الطيبي يخطو خطوة هامة نحو التغيير


نبيل عودة
الحوار المتمدن - العدد: 6128 - 2019 / 1 / 28 - 15:23
المحور: المجتمع المدني     

الطيبي يخطو خطوة هامة نحو التغيير
نبيل عودة
هذا مقال افتتاحي لمعركة انتخابات هامة قادمة ستؤثر بعمق على مستقبلنا السياسي، وبرامجنا للتطوير الاجتماعي والاقتصادي والخدماتي.
انشغلت وسائل الاعلام بما يحدث داخل القائمة المشتركة، وقرار الدكتور عضو الكنيست أحمد طيبي (القائمة العربية للتغيير) الانفصال عن المشتركة وخوض معركة الانتخابات للكنيست القادمة بقائمة مستقلة مع حلفاء آخرين. لست الآن في مجال طرح الأسباب لخروج الطيبي، لكني ساتناول الموضوع من وجهة نظر فكرية فلسفية.
الفلسفة تدرس التغيير بصفته موضوعا هاما للغاية في المجتمعات البشرية، وفي مسيرة الانسان نفسه. هذا الموضوع يعرف بالفلسفة باسم "فلسفة التغيير"(Philosophy of change). هذه الفلسفة برزت اساسا بالتغير السياسي في المجتمعات البشرية، لكن هذا التغيير له دوره الاجتماعي- الاقتصادي أيضا الى جانب الدور الخدماتي الذي قد يحدثه التغيير ايجابا او سلبا طبعا، لأن الانطلاق من رؤية أحادية الجانب، من اجل التغيير ، دون ربطها بالعوامل العديدة التي تحيط حياة المجتمعات البشرية، وفهم الميول التي تفرض التغيير وملاءمتها للمجتمعات الانسانية هو معيار بارومتري لفهم ايجابيات التغيير او سلبياته. طبعا لن اطيل بالجانب الفكري انما سجلته لمن يريد ان يوسع معلوماته الفكرية حول ما يجري في مجتمعنا أيضا من تحولات عميقة للغاية، ايجابا او سلبا ، في السنوات الأخيرة، واهمية الفرز بين ما هو ايجابي يجب تطويره وما هو سلبي يجب وضع نهاية له. ويمكن الدلالة على ما جرى في مدينة الناصرة من تغيير نقل البلدية من حالة انعزال عن الجمهور الى حالة تواصل.
العالم الفيزيائي الشهير صاحب قانون الجاذبية البرت اينشتاين قال "إذا كنت تفعل ما اعتدت فعله في الماضي، ستحصل على نفس ما حصلت عليه في الماضي". أي ان الفشل يجر الفشل والنجاح يجر النجاح. هنا علينا ان نفرز بدون عواطف. اينشتاين أوضح بشكل جيد حين أضاف "من الجنون أن تفعل الشيء نفسه مرة بعد أخرى وتتوقع نتائج مختلفة عن السابق". من هنا يمكن القول ان الحياة نفسها لا تقف بمكان ثابت لا تتغير، بل التغيير هو قانون غير مكتوب، وهو يشبه الفرق بين الحياة والموت.
مع تشكيل القائمة المشتركة، توقعت تغييرا جوهريا في اساليب النشاط ، وفي نوعية الخطاب السياسي، وفي جاهزية الممثلين البرلمانيين، بطرح افاق جديدة لنشاطهم وخطابهم والقضايا الملحة لمجتمعنا العربي داخل اسرائيل.
طبعا لا اعني زيادة حدة الخطاب السياسي، فهذا لن يغير، ما اعنيه ان خطابنا ظل خطابا متشنجا، استمرار للخطاب التقليدي الذي مارسه الحزب الشيوعي بالأساس، وسار على دربه الحزب الديموقراطي العربي ، والحركة الاسلامية، دون احداث نقلة جوهرية، وتغييرا في تركيبة الخطاب السياسي، وفي طرح قضايا المجامع العربي ، بشكل يضع السلطة اعلاميا على الأقل، امام الواقع المريض لسياساتها العنصرية. لا انفي ان نوابنا بالكنيست زعقوا وطبلوا ومزقوا وصرخوا. وواجهوا عنف اليمين الفاشي، برلمانيا وشعبيا.انا لا ارى بذلك سياسية تحمل رؤية خارج الصندوق المغلق، الذي نعيش تفاصيله منذ اول ممثل عربي دخل الكنيست.
أما اراه اننا ما زلنا نمارس نفس السياسة ونفس الأسلوب منذ 70 سنة. السؤال، ولا اطرحه عداء لأي عضو كنيست حالي او سابق من الوسط العربي. انما اريد ان اقول انه حان الوقت لنبدأ تجربة جديدة، تطور خطاب سياسي جديد ليس تنازلا عن مطالبنا الجوهرية، خاصة القومية، لكن ايضا ليس دفع القضايا الملحة لمجتمعنا الى زاوية شبه منسية، لا تشكل جزءا جوهريا من الطرح البرلماني.
مثلا قضايا التعليم، والعمل والأراضي وميزانيات التطوير للوسط العربي، حسب رأيي، هي قضية وطنية عليا، لا تقل اهمية عن النضال من اجل انهاء الاحتلال ، واقامة دولة فلسطينية مستقلة. وهناك دراسات هامة يهودية وعربية لم يجر الاستفادة منها في الطرح الجاد لهذه القضايا وسبق ان كتبت عنها وسأعود لها مرة أخرى مستقبلا.
حين استعرض نشاط الدكتور احمد طيبي، اجد انه احد افضل اعضاء الكنيست بفهم اهمية المسائل الاجتماعية، الاقتصادية، التعليمية والاستهلاكية، حيث نجده وراء تقديم 12 قانونا متعلقا بهذه المواضيع الملحة. هل افقده ذلك خطابه الوطني؟ اطلاقا بل زاده تعزيزا.
في توجه الطيبي لوزير المعارف بينيت، تقرر تخصيص 500 مليون شيكل لعشرة مدارس ثانوية عربية خلال السنوات الخمسة القادمة. هل التوجه لبينيت جريمة ام حق يجب ان نحصل عليه من سلطة لا مفر لنا الا التعامل معها.
هذا يثبت ان تغيير خطابنا البرلماني، بات ملحا لنصل أيضا لآذان يهودية عقلانية، لأن استمرار التمييز ، واستمرار تجاهل المجتمع العربي ومتطلباته الحيوية، لن يقود الى الاستقرار، بل الى مزيد من العنف ، ولكن معرفتنا الدقيقة بالواقع بكل ما يشمله، هو عامل يضع المسؤولين امام حقائق ليس من السهل الهروب منها، وطبعا ما نحصل عليه ليس حقوقا متساوية، لكن ذلك لا يعفينا من صياغة خطاب برلماني، يخدم مجتمعنا العربي في جميع المجالات وبدون تشنج سياسي..
اذن التغيير هنا بات ملحا وضروريا، وليس رفضا لأي طرف . انما مواصلة الطريق النضالية لكن بالتغيير الذكي لخطابنا السياسي والبرلماني، بالأسلوب والمواضيع ، هذا يفرض الخروج الى طريق جديدة، انا متفائل ان الطيبي يخطو نحو تجربة هامة، تعيد مستقبلا التلاحم تحت اطار فكري وسياسي اكثر رقيا وتطورا. ما كان خلال 70 سنى لم يعد يصلح للتسويق. ولدي الكثير من الحقائق والعينات التي قد اطرحها مستقبلا.
اذن الطيبي قرر ان يخوض تجربة مثيرة. واعتقد انها ضرورية، المجتمع العربي شهد في انتخابات الكنيست انقلابات عمقت الضرورة لاحداث انقلاب ايضا في النهج السياسي، يلائم ما جرى في مسار السلطات المحلية وخاصة في مدينة الناصرة، من نقلة نوعية ، سيكون لها مستقبلا، الكثير من تعميق نهج التغيير الذي يخدم متطلبات مجتمعنا العربي ، في ظل الظروف غير السهلة التي نمر بها، مع حكومة يمين اصولي متطرف وعدواني.

[email protected]