إشكاليات فى فكرة الإله-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 6109 - 2019 / 1 / 9 - 20:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (83) .
- ثلثمائة حجة تُفند وجود إله - من 283 إلى 297 .

هذا المقال ياتى ضمن سلسلة ثلثمائة حجة تُفند وجود الإله والتى بدأت بخمسين حجة ثم إمتدت لمائة , فمائتين حجة وهانحن نقترب من إتمام الثلاثمائة .. قد يلاحظ البعض إعتنائي الشديد بنقد فكرة الإله والأديان لأقول انها أكبر وأهم فكرة إنسانية تم طرحها منذ مهد البشرية ومازالت تهيمن على تفكير ملايين البشر فلما الإستغراب من الإهتمام والتعاطى معها .
لا توجد أى مشكلة من إعتناق الكثير من البشر لفكرة الإله وإن تغيرت أسماءه فهذا من حرية الفكر والإعتقاد , ولكن تبرز المشكلة من تأثير فكرة وجود إله على العقلية والنفسية الإنسانية فهذه الفكرة تُشكل فكر وأداء ومنهجية سلوك شديدة الضرر على الحالة الفكرية والعقلية والسلوكية أى على الحالة الذهنية والنفسية للإنسان , وقد تناولت فى مقالاتى إشارات لفداحة إنتهاك الإنسانية وتدميرها على إثر حضور فكرة وجود إله فى الحياة كونها فكرة تسلطية قديمة مازالت تحمل نفس مفردات ترسيخ الهيمنة والإستبداد والقهر , لذا أعد ببحث شامل يتناول الآثار الضارة والتخريبية لفكرة إله فى عالمنا وحياتنا .

دعونا نكمل نقدنا لفكرة الإله مع وعد بمد هذه السلسلة إلى ربعمائة حجة فنحن أم فكرة مليئة بالتناقضات والثقوب وكلما تناولنا جزئية تداعت باقي الأجزاء .
283 - الله كيان غير مادى .. ماذا يعنى اللامادي , وماهو تعريفكم للامادى , وكيف أمكنكم معرفتكم للامادة , وكيف يكون الإله لامادي وكل مادونته الكتب الدينية تصف حراك وفكر وأداء مادى , كما أن كل صفاته هى صفات مادية إنسانية , كذا من صفاته الغير محدود والأزلي والأبدي وهذه الأشياء مرتبطة بوجود مادي .. لن تجد أحد يجيب فهى إفتراضية لخلق كيان مفارق فوقى بعيد عن المنال لتحصين الفكرة .
فكرة الإله شديدة الغرابة والتهافت فلو سألتك ما جدوى وجود إله وكان لك القدرة على التأمل العميق فقد تصل لنفس رؤيتى أنه بلا جدوى فتصير فكرة الإله عبثية وبلا معنى أما إذا وجدت أن الإله ذو جدوى لوجودك فهنا أنت بددت الألوهية والإطلاق والكمال أيضا فقد صار الإله المطلق فى إطار تلبية الغاية والحاجة والإحتياج .

284 - الله صنع الكون إما أنه صنعه لهدف فيكون في حاجة مؤكدة لتحقيق هذا الهدف , أو يكون صنعه بلا هدف فيصبح الصنع عبثاً , في الحاله الأولى يكون الله محتاج , وفى الثانية يكون خلقه عبثاً, لاحظ أن مقولة أن الله خلق الكون والوجود وهو فى غنى عنه قول يحرر الله من الحاجة والغاية فيجعله كاملاً غنياً مستغنياً ولكن سيدخله فى دوائر العبث واللامعنى .

285 - عندما نستخدم مصطلح الزمكان فإننا ننطلق من فهم عام لنظريه اينشتاين التي تعتبر أن الزمان والمكان مرتبطان فقد نشأ الزمان في لحظه تكون المكان وهنا نقصد به البدأ بتكون الماده أي لا وجود لزمن بدون مكان أو بدون وجود حيز مادي للكون لذا يشترط لوجود زمان وجود مكان والعكس صحيح .. هذا يعنى إستحالة الخلق وزمن الخلق .

286 - أحد التناقضات الإلهية أيضاً هي فكرة الخلق بحد ذاتها والتي يعني بها السادة المؤمنون إيجاد الشيء من اللاشي أى من العدم على إفتراض أن الإله المزعوم هو مُوجد هذا الكون ، فتصبح نظريتهم في الوجود أن الإله أوجد كل شي من العدم بالرغم أن كتبهم المقدسة لم تشير لذلك بل إقتصرت على فكرة الإله الصانع .
التناقض الواضح في مقولة إيجاد الشئ من العدم أنه لا يوجد شئ إسمه "عدم" , علاوة أنهم إعتبروا العدم وجود بالرغم أن مقولة العدم تعنى اللاوجود ,أضف لذلك عدم صحة الحديث عن "عدم" مع فرضية أزلية وجود الإله ولا محدوديته أى لا مكان لما يسمى عدم ليتواجد ويَشاركه ويَحد وجوده .

287 - اين خلق الله الخلق ؟
طالما هناك سرد عن الخلق فيحق سؤال : أين خلق الله الخلق ؟ كل إجابات المؤمنين إذا كان لديهم إجابة فلن تخرج عن أمرين : إما سينزلقون إلى تعدد اللاهوت المطلق أو نقض اللاهوت المطلق .!
لم يجاوب على هذا السؤال أو يقترب منه غير الفكر الوهابي الذي يقول : إن الله خلق الخلق خارجاً عن الذات ولكن هذا يعني تعدد الآلهة حتماً , لأن هذا الخارج لا يخلو إما حادث أو أزلى , فإذا كان أزلياً قديماً تعدد اللاهوت , واذا كان هذا الخارج حادثاً فأين خُلق وهكذا يتسلسل لينتهي الأمر بتعدد اللاهوت المطلق .
الجواب الثاني المحتمل أنه خلق الخلق في الذات وهذا يعني أن الذات صارت محلاً للحوادث , وهذا يعني حدوثها ونقض اللاهوت المطلق .
يمكن صياغة هذه الإشكالية بصيغة أخرى فللخلق مكان بلا شك ,فالمكان والخلق متلازمان فلا خلق بدون مكان , ولكن العكس ممكن بإمكانية وجود مكان بلا خلق , أى مكان بدون مخلوقات , المكان الذي فيه الخلق هو مخلوق أيضا فالكلام يكون بالعموم , ولكن هل المخلوق بعمومه في كل مكان ؟ أم أنه في مكان ما ؟ فجوابه يكون بالعموم ايضا , وإلا ستقول أن الخلق في كل مكان والمكان كل الخلق , وهذا يسمى الدور والدور عند أهل الكلام باطل .

288 - الزعم الإفتراضى الوهمى أن الله خلق الوجود لم يحل إشكالية الخلق , فخلق الوجود والحياة يلزمه مكان لنسأل من خلق المكان ولنستمر فى إشكالية التسلسل اللانهائى للأمكنة .!

289 - عندما نسأل : هل خلق الله الزمان فسيرد المؤمن ويقول الله خلق الزمان والمكان قبل أن يوجدا ,فهو واجد الوجود .
بداية هذا السؤال والإجابة خاطئة , فالزمان لم يُخلق فهو علاقة مع المكان وليس وجود مستقل , فلا زمان بدون مكان وعليه خطأ مقولة خلق الزمان أيضا , فهناك وجود قبل الخلق يسترشد منه الإله على الزمن أى وجود يحكم به الإله ساعته وزمانه .
مقولة أن الله خلق الزمان قول غير منطقى وغير صحيح أيضاً لأن كلمة (خلق) هى ماضى , والماضى (زمان) لذا القول غير منطقى وغير صحيح لغوياً , كذا اذا قلنا (متى) خلق الله الزمان فهذا القول ايضا غير منطقى وغير صحيح لأن (متى) واقعه تحت طائلة الزمن كونها سؤال عن الزمن وبالتالى السؤال غير منطقى وغير صحيح لغويا , ومن هنا فمسالة خلق الله للزمان غير منطقيه وغير معقوله لغوياً .
أضف لذلك بأنه إذا كان الله أزلي فرضاً فيعنى أن الزمان أزلى فكيف خلق الله الزمان وهو لانهائى مثله .

290 - هذه الخربشة مستلهمة من سؤال للأخ سعيد الجزائرى الذى سأل كيف عبرت المادة اللانهاية طالما المادة أزلية .. فات صاحبنا سعيد فكرة أن الذى يعبر هو الكيان الواعى بالزمن بينما المادة غير واعية لتدرك أنه تعبر , ليحق سؤالنا اذا كان الله أزلي وواعى فكيف استطاع أن يجتاز اللابداية حتى يصل إلى اللحظة التي خلق فيه الكون ؟!
معنى الأزلية هو الوجود من دون بداية بمعني قبل وجود الكون بمليار سنة أو مئة مليار أو مليار مليار سنه أو قبل أي رقم وقبل أي لحظة كان وجود , وتفسير ذلك بشكل رياضي بسيط أنه قبل خلق الكون بثانية كان موجود و قبلها بثانية وقبلها بثانية وهكذا الى مالا نهايه مما يجعل من المستحيل العقلي أن يصل الى الثانية التي خلق فيها الكون , وإذا احتج أحدهم بأن الله كان موجود قبل الزمان سنطبق نفس المبدأ على الزمان يعني بمجرد أن تستعمل كلمة قبل معناها وجود مدة وهذا تناقض يبطل كلامه , وإن قيل لا يجري عليه زمان ولا يجوز في حقه كلمة قبل و بعد فهذا معناه أنه لم يكن موجود قبل العالم ولا بعد العالم وهذا مؤداه أنه غير موجود و لم يوجد أصلاً.

291 - الله بوصفه خالقا للكون والكون يتحرك وفق قوانين تنظمه لأنه ليس عشوائيا فهو من أرسى هذه القوانين في الكون بوصفه خالقاً لها فرضاً والنتيجة المترتبة على هذا أن الله بوصفه من أرسى القوانين المسيرة للكون والواقفة خلف الظواهر التي تحدث فيه فرضاً فلا حاجة لأن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة إذ لا معنى لأن يجعل الكون متحركاً وفق هذه القوانين وفي الوقت نفسه يتدخل بنفسه لتسييره , فالقوانين متكفلة بتسييره بدون تدخله وهذا فكر الربوبيين .
التفسير الذي يعطي الأولوية للقوانين التي تقف خلف الظواهر تضع فكرة التدبير والقدرة الإلهية للكون لاهوتيا على المحك فهناك حدود وقيد على إرادة وقدرة ومشيئة الإله بالرغم من أنها تحرر الإله من مسؤوليته عن الكوارث الطبيعية وما يترتب عليها من قتل ودمار .

292 - الله ليس كمثله شئ .
تناولت فى حجة سابقة أن مقولة أن "الله ليس كمثله شئ" تمحو وتنسف كل الأديان والمفردات الإيمانية به فأى إدعاء بأنه عادل رحيم كريم ألخ مثلا لن تكون صحيحة لوجود مثيل بغض النظر عن نسبيته ,كذا مقولة الله ليس كمثله شئ تعنى أنه لاشئ .
مدخل آخر لنقد مقولة الله ليس كمثله شئ فليس من المنطقي القول أن الله واحد و في نفس الوقت نقول ليس كمثله شيء ! فإذا كان الله واحد فلابد أنه خاضع للتعداد يعني لابد أن يخضع للزمان والمكان وإذا كان خاضعاً للتعداد يعني أنه شيء , أما إذا كان ليس كمثله شيء فيستحيل أن نقول عنه واحد لأن أصل الأعداد وضعها الإنسان للأشياء وبالتالي من المستحيل أن نفصل العدد عن الشيء .. لذا عندما يسخر المسلم من إعتقاد المسيحى بأن الله ثلاثة فى واحد فهذا يعنى أنه يقر بنفس فهم المسيحى بأن الله شيء ولهذا مستحيل أن يكون مجموعة ثلاثة أشياء شيئأ واحداً .

293 - حجة الماهية .
مفردة (الله) لدى المؤلهين ذات إحتمالان متناقضان والتناقض يلزم بالبطلان , فإما أن يكون (الله) محدد بماهية أو زمانية أو مكانية أو أي ظرفية أو حدود أو مقاييس معينة وهذا ما ندركه ونتلمسه فى الكتب الدينية ، وحينها سيكون (الله) نسبي الوجود محدود الإمكانية والتأثير وهذا يتناقض بالتأكيد مع كونه خالق ومحيط ومُطلق الوجود , أو يكون (الله) غير محدد بماهية أو زمانية أو أي ظرفية أو حدود أو مقاييس معينة , وحينها يكون (الله) لا شيء لأنه ببساطة هذه صفات اللا شيء .

294 - الذات والمطلق .
يستحيل أن يكون الإله بفرض وجوده ذات ومطلقة فى آن واحد فهو إما ذات وإما مطلق فلا يمكن الجمع بين هذين الضدين , فالكمال والمطلق معنى من المعاني يتعارض مع الذاتية , فالذاتية ماهيتها مُحددة فلا يمكن أن تكون بغير حدود , والإله لو كان موجوداً وجوداً مطلقاً بأي صورة من الصور لا يمكن أن تكون له ذات واعية بمعني لو كان الإله أزلي أبدي أى بلا بداية أو نهاية فلا يمكن أن يكون إلا الزمان نفسه والزمان علاقة لا عقل لها وليست بذات , ولو كان الإله يملأ كل الأماكن فهذا يعني أنه هو المكان نفسه , والمكان لا عقل له ولا ذات , أي لو كان الإله الزمان نفسه والمكان كله أي ما نطلق عليه الزمكان بشكل مطلق فهذا يعني أنه الوجود ذاته ولكن الوجود ليس ذاتاً ولا عقل .

295 - لنفس الأسباب لا يمكن ان يكون الإله خيراً بصورة مطلقة, فالإله سيكون حينها معنى وليس ذاتاً عاقلة لأن الإطلاق ضد الذاتية والذاتية ضد الإطلاق , وهذا سيضطرنا للقول أن الإله لو كان موجوداً فلا يمكن ان يكون خيراً مطلقاً أو كاملا او كلياً بل نسبياً ناقصاً كالبشر وفى حال فرضية أن يكون مطلقاً وكاملاً فسيكون بلا ذات و بلا عقل .

296 - لا يوجد شئ اسمه كلى الخير , كلى القدرة , كلى العلم , كلى المشيئة فهى لا تزيد عن عبارات مدح وتفخيم فارغة , فالكليات تنفى وجود الضد وتلغى وجوده تماماً بينما للضد صور وأشكال حاضرة فى صفات الإله ذاته فهو المعز المذل مثلا , بل الضد هو الذى منح الصفة إمكانية الوجود والمعرفة والتمايز والمفارقة وإلا كيف عرفناها .

297 - لا يوجد هذا الهراء الذى يُدعى صفات مطلقة للإله فهى لا تزيد عن سفسطة وشطحات اللغة فيكفى القول بأن تفعيل الصفة لها سقف محدود بمحدودية الإنسان , فمجال حراكها ونشاطها محدد بالملعب الإنسانى وحدوده , فالله سيغفر كل الذنوب وسيرحم كل العباد مهما فعل البشر من ذنوب لتقف فى النهاية عند البدايات والحدود البشرية فكيف نقول أن المغفرة والرحمة والعدل ألخ صفات مطلقة بينما هى محددة بوجود وحراك وحجم فعل الإنسان .
ما يثبت أن فكرة الإله المطلق سفسطة لغوية بلا معنى أن أى صفة إلهية فى إطلاقها لا يمكن تحقيقها فعندما نقول الله كلى العدل والمغفرة فهذا يعنى أنه مطلق فى عدالته أى لا يوجد شئ يحد تحقيقه العدل والمغفرة ولكن هاتين الصفتين لايمكن أن يتحققا فى المطلق فلو تحقق العدل المطلق فلن تتحقق الرحمة والمغفرة المطلقة والعكس صحيح , كذا القضايا موضع العدل والمغفرة محددة ومحدودة فهو لن يحقق العدل إلا على الإنسان فقط وليس على آلهة أخرى بحكم أنه إله واحد والإنسان في النهاية صاحب قضايا صغيرة مُحددة فكيف نقول الله مطلق العدل .

دمتم بخير.
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .