سندريلات- -الطب النفسي الاجتماعي-حكايتي16-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 6146 - 2019 / 2 / 15 - 22:22
المحور: الادب والفن     

في داخل كل فتاة مشروع سندريلا.. لكن النجاح يختلف.. لا تستوجب الحكايا الجميلة نهايةً بأمير..
قد يكون جمال الحكاية بقدرة السندريلا على النجاح في العمل، النجاح في الدراسة، النجاح في تربية الأطفال، النجاح في المجتمع، النجاح في موهبة ما: الطبخ.. الغناء.. الرقص.. التمثيل.. الرسم.. الإعلام، النجاح في تخفيض الوزن، النجاح في ترتيب المنزل على قدر الإمكانيات...

النجاح لا يقتضي أن تكون المهمّة عظيمة.. بل أن يكون السعيّ إليها عظيم…
****************


من حكاية ميرفت:
“ لم أقوَ أبداً على العمل لوحدي و بمفردي مع أربعة أطفال.. و مع حصولي على الدكتواراة في الهندسة جلست في البيت.. نمطي فج .. أقصد لست دبلوماسية.. أنا شديدة الوضوح يعني من نمط “ أقول للأعور أعور في عينك”، لهذا لم يرغب الناس بمساعدتي.. لأني ومع علمي بكون هذا الطبع صادم لكن صادق للناس عامة فهو منبوذ من قبل من لا يعرفونني.. ليس عندي أصدقاء حقيقيون.. حزينة نعم، كثيراً.. الحزن و قلة النوم سبقا الأعراض الأخرى .. من سبق الجميع هو موت أختي في حادث سيارة.. كنت معها لكني بقيت.. في بعض الحالات تغمرني أفكار سوداء من نمط” من الأفضل ألّا أكون هنا..
دكتورة لمى أحترم سيرة حياتك جداً و مع أني من جيل والدتك أتمنى معرفة رأيك الطبي و الإنساني”.

من حكاية رزينة:
“ أسعدك الله دكتورة لمى ، كل مرة أقرأ شيئا على صفحتك أشعر بحاجتي لأرسل لك . هل فعلا عندما أشعر بنفسي سوية وسليمة نفسيا هناك خلل نفسي ما عندي؟
تعرضت لصدمة استشهاد زوجي في سورية عام 2013 في الحرب، هاجرت بعدها، ومن ثم استشهدت أختي وابنتها الرضيعة .الحمد لله ما زال عقلي معي على ما أعتقد وما زلت قوية مؤمنة بقضاء الله وأتابع حياتي كنت أعمل في سوريا.  
حالتي التي أعتبرها غير سوية هي:أنني أعتبر نفسي دائما على صواب ،الأشخاص الذين لا يعرفونني يصفوني بالمتكبرة وهي صفة بعيدة كل البعد عني ،طيبة القلب لدرجة أصدق كل الناس ولا أتهم أحداً حتى أتعرض لصدمة من صديقة كانت المقربة الوحيدة في بلاد الغربة وأكثر من أخت فجأة تخلت عني ولم تعد ترغب بصحبتي ربما أنا فجة نوعا ما لا أجامل كثيرا ولا أنافق ولا أستطيع قول كلمات الحب بسهولة أو لا أقولها رغم أني أملك حبا لكل البشر ولا أعرف الكره  .
سؤالي الآن هل أنا طبيعية أم أعاني اضطراب نفسي ما ؟”



أشكر السندريلات اللتان مرتا من هنا..

من المفترض عند العامة كون الشخص الفج، سريع الغضب، الناريّ شخصاً قوياً و مسيطراً.. هذا غير صحيح عموماً.. أمراض نفسية كثيرة ترسم هذا الطبع و تحدد إطاره بطريقة ممتازة.. مثلاً:
الشخص الفج في حالات كثيراً هو شخص يعاني من الاكتئاب..
الشخص الهيوج( سريع الغضب ) في حالات كثيرة يعاني من متلازمة ما بعد الرض النفسي…
الشخص الانفعالي هو في حالات كثيرة جداً يعيش في ملكوت ثنائي القطب…


كتبتُ في مقالات سابقة تفصيلاً عن الاكتئاب و ثنائي القطب..
أما الحديث عن متلازمة ما بعد الرض النفسي PTSD) Posttraumatic stress disorder)، فيطول.. و يتعقد.. و تشيع تسمية المرضى بالناجين (survivors)
لماذا الناجين؟ لأن الدعم الاجتماعي لإنسان كوّت الحياة نفسه أهم من الدعم الدوائي…

تتراوح أعراض هذه المتلازمة بين الاكتئاب، القلق، الأرق، الكوابيس، أحلام اليقظة حول الرض النفسي، و إعادة رؤية مشاهد مما حدث يومياً، تجنب الأشياء التي تذكر بالرض، فنجد الناجي من حرب، يتجنب أفلام الأكشن و الأخبار.. الناجية من استغلال جنسي أو تعنيف جسدي تتجنب أي مما يذكرها بالحدث…
متلازمة الصدمة لا تستوجب أن يكون الرض النفسي قد حدث مع الشخص نفسه.. بل تشمل أفراد الأسرة أو أي عزيز على الشخص تعرض للرض على مرأى عين و موقع عقل من الشخص…

الهيوجية و سرعة الغضب شائعة و خاصة عندما يطرق الطرف المقابل باباً للذكرى عند الناجي.. قد لا يعرف الناجي نفسه أنه غضب لأن صديقه فعل ذلك: مثال :
شخص تعرض لحادث سيارة و فقد عزيزاً، يستشيط غضباً عندما يعلّق صديقه تعليقاً بسيطاً على قيادته للسيارة..
شخص سافر و عاد ليرى بيته محترقاً و أمه ميتة فيه.. يجنّ عندما يتم الحديث عن واجب الأبناء في حماية الآباء…

متلازمة ما بعد الصدمة كانت بداية من بدايات الطب النفسي بعد الحرب العالمية الثانية ومع كون بداية الإهتمام بها بدأت بسبب ظهورها المتكرر عند الجنود، لكنها تشعبت ودُرِسَت بشكل كبير في ظروف كثيرة..
و لكل من يعتقد أن الطب النفسي طب جنون.. و أن النفس ليست عضو يؤثر و يتأثر.. فقد أظهرت الدراسات الحديثة خلل عضوي في الدماغ يلحق بالصدمة.. أي دماغ الناجي لا يشبه دماغ الإنسان الذي لم يتعرض للرض النفسي.. لذلك الحاجة للمعالجة النفسية حتميّة، و مراجعة الطبيب النفسي لا غنى عنها.

يساعد الطب النفسي الناس في النظر داخل أرواحهم/نفوسهم.. يساعدهم في تحويل العبء من حمل ثقيل على القلب إلى غرفة مغلقة خاضعة لحكم العقل..
كل ما ذكرته ميرفت و رزينة يمكن أن يتحوّل من ضعف إلى صلابة.. إن هما آمنتا بالطب النفسي علماً ووسيلة و الإنذار في غالب الحالات ممتاز، يعني نهايات سعيدة كالسندريلا…
***************


بمناسبة عيد الحب..
لا تعتقدي أن الحب وردة حمراء.. لا هدايا و ورود و لا حذاء بكعب عالي..
الحب حبة دواء إن مرضتِ.. و طائرٌ عظيم إن كانت أحلامك في حدود السماء…
السندريلا ليست من في النهاية من تجد الأمير.. السندريلا في النهاية تجد نفسها!



بشكل مباشر، شديد البساطة و خفيف جداً، سأستمر في " حكايتي"...

طرح الحكاية قد يفيد صاحبها قليلاً، لكنه يساهم بشكل كبير في زيادة التوعية بالطب النفسي و محاربة الوصمة تجاه الأمراض النفسية.
في القرن الحادي و العشرين إن شاهدت من يقول لك، لم و لن ألجأ إلى الطب النفسي في حياتي.. اعرفْ أنك تتحدث مع شخص لا يعاني فقط من أعراض بسيطة، بل قد يطول علاجه لسنوات.

أنتَ كما تحلم أن تكون...

لا تنسوا أرسلوا حكايتكم إلى موقع الطب النفسي الاجتماعي: https://www.sociosomatics.com