نظرية صراع الخطّين فى الحزب تطبيق لقانون التناقض الشامل لكافة الأشياء و الظواهر و السيرورات و تطوير لتحليل حياة الحزب و حركته


ناظم الماوي
الحوار المتمدن - العدد: 6132 - 2019 / 2 / 1 - 21:52
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     


- " إن أسلوب التحليل هو الأسلوب الديالكتيكي . و نعنى بالتحليل تحليل التناقضات الكائنة فى الأشياء . وبدون معرفة تامة بالحياة و فهم حقيقيّ للتناقضات المراد بحثها ، يستحيل إجراء تحليل سديد ."

( ماوتسى تونغ ، 12 مارس 1957 )

-----------------------

- " تعتبر الفلسفة الماركسية أن قانون وحدة الأضداد هو القانون الأساسي للكون . وهو قانون مطلق الوجود سواء فى الطبيعة أو فى المجتمع البشري أو فى تفكير الإنسان . فبين الضدّين فى تناقض ما توجد وحدة و صراع فى آن واحد ، و هذا ما يبعث الحركة و التغيّر فى الأشياء. إنّ التناقضات موجودة فى كلّ شيء ، إلاّ أنّ طبيعتها تختلف بإختلاف طبيعة الأشياء . فالوحدة بين الضدّين فى التناقض الكائن فى كلّ شيء محدّد هي ظاهرة مقيّدة ، و مؤقّتة ، و إنتقاليّة ، و هي لذلك نسبيّة ، امّا الصراع بينهما فإنّه يبقى مطلقا دون تقييد ."

( ماو تسى تونغ ، " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب " 27 فبراير- شباط – 1957 ؛ صفحة 226 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " )

----------------------------

فى هذا الشأن ، النقطة الخلافية مع أعداء الماويّة هي بالضبط شمولية /عمومية التناقض فالماركسية - اللينينية - الماوية ترى قانون التناقض / وحدة الأضداد قانونا شاملا و مطلقا ينسحب على كافة الأشياء و الظواهر و السيرورات سواء المادية منها أو الفكرية بينما يعتقد الخوجيّون المفضوحون منهم و المتستّرون أنه ليس كذلك أي أنه قانون لا يشمل الحزب . و ترتكز معارضة هؤلاء بالأساس على نقد نظرية صراع الخطين داخل الحزب و التى صاغها ماو تطبيقا لشمولية التناقض على الحزب الشيوعي و إعتمادا على تجارب صراع خطين عاشها هو أو إستخلصها من التجارب داخل أحزاب الحركة الشيوعية العالمية .

1- شمولية التناقض :

ما المقصود تحديدا بشمولية / عمومية التناقض ؟ يجيبنا ماو تسى تونغ :

" إنّ عموميّة [ شمولية ] التناقض أو صفته المطلقة ذات معنى مزدوج . فأوّلا توجد التناقضات فى عمليّة تطوّر جميع الأشياء ، و ثانيا توجد حركة التناقض فى عمليّة تطوّر كلّ شيء منذ البداية حتى النهاية ."

(مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 460 ، " فى التناقض " ، 1937 ، التسطير منّا ).

بكل بساطة ، التناقض يوجد فى كافة ، كلّ و جميع الأشياء و الظواهر و السيرورات التطوّرية من بدايتها إلى نهايتها و لا شيء مستثنى أو لا يشمله التناقض .هذا هوالمقصود ماديا جدليّا بشمولية التناقض.

إعتمد ماوتسى تونغ و إرتكز فى ذلك على لا أقلّ من إنجلز و لينين . فبالنسبة لإنجلز ما من شيء أو ظاهرة أو سيرورة تطوّر لا يشمله التناقض . فالتناقض يشمل كلّ الأشياء و الظواهر و السيرورات :

" إنّ الأشياء و العمليّات التطوّرية ذاتها تنطوى موضوعيّا على تناقض هو فضلا عن ذلك قوّة فعليّة ."

( " أنتى دوهرينغ "، ص 145 ، طبعة دار دمشق ، التسطير منا) .

موضوعيّا و فعليّا في الواقع المادي الملموس ، التناقض موجود فى كافة الأشياء و الظواهر و السيرورات . و يواصل إنجلز ليؤكد :

" إنّ الحياة تستقيم قبل كلّ شيء بالضبط فى ما يلى : إنّ الشيء هو فى كلّ لحظة ذاته و شيء مختلف أيضا . و بالتالي فإنّ الحياة هي أيضا تناقض حاضر فى الأشياء و العمليات التطوّرية ذاتها وهو ينشأ و ينحلّ بصورة متّصلة و لا يكاد هذا التناقض ينقطع حتّى تنتهى الحياة أيضا و يحلّ الموت . و لقد رأينا كذلك أنّنا لا نستطيع فى مجال الفكر أيضا أن نفلت من التناقضات ."( نفس المصدر السابق ، التسطير منا ).

إذن ، كلّ شيء ، كلّ ظاهرة ، كلّ عمليّة تطوّر هي تناقض و تحتوى أو تنطوى و تتضمّن تناقضا هو حياتها . هل ألمح إنجلز إلى أي إستثناء ؟ لا، أبدا لأنّه لا وجود في الواقع المادي الملموس بالفعل لأيّ إستثناء فالحياة هي تناقض . هل يمكننا نحن أن نستثني الحزب الشيوعيّ ، أي حزب شيوعي ، كشيء حيّ أو ظاهرة حيّة أو عمليّة تطوّر من شموليّة التناقض الحاكمة للواقع الموضوعي الفكري منه و الطبيعي و الإنساني الإجتماعي ؟ لا ، لا يمكننا لأنّنا بذلك ننكر شمولية التناقض و الواقع الموضوعي الملموس.

" الشيء فى كلّ لحظة ذاته و شيء مختلف أيضا " ألا يكون الحزب فى كلّ لحظة ذاته و شيء مختلف أيضا ؟ وإذا كانت " الحياة هي أيضا تناقض حاضر فى الأشياء " ، ألا تكون حياة الحزب هي أيضا تناقض حاضر فيه ؟ ليس الأمر ممكنا فحسب بل ، كي نكون أوفياء لإنجلز و لينين و الماديّة الجدليّة ، هو أكثر من ذلك ، أمر واقع موضوعيّ إنكاره يحيد بنا عن الماديّة الجدليّة و يلحقنا بالمثاليّة الميتافيزيقيّة.

بغياب التناقض تنتفى الحياة يعنى بغياب التناقض لا يوجد الحزب ذاته فحياته هي تناقضه . الحزب كائن حي أي متناقض و الحزب كائن متحرّك أي متناقض و الحزب متطوّر أي متناقض فالحزب " ينطوي موضوعيّا على تناقض " و نضع سطرا تحت موضوعيا التى إستعملها إنجلز لأنّ المسألة مسألة إعتراف بواقع موضوعي لا غير بالنسبة للماديين الجدليين تفسيرا للعالم من أجل تغييره.

ونعيدها " كلّ الأشياء و العمليّات التطوّريّة ذاتها تنطوى على تناقض" هذا ما أكّده إنجلز و الحزب كشيء من الأشياء أو كظاهرة من الظواهر أو كعملية تطوّرية ينطوى موضوعيّا على تناقض هو حياته . و من هنا تهمة " دعا ماو إلى ضرورة إيجاد الصراع الإيديولوجي ضمن حزب الطبقة العاملة الشيوعي و بالتالي ضرورة إيجاد تناقضات و طرفي صراع يكون أحدهما الطرف الرئيسي و الآخر الطرف الثانوي ".( الصفحة 12 من " هل يمكن إعتبار ماو تسى تونغ ماركسيّا لينينيّا ؟ " ) تنم عن تلفيق تهم عن سابق الإصرار و الترصّد و عن مثالية و ميتافيزيقا تنفى الموضوعي حقيقة و واقعا وتري التناقض إسقاطا خارجيا مفروضا كما تنمّ عن تحريف لمبادئ المادية الجدلية و هجوم على إنجلز و ماو تسى تونغ من موقع تحريفيّ سبقهم – أصحاب " هل يمكن ...؟ " الخوجيّون المتستّرون و ما فرّخوه من مجموعات - إليه التحريفيّون السوفيات و الخوجيّون المفضوحون (" التجميع الميكانيكي بين الأفكار المختلفة " ، ص52 من " نقد المفاهيم النظرية لماو تسى تونغ " السوفياتي الخروتشوفي و " إن تعدّد الخطوط ليس حتميا بل حالة خاصة يمكن أن يصل لها الحزب "، الصفحة 24 من " الماوية معادية للشيوعية " لمحمّد الكيلاني و قد وضعه أواخر ثمانينات القرن العشرين لمّا كان أحد زعماء حزب العمّال " الشيوعي " التونسي حينها ).
و كان لينين حاسما فى ما يخصّ شمولية / عمومية التناقض و لدينا فى الفقرة التالية خير مثال :

" إن تماثل الأضداد (قد تكون " وحدت "ها أصحّ ؟ رغم أنّ التمييز بين كلمتي تماثل و وحدة ليس بذات أهمية فى هذا المجال . فالكلمتان كلتاهما صحيحتان بمعنى معيّن ) هو إقرار ( إكتشاف ) بميول متناقضة ، متضادة ، ينفى بعضها بعضا فى جميع ظاهرات الطبيعة و تفاعلاتها ، ( و فى عدادها تدخل أيضا ظاهرات الروح و المجتمع و تفاعلاتهما ) ".

( تسطير " جميع " و" فى عدادها " من لينين ، وتسطير " أيضا " و المجتمع " منّا، و المرجع هو " حول الديالكتيك " ، المجلد الرابع من المختارات فى 10 أجزاء ، دار التقدم ، موسكو ، الصفحة 468 ) .

و يستطرد لينين بعد ذلك بالضبط و : " لأجل إدراك جميع تفاعلات العالم من حيث "حركتها الذاتية "، من حيث تطوّرها العفويّ ، من حيث واقعها الحيّ ، ينبغى إدراكها من حيث هي وحدة من الأضداد . إنّ التطوّر هو " نضال" الأضداد ." ( التسطير منّا ) .

و هكذا جميع الأشياء و الظواهر و السيرورات التطوّرية الطبيعيّة و الفكريّة و الإجتماعيّة تنطوى على تناقض فلا إستثناء أصلا ، بتاتا ، نهائيا ! هذا ما نستشفّه من إنجلز و لينين و ماوتسى تونغ أمّا الخوجيون المتستّرون منهم و المفضوحون فيتعجّبون و يستغربون و حتّى يستهزئون أن يسحب ماو شموليّة التناقض على الحزب كشيء و ظاهرة و سيرورة تطوّر حيّة ( يعنى الحزب الشيوعي ! كتبوا ) و أكثر من ذلك يعملون بكلّ ما أوتوا من سفسطة و دوران و تحيّل بغاية إنكار التناقض فى الحزب كحقيقة موضوعيّة . فى الواقع ، سهامهم الموجهة لماو تطال لا محالة إنجلز و لينين و مع ذلك يدّعى هؤلاء المخادعين أنّهم ماركسيون – لينينيون !

2- صراع الخطّين فى صفوف الحزب :

تصوّروا حزبا لا تناقض فيه . إنّه شيء ميّت حيث كما أشار إنجلز : " لا يكاد هذا التناقض ينقطع حتّى تنتهى الحياة أيضا و يحلّ الموت ". فكرة إنجلز العاكسة لحقيقة ماديّة عميقة جدليّة لذلك طبّقها ماوتسى تونغ على الحزب الذى شهد فيه موضوعيّا صراع خطّين لأكثر من مّرة فكانت النتيجة :

" إنّ التناقضات الموضوعيّة تنعكس فى التفكير الذاتيّ فتشكّل حركة التناقض فى المفاهيم و تدفع التفكير نحو التطوّر، و تحلّ دون إنقطاع المشاكل التى تقوم فى فكر الإنسان .

إنّ تضاد الأفكار المختلفة و الصراع بينها فى صفوف الحزب ينشأ على الدوام ، وهو إنعكاس داخل الحزب للتناقضات بين الطبقات و التناقضات بين القديم و الجديد فى المجتمع . و لا شكّ أنّ حياة الحزب ستتوقّف إذا خلا من التناقضات و من الصراع الإيديولوجيّ من أجل حلّ هذه التناقضات .

و هكذا فقد إتّضح أنّ التناقض يوجد بصورة شاملة سواء فى الأشكال البسيطة للحركة أو فى الأشكال المعقّدة ، فى الظواهر الموضوعّية أو فى الظواهر الفكريّة ، و أنّه يوجد فى جميع العمليّات."

( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 462 ).

الأمر لا يتعدّى الإعتراف بحقيقة ماديّة موضوعية " بلحمها و دمها " حسب تعبير إنجلز. وهذه هي وجهة نظر الماديّة الجدليّة للكون و المجتمع أمّا النظر للحزب ككائن ميّت ما فيه تناقضات فهي ميتافيزيقيّة مثاليّة . ثم لا يفوتنا أن نلفت النظر هنا إلى أنّ ماو تسى تونغ يعترف بالواقع الموضوعي لتفسيره من أجل تغييره ثوريّا و سجّل التاريخ نضال الخطّ الثوري للرئيس ماو لعشرات السنين ضدّ الخطوط الإنتهازية اليمينية و" اليسارية " فى سبيل المضيّ قدما بالثورة البروليتارية العالمية .

( أنظروا صراعات عشر بين الخطّين ضمن كتاب شادي الشماوي على الأنترنت بمكتبة الحوار المتمدّن " المعرفة الأساسيّة للحزب الشيوعي الصيني ( الماوي-1974 ) "- شنغاي 1974).

وتجدر الإشارة ، فوق ذلك ، إلى أنّ كلام ماو هذا تمت صياغته فى 1937 و " فى التناقض " وهو عمل فلسفي شهير ما كان متداولا داخل الحزب الشيوعي الصيني فحسب بل داخل الحركة الشيوعية العالمية و كانت حتى بعض الأحزاب تعتمده فى دروسها مرجعا أساسيّا للتكوين الماركسي ( أنظروا مثلا ، " أصول الفلسفة الماركسية " بوليتزار، المنشورات العصرية ، صيدا - بيروت) و بالتالى من الأكيد أنّه توفّرت لستالين و للأممية الثالثة دراسته و لم نعلم أنّهما فى يوم ما وجّها له نقدا على أنّه يتنافى مع الماديّة الجدليّة و بعد أكثر من خمسة عقود من كتابته يقتفى "الوطد" الخوجيّون المتستّرون و من قبلهم الخوجيّون المفضوحون لحزب العمّال الشيوعي التونسي أثر خطوات أنور خوجا فى إكتشافه هو لآراء ماو تلك بعد أربعة عقود . فيقدحون من هناك جميعا فى ستالين و الأممية الثالثة فضلا عن قدحهم مثلما رأينا فى إنجلز و لينين و يدّعون بعدئذ خداعا أنّهم ماركسيّون لينينيّون !

و تصوّروا كيف تكون معرفة المثاليّين التى يريدون التحصيل دون الإستجابة للشرط الذى وضعه لينين :

" لأجل إدراك جميع تفاعلات العالم من حيث "حركتها الذاتية " ، من حيث تطوّرها العفويّ ، من حيث واقعها الحيّ يجب إدراكها من حيث هي وحدة من الأضداد " ! ( تسطير "حركتها الذاتيّة " للينين أمّا تسطير "العفوي " و " واقعها الحيّ " فمن وضعنا ،و المرجع هو الصفحة 468 ، المجلد 4 من مختارات لينين فى 10 مجلّدات). تصوّروا كيف سيروون، على سبيل المثال ، تاريخ الحزب الشيوعي السوفياتي فى حركته الذاتية و تطوّره العفوي و واقعه الحيّ و هم ينكرون أنّه وحدة أضداد تنطوى على تناقض هو حياته !

و نسرع هنا لنقطع الطريق على إعتراض قد يثيره البعض إن لم نتطرّق له و نقصد بأن يعترض على شمولية التناقض بقول إنّ التناقض لا يظهر داخل الحزب إلاّ فى فترة أو مرحلة معيّنة من تطوّر الصراع لا غير فنجزم بأنّ هذه الرؤية الأخيرة هي رؤية ديبورين التطوّرية التى حاربها ستالين و فضحها أيضا ماو تسى تونغ فى " فى التناقض" بإعتبارها منافية للجدليّة ، ألم يقل إنجلز : " إنّ الشيء هو فى كلّ لحظة ذاته و شيء مختلف أيضا ".

و تصوّروا فى الأخير ، هؤلاء الجماعة يؤسّسون حزبا لا تناقض فيه أي لا حياة فيه ، حزبا ميّتا و ينشرون معرفة لا تنبع من رؤية الأشياء و الظواهر و السيرورات التطوّرية كوحدة أضداد ، مثلا معرفة تاريخ الأمميّة الأولى و الثانية و الثالثة و الأحزاب الشيوعيّة ...، معرفة تنفى التناقض كحياة و حركة ذاتية و تطوّر عفوي وواقع حيّ و يرفعون بعد هذا يافطة وشوها ب" نحن ماركسيون - لينينيون " ! ألا يكون المشهد مهزلة ، مهزلة المهازل ؟!

و من من هؤلاء أو غيرهم يريد أن يبقى فى حدود القطر و تجارب التنظيمات الماركسية فيه ، يكفيه أن يدرس جدليا إحتذاءا بالمنهج اللينيني و الماوي أعلاه تاريخ كافة تلك التنظيمات- ومنها "الوطد" و حزب العمّال "الشيوعي " التونسي- و سيقرّ بأنّ تاريخها كان تاريخ صراع خطّين و أنّ تطوّرها و حركتها الذاتيّة هو تطوّر و حركة التناقض أي صراع الخطّين ...و فى آخر المطاف إن كان نزيها فسيقرّ بصحّة نظرية صراع الخطّين الماويّة و بأنها تعكس حقيقة موضوعية و بأنّها تطوير لفهم حياة الحزب الشيوعي و خوض الصراع الخطّين للحفاظ على ثوريّة الحزب البروليتاري ضد تغيير لونه أو تحويله إلى نقيضه أي إلى حزب برجوازي .

و كشفا لنفاق أعداء الماويّة عامة و بهذا المضمار خاصة ، إليكم مثال حيّ من كتابات أصحاب " هل يمكن إعتبار ماو تسى تونغ ماركسيّا لينينيّا ؟ "و نقصد هنا مثال من نصّهم " مشروع تقييم لنشاط الخطّ منذ أواسط الثمانينات " حيث عقب الحديث عن هيمنة خطّ ( موازين القوى السائدة ، صفحة 6 ) إتّخذ شكلا تنظيميّا معيّنا هو شكل كتلة حسب كلماتهم هم ، يتمّ تعداد الأخطاء و الإنحرافات و في النهاية ، في الصفحة الأخيرة يدعو إلى من جهة " إعادة صياغة تجربتنا التنظيميّة على أساس التوجّهات التالية " وهي توجّهات تناهض تلك التي سادت و إلى " تطوير البرنامج و تطوير الإنتاج النظري و آليّات العمل الداخلي من جهة ثانية و إلى مراجعة التوجّهات في الحركة النقابيّة و التحالفات من جهة ثالثة و إلى تطهير التنظيم من الإنتهازيين و المنحرفين ؛ و بالرغم من كلّ ذلك لا يعدّ هذا وفق نظرة هؤلاء الخوجيين صراع خطّين !!! وجود خطّ سائد ، إنتهازي حسب توصيفهم هم و خطّ ثوري حسب إيحائهم يسعى إلى الإطاحة بالأوّل لا يعنى صراعا ، لا يعنى صراع خطّين ، ولماذا ذلك كذلك ، ببساطة لأنّ صراع الخطّين مفهوم طوّره ماو تسى تونغ . و تنشقّ جماعتهم إلى عدّة جماعات و يقسم الخوجيّون بأغلظ الأيمام بأنّ ذلك ليس نتيجة صراع خطّين.

يكرّس أدعياء النقاوة الإيديولوجيّة الخوجيّة هنا و في مواقف أخرى سياسة يلخّصها مثل شعبيّ هو" عنزة و لو طارت ! " بكلمات أخرى ، لو صاغ ماو حقيقة أوّليّة و بديهيّة اليوم هي أنّ الماء متكوّن من هدروجين و أوكسيجين ، لرفض ذلك أعداء الماويّة لا لشيء إلاّ لأنّ ماو قال ذلك !!! و هذه منهم مثاليّة في صيغة ماقبليّة لا تحترم الحقيقة الماديّة الموضوعيّة و المنهج العلمي و لا تتوخّى البحث عن الحقيقة التي هي وحدها الثوريّة كما علّمنا ذلك لينين هدفا ، هدفهم و غايتهم الأسمى رمي ماو تسى تونغ بسهامهم الخوجيّة المسمومة و النيل منه مهما كانت الطريقة أو الوسيلة وهذا تعبير عن براغماتيّتهم و ليس عن إلتزامهم بالمنهج و المقاربة الشيوعيين للحقيقة.

3- ستالين و صراع الخطّين :

حين يقول الرئيس ماو : " خارج حزبنا توجد أحزاب أخرى و فى صلب نفس الحزب توجد أجنحة. هكذا كانت الحال دائما "[ مجلة بيكين عدد 46/16 نوفمبر 1973 ]( قول تعرّبه الجماعة الخوجية ب : " فى إطار الحزب الواحد توجد تكتلات و هو أمر كان دائما هكذا " و لكم التعليق على هذا التعريب ) وهو لا يدافع عن التكتلية التى ما فتأ يحاربها و إنّما يعترف بحقيقة موضوعيّة و يعكسها فى صيغة تعميم . تنكر عليه صفة الماركسي - اللينيني و الحال أنّه لم يفعل سوى تلخيص تجربة تاريخيّة لا تخّص الحزب الشيوعي الصيني فقط بل تخصّ الأحزاب الشيوعيّة الأخرى أيضا وذلك تفسيرا للعالم من أجل تغييره .

و حين يتحدث ستالين عن التكتلات داخل الحزب الشيوعي السوفياتي يكون ذلك ماركسيا - لينينيا و لسان حال الخوجيّين ينطق : " بيّن أن هنالك تكتّلا يمينيا " ( الصفحة 8 من "هل يمكن...؟ " ) .عندما تكون الصيغة ملخصة للتجارب التاريخية يكون الأمر جرما وعندما نتحدث عن مثال محدّد ، يضحى ذلك ممكنا و الأمثلة فى تاريخ ذات الحزب الشيوعي السوفياتي عديدة وهذا من الجماعات الخوجيّة المتستّرة منها و المفضوحة متضارب مع جدليّة الخاص و العام فى النظرة اللينينية " ما هو خاص هو عام ... و هكذا تكون الأضداد ( الخاص هو ضد العام ) متماثلة : فالخاص غير موجود إلاّ فى العلاقة التى تؤدى إلى العام. و العام غير موجود إلاّ فى الخاص ، عبر الخاص . كلّ خاص له طابعه العام ( بهذه الصورة أو تلك). و كلّ عام هو ( جزء أو جانب أو جوهر ) من الخاص . و كلّ عام لا يشمل جميع الأشياء الخاصّة إلاّ على وجه التقريب . و كلّ خاص لا يشترك تمام الإشتراك فى العام ، إلخ ، إلخ ... كلّ خاص يرتبط عبر آلاف الدرجات الإنتقاليّة بعناصر خاصة من طبيعة أخرى( أشياء ، ظاهرات ، تفاعلات) ..."

( المجلد 4 من المختارات فى 10 أجزاء ، الصفحة 470-471 ضمن " حول الديالكتيك ") .

و الشيء عينه نملك أن نقوله عن صراع الخطّين فحيث يستعمل ستالين عين المفاهيم التى يستعملها ماو و نقصد مفهوم الخطّ و صراع الخطّين ( " والحقيقة فى هذه الحالة هي أنّه عمليّا ليس لدينا خطّ موحّد إنّه يوجد خطّ ، هو خطّ الحزب ، الخطّ الثوري اللينيني و لكن يوجد بالتوازي خطّ آخر ، هو خطّ مجموعة بوخارين الذى يحارب خطّ الحزب ... إنّ هذا الخطّ الثاني هو خط إنتهازي " ( كما ذكر فى الصفحة 8 من " هل يمكن...؟ " ) يعتبر الخوجيون ذلك فى تضارب مع ماوتسى تونغ . و تاريخيّا ألم يصارع "خطّ الحزب" "خطّ مجموعة بوخارين" و هزمه ؟ ألم يحصل واقعيّا صراع خطّين بين خطّ الحزب و خطّ مجموعة بوخارين ؟ بلى حصل و سجله التاريخ !!!

كلمات ستالين ،"الحقيقة " و "هذه الحالة " و "عمليّا " تفيد دون أدنى شكّ أن الأمر حقيقة موضوعية ملموسة لاغبار عليها فإعتراف ستالين بالتالي إعتراف مادي جدلي بوجود صراع الخطّين فى الحزب فى "هذه الحالة " المعنيّة و نضيف نحن و فى حالات أخرى من تاريخ الحزب الشيوعي السوفياتي و ليس الإنقلاب الخروتشوفي التحريفي على الخطّ الثوري البروليتاري إلاّ تحوّلا نوعيّا جعل الخطّ التحريفي يهيمن على الحزب و الدولة و يغيّر لونهما الى حزب و دولة البرجوازية الجديدة .

وعبارة " يحارب " هي تعبير صريح عن صراع محتدم ، حرب بين الخطّ الثوري من جهة و الخطّ الإنتهازي من جهة أخرى و هذا بداهة وحدة أضداد / تناقض فى صلب الحزب . فهل بعد هذا تصحّ معارضة ماوتسى تونغ بستالين بينما الأوّل إنطلاقا من تجارب مختلف الأحزاب الشيوعية وممارستها العمليّة و تطبيقا لشمولية التناقض صاغ نظرية صراع الخطّين ؟ لا يصحّ أصلا .

لقد قال ستالين : " إنّ النظرية هي تجربة حركة العمّال فى كلّ البلدان ، هي هذه التجربة مأخوذة بشكلها العام ."

( " أسس اللينينية ، حول مسائل اللينينية " ، الصفحة 28 ، دار الينابيع ، دمشق 1992).

و من هنا نستشفّ أنّ ستالين يعترف بحقيقة صراع الخطّين و ماو يصوغه فى نظريّة تنير الممارسة الثوريّة فى تغيير العالم فتصبح عملية التنظير حسب الخوجيّين " موقف رجعي " (الصفحة 9 من "هل يمكن...؟ " ) . ماو يطبّق نظرية المعرفة الماركسية : من الممارسة إلى النظرية و من النظرية إلى الممارسة الجديدة إلخ و الدغمائيون التحريفيون الخوجيّون لا يقدحون فيه هو فحسب بل و يقدحون فى ستالين أيضا و بعد ذلك يعلنهؤلاء الإنتهازيّون المحرّفون لعلم الثورة الشيوعية مخاتلة أنّهم " ستالينيّون "!

4- تعلاّت التنكّر لصراع الخطّين كحقيقة موضوعيّة :

و إذا سلّمنا جدلا للجماعات الخوجيّة المفضوحة منها و المتستّرة بأنّ " ظاهرة نخر التنظيمات الثورية من الداخل هو التكتيك " الأجدى " الذى عمدت إليه الإمبريالية و لا زالت "( الصفحة 9 من "هل يمكن...؟ " ) بغضّ النظر على أنّ هذ ا الطرح غير جدلي حيث يجعل أسباب التطوّر خارجيّة و ليست باطنيّة ، فهل من اللازم علينا أن نخوض غمار الصراع ، صراع الخطّين ، لإلحاق الهزيمة بالإنتهازيّة و لصيانة ثوريّة الحزب و تطويره أم يلزم الدعوة لرفض الصراع بتعلّة أن " صراع الخطين فى الحزب الواحد هي قاعدة التطبيق العملي الذى تبرر به العناصر الإنتهازية وجودها داخل الحزب الشيوعي "( الصفحة 10 من "هل يمكن...؟ " ) ؟

خاض الماركسيون-اللينينيون-الماويون السائرون على نهج ماركس و إنجلز و لينين و ستالين و ماو و يخوضون صراع الخطين بغاية جعل الخط الثوري ينتصر على الدغمائيّة و التحريفيّة فى المعارك صلب أحزابهم الشيوعية و منذ سنوات الآن خاض و يخوض الماويّون حول العالم صراعات خطّين ضارية و لم يخشوا إنقسام الماويّة و صراع الخطّين داخل الماويين عالميّا لا يزال مشتعلا ضد الذين حوّلوا بعض أخطاء الماوية الثانويّة إلى مبادئ فوقعوا في إنحراف دغمائي ، و تقدّم أنصار الشيوعية الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعية لتطوير علم الشيوعية و مواصلة صراع الخطّين ضد التحريفيين من كافة الأرهاط صلب الحركة الشيوعية العالميّة الذين يدعون إلى التخلّى عن الصراع الطبقى خوفا من نخر المجتمع ، و إلى رفض صراع الخطّين حتّى لا تنخر التنظيمات بينما هم في الواقع ، مثلما يخوضون الصراع الطبقي على طريقتهم ، يخوضون صراع الخطّين على طريقتهم الإنتهازيّة أيضا.

والتعلّة التى يبتدعها الخوجيون المتستّرون مجرّد غطاء تحريفي حيث ، فى الحقيقة ، كان التحريفيّون السوفيات و الصينيّون و الأوروبيّون ...بتلويناتهم ضد نظريّة صراع الخطّين لأنّها بالفعل تفضحهم و تحوّلهم إلى هدف للصراعات الثوريّة داخل الحزب و فى صفوف الجماهير الكادحة . و لا يبحثون إلاّ على نكران وجود مثل هذا الصراع لخداع الثوريّين و جعلهم يرخون من يقضتهم و نضالهم ليغدروا بهم و يفتكوا فى الوقت المناسب لهم سلميّا إن أمكن ( كما حصل فى الإتحاد السوفياتي ) أو عنوة و بالعنف ( إنقلاب فى الصين 1976 لقي مقاومة) و يحوّلوا الحزب و الدولة الى نقيضهما أي يحوّلوا طبيعتهما من بروليتارية الى برجوازية و من ثورية الى رجعية.

" إنّنا ننشد الأممية منذ خمسين عاما و قد وُجد فى حزبنا أناس حاولوا عشر مرّات زرع الإنشقاق ، فى رأيى هذا يمكن أن يتكرّر عشر مرّات ، عشرين ، ثلاثين مرّة أخرى ."

( ماو تسى تونغ )

" إنّكم تقومون بالثورة الاشتراكية و بعد لا تعرفون أين توجد البرجوازية . إنّها بالضبط داخل الحزب الشيوعي - أولئك فى السلطة السائرين فى الطريق الرأسمالي - أتباع الطريق الرأسمالي لا زالوا على الطريق الرأسمالي".

( ماو تسى تونغ )

تجسّد هاتين المقولتين لماو تسى تونغ كشفا لحقائق و تشخيصا لأوضاع ماديّة موضوعيّة لم يكتشفها و يلخّصها بهذا الشكل المباشر و العميق لا لينين و لا ستالين . و لم يكن تفسير العالم هذا من لدن ماو تسى تونغ ترفا فكريّا بل إضافة لعلم الشيوعية قصد تغيير الواقعتغييرا شيوعيّا ثوريّا فالحرّية ماركسيّا هي وعي الضرورة و أضاف ماو و تغيير الواقع للمقولة التي أخذها ماركس عن هيجل فالحرّية إّن وعي الضرورة و تغيير الواقع ما يفيد هنا أنّ الإقرار بحقيقة صراع الخطّين وعي للضرورة ، ضرورة خوض صراع الخطّين و يساوى تغيير الواقع خوض ماو تسى تونغ غمار معارك صراع الخطّين لجعل الخطّ الشيوعي الثوري ينتصر على كلّ من الإنحرافات الإنتهازية اليمينيّة و " اليساريّة " أو التحريفية و الدغمائيّة و تاريخ الحزب الشيوعي الصيني و تاريخ الحركة الشيوعية العالمية يقفان شاهدا على ما بذله ماومن جهد جهيد لإستيعاب علم الشيوعية و تطبيقه و تطويره . و وحدهم الذين يحملون نظّارات مثاليّة ميتافيزيقيّة خوجيّة يديرون ظهورهم لهذه الوقائع و هذه الحقائق .

و ماو تسى تونغ لمّا صاغ نظريّة صراع الخطّين كان يلخّص تاريخ و تجارب الأحزاب الشيوعيّة و بما هو شيوعي فسّر الواقع الموضوعي وفهمه وعمل قصارى جهده لتغييره ثوريّا نحو تحقيق الأهداف البروليتارية العالمية فإستمرّ فى خوض النضالات العظيمة دحرا للتحريفية داخل الحزب الشيوعي الصيني و عالميّا و صراعات الماويين الثورية ضد الخطوط الإنتهازية فى الحزب الشيوعي الصيني سجّلها التاريخ .

( مرّة أخرى من الضروري مراجعة صراعات عشر بين الخطّين بالمصدر الذى مرّ بنا ذكره ).

و إنتهت الصراعات العشر بين الخطين بإنتصار الخط الثوري للرئيس ماو و بطرد الإنتهازيين من الحزب (على غرار طرد ليوتشاوشى و لين بياو فى خضمّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى) وهو ما أقرّ به أصحاب "هل يمكن...؟ " أنفسهم بطرد تحريفيين آخرين من الحزب و إن كان هدفهم من الجملة إدانة ماو وإعتبار المطرودين التحريفّيين بلاشفة : " و قد أقصى ماو لمّا كان على رأس الحزب الشيوعي العناصر البلشفية ". ( الصفحة 61)

5- تلاعب الخوجيّين المتستّرين هم كذلك بكلام لماو تسى تونغ :

فى الصفحة الرابعة من "هل يمكن...؟ " ذكرت فقرة من مقال ماوتسى تونغ " فى التناقض" وثقناها فى ما مر بنا و ننقلها إليكم مجددا لضرورة الجدل :

" إن تضاد الأفكار المختلفة و الصراع بينها فى صفوف الحزب ينشأ على الدوام ، وهو إنعكاس داخل الحزب للتناقضات بين الطبقات و التناقضات بين القديم و الجديد فى المجتمع . و لا شك أن حياة الحزب ستتوقف إذا خلا من التناقضات و من الصراع الإيديولوجي من أجل حل هذه التناقضات.
وهكذا فقد إتضح أن التناقض يوجد بصورة شاملة سواء فى الأشكال البسيطة للحركة أو فى الأشكال المعقدة لها، فى الظواهر الموضوعية أو فى الظواهر الفكرية ، و أنه يوجد فى جميع العمليات ."

( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 462 )


و بالنسبة للجماعة فإنّ ذلك يعنى :

"1- أنّ الحزب الشيوعي هو حزب كلّ الطبقات الإجتماعيّة و ليس حزب الطبقة العاملة فقط .

2-أنّ تضاد الأفكار الإيديولوجيّ داخل الحزب الشيوعي شرط لا بد منه و بالتالي لا يمكن أن نؤسّس حزبا شيوعياّ تتجانس عناصره فكريّا وتتّحد لتناضل ضد الطبقات و الأحزاب المعادية للطبقة العاملة .

3- يتكوّن الحزب الشيوعي من إتّجاهين فكريّين :- إتّجاه يعمل من أجل الحفاظ على القديم أي على مصالح الطبقات الرجعية و-إتجاه يناضل من أجل تغيير القديم بالجديد و القضاء على مصالح الطبقات الرجعية و ملخّص هذه الأفكار أنّ ماو فهم قانون صراع الأضداد فهما سطحيّا فطبّقه تطبيقا ميكانيكيّا على المجتمع ممّا جعله يقسم الطبقة العاملة فى حدّ ذاتها إلى قسمين متصارعين و كذا حزبها الشيوعي يتكوّن من إتّجاهين متناقضين فيصبح تناقض الطبقة العاملة حسب مفهوم ماو ، تناقضا ذاتيا فتتآكل من داخلها و لا تناضل ضد البرجوازية بل يناضل طرف منها ضد الآخر و لا شك – بالمقابل - أنّ البرجوازية و حزبها ستتآكل هي الأخرى داخليا و لن تصارع حسب زعم ماو ضد الطبقة العاملة ، بل إنّ فى حزبها من منظور ماو عناصر تناضل من أجل الجديد ، عناصر شيوعية !!! و بإيجاز لكلّ طبقة تناقضاتها الذاتية الداخليّة و لن تناضل ضد الطبقة التى تختلف مصلحتها عنها و معنى هذا الدوران فى حلقة مفرغة و التنظير لسلم إجتماعية أبدية !!! "


و قبل كلّ شيء ، تجدر الملاحظة هنا أنّ أفكار " هل يمكن ...؟ " هذه تكرار ببّغائيّ للترّهات الخوجية السابقة ل " بحثهم" و الواردة فى كتاب أنور خوجا " الإمبريالية و الثورة " و فى كتاب محمّد الكيلاني " الماوية معادية للشيوعية " و في الكتاب الأخير يقول أحد أبرز زعماء حزب العمّال " الشيوعي " التونسي حين نشر الكتاب ، في نهاية ثمانينات القرن الماضي مثلا :

- بالصفحة 21 : " فهو[ يقصد ماو] يرى أنّه لا بدّ للبرجوازية أن يكون لها من يمثّلها فى حزب الطبقة العاملة "؛

- وبالصفحة 26 : " تفترض نظريّة " الصراع بين الخطّين " الإنتهازيّة التعايش فى صلب الحزب بين هيئة أركان البروليتاريا و بين هيئة أركان البرجوازية ، كما تفترض أن يكون لكلا الهيأتين القياديّتين أو أكثر- مناطق نفوذها السياسي . و بالتالى يتحوّل الحزب إلى معبّر عن مصالح طبقيّة متضادة ( البرجوازية و البروليتاريا ) ... الماويين بإسم نظريّة "وحدة الضدّين" يشرّعون الطابع المتعدّد لحزب البروليتاريا و يجعلون من " الصراع الخطّي " قاعدة للتعايش بين الكتل و الخطوط ".

-----------1------------

-1-) و إن بدا هذا الإستشهاد طويلا نوعا ما فإنّه مفيد للغاية نظرا لما يحتويه من درر نودّ و إيّاكم أن نتمتّع بها. و لعلّكم و أنتم تقرؤون هذا الإستشهاد تمتعتم كثيرا بالفكر الثاقب لأصحابه ! و مثلنا لعلّكم تساءلتم فى إستنكار: ما هذه التخريجات "العبقريّة" ؟ أو ما هذه التخريجات الغبيّة لهذا الأسلوب غير العلمي بالمرّة فى السجال و فى التعامل مع فقرة ماو الموثّقة أعلاه ؟ و لعلّكم أيضا مثلنا قلتم عند مطالعة الإستنتاج الأوّل : " أنّ الحزب الشيوعي هو حزب كلّ الطبقات الإجتماعية و ليس حزب الطبقة العاملة فقط " من أين لهم هذا ؟ فماو تسى تونغ فى حديثه عن شمولية التناقض لم يدل بذلك فى الأسطر التى هي موضوع التعليق و القائلة بكلّ وضوح إنّ الصراع فى صفوف الحزب ، كشيء يشمله قانون التناقض / وحدة الأضداد ، هو إنعكاس داخل الحزب للتناقضات بين الطبقات.

ألا يفهم هؤلاء نظريّة " الإنعكاس " فى الفلسفة الماديّة ؟ ألا يفهمون كيفية تحوّل الأشياء و الظواهر و السيرورات الموضوعية إلى أفكار؟ لا نعتقد أنّهم يفهمونها فهما سليما بالرغم من إستشهادهم بمقتطفات من كتاب لينين " المادية و مذهب النقد التجريبي" و فيه شرح لينين مطوّلا نظريّة " الإنعكاس" الماديّة. إنّهم يفسخون دون خجل معنى " الإنعكاس " و يبنون ما طاب لهم من قصور رمليّة تتهاوى كأوراق الأشجار في الخريف مع هبوب أوّل ريح لفحص مدى صحّتها . فالصراعات الطبقية تنعكس، فى المجتمع الطبقي ، كأفكار فى صفوف الحزب الموجود داخل المجتمع و ليس خارجه فتخلق صراعات مستمرّة . و لئن إنعكست هذه الأفكار فى صفوف الحزب الشيوعي ، كشيءأو ظاهرة موضوعية وليس إختيارا ذاتيا ، فذلك لا يفيد البتّة لا من بعيد و لا من قريب أنّ الحزب الشيوعي يمسى بالضرورة " حزب كلّ الطبقات الإجتماعية وفق الجماعات الخوجيّة. أن تنعكس فى خضم الصراع الطبقي فكرة برجوازية ما أو مجموعة أفكار داخل الحزب لا يعنى أبدا أن الحزب تحوّل ميكانيكيا إلى حزب كلّ الطبقات . ونشدّد عبر التسطير تحت كلمة " كلّ " على أنّها كلمة تعميمية تهويليّة أسلوبيّا و فلسفيّا ، إطلاقيّة و فى النهاية مثاليّة تعيد إلى الأذهان فورا و ليس صدفة التحريفيّة الخروتشوفيّة : "حزب كلّ الشعب " و " دولة كلّ الشعب "... و التى طالما حاربها ماو تسى تونغ ذاته على رأس الحزب الشيوعي الصيني و الحركة الماركسيّة اللينينيّة العالمية في ستينات و سبعينات القرن الماضي . وإنعكاس أفكار برجوازية ليبرالية مثلا داخل الحزب نتيجة الصراع الطبقي لا يجعل التنظيم حزب الإقطاعيين و الفلاحين الصغار و البرجوازية الصغيرة إلى آخره من الطبقات أي " كل الطبقات الإجتماعية " !

بمثاليّة يجعلنا الجماعة نتصوّر أنّ الحزب البروليتاري يؤسّسه عناصر بروليتايين مائة بالمائة نشأت خارج المجتمع الذى تهيمن عليه الطبقات و الأفكار الرجعيّة ، لا أفكار برجوازية أو حتّى بقاياها تساور أذهانهم و هم مذّاك غير قابلين للتأثّر بالأفكار البرجوازية المهيمنة على المجتمع لعقود بل لقرون لا يصارعون من أجل الحقيقة و كأنّهم يملكونها قبليّا ولا إمكانية ألاّ يمسكوا بها بحزم . و الملتحقون بهذا الحزب بمجرّد إنخراطهم يتطهّرون كلّيا من الأفكار البرجوازيّة و لا يُدخلون إلى الحزب أيّة فكرة برجوازيّة مهما كانت . و يكون الجميع فى الحزب خارج تأثير المجتمع و الطبقات الأخرى و كأنّهم فى قمقم خارج الزمان و المكان . هذا هو فهم الجماعات الخوجيّة للمسألة ، فهم مثالي و ميتافيزيقي حتّى النخاع .

و ما لم يستوعبه الخوجيّون أو بالأحرى لا يرغبون لإنتهازيّتهم في إستيعابه هو الحقيقة الموضوعيّة ، حقيقة أنّ الأفكار منعكسة فى صفوف الحزب الشيوعي والتى ليست أفكارا بروليتارية سيقع النضال ضدّها و سيفضحها الثوريّون و يسعون إلى التغلّب عليها و إلحاق الهزيمة بها و إعلاء الأفكار الشيوعيّة و المضيّ قدما فى نشر النظرة البروليتارية للعالم لتغيير الواقع الذاتي والواقع الموضوعي . هذا واجب الشيوعي و الشيوعية إزاء حقيقة صراع الخطّين الموضوعية. أمّا إذا تمكّنت هذه الأفكار الرجعيّة المعادية للحزب و البروليتاريا و الثورة من الهيمنة و الغلبة لأسباب منها الذاتي و منها الموضوعي فحينها و حينها فقط يتغيّر لون الحزب بمعنى أنّ طابعه الثوري يضحى نقيضه فمع هيمنة الأفكار الثوريّة و الخطّ الثوريّ على الأفكار الرجعيّة التى تظهر موضوعياّ يبقى الحزب حزبا بروليتاريّا شيوعيّا حقّا فى مظهره الرئيسي و مع هيمنة الأفكار الإنتهازيّة و الخطّ الإنتهازي يتحوّل الحزب الشيوعي إلى حزب غير بروليتاري و غير شيوعي أي إلى حزب رجعيّ معاد للثورة. و حسب طبيعة الأفكار التى ستهيمن و وضع الصراع الطبقي محلّيا و عالميّا يصير الحزب برجوازيا ليبراليا أو برجوازيا فاشيا ...

و مثال بسيط على ذلك هو ما حدث للحزب الشيوعي السوفياتي الذى خاض بقيادة لينين و ستالين صراع خطّين و هزم عديد الخطوط التحريفية و بقي لينينيا ثوريا إلى أن كانت الغلبة للتحريفيين فغدى حزبا تحريفيا برجوازيا . وهو أمر واقعي ، حقيقة موضوعية ملموسة تضرب فى العمق مفهوم الخوجيّين الميتافيزيقيّ و المثاليّ .

و موقف الماويّة الصحيح و العلمي للواقع المادي الموضوعي الملموس نابع من رؤية جدليّة ثاقبة قائمة على أنّ " طبيعة الشيء يقررها بالدرجة الأولى الطرف الرئيسي للتناقض الذى يحتلّ مركز السيطرة . و عندما يطرأ تبدّل على الطرف الرئيسي للتناقض ، الذى يحتلّ مركز السيطرة فإنّ طبيعة الشيء تتبدّل تبعا لذلك ."

( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 484 )

و بناء على التجارب و الممارسات العملية لأحزاب الشيوعية و صراع الخطّين فيها ، لخّص ماو تسى تونغ الحقيقة العميقة و الشاملة التالية التي تضرب في الصميم الخزعبلات الخوجيّة خاصة و التحريفية عامة في الصميم و غاية ماو من ذلك أن يدرك الرفاق و الرفيقات الحقيقة الموضوعيّة و ينطلقوا منها لخوض صراع الخطّين للحيلولة دون تغيير لون الحزب بالمعنى الذى بسطنا آنفا إعتبارا لأنّ " صعود التحريفية إلى السلطة يعنى صعود البرجوازية إلى السلطة ".


------2------

2-) أمّا " أنّ تضاد الأفكار الإيديولوجي داخل الحزب شرط لا بدّ منه و بالتالي لا يمكن أن نؤسّس حزبا شيوعيّا تتجانس عناصره فكريّا و تتّحد لتناضل ضد الطبقات و الأحزاب المعادية للطبقة العاملة " فإنّه تخريجة فظيعة لا أساسا مادياّ و لا حتى إيحائيا لها فى ما نطق به القائد البروليتاري الصيني أصلا ، بتاتا ، بالمرّة...إلاّ إذا ذهب أصحاب " هل يمكن...؟ "و أمثالهم من الخوجيّين إلى منجّم ما فأعلمهم أنّ تلك الأفكار مرّت بخلد ماو تسى تونغ فى يوم ما !

ماذا أصاب هؤلاء الخوجيين المتسترين ( و غيرهم المفضوحين ) و ما دهاهم ؟ أشياء غريبة تعتمل فى أذهان هؤلاء . إنّهم كمثاليّين ميتافيزيقيّين يختلقون أوهاما و يعتقدون أنّها وقائع ملموسة ثم يتوقّعون منّا أن نصدّق أنّها وقائع ملموسة فعلا لمجرّد أنّهم صرّحوا بذلك. لا أيّها المثاليّون الميتافيزيقيّون لسنا مرضى بالأوهام مثلكم و لم نتعرّض لضربة شمس أو إلى إرتفاع حرارة مشطّ أودى بنا إلى حدّ الهذيان ، لا لن نصدّقكم و ذلك ليس من منطلق أنّكم تحترفون الكذب الرخيص فحسب بل و كذلك من منطلق أنّ نظرتنا إلى العالم ماديّة جدليّة و أنّنا نؤمن إيمانا راسخا ب" التحليل الملموس للواقع الملموس " على حدّ تعبير لينين و نسعى جهدنا إلى تطبيقه عمليّا.

و لنرَ بصورة عابرة سريعة صفحات من التاريخ الصيني و لا سيما تاريخ الحزب الشيوعي الصيني الذى كان ماو تسى تونغ من مؤسّسيه كي نمسك إلى النهاية بالحقيقة كما هي عارية من بصمات التحريفيّة القذرة. فلقد تأسّس هذا الحزب ضمن الأممية الثالثة و على أساس برنامجها العام و كان بالتالي عضوا فيها . و عند التأسيس ما وضع ،على حدّ الوقائع التاريخية الملموسة، أيّ شيوعيّ من المؤسّسين " شرطا لا بدّ منه " هو " تضاد الأفكار الإيديولوجيّة " و مع ذلك تاريخ الحزب الشيوعي الصيني هو تاريخ صراع الخطّين صلبه هو حياته ، هو تناقضه ، هو حركته الذاتية و تطوّره و إن كانت العناصر عند التأسيس " متجانسة " نوعا ما بمعنى أنّها عملت وفق البرنامج و الخطّ العام للأمميةّ الثالثة . أم أن الأممية الثالثة لم تتفطّن لآراء ماو أو تفطّنت و مارست ليبرالية بأن غضّت النظر عنها طوال عشرات السنوات و لا سيما بعد الإطلاع على " فى التناقض" (1937) ؟ فى كلتا الحالتين تكون هي و ستالين قد إقترفا خطأ لا يغتفر و إن كان الواقع فعلا و حقّا هو عكس ما يدّعيه أصحاب "هل يمكن...؟ " فما من أحد غيرهم يقطع مع الثورة البروليتارية العالمية قطعا تحريفيّا برجوازيا و ينظّر لخطّ دغمائي تحريفي خوجي و يكرّسه عمليّا في صراعهم ضد الخطّ البروليتاري الشيوعي الثوري الذى يرمز إليه ماو تسى تونغ و أضحت تمثّله اليوم وريثة الماويّة في جانبها الثوري ، جانبها الرئيسي ، الشيوعية الجديدة أو الخلاصة الجديدة للشيوعية و مهندسها بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية .

-------3--------

3-) و بعد ذلك ، وفى النقطة الثالثة من تعليقهم ، نجد إمتدادا للنقطة الثانية فى صيغة " يتكوّن الحزب الشيوعي من إتّجاهين فكريّين " و طبقا لهذه الصيغة ، يأتى إتّجاهين واحد رجعيّ و الآخر ضدّه ليكوّنا حزبا شيوعيّا.

هل ألمح ماو فى أيّ مكان من كتاباته إلى أنّ عمليّة التأسيس تتمّ على هذا النحو ؟ الجميع يعمل أنّه ما ألمح و لا فى مناسبة أصلا وإعتماد ما جاء على لسان ماو فى " فى التناقض " للخروج علينا بمثل تلك السخافات يترجم تعاسة فكر هؤلاء الخوجيين .

و الحقيقة أنّ " تكوّن الحزب الشيوعي من إتّجاهين فكريّين " بمنظور الجماعة الخوجيّة المتستّرة و تلك المفضوحة وليس بمنظور ماو ، فكرة لا تعدو أن تكون صدى لأطروحة "جمع الإثنين فى واحد " التحريفية التى ما فتأ التحريفيّون الصينيّون ( أمثال الذين يدافع عنهم الخوجيّون على أنّهم بلاشفة ) يرفعونها فى وجه الثوريين و قد قاتلهم ماو تسى تونغ و الماويّون البروليتاريّون الصينيّون رافعين راية " إزدواج الواحد " اللينينية. و عليه ، بينما يطبّق ماو الماديّة الجدليّة على الحزب ك" إزدواج الواحد " المبنيّة على أساسها و على أساس الواقع المادي الملموس و حركته الجدليّة نظريّة صراع الخطّين ، ما يفعله " نقّاده " هو تطبيق عكسها و نقيضها " الإتّجاهان يكوّنان واحد " .

و عليه يبرز للعيان أنّ نظرية صراع الخطّين وحدها هي مفتاح قراءة صحيحة و علميّة لما حدث داخل الحزب الشيوعي السوفياتي و الحزب الشيوعي الصيني من صراع خطّين و ما حصل من تغيّر فى طبيعتهما (الأوّل بعد وفاة ستالين و الثاني بعد وفاة ماو ) من أحزاب بروليتارية إلى أحزاب برجوازية . و ما أفظع مثاليّة و ميتافيزيقا أن يعلّل هؤلاء الدغمائيين التحريفيين تطوّرات خطيرة مثل تلك دون اللجوء إلى التناقض / وحدة الأضداد أو تطبيق شموليته على الحزب : صراع الخطين أي دون " إدراك جميع تفاعلات العالم من حيث " حركتها الذاتية "، من حيث تطوّرها العفويّ ، من حيث واقعها الحيّ ... من حيث هي وحدة من الأضداد "( و الكلام للينين و التسطير أيضا). و مرّة أخرى ، الدغمائيّون التحريفيون الخوجيّون المتستّرون منهم و المفضوحون بالدليل القاطع و البرهان الساطع أعداء اللينينية و المادية الجدلية و يدّعون لمغالطة المناضلين و المناضلات أنّهم ماركسيّون لينينيّون ! هذا أمر فظيع ، فظيع جدّا !!!

6- الوحدة و التآكل :

و لا تقل فظاعة تحليل الحزب الشيوعي على أنّه ليس تناقضا ، على أنّه خال من وحدة الأضداد و بالتالي من الحياة والنموّ و التطوّر إلى النقيض فى طبيعته ، لا تقل هذه الفظاعة فى شيء عن فظاعة فقرة " هل يمكن...؟ ":

" تناقض الطبقة العاملة حسب مفهوم ماو تناقض ذاتيا فتتآكل من داخلها و لا تناضل ضد البرجوازية بل يناضل طرف منها ضد الطرف الآخر و لا شكّ بالمقابل ، أنّ البرجوازية و حزبها ستتآكل هي الأخري داخليا و لن تصارع حسب زعم ماو ، ضد الطبقة العاملة بل إن فى حزبها من منظور ماو ، عناصر تناضل من أجل الجديد، عناصر شيوعية !!! ".

" أن ينسب المرء إلى خصمه حماقة بيّنة لكي يدحضها فيما بعد ، ليس من أساليب الرجال الأذكياء جدا " لاحظ لينين فى معرض حديثه عن أسلوب المرتدّ كاوتسكى فى " الثورة البروليتارية و المرتد كاوتسكي "( الصفحة 70 ، دار التقدم ، موسكو) وهي ملاحظة تنطبق تماما على الخوجيّين إذ لا وجود سواء فى ما قدموا لنا من أقوال ماو سواء فى كلّ مؤلّفاته و أعماله و تصريحاته ، لبروليتاريا لا تناضل ضد البرجوازية و لا لبرجوازية لا تناضل ضد البروليتاريا و لا وجود لطبقة بروليتارية " تتآكل " داخليا و لا لبرجوازية " تتآكل " داخليا .

-----------(1)----------

ومفهوم ال" تآكل " ، زيادة على ذلك ، ليس جديدا على الصراعات على الجبهة الفلسفية التى خاضها الماركسيون-اللينينيون-الماويون ضد أعدائهم إذ بدعوى أنّ الصراع الداخلي ( التناقض / وحدة الأضداد) يسبّب إضعافا و إهتراءا داخليا لصفوف الحزب ، وقف التحريفيّون و لا يزالون ضد خوض غمار صراع الخطّين و من ثمّة كشفهم . بهكذا أسلوب ترهيبي ( تآكل و كأنّه مرض خبيث يسرى فى الجسم ليقضى عليه ) جرى التأكيد على الوحدة المطلقة و بالعكس لإستئصال المرض التحريفي مرارا و تكرارا لأنّه يظهر بإستمرار و بصورة موضوعيّة ، إرتأى الثوريون الماركسيون- اللينينيون - الماويون ضرورة الخوض الواعي لصراع الخطين إلى النهاية صيانة للخط الثوري للحزب و تطويرا له فالصراع هو مصدر النمو و التطوّر و الحياة و الحركة و ليس مصدر الموت أو ما يوحي به التآكل من إنخرام و تصدّع و إنحلال ، الصراع بين الخطّين هو حياة الحزب و متى خلا الحزب من التناقض و الصراع الإيديولوجي من أجل حلّها ، لا شكّ أنّ حياته ستتوقّف (ماو ) و لا يكاد " التناقض ينقطع حتّى تنتهى الحياة أيضا و يحلّ الموت "( إنجلز) .

و الوحدة ، وحدة الحزب هل " تتآكل " إذا طُبّق صراع الخطّين ؟ كشيوعيين ثوريين نتبنى و نطبّق المادية الجدلية و المادية التاريخية كما تطوّرت أكثر بفضل لينين و ماو تسى تونغ و إضافات الخلاصة الجديدة للشيوعية او الشيوعية الجديدة نعتنق وجهة النظر القائلة بأنّ الوحدة الثورية ما هي سوى نتيجة الصراع الثوري ، صراع الخط الثوري و هيمنته و ما هي سوى خادمة له . جدلياّ لا وحدة مطلقة ، المطلق هو الصراع أي صراع الضدّين المتناقضين و الوحدة نسبية ، مؤقتة و عابرة . الوحدة الحزبية تقوم على خطّ ثوريّ و كلّما تطوّر هذا الخطّ و نما فى مواجهة المشاكل و القضايا المطروحة للحلّ داخل الحزب و خارجه تنكسر الوحدة القديمة لتُبنى وحدة أرقي فأرقى إنسجاما مع درجة تطوّر الخطّ الثوري و التغييرات الثوريّة التى يحدثها.

و لا حاجة لنا بوحدة و إن كانت عمّالية على أساس خطّ رجعيّ عموما. على الشيوعيّين و الشيوعيّات الثوريين و الثوريّات حيثما و أينما و كلّما و متى وجدوا أنفسهم موضوعين فى مثل هذه الوحدة اتحريفية أو الرجعيّة أن يكسروها و يحطّموها تحطيما من أجل وحدة جديدة ثورية بروليتارية حقّا تكون نتيجة صراع ثوريّ . عليهم دفع التناقض / صراع الخطين هنا نحو وعي بروليتاري حتّى ضد العمّال ذاتهم إذا كانت الأفكار التى يدافعون عنها أفكارا تحريفية و فى النهاية رجعية و بطرق مختلفة حسب التناقضات المختلفة . هذا واجب دونه لن تغدو الطبقة العاملة فى غالبيتها ثوريّة و لن تغدو أغلبيّة الحزب ثورية . هذه ضرورة و نحن نؤمن إيمانا ماركسيّا راسخا بأنّ الحرّية هي وعي الضرورة و تغيير الواقع طبقا لما تقتضيه المصالح البروليتارية العاجلة منها و الآجلة و ترابطهما و هدف تحقيق الشيوعية على النطاق العالمي . هذا شيوعيّا ثوريّا لزوم ما يلزم . شيوعيّا ثوريّا ، يجب الذى يجب.

أمّا التعاطى مع الحزب الشيوعي نافين التناقض الموضوعي فيه فإنّه من جهة مثالية و ميتافيزيقا و من جهة أخرى عين الخيانة الطبقيّة للبروليتاريا و تمهيد لهيمنة الخط ّالتحريفي و تغيير لون الحزب . طوال حياته رفع ماو تسى تونغ راية الخطّ الشيوعي الثوري و طوّره فمنيت هزائم منيت بها التحريفية من كل لون أمام خطّه الشيوعي الثوري بهزائم و تحقّقت من ثمّة إنتصارات للبروليتاريا و الشعب الصيني و الثورة البروليتارية العالمية. و الصين الماوية و تاريخ الحزب الشيوعي الصيني و الثورتان الديمقراطية الجديدة و الإشتراكية فى أكبر بلد سكّانا فى العالم تقدّم دلائل لا أوضح منها و تشهد ببلاغة فائقة على ذلك . الضروري دفع صراع الخطّين ضد التحريفية المعاصرة و خوضه و الذهاب به إلى نهايته خدمة للشيوعية الثورية وللطبقة العاملة و مهمّتها التاريخية .
" نضال الماركسية الثورية الفكرى ضد النزعة التحريفية ، فى أواخر القرن التاسع عشر ، ليس سوى مقدّمة للمعارك الثورية الكبيرة التى ستخوضها البروليتاريا السائرة الى الأمام ، نحو انتصار قضيتها التام..."

( لينين ، " الماركسية و النزعة التحريفية " )

و قبل ذلك ، لما أفلست الأممية الثانية ما رهب لينين "التآكل " و إنّما نهض بمهمّة فضح المرتدّين فى صراع خطّين ضار و صارم ف" تآكلت " الأمميّة الثانية تآكلا إبتهج له الثوريّون و فرحوا ذلك أنّ " التآكل " إياه فسح المجال و عبّد الطريق لهيمنة الخطّ الثوري اللينيني و بناء أممية جديدة ثالثة ، و بالتالى وحدة عالميّة جديدة ، وحدة شيوعية ثورية جديدة و أرقى .

و فى صفوف الأمميّة الأولى ، من المعلوم أنّ ماركس و إنجلز بشجاعة معلّمي البروليتاريا الفذّة ، إنهمكوا عن وعي تام ، فى صراع خطّين ضد الفوضويّين و غيرهم و لولا ذلك الصراع بين الخطّين و لولا ممارستهم العمليّة للجدليّة و قانون وحدة الأضداد / التناقض داخل تلك الأمميّة لما تقدّم علم الثورة البروليتارية العالمية و نما و تطوّر تطوّرا أرقى فأرقى .

ملخّصا تجربته و رفيقه ماركس ، كتب إنجلز فى رسالة منه إلى أ. بابل مؤرّخة فى 28 أكتوبر 1882 :

" إنّ تطوّر البروليتاريا تصاحبه فى كلّ مكان صراعات داخليّة ... إنّ الذين ، مثلى أنا و ماركس ، قاتلوا أكثر من أيّ كان طوال حياتهم المسمّين إشتراكيّين ( لأنّنا لا نرى البرجوازية كطبقة فحسب ولم ندخل معها أبدا فى معارك معزولة ) ، إنّ هؤلاء لن يكونوا محبطين جدّا لرؤية إندلاع الصراع الحتمي ". ( التسطير من وضعنا. ذكره " تقرير المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني " الصفحة 208 من الجزء الثاني من كتاب جلبار مورى " من الثورة الثقافية إلى المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني ". سلسلة 10-18 ، الإتحاد العام للنشر ، باريس 1973) .

التناقض فى صفوف الحزب يعنى " تآكل " فقط لدى جماعات المثاليين الميتافيزيقيين، فى حين أنّه بالنسبة للماديين الجدليين هو الحركة و النموّ و التطور و الحياة ... و من الواجب خوض صراع الخطّين وهو واجب مطلق إطلاقية الصراع نسبة للوحدة فى وحدة الأضداد/ التناقض .

-----------(2)---------

و مفهومهم " للتآكل " لم يطبّقوه على الحزب و حسب و إنّما سحبوه أيضا على الطبقة العاملة و إعتبروا الصراع فى صفوفها نتيجته "التآكل " الداخلي و الإنحطاط و عدم مقارعة البرجوازية إلاّ أن رؤيتهم هذه منافية تماما للمادية الجدلية ذلك أنّ التناقض موجود موضوعياّ و فعليّا فى صفوف الطبقة العاملة ، هي غير مستثناة من التناقض و " إزدواج الواحد " ، هي واحد مزدوج ينطوى على تناقض و التناقض فى صلبها يمثّل حياتها و إن لم يوجد تناقض مآلها الموت .

لقد شدّد لينين و بنظرة تحليلية دقيقة و ثاقبة فى أكثر من عمل من أعماله و منها : " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية " و " مرض "اليسارية " الطفولي فى الشيوعية "... على أنّ الطبقة العاملة غير متجانسة بصفة مطلقة حيث لها موضوعيّا ذات المصالح التاريخية البعيدة المدى بيد انّ فى الظروف المعيّنة مثل المرحلة الإمبريالية و فى البلدان الراسمالية الإمبريالية تحديدا غدت طبقتنا العاملة بفعل الفتات من الثروات المنهوبة من المستعمرات و أشباه المستعمرات الذى يغدقه الإمبرياليون على بعض شرائحها ،غير متجانسة فى مواقفها من النظام الرأسمالي الإمبريالي بل و منقسمة و لها تناقضات داخليّة تعصف بها إذ تكوّنت جرّاء ذلك الفتات أرستقراطية عمّالية مرتبطة المصالح مع البرجوازية الإمبريالية و تعمل عن وعي ضد المصالح العامة للطبقة العاملة و ضد الثورة الإشتراكية .

إنّما هذا الواقع الموضوعي الملموس للتناقض الذى حللّه لينين بنفاذ عقل هو الأساس المادي للإنتهازية و التحريفية داخل صفوف الطبقة العاملة فى البلدان الإمبريالية و لذلك وضع لينين جملته الشهيرة بأنّ النضال ضد الإمبريالية يمرّ حتما بالنضال ضد الإنتهازيّة .

و أكثر من ذلك ، لا توجد ( و لن توجد في المجتمعات الطبقيّة ) فى التاريخ طبقة عاملة صفوفها متراصة مائة بالمائة و لم تشهد صراعات داخلية و تناقضات بين المتقدّمين و المتخلّفين و بين الواعين و العفويّين و بين الإقتصادويين و المعتمدين العمل السياسي و بين الحزبيين و غير الحزبيين ... حتّى ثورة أكتوبر العظيمة شهدت مثل تلك التناقضات و صراع الخطّين و تاريخ الثورة البلشفية ذاته يسجّل ذلك ، لا بل إسم البلشفية عينه إفراز من إفرازات صراع الخطّين حيث أنّ مفاده هو الأغلبيّة فى صفوف الحزب الإشتراكي الديمقراطي ضد المنشفية أي الأقلّية . ثم حصل داخل البلاشفة "إزدواج الواحد " وحصلت صراعات خطّين ضد التروتسكية إلخ . هذا شطر من تاريخ الفصيل الطليعي للطبقة العاملة و نضال هذا الفصيل الطليعي ، إضافة إلى صراعه الداخلي ، حركته الذاتيّة كما يقول لينين و صراع الخطّين كما لخّص ماو تسى تونغ ، فى سبيل قيادة العمّال غير الحزبيّين (حزبيّين و غير حزبيين فى حدّ ذاته تناقض / وحدة أضداد ) و رفع وعيهم و إكتساب ثقتهم . و من ينشد التفاصيل و بالعشرات إن لم تكن بالمئات فعليه ب" تاريخ الحزب الشيوعي (البلشفي ) للإتحاد السوفياتي " الذى تمّت صياغته فى عهد ستالين و تحت إشرافه و بمساهمة منه .

وجود التناقض موضوعي و الإعتراف بهذه الحقيقة الموضوعيّة لا يفيد الدعوة إلى التفرقة بل بالعكس هو تحليل صحيح لواقع ملموس من أجل تغييره ثوريّا . إنّه تفسير للعالم من أجل تغييره ثوريا من منظور شيوعي . و التغيير عبر النضال و صراع الخطّين بغية إيجاد أكبر تجانس واعي ثوري ممكن و وحدة ثورية ممكنة فى صفوف الحزب أو الطبقة العاملة و لن يتحوّل الإمكان إلى واقع إلاّ نتيجة النضال الطويل و المرير و المتكرّر على أساس الدفاع عن الخط ّالإيديولوجي و السياسي الصحيح و الثوري و تطويره و نشره جماهيريّا لردم الهوّة الفاصلة بين أو بصيغة أخرى معالجة التناقض بين طليعة البروليتاريا و قطاعاتها و شرائحها الأقلّ درجة في الوعي لتتسلّح الطبقة العاملة بالوعي الطبقي لمصالحها و مهامها فتلفّ الجماهير حولها ليصنع الشعب التاريخ بقيادة الشيوعيين والشيوعيّات الثوريين المتسلّحين بعلم الشيوعية في أعلى نقطة تطوّره الذى لا يتوقّف ككلّ علم .

و أبعد من ذلك ، يمكن للتناقض فى صفوف الطبقة العاملة أن يمسي تناقضا عدائيا أحيانا و فى ظروف معيّنة وهو أمر موضوعي تجلّى حتى فى ثورة أكتوبر حيث إلتحق بعض العمّال قليلي الوعي الطبقيّ أو المغرّر بهم بإنتفاضة الإشتراكيين الثوريين ضد السلطة العمّالية السوفياتية.

----------(3)-----------

هذا ما نحته تاريخ نضال الطبقة العاملة العالميّة و مواصلة لمزيد توضيح الحقيقة من جوانب شتّى ، نتمعّن فى الطبقة العاملة فى القطر و التناقضات التى تحرّكها ، لعلّ الدغمائيين التحريفيين الخوجيين يعرفونها بشكل أفضل بحكم عيشهم فى القطر يوميّا . فنقول هل أنّ الطبقة العاملة هنا متجانسة مائة بالمائة ؟ ألا تحمل فى صفوفها و تتضمّن تناقضات ؟ لا ريب في أنّهم لو نظروا إلى الواقع دون نظّارات تحريفية و دغمائيّة ، سيفاجؤون إلى أبعد حدّ بأن يكتشفوا و هذه المرّة عن قرب أمامهم و خلفهم و إلى يمينهم و شمالهم و حولهم بأنّ الواقع يسفّه تنظيراتهم المثاليّة و الميتافيزيقيّة .

في الواقع فعلا تشقّ الطبقة العاملة هنا تناقضات جمّة و متنوّعة . مثلا ، حاليّا لا تملك الطبقة العاملة حزبا شيوعيّا ثوريّا حقّا وهي كما توصف ماركسيّا عادة في هكذا وضع هي طبقة بذاتها و ليست طبقة لذاتها. قلّة هم العمّال الذين يسعون جدّيا إلى التنظّم والعمل الشيوعي الثوري فى مقابل أغلبيّة ساحقة أبعد ما تكون عن الفكر الشيوعي و عدد لا بأس به من صفوفها معادي تماما لعلم الشيوعية و يعمل بنشاط ضدّها .

نقابيّا ، تهيمن البيروقراطية وتصارع من يرنون للتمثيل الديمقراطي للعمّال و مصالحهم و حتّى وعي هذا التناقض قلّة من يعونه و القلّة لا تخوض الصراع بوعي و برمجة إلخ . و نوجّه للجماعات الخوجيّة سؤال تثيره مجريات الصراع ضد البيروقراطية : هل ينبغى خوض هذا الصراع بين الخطّين أم لا نفعل لأنّنا نخشى " تآكل الحركة النقابية " ؟ إجابتهم العمليّة كانت طوال عقود تجنّب دفع الصراع بين الخطّ الديمقراطي و الخطّ البيروقراطي بل تحالفوا مع البيروقراطية و منهم من صار جزءا منها و في أعلى هياكلها المركزيّة و الجهويّة و منذ بضعة سنوات إضطرّوا لفترة قصيرة إلى خوض الصراع و إن بخجل و لم يقطعوا معها قطعا باتا . و يظلّ ملحّا و فى غاية الإلحاح مواصلة النضال ضد البيروقراطية و كسر الوحدة النقابية القائمة و بناء وحدة جديدة تكون الهيمنة فيها للخط الديمقراطي على أنقاض الوحدة الحاليّة التي يهيمن فيها كطرف رئيسي ومحدّد هو البيروقراطية كذراع تخدم النظام الحاكم و تغالط الجماهير الشعبيّة الواسعة و تسعى إلى تركيعها و جرّها إلى القبول بفتات موائد البرجوازية الكمبرادورية و الطبقات الرجعية المتحالفة معها و العميلة جميعها للإمبريالية ،.

و تاريخيّا ، (و يتمادى هذا إلى الآن و بأشكال و طرق أخرى ) شكّلت مليشيات من العمال ذاتهم لتوجيه الضرب و الإهانات و ما إلى ذلك إلى العمّال الناشطين نقابيّا و بالهيكل النقابي عينه و حتى للطلبة ( بداية السبعينات ، ساهمت مليشيات الحبيب عاشور فى قمع الطلبة ) . هذا علاوة على الأفكار و التحالفات العشائرية ...

و لا يستدعى هذا الخوف و الهروب من صراع الخطين بل بالعكس هو يملى على الشيوعيين و الشيوعيّات الثوريين و الثوريّات خوض غمار الصراع الطبقي و صراع الخطين داخل الطبقة العاملة و بشجاعة و صلابة مبدئية و مرونة تكتيكية فى سبيل رفع الوعي الطبقي العمالي و نشر علم الشيوعيّة توحيدا لأوسع قطاعات العمال الممكنة التوحيد حول مصالحهم العاجلة و الآجلة المترابطة لدى الثوريين و حول الشيوعية الثورية إذا ما أريد التأسيس لأي تغيير ثوري مستقبلي بالبلاد و المساهمة في دفع عجلة التاريخ محلّيا و عالميّا كجزء من الثورة البروليتارية العالمية . من أوكد الواجبات الشيوعيّة توحيد العمال ( و كذلك و حلفائهم من الطبقات الأخرى ) فى نوع جديد و شيوعي ثوري من الوحدة بعيدا عن الإقتصادويّة و النقابويّة . و كسر و تحطيم الوحدة الحالية ليس معطى جاهزا أو عملا هيّنا و إنّما و على العكس تماما هو سيرورة عسيرة تقتضى ضمن ما تقتضيه نضالا ضاريا و شاقا و طويلا . أمّا إنكار التناقضات و صراع الخطين الموضوعي محرّكا و سببا فى الحركة و التطوّر ، كما يفعل الخوجيّون و نظرية " التآكل " التحريفيّة فى مسلك مثالي و ميتافيزيقي يجر في آخر المطاف و بإتباع هذا المنطق المثالي إلى نهايته إلى سياسة " إنتظار الثورة " ( مفهوم غريب عن الماركسية عمدوا إليه فى الصفحة 11 من وثيقتهم " هل يمكن...؟ " ) و تكريس الإقتصادوية و خدمة أعداء الطبقة العاملة .

و نسلطّ الضوء الآن على مدى إنسحاب كلام الخوجيّين على حياة تنظيماتهم حيث أنّه بات من المعلوم منذ سنوات أنّ حزب العمّال " الشيوعي " التونسي الذى نفض عنه نعت الشيوعي قبل مدّة الآن شهد صراع خطّين بين ما سمّوه الحزب من جهة و الكتلة من الجهة الثانية و قد أضحت هذه الكتلة مع تطوّرها مشكّلة للحزب الإشتراكي اليساري ( الرأسمالي اليميني في الحقيقة ) الذى لم يخجل من التحالف العلني مع من صار رئيسا للبلاد و قد كان من جلاّدى المعارضة و خادما للنظام البورقيبي و تاليا لنظام بن علي و ذلك بتعلّة التصدّى لليمين الإخواني بينما تحالف الحزب أو ما بقي فيه مع حركة الإخوان المسلمين التونسية بذريعة التصدّى لبن علي . و عقب تبرّء حزب العمّال من نعت الشيوعي و مزيد غرقه في سياسات يمينيّة أبرزها التحالف هو الآخر مع حزب السبسى ، حدث صراع خطّين كبير آخر إنتهى بطرد عدد من المناضلين الذين دعوا لاحقا إلى تأسيس حزب شيوعي جديد .

و لا حاجة لنا هنا للتعمّق في تفاصيل صراعات الخطّين في هذا الحزب الخوجي الدغمائي التحريفي الذى أضحى رئيسه حمه الهمّامي ، لأغراض إنتخابيّة بحتة ، مسلما و مدافعا عن ما إعتبره عظمة الإسلام . و نعود إلى جماعة " هل يمكن ...؟ " لنلقي بعجالة بعض الضوء على مسار المنكرين لصراع الخطّين و المتبنّين لنقاوة الحزب الخوجيّة المثاليّة . فنقول إنّ واقع يوم الناس هذا يكشف لنا أنّ المجموعة التي صدر عنها " هل يمكن...؟" المهزلة باتت شظايا و فرّخت عدّة مجموعات منها ما ظلّت نقابيّة و منها من أمست تنشط في ظلّ حزب و من هذه الأحزاب نذكر الحزب الوطني الإشتراكي الثوري ، و الحزب الإشتراكي الثوري الماركسي اللينيني ، و الحزب الوطني الديمقراطي الإشتراكي ...

يلمسون صراع الخطّين لمس اليد ويعيشونه ( الصراع المرير، بكلامهم فى الصفحة 7 من تقييمهم لنشاط خطّهم) و يشاهدون نتائجه على أرض الواقع الموضوعي و مع ذلك بإعتبارهم مثاليين ميتافيزيقيين ، ينكرون الواقع المادي الموضوعي و يقلبون الحقائق رأسا على عقب و كإنتهازيين إلى النخاع ، يرمون ماو تسى تونغ بسهامهم الدغمائية التحريفية الخوجية و كمخادعين من الصنف الثقيل ، يقدّمون ماو تسى تونغ وهو أحد أعظم قادة البروليتاريا العالمية كبرجوازي صغير لا يرقى إلى أن يكون مناضلا حتّى و يقدّمون أنفسهم و هم غارقون إلى العنق في وحل العداء السافر للشيوعيّة الثوريّة كممثّلين للنقاوة الإيديولوجية . و لا وجود بالتالى لأدنى ظلّ للشكّ في أنّه على كلّ الباحثين عن الحقيقة أن يفضحوا حقيقة هؤلاء المخاتلين المضلّلين للمناضلين و المناضلات و للجماهير الشعبيّة الواسعة . هذا واجب .

7- السلم الإجتماعي المدّعى :

يقول ماو تسى تونغ :" الطبقات تتصارع فبعضها ينتصر و البعض الآخر يقضى عليه . ذلك هو التاريخ ، تاريخ الحضارة منذ آلاف السنين . و تفسير التاريخ حسب وجهة النظر هذه هو الماديّة التاريخية ، ونقيض وجهة النظر هذه هو المثاليّة التاريخيّة ".

( ماو تسى تونغ ، " أنبذوا الأوهام و إستعدوا للنضال " )

و رغم ذلك الوضوح النظريّ ، يقذف الخوجيّون ماو بتهمة أنّه من دعاة السلم الإجتماعي و الوحدة المطلقة مع البرجوازية و هذا هراء لا يصمد أمام الأحداث التاريخيّة . عمليّا ، فى

و عالميّا ، مطبّقين صراع الخطّين على الحركة الشيوعيّة العالميّة ، فى الخمسينات و الستّينات و السبعينات ، إنغمس الماويون فى صراع خطّين لا هوادة فيه ضد التحريفية المعاصرة جملة و تفصيلا فهل " تآكلت" الحركة الشيوعية العالمية ؟ أجل ، أجل " تآكلت " من وجهة نظر التحريفيّين الذين كانوا و هم يخوضون بضراوة صراع الخطّين ضد الماركسيين- اللينينيين ، كانوا يموّهون بالوحدة قبل كلّ شيء و ينعتون مناقضيهم بالإنشقاقيّين و ما إلى ذلك ليخدّروهم و يعزلون عن أوسع المناضلين و المناضلات . و قد أفرز الصراع العالمي ضد التحريفيّة المعاصرة السوفياتيّة منها و الفرنسية و الإيطالية و اليوغسلافية و الإسبانية و الأمريكيّة إلخ حركة ماركسية- لينينية عالمية تشكّلت أساسا على قاعدة نداء الحزب الشيوعي الصيني سنة 1963: " إقتراح حول الخط العام للحركة الشيوعية العالمية ". أجل ، أجل نكرّرها ترسيخا للفكرة " تآكلت " من وجهة نظر التحريفيين لأنّ الثوريين بعد نضال مرير إنفصلوا عن الأحزاب التحريفية ليكوّنوا أحزابا جديدة ماركسية – لينينية . و مرحى لمثل ذلك "التآكل ". و من وجهة نظر علم الثورة البروليتارية العالمية ، كان من الواجب وتاريخ الصين و فى تاريخ الحركة الشيوعيّة العالميّة ، كرّس ماوتسى تونغ نقيض ما ينسب إليه زورا إذ ناضل و بلا هوادة على رأس الطبقة العاملة الصينية و حزبها الشيوعي ضد كافة ألوان البرجوازيّة .

من حارب البرجوازية الإمبرياليّة اليابانيّة التى إحتلّت الصين منذ 1936 ؟ ألم يكن الحزب الشيوعي الصيني و الجيش الأحمر الذى كان ماو تسى تونغ قائده من طلائع المقاومين ؟

من حارب الكومنتنغ الممثل للبرجوازية الكمبرادورية ( الكومنتنغ كان و سون يات سان يقوده متحالفا مع الحزب الشيوعي و مع الأممية الثالثة و كان يمثّل حينها البرجوازية الوطنية ) فى العشرينات ثم خلال الحرب الأهليّة إثر الحرب العالمية الثانية و كانت الإمبريالية الأمريكية تسانده ؟ ألم تكن قوى جيش التحرير الشعبي التابعة للحزب الشيوعي الصيني و التى كانت تحت إمرة ماو تسى تونغ ، و التى محقت قوى العدّو مؤسّسة دولة جمهورية الصين الشعبية ؟

من قاتل الإمبريالية الأمريكيّة داعيا عبر العالم للإطاحة بها باثّا شعار "الإمبريالية نمر من ورق " ؟ من عرّي التحريفية الخروتشوفية و التحريفية المعاصرة عامة الداعيتين إلى السلم الاجتماعي و التحوّل السلمي إلى الإشتراكية ؟ ألم يكن الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو ذاته ؟

من كافح ضد البرجوازية فى كلّ من المجتمع و في صفوف الحزب الشيوعي الصيني ؟ من خطّط للتحويل الإشتراكي و نفّذه ؟ من طرد بفضل الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى جملة من أتباع الطريق الرأسمالي داخل الحزب و الدولة : ليو تشوشى و لين بياو و أضرابهما ؟ ألم يكن الخطّ الثوري للحزب الشيوعي و ماو تسى تونغ قائده ؟ إلخ ، إلخ .

كلّ هذا و غيره ، سنة بعد سنة ، معركة إثر معركة ، صراع فصراع ، حربا فحربا من إنجازات ماو تسى تونغ ( بطبيعة الحال ليس وحده بل كأحد القادة الثوريّين الأبرز للشعب صانع التاريخ ) لإرساء و تعزيز سلطة البروليتاريا ضد البرجوازية بأنواعها و مع ذلك يدعى " نقّاده " أنّه من دعاة الإستقرار و السلم الإجتماعي . كلّ هذه الوقائع العظيمة و الأحداث التاريخية البالغة الدلالة التى سجّلها بل نحتها التاريخ تختفى دفعة واحدة من مجال رؤيتهم . ربّما هم لا يقصدون ماو و الصين و العالم الذين عرفهم التاريخ البشري المعاصر للقرن العشرين ، ربّما هم يقصدون ماو و صين و عالم آخر ليس بمقدورنا رؤيته و الإطّلاع عليه طالما لم نرتدى نظاراتهم التحريفيّة الخوجيّة ، ربّما... و للقرّاء الحكم . و لهم أيضا الحكم على مدى تكريس تنظيم أعداء الماويّة هؤلاء للسلم الاجتماعي ، إذا ما قرأنا ما جاء في وثيقة أعداء الحقيقة بصدد تنظيمهم ، " مشروع تقييم لنشاط الخطّ منذ أواسط الثمانينات " من كون " تركيبة التنظيم ... تضمّ عناصر منحدرة في معظمها من أصل برجوازي صغير و تتميّز بالجبن السياسي و التردّد و التأرجح بين السائد و الثورة الاجتماعية ..." ( الصفحة 10) و أنّ تجربة رمز الخطّ السائد خلال السنوات التي أمضاها وهو عضو في المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل ( إلى تاريخ كتابة تلك الوثيقة ) إتّسمت ب" المواقف اليمينيّة و الإنحرافات " ( الصفحة 6 ) و " الإستسلام شبه التام ...و " الصمت أمام سياسة البيروقراطية التي عملت دائما على تمرير مشاريع السلطة و الإمبرياليّة " ( الصفحة 6) و " المواقف السلبيّة في الهيئات الإداريّة الوطنية " ( الصفحة 7 ) و " المساهمة في خيارات البيروقراطية المزكّية لترشّح بن علي ..." ( الصفحة 7 ) و " الدعاية لصناديق الإمبريالية النهّابة " " و الدفاع السافر على توسيمه من قبل رمز العمالة في تونس " و أخيرا و ليس آخرا " التنظير ... في عدد من الكتابات الصحفيّة إلى الوفاق الطبقي و السلم الاجتماعيّة " !!!

8- جديد الخوجيّين ليس شيوعيّا بل مناهضا لعلم الشيوعية !

و يتابع أصحاب " هل يمكن ...؟ " مغالطاتهم و سفسطاتهم المثاليّة الميتافيزيقيّة فيدبّجون أنّ فى حزب البرجوازية " عناصر تناضل من أجل الجديد ، عناصر شيوعية !!! ". و هؤلاء البارعين فى باب التزوير ينسبون هذا الفهم لماو و هو شيء منهم ما عاد يبعث على الدهشة ، فما تملكتنا الدهشة و نحن نكتشف عندهم أن من يناضل من أجل الجديد هو شيوعي . ربما لا ينطبق هذا المفهوم سوى على الجماعة فهم يأتون "بالجديد " نسبة للمواقف السابقة من ماو و التي وصموها ب"الإرتجالية " فى تمهيد "هل يمكن...؟" فمن زاوية المادية الجدلية لمسنا جوهر و فحوى جديدهم وهو إنكار التاريخ و إنكار الوقائع الدامغة و الواقع الموضوعي و عندئذ إن كان مضمونهم هذا يساوى هويّتهم الإيديولوجيّة أي أنّهم شيوعيون فهنيئا لهم بشيوعيّتهم المزيّفة هذه و لكنّنا أثبتنا للقرّاء و الباحثين عن الحقيقة و لا شيء غير الحقيقة بأنّ شيوعية ماركس و إنجلز و لينين و ستالين و ماو هي الشيوعيّة الحقيقيّة ، الشيوعيّة الثوريّة وهي نقيض للشيوعيّة الزائفة ، شيوعيّة الجماعات الخوجيّة الدغمائيّة التحريفيّة .

+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++