الرئيسُ يضمُّ المحرابَ والمذبح


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 6108 - 2019 / 1 / 8 - 15:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

فاطمة ناعوت
Facebook: @NaootOfficial
Twitter: @FatimaNaoot

همستُ في أُذن الجالسَ إلى جواري قائلة: “أراهنُك بأن الرئيسَ سيدخلُ علينا القاعةَ، بين لحظة وأخرى”. فهمس لي قائلا: “تخسرين الرهان. عديدُ الموانع السياسية تمنعه. لماذا تكلّفوه بما لا يستطيع!” وبعد برهة، سمعنا صخبًا وهتافاتٍ. رفعنا عيونَنا إلى شاشات المونيتور المُعلّقة أمامنا والمربوطة بكاميرات خارجية، فشاهدنا الرئيسَ عبد الفتاح السيسي يهبطُ من سيارته، ثم يدخل إلينا. تلاقت عيونُنا، الجالس إلى جواري وأنا، وابتسمنا. فمال عليّ وقال كمن ألقى القبض على مراوغٍ ماكرٍ: “كنتِ عارفة!” فقلتُ له: “لا. إنه حدْسُ الشعراء. فلو كنتُ مكانَه لأتيتْ. وها قد أتى!”
دار ذلك الحديثُ في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في قدّاس عيد الميلاد عام 2015. وهو أول عيد ميلاد بعد تولّي السيسي الحكم. وأما الجالسُ إلى جواري، فكان رجلا بارزًا في القانون. وأما الرئيس فقد داوم على مشاركة أشقائنا المسيحيين في الاحتفال بأعياد الميلاد المجيدة في الأعوام التالية دون انقطاع، وفي العام التالي 2016، قدّم باسم مصر اعتذارًا رسميًّا لأقباط مصر الذين دفعوا الفاتورة الأكبر من أجل نجاح ثورة 30 يونيو الشريفة التي أطاحت بيد الإخوان الثقيلة السوداء من فوق كاهل مصر الطيب. ووعد بترميم جميع الكنائس التي دمّرتها يدُ الإرهاب قبل نهاية ذلك العام، وبرّ بوعده. وفي العام الماضي 2017، احتفلنا بعيد الميلاد في أكبر وأجمل كاتدرائية في الشرق الأوسط: “كاتدرائية ميلاد المسيح"، عليه السلام بالعاصمة الإدارية.
أكتبُ لكم هذا المقال يوم السبت 5 يناير، بعد وصول دعوة قداسة البابا الكريمة لحضور قداس عيد الميلاد 2019 في كاتدرائية العاصمة الجديدة. وسوف تقرأونه بإذن الله يوم الاثنين 7 يناير، صباح عيد الميلاد المجيد، أعاده الله على مصر والمصريين بالسلام والفرح.
بعد حديثي السابق مع صديقي قبل أربعة أعوام، والذي انتهى بفوزي بالرهان، أخرجتُ من حقيبتي دفترَ أشعاري وقلمًا، وكتبتُ القصيدة التالية، وأهديتُها للرئيس السيسي:
“زهرةٌ/ أورقتْ في الأشجارِ اليابسة/ حينَ خرجَ الأميرُ من مِحرابِه/ حاملاً قرآنَه وقلبَه/ ليصعدَ إلى المذبحِ/ ويباركَ الطفلَ الجميلَ/ في مِزْوَدِ البَّركة./ ثم ينحني/ يرتّبُ هدايا الميلادِ تحتَ قدمي الصغيرِ الأقدس:/ ذهبًا ولُبانًا ومُرًّا/ فتبتسمُ الأمُّ البتولُ / وتمسحُ على جبهةِ الأميرٍ، هامسةً:/ مباركٌ أنتَ بين الرجالْ/ أيها الابنُ الطيبُ عبد الفتاح/ فاجلسْ عن يميني/ واحمل صولجانَ الحكم/ وارتقِ عرشِ بيتي/ وارفعْ رايتي عاليةً/ بين النساءْ/ وعلّمِ الرعيةَ/ كيف يحتضنُ المحرابُ المذبحَ/ وكيف تتناغمُ المئذنةُ مع رنينِ الأجراسْ/ وارشدْ خُطاهم حتى يتبعوا النَجمَ الذي/ سيدّلُهم على الطريق/ إلى أرضِ أجدادِهم الصالحين بُناةِ الهرم/ فإذا ما وصلوا إلى ضفافِ النيلْ/ أوقَدواالشموعَ في وهجِ الصبحِ/ حتى تدخلَ العصافيرُ عند المساءْ/ أعشاشَها/ بعدما تبذرُ القمحَ والشعيرَ والسوسنَ/ على أرضِ طِيبةَ كلِّها/ فلا ينامُ جائعٌ جائعًا/ ولا محرومٌ يبقى محرومًا/ ولا بردانٌ بردانًا ينامُ ليلتَه/ ولا حزينٌ/ يجنُّ الليلُ على عينيه/ دونما يدخلُ قلبَه الفرحُ.”
شكرًا للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي ضمَّ إلى قلبه مذبحَ الكنيسة إلى جوار محراب المسجد، ففعل ما يجبُ أن يفعله كلُّ رئيس يضمّ أبناء شعبه إلى قلبه، دون النظر إلى عقائدهم، التي هي شأنُ الله وحده لا شريك له. وشكرًا لأنه استنَّ بذلك سُنّةً طيبةً سوف يسيرُ عليها كلُّ مَن يخلفه في الحكم في مصر إلى أبد الآبدين.
وشكرًا لشيخ الأزهر الشريف الذي أعلنها واضحةً على رؤوس الأشهاد في جريدة "صوت الأزهر" قائلا: “المسيحيون مواطنون كاملون وليسوا أهل ذمّة. وتحريمُ تهنئتهم بأعيادهم لا يعرفه الإسلامُ.” وافتتح بالآية الكريمة: “إذْ قالتِ الملائكةُ يا مريمُ إنَّ اللهَ يُبشِّركِ بكلمةٍ منه اسمُه المسيحُ عيسى بن مريم، وجيهًا في الدنيا والآخرةِ ومن المقرّبين، ولنجعلُه آيةً للناس.”ثم أعلن أنه لا يوجد في القرآن ولا السُّنة النبوية ما يُحرّمُ بناءَ الكنائس. وإنما المضايقاتُ حولها ميراثُ عادات وتقاليد ليست من الإسلام في شيء. وقال إن المسيحيَّ جارٌ وصديقٌ وزميلٌ وشريكٌ؛ إنصافُه وأمنُه وتهنئته ومشاركتُه في الفرح والحزن واجبٌ دينيّ. ووصف إمامُ الأزهر كلَّ من يفتي بغير ذلك بـ"المدلّسين".
كما أشكرُ دارَ الإفتاء المصرية التي نشرت على صفحتها الرسمية تهنئةً بالعام الميلادي الجديد. وأشكر اللجنة الدينية بالبرلمان المصري الذي وافق على سنّ قانون يعاقبُ مُطلقي فتاوى تحريم المسيحيين بأعيادهم بالحبس عامًا، وغرامة مالية، ونناشدُ البرلمان بسرعة إقرار القانون.
والشكرُ موصول لكلِّ من يحبُّ الوطن. فـ“الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***