العاطلون عن العمل واعادة توزيع الثروة


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 6160 - 2019 / 3 / 1 - 20:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لا نأتي بشيء جديد بقولنا ان في العراق ثروات، وانه من اغنى الدول في العالم. وبان الفساد يعث فيه من الرأس الى الاقدام، وبان البطالة في العراق وصلت الى مديات انفجارية ادت الى تظاهرات حزيران وتموز الماضي انطلاقا من البصرة وبعدها الى المحافظات الاخرى، والى يومنا هذا.
الجديد الذي يجب قوله هنا هو يجب العمل على اعادة توزيع الثروة في العراق. لننظر الى موازنة 2019، لقد منحت الاخيرة (213) مليار دينار إلى رئاسة والأمانة العامة ومكتب رئيس مجلس الوزراء لمستلزمات خدمية وسلعية ومنح ومساعدات خارجية، وبرامج خاصة، ومصروفات. وخصصت ايضا (350) مليار دينار إلى الجهات التابعة لرئاسة مجلس الوزراء التي تتضمن لجنة المصالحة الوطنية( بين من؟)، والمبادرة الزراعية(؟؟) والمبادرة التعليمية (اية مبادرة؟)، ونزع السلاح(من من؟)، طبعا ناهيك عن المؤسسة الجديدة(المجلس الاعلى للقضاء على الفساد)؟ . ولا احد، بما فيه البرلمان نفسه، وماذا يعني كل هذا؟ لا احد يعلم بعملية صرفها؟ وهذه الارقام ذاتها، لم تستند، باعتراف البرلمان نفسه، على اية تقديرات او ارقام واقعية قدمت، لتوضع الميزانية على اساسها، وتوزع الثروات على اساسها. وهذا فقط مصاريف رئاسة مجلس الوزراء، اكثر من نصف ترليون دينار. وقس على ذلك رئاسة الجمهورية، البرلمان، ألوزارات التي توزع عليها الاموال: محاصصة! والمؤسسات غير المرتبطة بوزارات!!!
السؤال اذن، هل بالامكان تخصيص مبالغ من الموازنة ل"ضمان بطالة" الى الاف العاطلين والعاطلات عن العمل الذين وصلت اعدادهم واوضاعهم المعاشية الى حدود الانفجار؟ خاصة وانهم نساءا ورجالا، لا يستطيعون ايجاد فرص عمل لا في قطاع الدولة ولا في القطاع الخاص. لقد خرج مئات الالاف منذ منتصف العام الماضي، ولازالوا يتظاهرون، من اجل فرص عمل او ضمان بطالة. تظاهرات عصفت بالدولة، هزتها، دفعت مجلس محافظة البصرة الى الهروب، ومحافظها كذلك، واثار جدالات عديدة بين اطراف الحكومة نفسها؟ ودفعت العامري للتصريح بانهم اخطأوا- بقصد او بدون قصد!!!- اين حقوقهم التي طالبوا فيها في تلك الموازنة؟ ان الحديث عن تقديم خدمات، او فرص عمل، بشكل استعراضي لن يجيب على المطلب الاساسي الذي خرجت الجماهير من اجله: فرص عمل او ضمان بطالة
ينصح البعض بان وسيلة الحد من البطالة ( وليس القضاء عليها) هو تنشيط عمل ودور القطاع الخاص باعتباره "طوق النجاة للحكومة وجعله شريكاً حقيقياً للدولة". ينطلق المدافعون عن هذه النظرية بانه يجب على الحكومة اعطاء دور للقطاع الخاص في بناء البلد وانعاش الاقتصاد واحتواء الجيش الكبير من العاطلين بين صفوفه. ان هذا لا يعنينا باي شيء. اولا لان لا الحكومة ولا برلمانها ولا السلطة الحاكمة برمتها هي دولة "محايدة" للاجابة على حاجات الناس، ولا هي جمعية خيرية تهتم بارضاء حاجات اعضائها، بل هي طبقة هدفها الاول والاخير انتزاع اكبر ما يمكن من الاموال باية طريقة كانت، مستثمرة وجودها على دفة الحكم ليتسنى لها القبض على الاموال من موارد نفط او غيرها.
ان هذه السلطة، ستتعرض الى تحد حقيقي، حين تواجه بتنظيم شبابي للعاطلين عن العمل، اقول تنظيم، وليس احتجاجات عابرة، تستمر لايام، وحين تواجه بالخيار التالي، وهو ماذا تريدون: اصلاح ام ثورة؟
ان مايسعى اليه الشباب، الخريجين منهم وغير الخريجين، الى دخل يؤمن لهم الحد الادنى من اشباع حاجاتهم. انهم يفتقرون الى الفرص للعمل لاعالة نفسهم، واعالة عوائلهم. ان لديهم القدرات للعمل والطاقات الهائلة. وحين تنظر الى شوارع ومدن العراق، ترى اي اعداد هائلة يجب تشغيلها من تنظيف الشوارع، والمجاري الى بناء المدارس والمستشفيات ورفع حالة التعليم والخ. ان الشاب عاجز عن ان يؤمن لقمة عيشه، اجرة المواصلات، علبه سكائره، لا يستطيع ان يعالج نفسه في حالة المرض، دون تدخل اسرته. الشاب لا يستطيع تدبر تكاليف الزواج، وان كانت اسرته بامكانيات محدودة، فان الغضب واليأس والاحباط، والانتحار، او ركوب المخاطر، هربا من هذا المصير الذي يطبق على خناقه، هو ما ينتظره. علما ان كل هذا قابل للحل. قابل للحل بحركة لاعادة تنظيم توزيع الثروة في المجتمع.
يمكن الاستفادة القصوى من تجربة عمال العقود والاجور في قطاع الكهرباء، والتي تمكنوا فيها عبر اعتصاماتهم من فرض على مجلس الوزراء امر تثبيت 33 الف عامل عقود، وتحويلهم الى الملاك الدائم، مفترضين حسن النية لدى الحكومة وانها ستضعه موضع التنفيذ. ان عمال العقود- على الاقل في الكهرباء- اعتصموا لشهور، من اجل ان يفرضوا على رئاسة الوزراء ان تثبتهم على الملاك الدائم.
ان العاطلين عن العمل بحاجة الى التعلم من تجربة عمال عقود الكهرباء، ان يناضلوا من اجل ان يضعوا على ميزانية 2020، ضمان البطالة للعاطلين او المعطلين عن العمل. ان حركة العاطلين التي بدأت بعد سقوط النظام، ثم اختفت، وعادت من جديد في البصرة، وان كانت بشكل محدود، عليها ان ترفع رأسها عاليا. نحن نتحدث عن 10 ملايين انسان لديهم القدرة والاستعداد لعمل، لا يجدوه، مستعدين لبيع قوة عملهم، لكنهم لا يجدوا من يشتري منهم هذه القوة. فما العمل؟ ان الذين يقبضون على الاموال، هم في السلطة، ولديهم الاجابة على هذا السؤال. لان الاموال تحت سيطرتهم، وعليهم اطلاقها. ولكن من المعلوم انهم لن يطلقوها، بدون ضغط حقيقي ومن الارض، من قبل مئات الالاف من الشباب العاطلين، رجالا ونساءا، ليشعروا بانهم بمواجهة خيارين اما الاستجابة لمطالب العاطلين عن العمل، او سلطة ثانية قادرة على تحقق هذا الهدف.