أعداء الشيوعية الأكثر وقاحة اليوم (3)


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6181 - 2019 / 3 / 23 - 16:07
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

أعداء الشيوعية الأكثر وقاحة اليوم (3)

الشيوعيون المفلسون هم أعداء الشيوعية الأكثر وقاحة اليوم . الوقاحة تتبدى في الشيوعي المفلس بالسفه . ليس أكثر سفاهة من أولئك الشيوعيين الذين يدعون أن ثورة أكتوبر وقد وصلت لأن تكون أقوى قوة في الأرض ثم انهارت أخيراً دو أن تترك أثراً يُذكر لها في الأرض وكأنها جاءت في غير مكانها وغير زمانها ولذلك انهارت دون أن تترك أثراً . ويزيد العديدون منهم بالسفه فيدعون أن ثورة أكتوبر الإشتراكية انهارت لأن تولى قيادتها رجل غاية في القمع وفي التسلط الفردي والبيروقراطية وهو ستالين ؛ ومثل هؤلاء السفهاء يفترضون أن فرداً بعينه يستطيع أن يقلب نظاماً اجتماعياً إلى غير طبيعته مهما أوتيَ من قوى خارقة !! ويزيد هؤلاء من سفاهتهم بالإدعاء أن روسيا تتطور اليوم على الطريق الرأسمالية دون أن يقرّوا مسبقا بالصراع الطبقي في الاتحاد السوفياتي فكما لو أن أميركا نجحت في ضم عملاء للنظام الرأسمالي يتحدثون الروسية إلى المجالس السوفياتية وهيئات الحزب القيادية بغفلة من ستالين !! لعل السفاهة تصل بالبعض لأن يدّعوا أن مواطني الاتحاد السوفياتي تهيأت لهم الفرصة لأن يختاروا بين الاشتراكية والرأسمالية فاختاروا الرأسمالية !!!

مبكراً في العام 1922 أكد لينين في كتابه "الضريبة العينية" على أن البورجوازية الوضيعة (Petty Bourgeoisie) هي العدو الرئيسي للإشتراكية في الإتحاد ىالسوفياتي . وكان كارل ماركس ورفيقه فردريك إنجلز قد أكدا في بيانهما الشيوعي 1848 على أن الطبقة الوسطى الدنيا (Lower Middle Class) وهو ما يعني البورجوازية الوضيعة تلعب دائما دوراً رجعياً في التاريخ حتى وهي تقاوم النظام الرأسمالي بجانب العمال .
وعندما كانت موسكو ولينينغراد محاصرتين بمائة وثمانين فرقة نازية أي حوالي 2.4 مليون جنديا أكد ستالين لمبعوث الرئيس روزفلت (أفريل هاريمان) في أكتوبر 41 أن القوات السوفياتية ستقاتل في الربيع القادم فيما وراء نهر الدنيبر وهو ما جعل هاريمان يتشكك بسوية ستالين العسكرية وفي 7 نوفمبر ظهر ستالين في الساحة الحمراء يحتفل بذكرى الثورة الرابعة والعشرين يؤكد للمواطنين السوفيات ألا يقلقوا على مستقبل الدولة الإشتراكية فما زال الاتحاد السوفياتي قادرا على إبادة قطعان النازية . نذكر هنا ثقة ستالين بمسقبل الثورة الإشتراكية وهي تواجه جحافل النازية على أبواب موسكو ولينينغراد مقابل تخوفه الجدي على مستقبل الثورة في أثناء انعقاد المؤتمر التاسع عشر للحزب في أكتوبر 52 بعد أن كان الاتحاد السوفياتي أقوى دولة في الأرض وسخر من حمى العسكرة لأميركا وانكلرا وتشكيل حلف شمال الأطلسي في العام 49، سخر باحتقار عندما رد يقول .." لن نحاربكم لكننا سنتغلب عليكم في المنافسة السلمية"، وبعد أن كان قد أنجز إعادة الإعمار الهائلة بفترة قياسية وقدم للمؤتمر التاسع عشر الخطة الخمسية الخامسة التي كانت ستجعل من الإتحاد السوفياتي أغنى دولة في العالم، مع كل ذلك عبر ستالين في المؤتمر أكتوبر 52 عن خوف جدي على مستقبل الثورة وقال فيما قال للمندوبين .. "لن تصلوا إلى الشيوعية تحت القيادة الحالية " . كان ستالين يتحسب لخلخلة ميزان القوى في المجتمع السوفياتي بفعل عسكرة المجتمع كما اقتضته الحرب .

الأحداث التي تلت اغتيال ستالين من قبل رفاقه في القيادة لأنه أصر على إحالتهم إلى التقاعد بعد عمر طويل في القيادة تؤكد أن الجيش وقد غدا بفعل الحرب طليعة البورجوازية الوضيعة السوفياتية وأقوى من الحزب بدون ستالين هو من استولى على السلطة حال رحيل ستالين وقد سهّل ذلك عليه إلغاء عضوية الإثني عشر عضواً جديدا في المكتب السياسي بعد ساعات قليلة من وفاة ستالين وهم الذين كان ستالين قد أصر على انتخابهم أعضاء كاملي العضوية في المكتب السياسي للحزب توطئة لإقالة جميع الآخرين . وكان ذلك دون لبس أو اشتباه أن الجيش هو من فرض على الحزب إعلان اللجنة المركزية في سبتمبر ايلول 53 إلغاء خطة التنمية الخماسية لصالح التسلح وقد أدى ذلك إلى استقالة مالنكوف من منصب الأمين العام للحزب وتعيين خروشتشوف بدلا عنه وهو الذي باع المبادئ من أجل الوصول إلى الرئاسة التي كان لا يحلم بها أثناء خدمته المخلصة لستالين . وما قطع الشك باليقين هو أن المكتب السياسي للحزب اجتمع في أواسط يونيو حزيران 57 للنظر في مشروع خروشتشوف (إصلاح الأراضي البكر والبور) وقد رفض المكتب السياسي المشروع وقرر سحب الثقة من خروشتشوف وكان المارشال جوكوف وزير الدفاع حاضراً كونه مرشحاً لعضوية المكتب ولا يحق له الكلام شجب القرار في الحال وقال بكل صراحة .." هذا القرار ليس مقبولاً على الجيش ولن تتحرك أي دبابة خارج أمري ". فكان أن جمع بالطائرات العسكرية العدد الكافي لاجتماع اللجنة المركزية خلال 24 ساعة لتتخذ قراراً بطرد الأعضاء البلاشفة السبعة الذين صوتوا ضد خروشتشوف من الحزب والإبقاء على اثنين فقط هما خروشتشوف نفسه وصديقة ميكويان، علماً بأنه لا يحق أي اجتماع للجنة المركزية بدون دعوتها من قبل المكتب السياسي والمكتب السياسي لم يدعُها آنذاك كما لا يحق للجنة المركزية أن تحاكم أو تلغي عضوية المكتب السياسي . منذ رحيل ستالين كان الجيش هو من يقود الاتحاد السوفياتي وليس الحزب، وما زال حتى اليوم يقود روسيا وليس حزب بوتين الحاكم . بل إن المخابرات السوفياتية (KGB) هي من يعين الأمين العام للحزب الشيوعي منذ اغتيال ستالين وهي نفسها التي تعين اليوم الرئيس الروسي .

مما لا مشاحة فيه هو أن الإتحاد السوفياتي لم يعد اشتراكيا منذ أن تحول إلى مصنع للأسلحة والمعدات الحربية بقرار مزعوم من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في سبتمبر ايلول 53 . الإشتراكية ضد التسلح والعكس بالعكس صحيح أيضاً ؛ غير أن الشيوعيين المفلسين السفهاء يعتبرون الإنقلاب على الإشتراكية جرى بقيادة غورباتشوف مع أنهم كانوا قد انتصروا "للبريسترويكا" بحماس شديد وأن لجنة متخصصة من الشيوعيين المفلسين كانت قد تشكلت في موسكو في العام 85 لاعتبار غورباتشوف هو الإبن بالمعمودية للعراب خروشتشوف .

مثل هذه المفارقة، بين الشيوعيين البلاشفة الذين يؤكدون أن الإنقلاب على الإشتراكية حدث في العام 53 والشيوعيين المفلسين الذين يدّعون أن الإنقلاب وقع في العام 91 فقط، مفارقة تغطي مسألة حدّية في غاية الأهمية وهي التعرّف على العدو الطبقي للعمال وللإشتراكية في الإتحاد السوفياتي . لينين كان قد حدده في العام 22 وهو البورجوازية الوضيعة (Petty Bourgeoisie) غير أن الشيوعيين المفلسين يرفضون التلفّظ باسم البورجوازية الوضيعة كيلا يعترفوا بأنهم كانوا هم أنفسهم من صفوفها خلال النصف الثاني من القرن العشرين، هم أنفسهم كانوا من رفاق خروشتشوف وجوكوف أعداء البلاشفة وأعداء الإشتراكية . ولذلك لا يتحرّج هؤلاء القوم بالسفاهة وهم يدّعون اليوم أن روسيا تتطور حديثاً على النهج الرأسمالي رغم أنهم يرونها اليوم تعتاش على تصدير النفط والغاز والمعادن وهو العكس تماماً من مقتضيات النهج الرأسمالي، بل هي من متلازمات دول العالم الثالث .

(يتبع)