مع الصديق ضياء الشكرجي وحديثه حول النبوة


صادق إطيمش
الحوار المتمدن - العدد: 6128 - 2019 / 1 / 28 - 03:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

مع الصديق ضياء الشكرجي وحديثه حول النبوة
تناول الصديق العزيز ضياء الشكرجي موضوعة النبوة في عدة حلقات حاول من خلالها إيصال هذا المفهوم الى كثير من الناس الذين لم يطرأ على ايمانهم الفطري حول النبوة اي تحول علمي او تفسير عقلي لما يؤمنون به طيلة القرون العديدة الماضية . وما تناوله الأخ ضياء لا يعدو كونه محاولة من الجانب الديني للتقرب حول هذا المصطلح ، بعيداً بعض الشيئ عن جوانبه الفلسفية والتاريخية.
قبل كل شيئ تطرق الصديق الباحث ضياء الى موضوع النبوة دون التطرق الى موضوع الرسالة الذي لم يفرق فيه الكثير من المؤمنين الدينين بين هذين المصطلحين . فقد لا يعلم الكثيرون بان كل رسول هو نبي بالمفهوم الديني ، إلا انه لا يمكن القول بان كل نبي هو رسول إنطلاقاً من نفس المفهوم. لذلك فإن الأنبياء الستة الذين يقرهم الإسلام بانهم حملة رسالة سماوية وهم آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد نالوا درجة خاصة من التقديس لم يحظى بها الأنبياء ، من وجهة النظر الإسلامية ايضاً، مثل لوط او اسحق او سليمان وغيرهم الكثيرون من الأنبياء الذين شغلوا المرتبة الثانية بعد هؤلاء الستة.
وحينما يتحدث الباحث ضياء الشكرجي عن ان النبوة امر ممكن إلا انه يفتقر الى الدليل على تصديقه ،اي ان النبوة ، كما عبر عنها ، من ممكنات العقل وليس من ممتنعاته، ومن خلال السرد الذي اورده في النصوص، فإن المتلقي الذي يفتقر الى التعمق في الفكر الديني يتبادر الى ذهنه الرسول الذي يؤمن به هذا المتلقي ، والمقصود بشكل اساسي رسول الإسلام عند المتلقي المسلم.
من وجهة نظري ارى ان مناقشة مسألة كهذه مناقشة ثيوقراطية بحتة سوف لن يوصلنا لتحقيق الهدف المنشود من هذا الطرح والمتعلق بإيضاح مفهوم النبوة والرسالة من وجهة النظر العلمية الفلسفية التي قد تعطي لهذا المصطلح بعداً آخر غير ذاك الذي يستهدفه التوجه الديني ، بحيث تصبح المسألة ليست مسألة ايمان بالنبوة او عدمه ،بل تنتقل الى مسألة الهدف من النبوة او الرسالة.
ولمناقشة هذا الهدف ارغب بمعالجة هذا الموضوع معالجة تنطلق من معطياته التاريخية التي جاءت بالمصطلحات التي اكتسبت قدسية معينة جعلتها تشكل ركناً اساسياً من اركان العبادات الدينية التي تحولت الى شرائع لا يمكن تخطيها. وعلى هذا الأساس لابد لنا من مناقشة مدى تعلق اطروحة النبوة او الرسالة ببعدها الإجتماعي الذي يشكل هدفها الأساسي .
النبوة او الرسالة اطروحة تسعى لقيادة الناس نحو إيمان معين تضعه موضع القداسة التي لا يرقى اليها الشك . ولكن كيف يمكن اثبات هذه القداسة ؟
يمكننا القول بان الحضارتين البابلية في وادي الرافدين والفرعونية في بلاد النيل قد وضعتا الأسس الاولى لهذه القداسة حينما ربطتا بين الخيال والواقع ، او حينما حولتا الخيال الى واقع معاش . وحينما نتجاوز الحضارة الفرعونية التي ساهمت بتطوير فكرة التوحيد بشكل اساسي ، فلابد لنا من التركيز على الحضارة البابلية التي عالجت موضوع النبوة والرسالة الإلهية بتفصيل اكثر، بحيث حولت هذا المفهوم الى ممارسة عملية في الحياة اليومية .
المسّلة الشائعة لحمورابي وما تعكسه من اللقاء بين الملك حمورابي وآلهة الشمش اعطت لحمورابي قدسية خاصة استطاع من خلالها تحقيق ما جاء في مخيلته من انه المختار من قبل الآلهة لتنفيذ مشيئتها. هذا الخيال الذي لم تتخلص منه الكثير من المجتمعات ، وخاصة المجتمعات الإسلامية حتى يومنا هذا، الذي يمارس فيه الحكام مختلف انواع الحسف والظلم والإضطهاد وحتى السرقات باسم الآلهة وتفويضاً منها ، كما يعلنون عن ذلك من منابرهم اليومية التي اصبحت مواقع تخدير لا تنوير. إن استلام حمورابي للتعاليم الإلهية التي صاغها على شكل قوانين احتوتها مسلته اعطت للإنسان البابلي مؤشرين اساسيين. اولهما ان حمورابي هو المختار من قبل الآلهة لإيصال رغباتها واوامرها الى عبدتها وما عليهم إلا الطاعة والإلتزام. وثانيهما ان هذا المختار هو ليس بانسان عادي ، بل انه ذو قدسية منحتها له رسالة الآلهة التي اختارته لهذه المهمة . إن تحقيق هذا المخيال لينعكس على شكل قوانين لها مفعولها الإجتماعي وانعكاستها على الحياة اليومية للإنسان البابلي جعل منه ، اي من هذا المخيال ، سنة وشريعة انعكست من خلال نبوة او رسالة موسى الذي سلك نفس النهج الحمورابي باستلام التعاليم الإلاهية . اي ان نبوة موسى تستند في محتواها على قدسية العلاقة بين النبي في الأرض والآلهة ، وهنا يهوا ، في السماء. فهل يمكننا في هذه الحالة تجريد النبوة من محتواها البشري الذي عكس مخيلته في القدسية التي سعى الى اكتسابها من السماء التي كوّن معها علاقة خيالية؟ بعبارة اخرى هل يمكننا الإتفاق مع الباحث الصديق في جعل النبوة من الممكنات العقلية ، بعد ان تأكدنا بانها من الإنجازات الخيالية للإنسان ؟ قد يكون من الممكن اعتبار النبوة من الممكنات العقلية فيما لو ارجعنا المخيال الى العقل . إلا اننا في هذه الحالة يجب علينا التأكيد ان سروح العقل في خيالاته لا يمكن ان يقودنا الى الحل الذي نريده لمجتمعاتنا اليوم ، خاصة المجتمعات الإسلامية، التي ترزخ ومنذ قرون عدة ، تحت المآسي والنكبات والتخلف القاتل . اي ان التأكيد على هذا الممكن العقلي دون مناقشة مدى مبررات وجوده سوف لن ينقذنا من الويل الذي نحن فيه . مع تحياتي واحترامي للباحث العلمي الصديق ضياء.
الدكتور صادق اطيمش