحة، القضاء، المحامون وغيرهم) مما سيؤدي إلى إفراز قيادات ونخب جديدة وكذلك نظام سياسي جديد نابع من الحراك ذاته بعد عقد وطني ثم تأسيسية مبنية على ممثلين لكل هذه الشرائح، وتضع دستورا توافقيا، لكن يشترط لنجاح هذه العملية حماية المؤسسات العسكرية والأمنية للحراك، وتحافظ على الدولة لا على النظام المتهالك، ثم يخضع الجميع للنظام الجديد المنبثق من داخل الحراك ذاته مادام الشعب هو صاحب السيادة ومصدر كل السلطات.
نعتقد أن كل السيناريوهات الثلاث الأولى هي مجرد حلول إصلاحية لا تغير كثيرا، وهو ما تريده القوى الكبرى، وحتى الأقليمية، أما التغيير الثوري والجذري، فهو ما تخشاه هذه القوى خوفا منها أن يصبح النظام السياسي الجديد نموذجا لعدة شعوب في العالم، خاصة إذا ركز على العدالة الإجتماعية وخدمة المحرومين، ويتوجه إلى بناء إقتصاد وطني غير مرتبط بالنظام الرأسمالي العالمي المتغول اليوم.

البروفسور رابح لونيسي