الجبهة الشعبية التونسية في مواجهة مصيرها .
فريد العليبي
الحوار المتمدن
-
العدد: 6169 - 2019 / 3 / 10 - 15:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثار جدل حول مرشح الجبهة الشعبية للانتخابات الرئاسية القادمة ، بعد اقتراح أحد أحزابها قياديا فيه لذلك الاستحقاق ، بما يعنى أن الاجماع على ترشيح الناطق الرسمي بإسمها ، مثلما حدث في الانتخابات السابقة ، قد أصبح موضع نظر .
ومعلوم أن الجبهة مؤلفة من أحزاب ذات مشارب ايديولوجية متباينة ، فضلا عن عدد من المستقلين . ومن هنا صعوبة اتفاقها حول الخط السياسي والبنية التنظيمية ، وقد باءت بالفشل مساعي بعض منتسبيها الهادفة الى تحويلها الى حزب كبير، يجمع شتاتها . وهي تمتلك كتلة برلمانية وتشارك في ادارة بعض البلديات ، ولكن دون تأثير يذكر على القرارات المتخذة . وتحضر في نشاطها الشعارات والجمل المكررة ، بينما يغيب غالبا الابداع في السياسة والثقافة وغيرهما . وقد يكون اكتفاؤها بالشعارات العامة عملا مقصودا غايته الحيلولة دون انفراط عقدها ، وهو ما أدى الى بقائها كيانا بمؤسسات راكدة وخطاب جامد ، تزين البرلمان بصورتها المعارضة أكثر من التأثير في مجرى السياسة التونسية .
ويؤكد الجميع داخلها التمسك بوحدتها ، والدفاع عن التشاركية في قيادتها ، والتداول على المسؤوليات فيها ، ولكن حمة الهمامي هو الناطق باسمها منذ تأسيسها ، وهو أيضا أمين عام حزبه منذ نشأته ، قبل أكثر من ثلاثين عاما.
وإذا كانت الجبهة بالأمس القريب قد تنادت اليها جموع من اليساريين في أول تجمع شعبي لها بالعاصمة ، تحدوها الرغبة في الفعل السياسي والانتصار للتحرر والاشتراكية والعدل والتقدم ، فإنها اليوم تثير غضب الكثير منهم ، حيث يزداد الشعور بالضياع أمام ترددها وضبابية مواقفها ، وعجزها عن اقتناص اللحظة التاريخية ، خاصة يوم مواراة شكري بلعيد الثرى ، فأضحى هؤلاء يبحثون عن ذواتهم في الماضي أكثر من التفاتهم الى الحاضر.
وتبدو الجبهة اليوم وهى منقسمة على نفسها ، مرتبكة ، ولا تعرف الى أين تسير ، وأفقها الانتخابي مسدود ، يعوزها وضوح الخطة والبرنامج والتنظيم ، وبينما ينادي بعض أعضائها بعقد ندوة للحسم في أحوالها ، يتجاهلهم آخرون وخاصة قيادتها .
وللجبهة ومكونها الأساسي حزب العمال موروث فاشل في التحالفات ، حيث اللعب تارة مع اليمين الديني وطورا مع اليمين الدستوري ، دون نجاح يذكر ، وقد قال حمه الهمامي يوما عن الباجي قائد السبسي حليفه في جبهة الانقاذ أنه لن يرضع إصبعه حتى يصدق الغنوشي ، في اشارة الى استحالة اتفاقه مع حركة النهضة ، ولكن الباجي وقد أضحى رئيسا للدولة سلك سبيل التوافق مع شيخها ورضع يده كلها ، تاركا الناطق الرسمي للجبهة وحيدا، وصولا الى وصفه بالفاسق ، في توظيف لافت للمعجم الإخواني.
ومع تصاعد الجدل داخلها حول مرشحها للرئاسيات ، طرح السؤال مجددا الى أين تسير الجبهة الشعبية في مواجهة مصيرها ؟ خاصة أن هناك بدائل أخرى قد برزت الى الوجود ومنها من ولد من رحمها ، ويمكن أن تتغذى من مخزونها الانتخابي ، بما يجعل معركتها الانتخابية القادمة خاسرة فبل حتى أن تبدأ .
ويبدو أن الجبهة اليوم أمام خيارات ثلاث ، أولها الانسحاب من عملية انتخابية لا تتوفر فيها شروط المنافسة الديمقراطية في ظل تفشي نفوذ المال السياسي والتدخل الخارجي والتوجيه الاعلامي وشبهة امتلاك البعض أجهزة سرية عسكرية ، فتترك الجمل الانتخابي بما حمل لحركة النهضة وشركائها ، وتمضي الى مقاومة الحكم في المعامل والشوارع والحقول والمعاهد والجامعات الخ .. والثاني دخول تلك المنافسة تحت راية الاتحاد العام التونسي للشغل ، الذي عبر عن رغبته في المشاركة في الانتخابات القادمة ، والثالث خوض تلك المعمعة وحدها.
وإذا كان الاحتمال الأول غير مرجح بالنظر الى الطابع الاصلاحي للجبهة ، من حيث ربطها مصيرها منذ تأسيسها بالعملية الانتخابية ، وحلمها بالفوز بالحكم من خلالها فإن الاحتمال الثاني حاضر في تفكيرها ، ولكن من الصعب اقدامها عليه ، فهي ترى في الاتحاد تابعا لا متبوعا ، وتغطي ذلك بالايدولوجيا القائلة إن النقابة تخضع للسياسة وليس العكس ، والحقيقة أن قادتها والدائرة الضيقة المحيطة بهم لن يفرطوا بسهولة في حلم الوزارة والنيابة والسفارة والولاية لصالح القادة النقابيين ، ويظل الاحتمال الثالث هو الأكثر رجحانا ، ومعه قد تخوض الجبهة آخر معاركها قبل موتها ، هذا إن لم تعلن وفاتها قبل ذلك وتدخل أحزابها الانتخابات منفردة ، أو ضمن تحالفات أخرى ، قد تثير الاستغراب في قادم الأيام ، ومن يعش سيرى .