ماركس الإنسان، ماركس عقل العالم (الحلقة الخامسة والأخيرة)


الشرارة
2019 / 3 / 14 - 20:29     

في هذه الذكرى الستة وثلاثون بعد المئة على وفاة معلم وقائد حركة البروليتارية الثورية، يقدم موقع الشرارة الحلقة الخامسة والأخيرة من سلسلة المقالات التي انطلقت مع الذكرى المئتين لولادة المعلم البروليتاري العظيم كارل ماركس، والتي تحمل عنوان: "ماركس الإنسان، ماركس عقل العالم".

الحلقة الخامسة و الأخيرة
 
V ــ كارل ماركس : نهاية الرحلة، 1870 – 1883

كان هذا العقد الأخير من حياة كارل ماركس مليئا بالأحداث العظام، منها ما يفرح قلبه و منها ما يحزنه.
كان شتاء 1869 – 1870 فترة تخللتها آلام جسدية عصفت بجسد ماركس (كان ذلك حاله عند حلول كل شتاء، فقد كان الشتاء عدو ماركس اللدود)، لكنه ولحظه الجميل تخلص من متاعبه المالية الدائمة، فرفيقه انجلز متهيء دائما لنجدته، ففي 30 يونيو 1870 تخلص انجلز أخيرا من ما كان يسميه "عمله الملعون"، و كان قبل ذلك بثلاثة أشهر قد سأل ماركس عما إذا كان يستطيع العيش بقدر من المال قيمته 350 جنيها في السنة، إذ كان انجلز يريد أن يؤمن هذا المبلغ لماركس مدة خمس او ست سنوات، لكن في النهاية، استطاع انجلز إنهاء متاعب ماركس المالية، ليس لمدة خمس أو ست سنوات فحسب، بل إلى ما تبقى له من العمر.
سيكون هذا العقد عقد انحلال "الجمعية العالمية للعمال" (الأممية الأولى)، و في الوقت الذي قالوا عنها أنها فشلت و أصبحت ميتة، يقول ماركس عنها أن "الأممية لم تمت و لكنها تطورت من مرحلة إلى مرحلة أعلى تحقق فيها بالفعل كثير من الاتجاهات الأصلية للأممية، و لسوف يتعرض هذا التطور الثابت إلى كثير من التغيرات، قبل أن يصبح بالإمكان كتابة الفصل الأخير في تاريخه".
بتأسيسه ل "الأممية" يكون ماركس قد جمع شمل الحركة العمالية في مختلف البلدان، و عمل بكل جهد على توجيه شتى أشكال الاشتراكية غير البروليتارية السابقة بكل منوعاتها، من برودون، باكونين، التريدونية الليبرالية الانجليزية، انحرافات لاسال اليمينية في ألمانيا ... نحو طريق النشاط المشترك ، و قد خاض كفاحا عظيما ضد نظريات جميع تلك الفرق و التيارات، وصاغ تكتيكا واحدا لنضال الطبقة العاملة البروليتاري في بلدان مختلفة، و بعد سقوط كومونة باريس سنة 1871 كان ماركس الشخص الوحيد القادر على تقييمها تقييما ثوريا بعمق سديد و صواب بالغ و سطوع لامع و فعالية كبرى، و كتابه "الحرب الأهلية في فرنسا" 1871 هي جوهرة عمله في هذا الصدد.
أحدث الباكونيون انشقاقا داخل "الأممية"، و لم يعد بإمكان هذه الأخيرة أن تعيش في أوروبا، لذلك، و في سنة 1872، بعد انعقاد مؤتمرها في لاهاي، اقترح ماركس أن ينتقل المجلس العام للأممية إلى نيويورك. "
لقد أنجزت "الأممية" مهمتها التاريخية، فاسحة المجال لمرحلة في نمو الحركة العمالية في جميع البلدان بشكل أقوى و أشد، مرحلة ستشهد تطور الحركة العمالية، التي ستعرف اتساعا و امتدادا، و تأسيس أحزاب عمالية اشتراكية جماهيرية في دول عديدة، لقد منح ماركس للأممية كل جهده و أعطاها كل مهجته، محاولا أن ينقل أفكاره من النظري إلى الواقعي. إن الأعمال النظرية التي صاغها ماركس، هي التي بلغت أوجها في هذه المرحلة.
و لأن ماركس كان عليه أن ينظر و يمارس و يعيش حياته كباقي البشر، فقد أنهك صحته أشد الإنهاك، و لم يمنعه ذلك من الاشتغال على الاقتصاد السياسي، الذي واصل وضعه على أسس جديدة، و إتمام كتاب "راس المال" جامعا عددا ضخما من الوثائق الجديدة حتمت عليه من أجل استعمالها دراسة عدة لغات.
يظهر أن ماركس قد نال مبتغاه و هو في 54 من عمره، ففي الوقت الذي ما زالت فيه أصداء كومونة باريس تملأ أوروبا، فقد طبقت شهرته الآفاق، فلا توجد جغرافيا في العالم لم تسمع بكارل ماركس، لقد اعتبرته الصحف مطلق القدرة، لأنه على رأس المنظمة السياسية الوحيدة المتعددة الجنسيات، أي "الأممية"، حيث أخذت تتأسس أحزاب و جماعات سرية تستشهد به في ألمانيا و فرنسا و بريطانيا و إيطاليا و الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا، و نداءه الأخير للأممية، الذي كتبه بعد نهاية الكومونة أعيد نشره من قبل الصحافة الغربية، و يسارع الصحافيون في العالم أجمع لطرح أسئلتهم عليه، و "بيان الحزب الشيوعي" الذي قرئ من طرف آلاف الطلبة و العمال الألمان يوجد قيد الترجمة إلى الفرنسية و الروسية و الانجليزية على غرار مؤلفه العظيم "رأس المال".
أخيرا لم يعد ماركس تحاصره الهواجس المادية للعيش، فقد أصبح عنده ما يكفي من الدخل (وقد قام رفيقه انجلز بالواجب) لكي يعيش حياة لائقة له و لزوجته و ابنتيه، اللواتي يشكل معهن أسرة شديدة الارتباط ، و رغم كل هذا فماركس ليس سعيدا، و ومزاجه غير رائق، فالمرض ينغص عليه أي سعادة و فرح، فقد كان يعاني من شدة الألم في بعض الأحيان، كما أنه لم يشف قط من فقد ثلاثة من أبنائه، و فوق كل ذلك، فهو يخضع للمراقبة و التجسس عليه، باعتباره أخطر رجل على وجه الأرض، و بعبع البسماركية، الذي يخيف، و ينهكه الخصوم سواء من اليمين أو من معسكره نفسه، تحرقه سهام النقد و الافتراءات الموجهة إليه، من صحافة لا تتكلم عنه إلا كأنه شيطان، و أفظع ذلك عنده، شعوره بنقائص عمله و بالصعوبة التي سيلاقيها في إنهائه، كما أن ماركس حز في نفسه الإنكار الذي تعرض له من الجامعات الألمانية، و التي رغب دائم افي الانتماء إليها. من جهة أخرى، يستشعر ماركس أن الرأسمالية يمكن لها أن تحسن مستوى معيشة العمال، إلى الحد الذي يرفضون فيه الشيوعية. و بالفعل فقد كانت أول ضحية سياسية لأحداث 1870 – 1871 هي "الأممية"، حيث نفي العديد من الناجين من مذابح باريس و إجراءات القمع الألمانية و النمساوية و الروسية، و آخرون يريدون الدخول في اللعبة الديموقراطية، و نادرون هم أولئك اللذين لا يزالون يريدون تغيير المجتمع تغييرا جذريا.
أصبح بيت ماركس في بداية السبعينات يشهد الكثير من الغدو و الرواح، فقد أصبح ملجأ الهاربين من أعضاء كومونة باريس، يجدون فيه العون و النصح، و كانت أولوية ماركس في نهاية 1871 هي العثور على مأوى و عمل للكومونيين، اللذين يأتون إلى لندن و هم عرضة لكراهية الجميع، و الواقع أن ماركس بات المرجع الأكبر لآخر الناجين من الثوار.
كان يفترض من ماركس أن يصبح سعيدا في هذه الحقبة من حياته، فأعماله قد خرجت أخيرا من العزلة التي فرضتها عليها اللغة الألمانية، إذ خرجت الترجمة الأولى ل "البيان الشيوعي" بالانجليزية و الفرنسية، و يعترف لماركس بالإجماع مرشدا فكريا لليسار العالمي، لكن أمراض ماركس تنغص عليه متعة هذه الإنجازات، فهو يشعر بالإرهاق أكثر فأكثر، فقد ثقل و غزت وجهه التجاعيد، و يمشي بصعوبة، إذ يقدر أحد الصحافيين الأمريكيين، كان قد أتى لإجراء مقابلة معه عمره ب 70 سنة، بينما لا يكاد يبلغ الستين، و قد بلغت شهرة ماركس عندئذ حدا جعل بلاط انجلترا يبدي اهتماما به.
كان آخر حدث عام في حياة ماركس هو المبارزة التي كانت له مع باكونين، فقد بدا أن الثورة خمدت في كل مكان، و كان الهجوم على "برنامج غوتا" آخر تدخل عنيف من جانب ماركس في شأن الحزب (الحزب الاشتراكي الديموقراطي)، و لم يحدث بعد ذلك في حياته أزمات أخرى مشابهة، بل ترك حرا يكرس السنوات الباقية من عمره للدراسات النظرية، و محاولة استعادة صحته المتدهورة دون جدوى.
لم تتغير مشاعر ماركس نحو خصومه الأحياء منهم و الأموات ، إنه ماركس العنيد، و لكن الرجل هد، و أصبح أقل قدرة من الناحية الجسمانية على القيام بتلك الحملات النشطة، التي كان يقوم بها في شبابه و في أواسط العمر، فقد هدم العمل المرهق و البؤس و الفقر قوته في آخر الأمر، لقد كان مجهدا و كثير المرض، و في ذلك كانت مصائب ماركس تلاقي الارتياح من خصومه، فقد كان يحدث أنه كلما مرض ماركس و تعب ارتاح خصومه بل ابتهجوا، و بما أن ماركس كان مقاتلا، و تلك من أبرز صفاته، فقد كان لا يترك طريقا للشفاء و التعافي لم يسلكه، فله المزيد مما يمنحه للبشرية، فقد كان يذهب كل سنة إلى شاطئ البحر في انجلترا، أو إلى إحدى منتجعات المياه المعدنية في ألمانيا أو بوهيميا، حيث يقابل من وقت لآخر أصدقاءه و رفاقه القدامى، اللذين كانوا أحيانا يحضرون معهم مؤرخين أو علماء اقتصاد من الشبان اللذين تحدوهم الرغبة في مقابلة الثوري الشهير.
كان المرض شديدا على ماركس أقعده عن إنجاز مشروعه العظيم "رأس المال"، لقد كان يسابق الزمن لعله يترك له من الأوقات ما يجعله ينهي هذا العمل الاقتصادي الجبار، إلا أن الموت كان قد أدركه قبل أن يحقق هذا الحلم، لكن رفيقه الدائم انجلز سيحول ذلك الحلم إلى حقيقة، عندما تولى مهمة إتمام هذا العمل الضخم، مما ترك ماركس من مخطوطات و جمل موزعة بين هذه الصفحة و تلك من المسودات الكثيرة.
كثيرا ما وصف العقد الأخير من حياة ماركس بأنه "موت بطيء"، قد يكون هذا صحيحا، إذا تم النظر إلى الصراعات التي نشبت بعد سقوط كومونة باريس، و التي كالت لصحته ضربات قاصمة، فقد عانى في خريف 1873 كثيرا من رأسه و أصبح مهددا بالصرع، و جعله مرض الهبوط العقلي المزمن غير قادر على العمل، و حرمه كل ذلك من كل رغبة في الكتابة، لكن بعد أسابيع من العلاج في مانشسترعلى يد الدكتور غمبرت، الذي كان صديقا لانجلز، وكان ماركس يثق به كل الثقة، كانت هذه الأمراض تختفي، لكن ما تلبث أن تعود مع أخرى غيرها، كألم الكبد، اضطرابات المعدة المزمنة، والإرهاق العصبي الذي كان يسبب له صداعا حادا و أرقا مستمرا ...
لم تكن أمراض ماركس مستعصية على العلاج، بل كان من الممكن أن يستعيد صحته لو أنه كان يمنح لنفسه الراحة و السكينة، اللتين كان يحق له أن ينالهما و هو على مشارف الستين من عمره، بعد ذلك القدر الضخم من العمل الذي قام به في شبابه، و المعاناة التي قاساها حينذاك، و لكنه لم يكن ليحلم بذلك، أراد ذلك أم لم يرده، بل كان بدل ذلك يعاند نفسه، فيندفع بكل حماسته القديمة في الدراسات الضرورية لإتمام عمله العلمي، تلك الدراسات، التي اتسع مداها إلى حد بعيد في تلك الأثناء، و في هذا الصدد يقول انجلز:
"بالنسبة لرجل كان يدرس كل شيء ليكتشف منشأه التاريخي، وشروط تطوره، كانت كل مسألة تؤدي بالطبع إلى مسائل جديدة، و على الأخص، درس ماركس التاريخ القديم و علم الزراعة و الروسية و علاقات ملكية الأرض في امريكا و الجيولوجيا ... لقد كان ماركس يقرأكل اللغات الجرمانية و اللاتينية الحديثة بسهولة، ثم تعلم بعد ذلك السلافية القديمة و الروسية و الصربية"
لم يكن كل هذا يستغرق من ماركس سوى نصف وقته، ذلك أنه على الرغم من اعتزاله الحياة العامة، كان لا يزال نشيطا في حركات الطبقة العاملة الأوروبية و الأمريكية، فقد كان يراسل تقريبا جميع قادة الطبقة العاملة في البلدان المختلفة، و كان هؤلاء يأتونه كلما سنحت الفرصة، ليستوضحوا رأيه في المسائل الهامة، إنه مرجع زمانه الذي لا يمكن تخطيه، لقد أصبح أكثر فأكثر مستشار البروليتاريا المناضلة.
كان العمل القاسي فوق ذلك، يحدث أثره على بنية جسمية كانت في الأساس كأنها قدت من حديد، و قد كان جادا كل الجد، عندما قال أن عدم القدرة على العمل هو حكم بالإعدام على أي كائن إنساني. و في إحدى المرات عندما وقع صريع المرض لأسابيع عدة، كتب إلى انجلز يقول:
"على الرغم من أنني لم أكن أستطيع العمل فقد قرأت كتابا في علم وظائف الأعضاء لكارنيتر و كتابا في تشريح المخ و الجهاز العصبي لشلايدن".
و لم ينس ماركس أبدا في غمرة عطشه البالغ إلى المعرفة العلمية، الكلمات التي قالها مرة عندما كان شابا : "على الكاتب بالتأكيد أن يستحصل نقودا لكي يستطيع العيش و الكتابة، و لكنه لا يجب أن يعيش و يكتب كي يكسب نقودا".
كان مرض مزمن واحد من شأنه أن يؤثر على الصحة العقلية و النفسية للمرء، فكيف الأمر و قد اجتمعت عند ماركس من الأمراض ما تفرق على الناس، لكن ماركس المقاتل و العنيد قاوم لكي لا ينتهي إلى هذا المصير، فهو العبقري في كل شيء، عرف كيف يحارب المرض و البؤس و الإملاق بما توفر له من إرادة أسطورية، فلم يجد إلا الأدب معالجا و مهدئا و مسكنا لآلامه و جراحاته، لقد كان ماركس يقصد الراحة العقلية في الأدب، فظل الأدب عزاءا كبيرا له طيلة حياته، و قد كان يملك معرفة واسعة في هذا المجال دون أن يفخر بذلك أبدا، إنه يكره الإنسان ذو البعد الواحد.
و كما أن العمل العلمي الذي قام به ماركس كان مرآة لحقبة كاملة، كذلك كان من يفضلهم ماركس من الأدباء، هم أولئك اللذين كانت أعمالهم مرآة للحقب التي عاشوها، من أمثال أخيل و هومروس و دانتتي و شيكسبير و سرفانتيس و غوته، و كان يتذوق كثيرا الأدب الكلاسيكي، و كانت له معرفة كبيرة بالأدب الألماني، و كان غوتة و هينه هما المفضلان لديه من بين الكتاب الألمان المحدثين، و من الكتاب الفرنسيين كان يقدر ديدرو و بالزاك و رائعته "الكوميديا الإنسانية"، و لشدة حبه لبالزاك فقد كان من خططه بعد الانتهاء من عمله العظيم كتابه "راس المال" تأليف دراسة عن بلزاك، لكن مثل الكثير من خططه و ما اكثرها لم يسعفه العمر ليقوم بتحقيقها. و بعد أن أصبح ماركس مقيما في لندن، فقد احتل الأدب الانجليزي المكانة الأولى لديه، و صار شكسببر يستحوذ على جل اهتمامه، بل كانت العائلة كلها تمارس نوعا من العبادة لشكسبير، فبناته يحفظن أغلب نصوص شيكسبير، بل و يمثلنها.
على العموم تجمع كتب النقد الأدبي بالغرب – ناهيك عن الشرق- على أن حب كارل ماركس للفنون و الآداب كان عظيما، و أن قلبه ظل يخفق بهذا الحب طيلة حياته، و لولا انشغاله بدراسة الفلسفة و السياسة و الاقتصاد لكان قد أولى الإبداع الأدبي و الممارسة النقدية الجانب الأكبر من اهتمامه. قرأ ماركس كل أعمال شيكسبير عدة مرات إلى أن ألف شخصياتها المسرحية، لدرجة أنه كان يستشهد بها ليلقي الضوء على بعض نظرياته في علم الاقتصاد، و يشتمل المجلد الأول من "راس المال على إشارات كثيرة إلى الآداب العالمية مثل "دون كيشوت" لسرفانتيس و " روميو و جولييت" و "هنري الرابع" (الجزء الأول ) لشيكسبير و "كانديد" لفولتير و " المدينة الفاضلة" لتوماس مور و "الكوميديا الإلاهية" لدانتي ... و بسبب العناية الشديدة بالفنون و الآداب، التي ضمنها ماركس في هذا المجلد، فقد أصبح محط أنظار كثير من النقاد و الدارسين، اللذين أقبلوا عليه من أجل استخلاص نظرية ماركسية في النقد الأدبي، و هكذا يتبين أن الآداب و الفنون لم تكن فقط علاجا نفسيا لماركس، بل هي أكبر من ذلك، و معروف أيضا عن ماركس أنه يمتلك خيالا شعريا لا مثيل لثرائه، فأول أعماله الأدبية كانت شعرا.
كان ماركس كذلك يجدد نشاطه العقلي على مستوى آخر مختلف تماما و هو الرياضيات، فقد كان يلجأ خاصة في أوقات القلق العقلي و المعاناة إلى العزاء في الرياضيات، التي كان لها تأثير مهدئ عليه.
كان شعار ماركس "العمل من أجل العالم"، و كان يقول أن من ييسر له حسن حظه أن يكرس نفسه للبحث العلمي، يجب أن يضع نفسه في خدمة الإنسانية، و قد كان موقفه الفكري هذا، هو الذي جعل الدم ينبض قويا في عروقه، و النخاع حيا في عظامه.
في محيط عائلته و بين أصدقائه كان ماركس ذلك الرجل الرقيق الودود، الذي تنطلق ضحكاته بسهولة، و كان أيضا ذلك الرجل الذي يدهش من يقرأه و من يستمع إليه، فهو يستطيع بكل سهولة الانتقال من الروح المتقدة من توتر الغضب، إلى التأمل الفلسفي الهادئ العميق، دون أن يبذل في ذلك أي مجهود، كما قال عنه صديقه هايدمان في حديث بينه و بين ماركس.
وصف لافارغ ماركس في السبعينات وصفا رائعا، عندما قال أن صهره لابد أن يكون ذا بنية متينة، لكي يستطيع الصمود في وجه نمط غير معتاد من الحياة، و يقوم بنشاطات فكرية مرهقة، و يكاد لافارغ ينطق : أي رجل هذا الذي قد من حديد.
اكتسب ماركس عادة لازمته ما تبقى من عمره، فعلى الرغم من أنه لم يكن يأوي إلى الفراش إلا في ساعة متأخرة جدا، إلا أنه كان دائما يستفيق صباح اليوم التالي بين الثامنة و التاسعة صباحا، فيشرب قهوته السوداء و يقرأ الصحف، لينسحب بعدها إلى غرفة مكتبه، و يظل هناك حتى منتصف الليل و أبعد من ذلك، إنه يسارع الزمن و يطارد الوقت و يترجاه أن يمهله ما يكفي لإتمام العمل الذي يشغله أيما إشغال، كتاب "الرأسمال"، و لا يخرج ماركس إلا لتناول وجبات طعامه، أو ليتمشى في الأمسيات الجميلة عبر هامبستيد هيث (مكان مخضر جميل في لندن)، و كان يستلقي في العصر على كنبة لمدة ساعة أو ساعتين، يبتغي بذلك بعض الراحة لمواصلة العمل، كان العمل قد أصبح شهوة جامحة استبدت به، إلى حد أصبح معه كثيرا ما ينسى وجبات طعامه، لقد كانت شهوة الكتابة عنده تفوق شهوة الطعام، و بذلك كان لابد لمعدته أن تعاني من جراء ذلك، و من جراء نشاطه الفكري الفائق، لقد كان ماركس رجلا غير أكول و يعاني من فقدان الشهية، أضف إلى ذلك أنه كان كثير التدخين، و يستهلك الكثير من أعواد الثقاب، و لقد اعتاد أن يقول ضاحكا أن كتابه "رأس المال" لن يدر عليه من المال لتعويض ما أنفقه من السيجارات التي دخنها خلال كتابته له، و كان عليه خلال سنوات الفقر الطويلة أن يدخن أنواعا رديئة، و نتيجة لذلك، فقد أصاب التدخين صحته بالضرر الكبير، و قد حظر عليه الطبيب التدخين مرارا لكن دون جدوى. كان التمرين البدني الوحيد الذي يمارسه ماركس هو المشي، إذ كان يستطيع المشي أو صعود التلال لساعات، و هو يتحدث و يدخن دون أن يشعر بأي تعب، و في حجرته كان يعمل ماشيا لا يجلس إلا للحظات قصيرة كي يكتب ما فكر فيه في دماغه، بينما كان يذهب و يجيئ في الغرفة، و حتى هو يتحدث كان يحب المشي، متوقفا من وقت لآخر عندما تحتدم المناقشة أو تكتسي المحادثة أهمية، و في وسط كل هذا كانت جيني الرفيقة المحبوبة، التي جعلت حياة ماركس البئيسة و المؤلمة متقبلة و مهضومة و مقدور على تجاوزها، لقد كان حقا وراء رجل عظيم اسمه ماركس، امرأة عظيمة اسمها جيني، إنها جيني الطيبة، التي جمعت كل الصفات الجميلة شكلا و مضمونا، و لم يكن ارتباط ماركس بجيني بمحض الصدفة، بل كان عن سابق إصرار و ترصد، فحس ماركس الذي لا يخطئ أعلمه بمعدنها الثمين و النادر، إنها جيني الرائعة، "لقد تمتع عدد كبير من عمال كل البلدان بضيافتها الودية و أنا مقتنع أن ما من أحد منهم خطر على باله قط ،أن تلك التي كانت تستقبلهم بهذه الحفاوة و البساطة تنحدر عن طريق أمها من عائلة أرستقراطية و أن أخاها كان وزيرا لملك بروسيا" هكذا تكلم انجلز عن جيني.
كان زواج ماركس و جيني زواجا وجدانيا، و هذا الزواج الوجداني هو الذي أبقى على حياة ماركس التي كانت زاخرة بالبؤس و الألم و المحن، و هو القائل "هكذا يكون الحب عندما يكون متحررا من جميع عناصره الحيوانية و الإكراه المكشوف و المقنع، و يتحول في لحظة من الاتحاد الروحي المتحقق بفضل المساواة التامة بين الرجل و المرأة آنذاك فقط تولد أسس شكل جديد هو أسمى أشكال الزواج الوجداني".
لقد خاض ماركس معركته الأخيرة مع الحياة، و هو غير معضد بساعده الأيمن جيني، و قد زادت صحته اعتلالا عندما غادرته في دجنبر 1881، و لم يستمر بعدها إلا سنتين، فقد حزن عليها حزنا شديدا و زهد في الحياة من بعدها، لدرجة أن انجلز قال أن ماركس توفي و هو حي بوفاتها، فقد زادت صحته اعتلالا عندما غادرته رفيقته، و لم يستمر بعدها، فبعد سنتين سيجده رفيقه انجلز على كرسيه المعتاد يغط في نوم عميق إلى الأبد.
ففي نونبر 1881 يزداد مرض زوجته جيني خطورة، و يكشف الفحص عن سرطان في الكبد، و ماركس أيضا مريض جدا، حتى أنه لا يستطيع إلا مرة واحدة القيام من سريره للذهاب إلى الغرفة المجاورة، حيث توجد زوجته، و يكتب بول لافارغ قائلا :
"كان مستحيلا عليه أثناء مرض زوجته الأخير الاهتمام بأعماله العلمية المعتادة، و لم يكن يتمكن من الخروج من الحالة المؤلمة، التي كانت تسببها له عذابات رفيقته، إلا بالاستغراق بالرياضيات، و في فترة العذاب النفسي هذه كتب مؤلفا حول : احتساب التفاضل و التكامل"، و يخطف الموت جيني من بين يدي ماركس في 2 دجنبر بحضور ماركس و بناته الثلاث و صهريه، اللذين عادا من باريس للسهر عليها.
إنها تموت، كما ينقل ذلك لا فارغ، شيوعية و مادية كما كانت و عاشت دائما، فلم يكن الموت يخيفها، و عندما شعرت أن النهاية تقترب صرحت "كارل لقد تحطمت قواي"، لم يستطع ماركس لشدة مرضه حضور مراسم دفن حبيبته جيني في مقبرة هايغات، و هي مراسم دفن أخرى غاب عنها بعد مراسم أخيه و أبيه و حميه و أمه، فقط بعض الأصدقاء الحميمين يشيعون جيني إلى المقبرة، حيث يلقي انجلز كلمة، و سيكتب لافارغ : "لم يكن لدى أحد أكثر مما عندها من شعور بالمساواة مع أنها ولدت و نشأت في عائلة أرستقراطيين ألمان، إذ لم تكن الفوارق و التصنيفات موجودة لديها، و كانت تستقبل في منزلها و على مائدتها العمال بثياب العمل بأدب و حفاوة و كأنهم كانوا أمراء ... لقد تركت كل شيء لتتبع كارلها، و لم تندم قط ، و حتى في أيام شدة الفاقة لم تندم على ما فعلته".
لقد كان ماركس يكره الجنازات و لا يحضرها، و هذا يتمشى مع طبع ماركس الذي يحب الحياة و لا يشغل باله بنقيضها، و قد كانت إلى جانبه كل الظروف لكي لا يحضرها.
لقد جسدت جيني المبادئ و الالتزام في أجلى صورها، و تلك مبادئ الشيوعيين، فقد كانت جيني شيوعية حتى النخاع، ليس لأن حبيبها ماركس هو كذلك، بل لأنها كانت مقتنعة كل الاقتناع بأفكاره و فلسفته و شيوعيته.
لن تتوقف أحزان ماركس بفقدان جيني عن هذا الحد، فبعد سنتين من فقدان امرأة عزيزة على قلبه يفقد امرأة أخرى غالية عليه، ففي سنة 1883 تموت جيني ابنة ماركس الكبرى، و هي في 38 سنة من عمرها تاركة خمسة أطفال، و في 20 يناير يعود انجلز من باريس بعد أن حضر مراسم دفن ابنة ماركس- و ها هو هذا "الشقي" لا يستطيع مرة أخرى تشييع محبوبته جيني الابنة – ليبقى إلى جانب صديقه و رفيقه حتى النهاية، و في 14 مارس يقضي ماركس نحبه متأثرا بمرض السل على مقعده بحضور ابنته إليانور. لقد التقيا منذ أربعين عاما، و ما من يوم مضى منذئذ كان واحد منهما دون الآخر، و دفن ماركس إلى جانب زوجته في مقبرة هايغات في لندن بعيدا عن بلده ألمانيا، التي قضى فيها أقل مما قضاه تنقلا بين العواصم الأوربية، حيث سيرقد رفاته، و سيودع العالم أفضل ما أنتجته البشرية من الناس، و لم يسر في جنازته سوى 11 شخصا ، ابنتاه إليانور و لورا و صهراه بول لافارغ الخارج لتوه من السجن، و شارل لونغيه زوج جيني المتوفاة، و هيلين ديموت عاملة المنزل، و ستة من رفاقه المخلصين منهم انجلز، الذي يلقي كلمة تأبين مؤثرة و بليغة، عبارة عن نص طويل كتب بعد إمعان تفكير، لخص فيه بشكل مكثف و عميق ماركس الإنسان، ماركس عقل العالم :
"في 14 مارس، و على الساعة الثالثة إلا ربع ظهرا توقف أعظم المفكرين عن التفكير، فقد ترك وحيدا لدقيقتين بالكاد، وحينما عدنا وجدناه جالسا في كرسيه نائما في هدوء و لكن إلى الأبد. إنها خسارة لا تقاس ضربت كل من الطبقة العاملة المناضلة في أوروبا و أمريكا و علم التاريخ بوفاة هذا الرجل، إن الثغرة التي نجمت عن رحيل هذه الروح العظيمة ستبرز بجلاء قريبا.
فمثلما اكتشف داروين قانون تطور الطبيعة العضوية، اكتشف قانون التطور البشري : الحقيقة البسيطة التي تخفيها هيمنة الإيديولوجيا و هي أن الإنسان يجب أولا أن يأكل و يشرب و يجد المأوى و الملبس قبل أن يصبح في استطاعته الاهتمام بالسياسة و العلم و الفن و الدين... و بالتالي فإن إنتاج الوسائل المادية الضرورية للعيش، و من تم درجة التطور الاقتصادي المحققة من طرف شعب ما أو في حقبة ما، تشكل الأساس الذي تقوم عليه مؤسسات الدولة و المفاهيم الشرعية و الفن، و حتى الأفكار حول الدين التي يختص بها هذا الشعب أو ذاك، و على ضوئها يجب أن تفسر و ليس العكس كما هو الحال.
و لكن ليس هذا كل ما في الأمر، فقد اكتشف ماركس أيضا القانون الخاص بالحركة، الذي يحكم نمط الإنتاج الرأسمالي لعصرنا، و المجتمع البورجوازي الذي خلقه هذا النمط من الإنتاج. إن اكتشاف فائض القيمة سلط الضوء فجأة على المشكلة، محاولا حل ما عجزت عن حله جميع البحوثات السابقة من لدن الاقتصاديين البورجوازيين، و كذلك النقاد الاشتراكيين.
إن هين الاكتشافين لأمر كاف في حياة شخص، و سيكون سعيدا ذلك الذي يتسنى له تحقيق و ل إحدى هذين الاكتشافين.
علاوةعلى ذلك، فإنه، و في كل حقل بحث فيه ماركس – و لئن بحث في حقول عديدة و لم يكن ذلك بسطحية في أي منها- حتى في حقل الرياضيات قام ماركس باكتشافات مستقلة.
هكذا كا ن ماركس رجل علم، إلا أن ذلك لم يكن يمثل و لو نصف هذا الرجل. لقد كان العلم بالنسبة لماركس، حركية – دينامية تاريخية و قوة ثورية. و مهما كان سروره عظيما بأي اكتشاف جديد في العلوم النظرية، و لئن كانت تطبيقاتها مستحيلة البلوغ، فإنه كان يعيش سرورا من نوع آخر حين يشمل الاكتشاف الجديد تغييرا ثوريا مباشرا في الصناعة، و في التطور التاريخي عموما، فعلى سبيل المثال كان متابعا عن قرب لتطور الاكتشافات المحققة في مجال الكهرباء، و آخرها تلك لمارسيل ديبريز . كان ماركس قبل كل شيء ثوريا، و كانت مهمته الأولى في الحياة المساهمة بطريقة أو بأخرى في الإطاحة بالمجتمع الرأسمالي، و بمؤسسات الدولة التي جلبها معه، و كذلك المساهمة في تحرير البروليتاريا الحديثة، الذي كان أول من جعلها تعي بموقعها و حاجاتها، و تعي بشروط تحررها. لقد كان الكفاح أمرا أساسيا بالنسبة له، فكافح بحب و عزم و نجاح لا ينافسه فيهم إلا قليلون، و كان عمله في "الجريدة الرينانية الأولى" 1882 و في "إلى الأمام" الباريسية 1844، و في جريدة "البروكسالي" الألمانية 1847، و في "الرينانية الجديدة" 1848 – 1849. و في " نيويورك تريبيون" 1852 – 1862، و بالإضافة إلى ذلك، إشرافه على نشريات نضالية و عمله في منظمات في باريس و بروكسيل و لندن، و أخير توج كل ذلك بتكوينه "الجمعية العالمية للعمال"، كان ذلك إنجازا بإمكان محققه أن يفخر به حتى و لو لم ينجز شيئا غيره.
و كنتيجة لذلك، كان ماركس أفضل المكروهين و أكثر المشهرين بهم في عصره، فقامت حكومات مطلقة و جمهورية على حد سواء بترحيله عن أراضيها، و تنافس البورجوازيون من المحافظين أو من أقصى الديموقراطيين بالتشهير و الثلب لشخصه. لقد أزاحوا ماركس كما تزاح خيوط العنكبوت، لكن لم يعرك ماركس اهتماما لذلك، و لم يرد إلا عندما دعته الضرورة إلى الرد. و مات محبوبا ممجدا و نعته الملايين من العمال الثوريين من مناجم سيبيريا إلى كاليفورنا و في كاغة أنحاء أوروبا و أمريكا.
و لمن المهم القول أنه برغم خصومه العديدين، فبالكاد كان له عدو شخصي واحد.
سيخلد إسمه على مر العصور و كذلك أعماله "
هكذا أبن انجلز رفيقه ماركس، هذا التأبين الذي يعكس تلك الرفاقية التي لم يجد بمثلها التاريخ إلا ناذرا، هنا في لندن سينتهي ذلك الرجل الذي خاض صراعا مريرا مستمرا مع العالم، العالم الرسمي طبعا. لم تطرد أمة في التاريخ أعظم مفكريها خارج حياتها الوطنية، بهذا القدر، و طيلة تلك المدة، كما فعلت ألمانيا بماركس، و كانت الأحزاب فيها تفتري عليه بنفس القدر، و حيث كان قوامه العملاقي يبدو منتصبا عبر السحب المختلفة حوله، كان الصمت الخبيث الحقود و المتعمد يفعل فعله المخزي، لقد مات الرجل الذي ثور العالم، متمتعا بكل الاحترام و الإعجاب و التقدير، و لم يضره في شيء كثرة الخصوم، فالفكرة التي حملها في عقله كانت صحيحة، و القضية ا التي رعاها في قلبه كانت نبيلة، و هذا ما يحفظه له التاريخ، و هو وحده كافي ليسجل له الاعتراف على مر العصور و الحقب.
ستتذكر الأجيال القادمة كارل ماركس المنبوذ، الذي و هو يبكي أطفاله الموتى في بؤسه اللندني، قد حلم بإنسانية أفضل، و سيرجعون صوب عقل العالم و رسالته الرئيسية : يستحق الإنسان أن يكون محط أمل، مع كل ربيع تتجدد فيه الحياة، حياة الشعوب.
يقول لينين :
"إن مذهب ماركس لكلي الجبروت، لأنه صحيح، و متناسق و كامل، و يعطي الناس مفهوما منسجما عن العالم، لا يتفق مع أي ضرب من الأوهام و مع أية رجعية، و مع أي دفاع عن الطغيان البورجوازي، و هو الوريث الشرعي لخير ما أبدعته الإنسانية في القرن 19 : الفلسفة الألمانية، الاقتصاد السياسي الانجليزي، و الاشتراكية الفرنسية"
خلاصة
إن من يتتبع حياة ماركس يوما بيوم على امتداد السنوات التي عاشها، فهو لابد متسائلا متعجبا، أي رجل هذا الرجل، أي إنسان هذا الإنسان، أي عقل هذا العقل، لقد كان أكثر من نصف حياة ماركس بؤس و فقر و آلام و أمراض و حزن و مآسي و إحباط ، و وسط هذا الركام و الكم من المصائب استطاع الرجل أن ينجز هذه الأعمال العظيمة، في وسط كل هذه العواصف التي عاشها، لم يرتعش القلم أبدا بين أنامله، وسط هذه الأمواج العاتية، لم يمس عقله أي لوثة، هكذا الشيوعيون الحقيقيون دائما متفائلون، و إيمانهم شديد بأن البشرية لابد أن تجد يوما طريق سعادتها، إنه التفاؤل الثوري الدائم.
إن حياة كارل ماركس درس لكل الثوريين، لكل الشيوعيين، التي يجب أن يتعلموا منها، و تكون نبراسهم الذي ينير طريقهم للنضال. في حياة ماركس نجد كل تلك المواصفات النضالية الثورية، التي يجب أن يتحلى بها الماركسيون – اللينينيون و الشيوعيون الحقيقيون، فلنتعلم من حياة ماركس، و لنكن ثوريين!

جميلة صابر
12 – 3 – 2019

موقع الشرارة الماركسي ــ اللينيني
http://acharara.hautetfort.com
الاداة النظرية للمركز الماركسي ــ اللينيني للدراسات والأبحاث والتكوين