لماذا ما زلت أسمي نفسي أناركيا


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 6147 - 2019 / 2 / 16 - 01:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أولا لأني أفهم الأناركية على أنها نفي "مطلق" لكل الأوهام و الأكاذيب : لكل "الحقائق المطلقة" , مهما كانت "شعبيتها" ( شعبويتها إذا كانت تخص خصومك ) , و أيا كانت السلطة التي تقف وراءها , سلطة فردية "استبدادية" أو "جماعية" تؤكد أنها "تمثل" الطبقة" الأكبر أو الطائفة أو العرق أو الجنس الأكثر عددا أو الأقوى أو أي "أكثرية" أخرى عابرة تقوم على إيمان عابر بهوية عابرة في زمان عابر .. ثانيا لأني مستعد للاعتراف بحرية غيري في أن يفعلوا ما يشاؤون , تماما مثل إصراري على حريتي في فعل ما أريد , و أني مستعد لأن أذهب في هذا إلى أقصى حد , إلى الحدود التي تحددها الطبيعة و الحياة نفسها : أن أقر بحرية الآخرين في قتلي و سرقتي مقابل حقي في "الدفاع عن نفسي" دون أن ألتفت إلى مسألة يختلف عليها القتلة أنفسهم بجدية بالغة : من منهم هو الضحية و من هو القاتل , و ذلك خلافا للكثيرين من أبناء طبقتي البرجوازية الصغيرة الذين يخشون خطر الفقراء و انفلاتهم من رقابة الحراس .. جميعنا مغرومون بقتل خصومنا الحقيقيين و المتوهمين و نفعل ذلك غالبا لأسباب تافهة , ليس فقط أننا حيوانات آكلة للحوم الحيوانات الأخرى و أن أجدادنا أكلوا لحوم بعضهم البعض لآلاف السنين بل لأننا نفعل ذلك لأسباب أكثر تفاهة من تلك التي نسميها حيوانات مفترسة فأنت لن تجد نمرا يقتل غزالا بسبب دينه أو عرقه أو جنسه أو رأيه السياسي أو ميوله الجنسية .. صحيح أن الآخرين ينكرون علي حريتي هذه بينما يثبتونها لأنفسهم مبررين ذلك بنصوص مقدسة دينية أو إيديولوجية لا يؤمن بها غيرهم لكني أثبتها لي و لهم و لا أجدني مضطرا للاختباء خلف أية نصوص أو كائنات أخرى فعلية أو وهمية لأفعل ما أريد و أبرره .. ثالثا أعتبر نفسي أناركيا لأن الآخرين يبقون بالنسبة لي دائما بشرا آخرون , مجرد بشر , مثلي تماما , و لأني لا أجد نفسي مضطرا لأن أتملقهم و أصفهم بما ليس فيهم كي أغريهم و أقنعهم أني أفضل زعيم يمكن أن يجدوه و لأني لا أعتبرهم "شعبا" أو "جماهيرا" أو "مضطهدين" إذا وافقوني أو "خونة" و "أعداءا للشعب و الوطن و الإنسانية" إذا خالفوني , سيبقون مجرد بشر فقط في كلتا الحالتين و في كل الأحوال .. و أيضا لأني خلافا للأناركيين السلطويين الذين يدعون "الشعب" و "الفقراء" و "المضطهدين" للثورة و التمرد عندما لا يكونون في الحكم و يدعونهم للهدوء و السمع و الطاعة إذا أصبحوا حكاما عليهم , و لأني خلافا لهؤلاء أيضا لا أعتقد أن العالم سيكون مكانا أفضل إذا حكمته أنا و أن أفضل ما يمكن هو أن أحكم نفسي بنفسي و أفعل ما أريد , و أني خلافا للآخرين لا أعتقد أني , أو غيري , يملك الحق في أن يحدد للآخرين حدود ما يمكنهم قوله أو التفكير به و أني خلافا لدعاة احترام السائد , الأكاذيب السائدة العابرة , أدعو لتحدي كل مقدس و وضعه تحت مجهر السخرية و التهكم .. و أني خلافا لمعارضي اليوم , رفاقي الأناركيين السلطويين , أرى بكل وضوح أن السياط و القيود و السجون تتشابه بغض النظر عن ألوانها و اشكالها و شعاراتها ..