أربع مائة حجة تُفند وجود إله .


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 6170 - 2019 / 3 / 12 - 20:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

-أربعمائة حجة تُفند وجود إله - من 301 إلى 315 .
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (86) .

كتبت فى السابق ثلاثمائة حجة تفند وجود إله بدأتها بخمسين حجة , لتمتد لمائة حجة , فمائتين حجة لتصل لثلاثمائة حجة , وكان هذا الإمتداد لأننى وجدت أن فكرة الإله فكرة ثرية بالتناقضات والفرضيات المتخبطة مخاصمة للعقل والمنطق والعلم فى كل مفردة من مفرداتها .
مازال فى جعبتى الكثير من الأفكار الناقدة لفرضية وجود إله لأمد هذه السلسلة إلى أربع مائة حجة تُفند وجود إله , وأستهلها بخطأ الفكر التحليلى المنهجى التقييمى والمفاهيم المغلوطة التى أنتجت فكرة الإله , ففكرة الإله لا تعيش إلا فى ظل الأفكار الصنمية والتحليل الخاطئ المُتعسف لتزدهر فى ظل مجموعة من الأوهام تؤسس للوهم الأكبر .

301 - خلل فى التفكير والبحث .
- إشكالية الفكر الإيمانى أنه ينهج ويفكر بعقلية من فعل هذا بينما العلم والمنطق يفكر بعقلية كيف حدث هذا , فأنت لن تستفد شيئا عندما تفترض إسم الفاعل بل أدخلت نفسك فى إشكاليات كونك إعتبرت الفاعل عاقل وأنه الذى فعل هذا بدون أى إثبات بينما العلم والمنطق يبحث فى كيفية حدوث ذلك ثم فلنطلق عليه إسماً فلا يهم .
العلم يتفكر بطريقة عقلانية بتتبع طريقة حدوث الشيء وهذا يدل على التسلسل المنطقي بتعقب الأسباب , أما الفكر الإيمانى فيضرب بتعقب الأسباب عرض الحائط ويقفز على المنطق ليبحث عن إسم الفاعل , والمصيبه أنه يدعي بأنه توصل لهذا الإسم بدون أي دليل عقلاني , كونه لم يبحث فى الأسباب فيلجأ للقفز بالإستنتاج , لذا صدق القائل بإله الثغرات وأنا أقول إنه الجهل الراغب فى قتل البحث عن إجابة مقنعة بغية التمرغ فى النوم اللذيذ فى ظل وهم الإله .
- إن طريقة البحث عن الفاعل والمسميات لا تأتي إلا بالخرافات فلنتذكر خرافات الإغريق مثلا عندما كانوا ينظرون للغيوم والعواصف , فبدلاً من أن يبحثوا عن أسباب حدوثها ذهبوا ليسألوا عن من فعلها وتسميته ثم قفزوا بالإستنتاجات كحال المؤمنين الحاليين لتحديد الفاعل وبدأوا يدعون أن للسحاب إله فاعل وألفوا له إسم وتعبدوه , وأدعوا أن للبحر إله فاعل وألفوا له إسم وتعبدوه...إلخ.
- هل لك أن تتخيل شخص بالعصر القديم يدعي بأن سبب فعل المطر والغيوم والبرق والرعد هو شيء إسمه الفنكوش , فتسأله: كيف علمت هذا؟.فيجيب: لأن الذي يحدث هذا لا بد له من فاعل ولهذا أنا أسميه فنكوش فتسأله: وكيف علمت أن هناك شيء إسمه فنكوش فعل هذا؟ هل رأيته؟ هل تستطيع أن تثبته لنا؟! .فيجيب: ألا تنظرون للإبل والغيوم والصواعق والرعد والبرق والمطر فهذا دليل على وجود شيء فاعل إسمه فنكوش .. هذه الطريقة الخاطئة بالبحث عن الفاعل وتسميته قبل أن تبحث فى (كيف حدث هذا؟)..فالإسم يأتي بعد البحث عن الأسباب في كيفية حدوث هذا وليس قبل , لأن الإسم مجرد رمز لمفهوم أو شيئ نتفق عليه فنستخدمه عند تناقل المعلومات التى توصلنا إليها .
من الخطأ البحث عن الفاعل وإسمه بل البحث عن الأسباب بتسلسلها العلمى المنطقي التى أدت لذلك , فعندما ترى الغيوم عليك أن تسأل عن أسباب تكون الغيوم , فإن بحثت ووجدت أنها تتكون بسبب تبخر المياه وتتكثف بالجو فأنت نجحت بتعقب الأسباب لنشأة الغيوم..ولكن إن بدأت بالفكر الخرافي مثل الأولين بالبحث عن فاعل غامض فقط لأنك ترى الإنسان يصنع فهذا هو منبع خرافات الأولين ولم تبتعد عنه قيد أنملة , وهذا تعبيرعن العجز الذى يتوارى وراء فكرة إله الثغرات والجهل .

302 - وهم المطلق .
- المطلق هو كل ما لا يحتاج في وجوده أو تحققه إلى شرط زماني أو مكاني أو معرفي , فهو مستقل بذاته عن كل سبب غيره بينما النسبي يُعرف على العكس من المفهوم السابق أي كل ما يرتبط وجوده بشيء آخر أو ذات اخرى وقيمته لا تنبع من ذاته أي هو كل ما غير مستقل و ناقص .
- بمفاهيم وصيغ فلسفية أعمق يمكن القول أن المطلق هو كل ذات لها وجود مُستقل عن كل الذوات الأخرى , وليست مشروطة بها و هي نفسها سبب وجودها وسبب كمالها وخصائصها , بهذا المعنى فالمطلق يَعنون بها الإله , أما النسبي فهو كل ما يحتاج و مرتبط بسبب أخر او شيء/ذات و لا يتواجد إلا بتوفرها و حضورها الفعلي , وهو أيضا كل ما هو محدود وغير كامل ومرهون بالفناء وبهذا المعنى فكل البشر والمخلوقات نسبية مقارنة بالمطلق أي الاله, وأن الأحداث نسبية مقارنة ولإرتباطها بالأسباب والخصائص كذا الجوهر والمعرفة نسبية لأنها بشرية والبشر ناقصون.
- الوجود الفعلي لابد له من التجربة الميدانية العلمية للتثبث يقيناً أنه موجود..أي أن يكون شيئا قابلا للقياس والتحليل بأدوات علمية وهذا غير ممكن , فالمطلق لا يمكن قياسه فلا وجود مادي له ولا يقبل التحليل العلمي المختبري وبالتالي تبقى مسالة وجوده الفعلية مشكوك فيها بنسبة كبيرة جدا ,لأنه يبقى فكرة بشرية لا توجد الا في الوعي الانساني ومن هنا نقول أن المطلق يعني الميتافيزيقا.. ولتقريب هذه الرؤية فأنت لا يمكنك تعريف اللامادة .
- عبر تاريخ الفكر والفلسفة كانت المواقف من الميتافيزيقا متعددة , لتقوم عدة مدارس بالتشكيك فيها و مهاجمتها لانها ترسخ الجهل و إرتهان الوعي لشيء غير محسوس وغير مؤكد وغير معاين ,وبالتالي رهن الذات البشرية للمجهول والعدم , وبناء على هذا يمكن طرح سؤال حيوي : هل المطلق هذا له وجود موضوعي مستقل فعلي أم انه مرتبط و لا معنى له إلا في الذات/العقل البشري الذي يفكر فيه أو للدقة قل من أنتجه ؟

303 - وهم الحقيقة .
سأطرح مؤاخذاتى على الحقيقة فى أسئلة :
- كيف عرفنا بوجود الحقيقة ؟ هل كان ذلك بالعقل أم بالإيمان أم بالوراثة والتلقين أم هناك وسائل أخرى ؟
- هل هناك آلية أو منهج معروف نستطيع من خلاله أن نصل إلى "الحقيقة" إذا كانت موجودة ؟
- كيف نعرف أننا عرفنا أو وصلنا إلى "حقيقة" وليس إلى "وهم" ؟ بمعنى آخر : كيف نُميّز الحقيقة عن الوهم ؟
- لماذا عبارة "البحث عن الحقيقة" توحي لنا بأنها دائما "مختبئة" في مكان ما ولا بد من البحث عنها ؟ لماذا لا تكون واضحة للعيان ويشاهدها الجميع طالما هى حقيقة ؟
- أليست الحقيقة هى زاوية رؤية وتقدير إنسانى ذات قناعة معينة مبنية على ثقافة وحظوظ من العلم والمعرفة حتى لو كانت خاطئة ؟
- أليست الحقيقة نسبية فما كان البشر يعتبرونه حقائق صارت مفاهيم خاطئة جاهلة , وما يتصوره البعض حقيقة كإيمان أصحاب دين معين يراها الآخرون أنها خرافات وأوهام ؟
- أليس إدعاءنا بحقائق معينة يشوبه الزيف والغش , فمثلا تكون حجتنا عن وجود الحقيقة هو سطوع الشمس مثلاً , فهل ما تدعيه من إدعاءات هى حقيقة كحال إدراكك ورؤيتك وتحققك لسطوع الشمس ؟

304 - وهم الحقيقة المطلقة .
- من الألفاظ الشائعة قول الحقيقة المطلقة المقصود بها الإله وهو قول خاطئ متعسف , فالحقيقة المطلقة تعنى التحقق التام والكامل لدى الجميع بما لا يدع أى مجال للشك , وأن تلك الحقيقة مُتحققة مَاثلة أمام حواسنا ووسائلنا العلمية بعيداً عن الظن والإستنتاج والتقدير فهى متحققة تحقق تام . فهل يوجد شئ إسمه حقيقة مطلقة ؟ أم جهلنا سبب فى إختلاق إجابات فرضية مغرورة ؟ عندما نمتلك العلم والمعرفة فلن نخترع إجابات لا نستطيع إثباتها .

305 - وهم اليقين .
- من الأقول الشائعة التى تعبر عن غرور وغطرسة أصحاب الفكر الإيمانى قولهم أنهم على يقين تام بإيمانهم , فما معنى اليقين أولا ؟
اليقين هو التحقق التام والكامل من الأفكار بعيداً عن مفاهيم التقدير والظن والنسبية والشك والإحتمالية , فالأفكار متحققة ماثلة أمام عيونهم .
بالطبع كلمة اليقين هذه مهترئة مغرورة جوفاء فمن تعريفها يكمن هراءها , فالقول بالتحقق التام والكامل من الأفكار يفضح هراءها , كذا ما هى الأفكار وما مصدرها أليس الإنسان بمحصلة ثقافته وعلمه ومعرفته وبيئته المحدودة , فكيف يحق القول باليقين ؟!

306 - وهم الجمال والروعة .
- هل يصح قولنا بأن الكون رائع ؟. قولنا أن كوننا بديع ورائع قول مغلوط لا أساس له من المنطق فبداية نحن لم نشهد أكوان أخرى حتى نحكم بروعة كوننا قياساً بالأكوان الأخرى , فروعة الكون ليست فى كينونته بل من تقييمنا , فنحن من نحكم ونراه هكذا لتدخل الأمور فى حسن التقييم والمزاجية والإنطباعات والرؤية الشعورية والثقافة .
- يجب أن لا نغفل بأن مقولة الروعة والجمال أصلاً ليست فى ذات الشيئ فلا توجد جزيئات إسمها جمال وروعة ولكنه إنطباع وإستحسان إنسانى يسقطه بمزاجية على الشئ وهذا يقودنا إلى بحثى السابق عن وهم الجمال , فنحن نمنح الأشياء الجمال وفق ما تجلبه لنا من فوائد وإرتياح .

307 - وهم التصميم .
- قد يقول قائل أنظر لروعة تصميم الحشرة والإبل والحمار ألخ.. لنسأل قبلها هل نحن إكتشفنا جمال التصميم أم أنتجنا رؤية تصميمية من خلال ماهو موجود , بمعنى أننا خلقنا أفكار ومعانى وتقييمات مما هو موجود ومتاح وشائع وماثل أمام عيوننا لنعزى الأشياء لرؤيتنا وإنطباعاتنا وذاتيتنا .
- نحن نحكم على أشياء الطبيعة أنها مصممة من خبرتنا الإنسانية بالتصميم فهل يصح أن نسقط رؤيتنا على الطبيعة , وهل يحكم الجزء على الكل , وهل الإله المُفترض بإعتباره مصمماً فرضاً يخضع لمنطقنا فى التصميم أم أنه من القدرة المطلقة كما يزعمون ليستطيع أن ينتج حالة لا تحتاج مفهومنا عن التصميم , وقبل كل هذا فالخالق لا يمكن أن يكون مصمماً فإما هو خَالق أو مُصمم , فالخلق إيجاد الشئ من العدم بينما التصميم هو تركيب الأشياء بفكر وتقدير .
- من أين جاء إحساسنا وتقييمنا للأشياء أنها رائعة ومُصممة ؟ فهل الأشياء تحمل الروعة والتصميم فى ذاتها وماعلينا سوى إكتشاف ما بها من روعة وتصميم , أم أن الأمور لا تزيد عن إسقاط أفكارنا ومشاعرنا وأحاسيسنا كحال تعاملنا مع الجمال , فالأشياء ليست جميلة فى مكوناتها بل إنطباعاتنا , كذا الروعة والتصميم ليست فى ذات الأشياء وكينونتها بل إسقاط إنطباعاتنا ومشاعرنا عليها والدليل أنها نسبية فما تراه رائعا قد لا يراه غيرك كذلك .
- جاءت فكرة التصميم الإلهى من مفهوم بما أن الكائن الشخصاني "الإنسان" يخلق نظاما كآلة,بناء معماري..الخ.. إذا فكل نظام كالكون مثلا لابد أن ينتجه كائن شخصاني وهو ما يدعى بالإله الذي هو كملك بشري خارق .
وجه المغالطة في هذا القياس المنطقي الفاسد أن حكم البعض لا يسري على الكل بالضرورة , فقولك مثلا إن حك عود الثقاب يشعل ناراً لا يسوغ لك القول بأن كل نار قد صدرت من حك عود ثقاب , فحك عود الثقاب هو بعض مصادر النار وليس كل مصادر النار وبالتالي فتعميمه على كل مصادر النار غير جائز .

308 - وهم المعرفة فى منطقة اللامعرفة .
- عدم العلم لا يعني تمرير وجود مُفترض , فهو في أحسن الأحوال يبقى عدم معرفة ولا يمكن ان ينحاز الى دليل على وجود أي علم أو عدم وجود الذي هو أيضا علم .. نحن هنا نتكلم عن تجريدات كليه منطقيه وليس عن رؤية تتناول أمور جزئيه , فعدم علمنا = منطقه اللامعرفه , ووجود الشيء = معرفة ولو حتى بالوجود , فكيف يستقيم الحديث بوجود معرفه في منطقه اللامعرفه ؟!

309- وهم الوظيفة .
- هل توجد غاية ووظيفة للأشياء ؟ نحن نتعاطى مع هذا المفهوم كثيرا بتحويرات لغوية أو بفجاجة عندما نقول أن وظيفة هذا الشئ هو كذا.. الوظيفة والغاية مفاهيم وسلوكيات عاقلة بشرية حصراً يقوم بها الإنسان فقط بينما الطبيعة لا تقوم بوظيفة , فهل يصح القول بأن غاية الأكسجين أن يُصدأ الحديد أو وظيفة الكلورفيل هى كذا أو أن وظيفة البروتين القيام بكذا , فكل ما نراه هى منتجات طبيعية كيميائية بحته أوجدنا لها وظيفة وغاية بينما الأمور فى إطار تفاعلات كيميائية فيزيائية بحته تتم بدون وعى .
فكرة الوظيفة والغاية هى إسقاط الأنا الإنسانية والفكر البشرى على الأشياء وفق مايراه الإنسان , ليبلغ الشطط الخيالى أقصى مَدى عندما تتصور الأنا المغرورة أن كل الكائنات جاءت مُسخرة لخدمة الإنسان .

310 - وهم الحرية .
- إن الإنسان وإن كان لا يخضع للحتمية فهو يخضع للسببية والسببية تُلغي حريته , لكن هناك ثلاث عوامل أخرى تُبين أن هذه الحرية هي في الواقع مجرد زعم ووهم ..فنلاحظ أن السلوك الإنساني ليس إلا إستجابة لمؤثرات مادية طبيعية وإجتماعية , وأن رد فعل الإنسان يتناسب مع هذه المؤثرات أى يصبح محصلة الواقع المادى نفسه هو الذي يملي نوعية الإستجابة ورد الفعل أى أن تفاعلات وحضور الوسط الذي نوجد فيه هو السبب في تحديد مواقفنا كبعد نظري وسلوكنا كبعد عملي .
- من مبحث آخر نحن لا نريد شيئا إلاّ في إطار ما نعرف , فنحن لا نريد المجهول بل المعلوم , فالإرادة تتحرّك في مجال المعرفة بإعتبار أن لا معرفة إلا للواقع، لذا يصبح الواقع إطاراً يُحدد المعرفة لتتجادل الأمور وتصير المعرفة إطارا يحدّد الإرادة.. إن كان الأمر كذلك فذلك يعني أن الإنسان لا يخلق ما يريد إنما يتَبع المُمكن تحقيقه , وحتّى ما يريده لن يخرج عن محددات المعرفة وظروفها ومحصلة تفاعلاتها , وطالما أن تحديد الإرادة هو نفي لها نستنتج أن لا حرية حقيقية للإنسان على الأقل ظاهريا.
- إن قلنا أن الحرية هي في إدراك وإتباع الضرورة فهذا يعنى أن الحرية تسير داخل إطار صارم من محددات الطبيعة , وعدم الإمتثال لمحددات الطبيعة ستعطى نتائج سيئة حمقاء تحيط حياة الإنسان بالفشل والإنهيار , فمثلا لا يصح القول بأنك حر أن تقف أمام سيارة مسرعة أو تسقط من أعلى بناية مرتفعة فهى ليست حرية بل خلل نفسى يعتريك .
- سننصرف عن الرؤية الإيمانية الفجة التى تتعاطى مع فكرة أن الإله هو المُقدر والحَاكم والمُريد والعَالم بكل شئ , وأن الإنسان لا يستطيع الخروج عما قدره له الإله وتحدى علمه المطلق بسلوك مغاير لمعرفة الإله .
- الخلاصة :هل توجد حرية مع تكويننا المبنى على الجينات وتواجدنا فى بيئة وثقافة وطبيعة حاكمة ؟ أليس الجينات والبيئة والثقافة والطبيعة هى أضلاع لشكل هندسى محصلة كل أضلاعه وزواياه تؤثر على سلوكنا وتفكيرنا وقرارنا .

311 - وهم الوعى والتنصل من الطبيعة .
- وضع الإنسان في الطبيعة غريب فهو يخضع لعدة عوامل كالحيوان ولكن يخضع لها وهو واع بها , هذه الوضعية تجعلنا نتساءل: ما هي قيمة الوعي ؟ وكيف لا يكون الوعي سلطة ذاتية للقرار؟ كيف يكون الوعي أداة لتمرير الخضوع ولا يُخلص الإنسان منه ليكتسب حريته ؟ هل نحن أمام حالة للإنسان بأن يكون له وعي ليعي أن لا قيمة له بإعتبار أنه يجد نفسه دائما أمام ما يتوجب عليه إختياره ؟ أليست وضعية الحيوان أفضل فهو لا يحن لماض ولا يؤرقه حاضر ولا يأمل فى مستقبل ؟ هل الوعي نعمة أم نقمة ؟ وأي جدوى لهذا الوعي ؟
- إن قلنا من أجل أن يعي بتجاوزه للطبيعة وتميّزه عن بقية الكائنات, قلنا لا حاجة للإنسان بوعي لا يوصله لإثبات قيمته تجاه نفسه طالما أنه يقوم بتوعيته بخضوعه وبفشله , فالتميّز لا يعني الإمتياز .
- نحن نعى رغماً عنا وبمحددات صارمة نعيها ,لتكون كل مفردات الوعى نتاج الطبيعة المادية فمن المادة يتكون وعينا ويتركب ويتعقد ,لذا يستحيل أن يتكون وعى خارج الصور المادية , فحتى وعينا الخيالى هو تركيب لصور مادية بشكل فنتازى غير منطقى .
- هل بعد كل هذا نحتفى ونهلل للوعي ؟ فأليس كل إدعاءنا بالإله الخالق للوعى لكى نعي ونعيه محض وهم ؟ وأليس التباهى بالوعى هو قول زائف يخفى حقيقة أن أفكارنا ووعينا نتاج الطبيعة ؟ وأليست الحقيقة أن الإنسان تكون لديه وعي لكي يعي أن لا قيمة له لينتج الأساطير والخرافات التى تجعل له قيمة .

312 - وهم المعنى .
- بالرغم مما تناولناه عن وعى الإنسان , فلا يوجد معنى للأشياء بعيدا عن وعى الإنسان أى الحراك الإنطباعى الداخلى بغض النظر عن صحته أو خطأه , فالطبيعة تقذف بمشاهدها فى المشهد الوجودى بدون أن يكون لها أى مدلول أو معنى , فالزلازل والبراكين والأعاصير والأمطار بلا معنى , لنسقط نحن المعنى والإنطباع على الأشياء .. لا تخرج أى فكرة عن وعى الإنسان وإنطباعه , ومن الاهمية بمكان ان نعى هذا الأمر فقد شط الإنسان كثيرا وجعل المعنى قبل المشهد ومستقل عنه بل هناك من جعل الإنطباع خالق للمشهد .
- إذن المعنى هو تقدير وإنطباع الإنسان عن الأشياء فلا معنى خارج الإنسان كونه العاقل الذى ينتج وعياً متأثرا بالطبيعة , فالأشياء لا تحوى على معانى كامنة فى ذاتها وماعلينا سوى إكتشاف معانيها , بل نحن من نسقط إنطباعاتنا وإحساسنا عليها بالمعنى , وعليه لا يجب توهم بوجود أفكار مقدسة أو إله أو ملائكة اوشياطين ألخ فكلها تخيلات إنسانية لأشياء غير موجودة نحتال بها على تخيلنا ونفسيتنا المضطربة بأن نهبها معانى من ذاتنا .

313 - وهم الخير والشر .
- هل الخير والشر وجود حقيقى أم تقييمات وتقديرات نسبية ؟ مشكلة الفكر الإنسانى منذ الأزل وحتى الآن أنه جَسد الخير والشر فى آلهة وشياطين وأشباح لتصل الأمور إلى تمظهرات للخير والشر منسلخاً عن الواقع وعن المعنى الحقيقى للخير والشر , فالخير والشر لن يخرج عن نطاق المعنى والنسبية والتقييم البشرى لما يراه مضراً ونافعاً .
- هذا نهج الفكر الإيمانى أن يخلق فرضية ثم يجعلها تتناسل لينشغل المؤمنين ويتماهوا بتناسلها وتداعياتها ولينصرفوا عن الفرضية الأساسية ومن هنا يأتى التغييب .

314 - وهم الثواب والعقاب والمحاكمة .
- من أسباب إيمان البشر بوجود إله أنه سيحاكم الأشرار ويقتص منهم فليس من المعقول أن لا يعاقب الاشرار ويُثاب الأبرار وفق منطق المؤمنين لتكون إشكالية هذه الفرضية أنها تعاطت بمنطقنا وأمانيتنا كما نرى ونأمل , بينما إحتمالية عدم وجود هذه المحاكمة قائم فهذه ليست حتمية بل إحتمالية , كما هناك ظلم بَيْن للحيوانات مع بعضها فهل ينصرف الإله عنها فأليس هو رافض للظلم فى المطلق .. هذا يثبت بشرية فكرة الإله فلو إفترضنا وجود إله فيكفى القول هل يخضع لمنطقنا .
- جاءت فكرة العالم الآخر والجنه والجحيم لأغراض كثيرة بخلاف الرغبة فى الخلود والمتعة الدائمة لتطرح رؤية لمعنى الحياة لتحررها من عدميتها , فأنت تعيش الحياة فى الأرض من أجل الحياة فى عالم آخر كهدف وغاية , ولكن هذه الفكرة وقعت فى نفس الإشكالية والمطب فماذا بعد الحياة فى العالم الآخر ؟!.

315 - وهم الأخلاق الدينية .
- هل ما يمنعك عن قتل إنسان أنك تخاف من الله ؟ وهل ما يحولك عن السرقة الخشية من عقاب الله ؟ وهل ما يحولك من مضاجعة أختك هو غضب الله وإنتقامه ؟ فلو رفضت وجود الله لعدم قناعتك بوجوده فهل هذا سيدفعك لتقفز على أختك وتقتل وتسرق أم انك لن تمارس هذه الأفعال المشينة سواء هو موجود أم غير موجود .. هذا هو الفرق فى مفهوم الاخلاق بين المؤمن والملحد , فالمؤمن يمتنع خوفاً من العصا وليس قناعة ان هذا الفعل غير جيد .
أرى الأمور فى عمقها لا تعتمد على العصا والجزرة الإلهية بل على العصا والجزرة البشرية أيضا وأن قصة العصا الإلهية تأتى فى السياق للترهيب وليس فى العمق والغاية ولتبحث عن المستفيد من وراء الأخلاق .

دمتم بخير.
- أجمل ما فى الإنسان هى قدرته على مشاكسة الحياة فهو لم يرتقى ويتطور إلا من قدرته على المشاكسة ومعاندة كل المسلمات والصنميات والقوالب والنماذج , وأروع ما فيه هو قدرته على السخرية من أفكاره فهذا يعنى أنه لم يخضع لصنمية الأفكار فكل الأمور قابلة للنقد والتطور .. عندما نفقد القدرة على المشاكسة سنفقد الحياة .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع.