تشكيك منظر للإرهاب في أركان الإسلام الخمسة


رابح لونيسي
الحوار المتمدن - العدد: 6123 - 2019 / 1 / 23 - 23:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تشكيك منظر للإرهاب في أركان الإسلام الخمسة

البروفسور رابح لونيسي


يعرف المسلمون منذ سنوات نقاشا كبيرا حول التراث الديني الإسلامي، ويسعى الكثير من المفكرين والباحثين إلى تفكيك هذا التراث، وهي نفس الظاهرة التي عرفتها أوروبا في عز بدايات نهظتها بالنسبة لنصوصها الدينية، فقد ثار نقاش كبير وتشكيك في الحديث المنسوب لسيدنا محمد(ص) حول الأركان الخمس للإسلام، فإن كان المتابع يتفهم نقاشات وتشكيك الليبي الصادق النيهوم مثلا حول هذه الأركان الخمس، ويراها طبيعية، إلا أنه سيستغرب نفس المتتبع في تشكيك المصري فرج عبدالسلام الذي يعد أحد أبرز منظري الجماعات الإرهابية المعاصرة عندما يقول في كتابه "الفريضة الغائبة" الصادر في منتصف سبعينيات القرن الماضي بأن أركان الإسلام هي ستة، وليست خمسة مضيفا ركنا سادسا هو "الجهاد"، فبشكل مثير للضحك يقول فرج غبدالسلام في كتابه بأن جبريل عليه السلام نسي ل"سوء الحظ" (أي بهذه العبارة المثيرة للتعجب)، بأن "يبلغ الرغبة الإلهية في جعل الجهاد أبدي"، أنه أمر مضحك ما يورده فرج عبدالسلام في كتابه، وكأن الله جل جلاله عاجز، وأنه مثل البشر، مما يدل على مدى ضحالة إيمان هؤلاء بالعظمة الإلهية، فيصورونه كأنه يتصرف مثل البشر، فإن كان سيد قطب قد مهد لفكرة تكفير المجتمع في كتابه "معالم في الطريق" في منتصف ستينيات القرن الماضي معتبرا مجتمعاتنا مجتمعات جاهلية يجب مقاطعتها والإنعزال عنها لبناء ما يعتبره "الجماعة الإسلامية"، فإن فرج عبدالسلام أدخل هذه الجماعات في إرهاب دائم من خلال كتابه "الفريضة الغائبة" بإعتباره أن "الجهاد" ركن سادس من أركان الإسلام، فهو بذلك مفروض في نظره على كل مسلم مدى الحياة، فكلام فرج عبدالسلام معناه أن على كل مسلم ممارسة العنف المسلح كي يفرض مفهومه وممارساته للدين على الآخرين حتى يعتنقه جميع البشر بالقوة طبعا حسبه، وليس عن قناعة، ونسي كل هؤلاء أنه لم يورد إطلاقا في القرآن الكريم كلمة الجهاد بمفهوم القتال، فعندما يتحدث عن القتال يقول "قاتلوهم"، وليس "جاهدوهم"، أما الجهاد، فمعناه بذل الجهد.
ففي الحقيقة قد وقع في التاريخ الإسلامي تقزيما لمفهوم الجهاد، ولو عدنا إلى القرآن الكريم لن نجد إطلاقا أية آية تنص صراحة على الجهاد بمفهوم القتال كما هو مشاع اليوم، ويقصد عادة بالجهاد بذل الجهد العقلي والنفسي والبدني من أجل التعمير والبناء بحكم أن الإنسان خليفة الله في الأرض، لكن في حالة الإشارة إلى العنف فإن القرآن الكريم يقول "وقاتلوهم" أو"القتال"، وأتحدى أي كان أن يأتينا بآية واحدة ورد فيها كلمة "الجهاد" بمعنى العنف والقتال بوضوح تام لا تحتمل أي تأويل آخر، لكن يبدو أن القوى الغربية تدرك جيدا المفهوم الإيجابي والتعميري لكلمة الجهاد، فسعت إلى تقزيمه أكثر بربطه بالإرهاب، فأنتجت في مخابرها مصطلحات "الحركات الجهادية" و"الجهاديين" فأطلقتها على هؤلاء الإرهابيين، ليسوقها البعض منا دون أن يدركوا مخاطر وأبعاد ذلك في إطار حرب المفاهيم والمصطلحات.
فمن غير المستبعد أن يكون للأمويين دور كبير في إختلاق أحاديث تحرف مفهوم الجهاد، وتعطيه قدسية كي يستغلون ذلك في توسعهم الأمبرطوري بغزو الشعوب والأمم تحت غطاء نشر الإسلام، فحتى تسليم المسلم في نهاية صلاته الذي هو في رمزيتها الكبرى إعطاء المسلم الأمن والسلام إلى كل البشر مهما كان دينهم ولسانهم وعرقهم وغيرها عندما يقول "السلام عليكم" ملتفتا يمينا ويسارا، لكن أشاع كهنة الأمويين فكرة بأن ذلك سلام على الملائكة، وكأنها تحتاج إلى ذلك.
فبشأن الأركان الخمسة للإسلام، يسمع أغلب المسلمين بهذا الحديث المنسوب للنبي محمد(ص) أين يسأل فيه جبريل سيدنا محمد(ص) حول أركان الإسلام والإيمان، ويجيبه بأن أركانه هي خمسة:الشهادة والصلاة والزكاة والصوم وحج بيت الله الحرام لمن أستطاع إليه سبيلا، فقد روى هذا الحديث محمد البخاري الذي شكك في وجوده المغربي رشيد إيلال في كتابه "صحيح البخاري-نهاية أسطورة-" أين دحض علميا وبدقة متناهية بأن صحيح البخاري تم تأليفه من عدة أشخاص عبر قرون بإنقاص وإضافة أحاديث منسوبة إلى سيدنا محمد(ص)، ويقول رشيد إيلال أن شخصية البخاري أسطورية، وأن كل ما يروى عنه غير منطقي، ويرى بأن هناك مؤامرة من خلاله على القرآن الكريم، حيث تحول صحيح البخاري إلى كتاب أهم من القرآن الكريم عند الكثير من المسلمين رغم كل تناقضاته ولاعقلانيته، وكأنه يراد من خلاله تحويل المسلمين عن الكتاب الأصلي لدينهم، وهو القرآن الكريم، فكتاب المغربي إيلال يحتاج إلى قراءة متأنية بسبب علميته ودقته الأكاديمية، ويظهر إيلال من خلال كتابه بأنه ممن يسمون أنفسهم ب"جماعة القرآنيين" التي لا تعترف إلا بالقرآن الكريم فقط.
فإن كنا نتحدث عن القرآن الكريم فلايسعنا إلا الإشارة إلى العالم الصوفي السوداني محمود محمد طه مؤسس "الإخوان الجمهوريين" في ستينيات القرن الماضي حيث قسم القرآن الكريم في كتابه "الكتاب الثاني" إلى نوعين وهما: الآيات المكية التي هي أبدية-حسبه- لأنها تضم فقط المباديء الكبرى للإسلام دون أي تفاصيل تذكر، مما يجعلها صالحة لكل زمان ومكان، لكنه يرى أن الآيات المدنية هي ظرفية، وجاءت لتسيير شؤون دولة المدينة للرسول (ص)، وهي لاتصلح في نظره لحياتنا المعاصرة، وقد استهدفت محاولة محمود محمد طه التخلص من بعض أحكام الشريعة الإسلامية التي يعتبرها البعض بأنها وضعية مادام أنها منتوج بشري وضعت من إجتهادات عقلية للفقهاء، فهي مجرد تأويلات منهم للنصوص الدينية، وتتحكم فيها ظروف هؤلاء الفقهاء وأيديولوجياتهم وإنتمائهم الطبقي ومصالحهم وثقافتهم وعلاقتهم بالسلطة وغيرها من العوامل، فماهي في نظر هؤلاء إلا منتوج بشري مثلها مثل تلك الأحاديث التي تقال أن البخاري وغيره جمعها، والتي ماهي إلا منتوج بشري أيضا، وذلك على نقيض القرآن الكريم الذي هو نص مصدره إلهي كما يرى رشيد إيلال في كتابه "البخاري- نهاية أسطورة-".
يعد الليبي الصادق النيهوم أول من شكك في أرٍكان الإسلام الخمسة معتبرا بأنها أكثر من ذلك، فالبعض من هذه الأركان قد طمسها-حسبه- الأمويون بعد أخذهم السلطة، لأنها لاتخدم مصالحهم خاصة مثل الشورى والتوزيع العادل للثروة وغيرها، ويطرح النيهوم في مختلف كتاباته في مجلة الناقد في الثمانينات نقاشات حادة مشككة في الكثير من الممارسات الإسلامية اليوم التي يراها أنها إنحراف عن حقيقة الإسلام وجوهره، وهو صاحب متاب "إسلام ضد الإسلام"، وهو شبيه بعنوان كتاب الإيراني علي شريعتي "دين ضد الدين"، فكلاهما يرون أن الأمويون أنتجوا دينا آخر لخدمة مصالحهم السلطوية على حساب الإسلام الأصيل الذي جاء به سيدنا محمد(ص)، لكن يطبق شريعتي ذلك على كل الأديان السماوية بما فيها الإسلام التي أختطفها المستبدون والإستغلاليون بعد وفاة الأنبياء الذين جاءوا بها، ثم وظفها هؤلاء المستبدون والإستغلاليون لخدمة مصالحهم بالتواطؤ مع كهنة دينيين أو فقهاء، وهو ما يسميهم ب"المؤسسة الدينية الرسمية".
يذهب الصادق النيهوم أبعد من ذلك في طروحاته عندما يشكك مثلا في طريقة أداء صلاة الجمعة، وحاول الإثبات أن صلاة الجمعة في أصلها لم تكن بهذا الشكل، بل كانت يوما أسبوعيا لمراقبة ومحاسبة الحاكم، وينطلق في طرحه من عدم معرفتنا وتسجيل خطب الجمعة لسيدنا محمد (ص) في الوقت الذي أصر فيه الصحابة على جمع وتتبع كل أقواله وأفعاله، ويمكن الإستدلال بمحاسبة رجل لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء صلاة الجمعة حول القميص الذي لبسه، أو معارضة المرأة له حول إجتهاده في الصداق في يوم جمعة، ويقول النيهوم أنه كان يشارك في إجتماع الجمعة المسلمين وغير المسلمين، لكن تم الإنحراف عن ذلك كله بعد وصول الأمويين إلى السلطة، فأبتدعوا حديث منسوب إلى النبي(ص) الذي يعتبر أن كل من تكلم أثناء خطبة إمام الجمعة فصلاته باطلة، وذلك كوسيلة من الأمويين لترك السلطان وحده يتحدث ومنع الناس من محاسبة الحكام، فلم يكتف النيهوم بإتهام الأمويين بطمس أركان أخرى للإسلام، بل مسوا حتى طريقة أداء المسلمين بعض شعائرهم الدينية خوفا على مصالحهم السلطوية لاغير، وقد ذهب البعض إلى القول بأن النيهوم هو الذي ألف "الكتاب الأخضر" للقذافي مادام أن حتى هذا الكتاب يطرح الديمقراطية المباشرة على طريقة أثينا، وتشبه الجمعة التي هي يوم لمحاسبة الحكام وممارسة هذه الديمقراطية المباشرة مثل أثينا-حسب النيهوم-، لكن دحض ذلك التونسي الصافي سعيد في كتابه الأخير" القذافي- سيرة غير مدنسة-" الذي صدر في ديسمبر الماضي، وأعتبر أن نسبة الكتاب الأخضر للنيهوم ليس صحيح ومحاولة لتشويه القذافي الذي حسب الصافي سعيد عالي الثقافة، وهو الذي كتب "الكتاب الأخضر"، ويشبه أسلوب الكتاب الأخضر كتابا ألفه القذافي وهو ضابط شاب في بداية الستينيات عنوانه "أراء جديدة في التعبئة ومباديء الحرب".
نعتقد أن كل هؤلاء الذين شككوا في مدى علاقة الإسلام الممارس اليوم بالإسلام الذي جاء به سيدنا محمد (ص) قد تعرضوا لنقد شديد، بل حتى التكفير، فأعدم نظام جعفر النميري العالم الصوفي محمود محمد طه في بداية السبعينيات كي يرضي جماعة حسن الترابي، لكن لما لم يتعرض للتكفير أحد أكبر منظري الإرهاب، وهو المصري فرج عبدالسلام صاحب كتاب "الفريضة الغائبة" الذي يرى أن أركان الإسلام هي ستة، وليست خمسة كما سبق أن أوردنا ذلك من قبل؟.
ونقول في الأخير، بأنه لايمكن معرفة الإسلام الأصيل والوصول إلى حقيقته كما جاء به سيدنا محمد(ص) إلا بالحفر في العمق وتطهيره من كل ما ألصق به من ركام تحت غطاء أنه تراثا دينيا أعطيت له قداسة، ونعتقد ان للأمويين دور كبير في ذلك التحريف الكبير الذي وقع للإسلام في تاريخه ومفاهيمه وممارساته خدمة لمصالحهم السلطوية والإستغلالية، ثم واصلها الآخرون بعدهم لأن لهم نفس المصالح حتى ولو كانوا ضد بني أمية بداية من العباسيين إلى أنظمة الإستبداد والإستغلال اليوم، فعملية الحفر بهدف تطهير الإسلام من كل هذا الركام المسمى ب"التراث الديني" ستصطدم أيضا بكل الحكومات المستبدة والإستغلالية لأنها تمس بمصالحها.

البروفسور رابح لونيسي