عقدة ادلب


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 6140 - 2019 / 2 / 9 - 19:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


نجحت روسيا، من خلال تدخلها العسكري الحاسم في الأزمة السورية، أن تحيد لاعبين كثر فيها، لتبقي فقط على تركيا وإيران، لما للدولتين من تأثير في الأزمة، من خلال نفوذ كل منهما على الطرف الذي يدعمه.
ونجحت روسا أيضا في ابتكار ما يسمى مناطق خفض التصعيد، وجعلت ثلاثي مسار استانا يتبناه، مع ان الهدف منه كان واضحا منذ البداية، وهو تجميد الجبهات، لكي يتفرغ الجيش السوري وحلفاؤه لجبهة واحدة، وهذا ما حصل. في البداية كان لا بد هزيمة داعش فهي كانت الأخطر على الوضع العسكري الاستراتيجي للنظام، وكان مقبولا دوليا أيضا الصراع ضدها. وما إن استعاد الجيش السوري تقريبا جميع المساحات التي كانت تسيطر عليها داعش حتى بدأ يتوجه نحو جبهة ادلب، ونجح باستعادة مناطق كثيرة من المجموعات الارهابية في جنوب شرق المحافظة، ليتوقف عند مطار أبو الضهور.
في هذه الأثناء صارت جبهة غوطة دمشق أكثر خطورة من خلال القصف اليومي على مدينة دمشق، فتوجه الجيش السوري وحلفاؤه إليها ليستعيدها بسرعة قياسية . في هذه الأثناء كانت قد نضجت الظروف السياسية الدولية لاستعادة محافظة درعا والقنيطرة، فتوجه إليهما وتم استعادتهما أيضا في وقت قياسي. ومن الطبيعي بعد هذه الانتصارات الحاسمة للجيش السوري في شرق سورية وجنوبها ضد داعش، والمجموعات الارهابية الأخرى، ان يتوجه لإنهاء الوضع الشاذ بين حمص وحماه، وتحقق له ذلك أيضا في زمن قياسي. وما إن فرغ من استعادة ريف حماه الجنوبي وصار الطريق الدولي سالكا بين حمص وحماه حتى استأنف حشده على جبهة ادلب.
لقد حشد الجيش على جبهة ادلب قوات غير مسبوقة، ومما سمح له بذلك تفرغ قواته التي كانت مشغولة في الجبهات الأخرى، ظانا أن الوضع لن يكون مختلفا عن بقية مناطق خفض التصعيد التي استعاد السيطرة عليها، ويريد استعادتها بسرعة قياسية أيضاً. ونظرا لانتشار الجيش السوري في غرب محافظة ادلب، وفي جنوبها وشرقها، وفي الشمال الغربي منها فكان يستطيع عمليا الهجوم من أربع جبهات في وقت واحد. لكن فجأة توقفت القوات في مناطق تحشدها، فتركيا الطرف الضامن ضمن مسار استانا كان معارضا بقوة لاجتياح ادلب، وانه لن يقبل باستعادتها عسكريا، بل ضمن اتفاق سياسي. بالطبع من الناحية العسكرية كان باستطاعة الجيش السوري استعادة ادلب، وخلال زمن قياسي أيضا، وكان مستبعدا ان تتدخل تركيا عسكريا لمنعه، لكن حسابات الحليف الروسي الذي صار مقررا في جميع مسارات الصراع في سورية السياسية والعسكرية، له حسابات أخرى. إنه يريد بقاء تركيا إلى جانبه، ليس فقط في فيما يتعلق بالأزمة السورية، بل وبقضايا دولية أخرى، روسيا طرف رئيس فيها، خصوصا بعد التوتر السياسي، والجفاء، الذي حصل بين تركيا و امريكا بخصوص تباين مواقفهما تجاه الكرد السوريين.
ولتركيا أيضا حيثياتها، فهي تدرك جيدا ان موقفها السياسية تجاه الأزمة السورية سوف يضعف كثيرا في حال خسرت ورقة ادلب، هذا من حيث الأساس. وعلى هذا الأساس بنت ذرائع عديدة منها وجود كثافة سكانية كبيرة في ادلب، ساهم النظام بقسط فيها من خلال ترحيل المسلحين وعائلاتهم من المناطق التي استعاد السيطرة عليها في جنوب ووسط سورية، الذين رفضوا التسوية معه، وهي لا تستطيع تحمل نزوح مكثف لهؤلاء. أضف إلى ذلك يوجد نحو عشرين الف مسلح أجنبي، بحسب مصادر الأمم المتحدة( رئيس مفوضية حقوق الانسان)، وبحسب مصادر أمريكية( المسؤول الأمريكي عن الملف السوري)، وقسم منهم بصحبة عائلاتهم، وترفض دولهم السماح لهم بالعودة إليها، ومنهم نحو ألف ارهابي من جنسيات اوربية مختلفة. لذلك كانت تركيا تتشدد تجاه ادلب وتحاول استخدامها كورقة سياسية تجاه قضايا اخرى في سورية، وخصوصا تجاه الكرد السوريين. فهي تريد ربط تواجد المسلحين في ادلب بتواجد القوات الكردية شرق الفرات، وان الحل الذي تطالب به ينبغي ان يشمل المنطقتين بحسب رأيها.
على المقلب الأخر يريد النظام السوري استعادة ادلب بالكامل لما لها من أهمية كبيرة في حربه ضد الارهاب هذا من جهة، ولموقعها الاستراتيجي الحاكم على طرق المواصلات بين الساحل وحلب، وبين حماه وحلب، ومن المعلوم ان فتح هذه الطرق مهم جدا في معركة اعادة اعمار حلب، وتنشيط الحياة الاقتصادية فيها. وفي هذا المقلب أيضا تصطف ايران وروسيا، التي تمارس ضغوطا متزايدة على تركيا لتغيير موقفها من عقدة ادلب. تحت تأثير هذه الضغوط اقترحت تركيا على روسيا المنطقة العازلة، فوافقت روسيا وهي تدرك جيدا انها لن تستطيع الايفاء بالتزاماتها، وهذا ما حصل فعلاً. وفي اخر لقاء بين بوتين وأردوغان، سحب بوتين في وجه اردوغان اتفاقية اضنا لعام 1998 الموقعة بين المسؤولين الأمنيين في كلا البلدين، سورية وتركيا، في عهد حافظ الأسد ، والتي تسمح لتركيا بملاحقة مقاتلي pkk داخل الأراضي السورية لعمق خمسة كيلومترات فقط. ومما زاد في حجج روسيا أن جبهة النصرة سيطرت بالكامل على محافظة ادلب مع حلفائها، وطردت الجماعات المشكلة مباشرة من المخابرات التركية من المحافظة. في ضوء الوقائع الجديدة، سوف تعقد الدول الضامنة لمسار استانا مؤتمرا لهم، على مستوى الرؤساء، في سوتشي، وعلى جدول اعمالهم الوضع في ادلب كقضية أولى رئيسة.
يستشف من تصريحات المسؤولين الروس أن تركيا قد اخذت وقتها، ولم تنفذ ما تعهدت بتنفيذه في إدلب، وان اتفاق خفض التصعيد في إدلب هو بالأساس اتفاق مؤقت، ولا بد من عودة ادلب إلى سيطرة النظام السوري، وإن قرار المعركة ضد الارهاب في إدلب لا يجوز أن يكون محط مساومة. واكثر من ذلك فإن الروس بحسب بعض المصادر قد اعلموا الأتراك بأن مساعيهم لضم جبهة النصر إلى ما يسمى بالجيش الوطني السوري الذي تشكله في شمال حلب غير مقبولة. بناء عليه فإن كل المعطيات تشير إلى ان معركة ادلب باتت قريبة، خصوصا وأن تزرع تركيا بعدم تشكيل اللجنة الدستورية، والبدء بالحل السياسي، لم يعد في محله. فبحسب انباء متطابقة من طهران وموسكو، واوساط المعارضة في الخارج، فإن ثلاثي استانا قد توافق على قوام حصة المعارضة في اللجنة الدستورية، وان بيدرسون المفوض الأممي الجديد إلى سورية قد حصل على دعم موسكو وطهران لنجاح مهمته. ولم تكن امريكا بعيدة عن كل هذه المساعي، بل إن قرار الانسحاب من سورية، يمكن وضعه في سياق خدمة الحل السياسي والتسريع به. خلاصة القول أن الربيع القادم سوف يكون حارا في ادلب، لتبرد بعد ذلك كل الجبهات، لتصير كل الطرق سالكة للحل السياسي، الذي بات مصلحة دولية بقدر ما هو مصلحة وطنية.