بيرني ساندرز وصعود اليسار الامريكي!


عادل احمد
2019 / 3 / 12 - 06:54     

ظهور بيرني ساندرز بترشيح نفسه مرة أخرى كمستقل لصالح الحزب الديمقراطي الامريكي في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 في ظل الظروف الترامبية، تستوجب ان نلقي نظرة الى العالم والى اليسار بشكل عام والحركة الشيوعية بشكل خاص. ليس خافيا على احد بان السيد ساندرز رغم خطاباته النارية بالضد من وول ستريت والشركات الامريكية والمؤسسات المالية الكبرى والبنوك والتحدث عن اوضاع الفقراء والمحرومين، ولكنه لم يكن ولن يكون اشتراكيا ولا ربط لتصوراته بالاشتراكية والماركسية، ولكن تصوراته هي تعبيرا عن الماسي والويلات التي تعيشها الطبقات المحرومة في امريكا من وجه نظر البرجوازي الصغير. ليس هذا غريبا لان الخطابات السياسية لساندرز في انتخابات عام 2016 كانت على نفس المنوال والخط الذي ينتتهجه الان، الفرق الوحيد هو التغيير في الاوضاع السياسية العالمية والامريكية بعد انتخاب ترامب واليمينيين والقوميين والشوفيننين في عدد من دول العالم. ومع ظهور حكومات وسياسات الفاشية تجاه الشعوب واللاجئيين في امريكا وبعض الدول الاوروبية وامريكا اللاتينية ووصولهم الى سدة الحكم، تغيرت المعالم السياسية للطبقة البرجوازية وخاصة الليبرالية وفشلها في مواجهة الازمة السياسية والاقتصادية العالمية التي يواجهها الراسمال العالمي.
ترافق مع حملة بيرني ساندرز صعود التيار اليساري في امريكا الشمالية وبعض البلدان اللاتينية للعلن والتحدث بشكل صريح عن اهمية هذه الحملة لصالح اليسار، وتغير نمط خطاب المنظمات والاحزاب اليسارية وخاصة التروتسكيين والاشتراكيين الامميين، وبدات بحملة ترتيب بيتها مع التغيرات الحاصلة والتي ترافقت مع ظهور حملة بيرني ساندرز الانتخابية. ان هذه الخطوة الى حد ما هي جيدة وقد تكون مفيدة لبعض التغييرات في ميزان القوى بين الفاشيين الجدد واليسار على العموم. ان خطابات بيرني ساندرز قد اعطت القوة من اجل نهوض اليسار في امريكا لان اليسار الامريكي في الماضي كان يمر بدوامة يرافقها عدم وجود افاق واضحة لكيفية مواجهة الترامبية، ولكنها اليوم اكتسبت القوة وظهرت بجانب حملة بيرني ساندرز المعرف نفسه بالاشتراكية. ان اكثرية المنظمات اليسارية في الوقت الحالي تقف بجانب حملة ساندرز، ففي الأسبوع الأول من حملته تجمع حوله اكثر من مليون متطوع واكثريتهم من الاشتراكيين واليسار الامريكي. انها حقا تكتيك واقعي لحركة اليسار في امريكا من اجل النهوض بحركته والتي ليس لديها وهم بان ساندرز ليس منهم ولا اشتراكيا، ولكن ليستغلوا الموقف اولا من اجل النهوض بحركتهم وثانيا من اجل كسب النفوذ والقوة التي تجمعت حول ساندرز.
اما فيما يتعلق بالطبقة العاملة والماركسيين فان الأمر ليس واضحا فيما كيف ينخرطون في هذه العملية والاستفادة السياسية منها. ان اشتراكية بيرني ساندرز لم تكن موجودة اذا لم يكن هناك ماركس في الصراع الطبقي بين العمال والبرجوازية. ولكن رؤية ساندرز الاشتراكية في هذا الوقت من الزمن وفي قلب الانتخابات الرئاسية الامريكية، وفي ظل تصاعد اليمين والفاشية والترامبية هي فرصة بأمكان الطبقة العاملة الامريكية والشيوعيين والحركة الاشتراكية العمالية أن تنتهزها لصالحها، اي لصالح نهوضها ولصالح تنظيم صفوفها والحضور الميداني العلني لمواجهة السياسات الترامبية الفاشية. برأي ان سلك نفس طريق اليسار الامريكي وهي الاستفادة من الظروف والجو السياسي التي خلقته حملة ساندرز وخطاباته النارية في المجتمع الامريكي والتي تتحدث جميع القنوات الاعلامية عنها، هي فرصة يجب اغتنامها بدقة وبعناية لصالح الطبقة العاملة. ان اغتنام الفرصة ليس معناه ان يتلاحم نضال الطبقة العاملة مع حملة بيرني ساندرز الانتخابية، وانما يجب ان تتماشى توازيا مع هذه الحملة والاستفادة من اجواء الهجوم على وول ستريت والشركات الاحتكارية والبنوك التجارية والمؤسسات المالية الامريكية. ان النضال الطبقي هو نضال سياسي وان الطبقة العاملة الامريكية بامكانها ان تلعب دورا سياسيا مع هذه الظروف والاستفادة من نشاط المجتمع في ظروف كهذا.. واذا عرفت الطبقة العاملة الامريكية وحركتها السياسية الماركسية كيفية اظهار دورها سوف يؤثر ليس على الحركة الاشتراكية والعمالية في امريكا وانما سيحدث تغييرا نوعيا في مجمل الحركة الاشتراكية العالمية.. ان الطبقة البرجوازية العالمية تنظر ببالغ الاهمية الى الطبقة البرجوازية الامريكية ورساميلها وبنوكها ومؤسساتها المالية والتي تحتوي على ثلث الراسمال العالمي. وان هذه الاهمية اعطت نفس المكانة والدور للطبقة العاملة الامريكية في العالم اجمع. وان اي أنتصار تحققه الطبقة العاملة الامريكية سوف يؤثر ايجابيا على نضال الطبقة العاملة في جميع البلدان الراسمالية. ولهذا السبب فان نضال الطبقة العاملة الامريكية له نفس الاهمية الفائقة وعلى هذه الطبقة ان تلعب دورها القيادي في امريكا وسوف تقلب موازين القوى في النضال الطبقي العالمي.
ان الطبقة العاملة الامريكية امام منعطف كبير في ان تلعب دورا قياديا في الحركة العمالية العالمية بسبب تلك الظروف التي ذكرناها، والتي ترافقت مع ظهور بيرني ساندرز كاشتراكي في الانتخابات الرئاسية الامريكية. واذا ما تلاشت هذه الظروف لصالح القوة الرجعية والترامبية فأن تكرار هذه الظروف سيكون امرا عسيرا ونادرا لكي تستفيد منه الطبقة العاملة والحركة الاشتراكية عموما لصالحها.. في الوقت الحاضر على الرغم من اشتداد الصراع الطبقي في امريكا والذي اصبح من السمات البارزة لهذا المجتمع، ولكن مجيء ساندرز اخر سيكون صعبا من اجل تهيئة الاجواء العمومية للمجتمع لصالح الهجوم على المؤسسات الراسمالية الامريكية، وخاصة في ظل وجود المؤسسات الاعلامية القوية في امريكا التي تعمل من اجل مصلحة الراسماليين والطبقة البرجوازية بكل دقة واخلاص وبرمجة. ان هذه هي فرصة غالية وعلى الطبقة العاملة الامريكية ان تلعب دورها بدقة وعناية.