التساؤلات الوجودية الكبيرة – 1 -


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 6095 - 2018 / 12 / 26 - 22:55
المحور: الطب , والعلوم     

كل العلماء في الأرض تصدوا لمثل هذه التساؤلات الكبيرة وعلى رأسهم العالم الفذ الراحل ستيفن هوكينغ الذي عنون كتابه الأخير قبل وفاته وصدرت ترجمته الفرنسية في أواخر شهر أكتوبر الماضي 2018 " إجابات موجزة على الأسئلة الكبرى" وكتب مقدمته عالم الفيزياء الشهير كيب ثورن . فهل يجب أن يطرح الإنسان مثل هذه التساؤلات ولماذا؟ وعلى رأس هذه التساؤلات التي أرقت البشرية العاقلة منذ ظهورها على الأرض هو السؤال الأزلي والأبدي:هل الله موجود؟ وكيف وجد الكون وكيف بدأ وهل هناك خالق لهذا الكون؟ وهل هناك حضارات عاقلة ذكية ومتطورة ومتقدمة جداً في أرجاء الكون المرئي الشاسع؟ هل يمكننا في يوم ما أن نتوقع ما سيحصل في المستقبل؟ وماذا يوجد داخل الثقوب السوداء؟ وهل يمكننا السفر والترحال عبر الزمن؟ وهل ستبقى البشرية على قيد الحياة وموجودة إلى الأبد أم ستباد وتندثر؟ وهل يجب على البشر استعمار الفضاء والكواكب الأخرى بعد أن ضاقت بهم الأرض ؟ وهل سيتجاوزنا الذكاء الإصطناعي وسيشكل خطر علينا؟ وماذا يعد لنا المستقبل من مفاجئات ؟ هل سنتوصل يوما ما إلى النظرية الموحد الجامعة والشاملة ؟ وهل كوننا المرئي وحيد في الوجود ولايوجد غيره أم أن هناك أكوان أخرى بعدد لامتناهي ؟ هذه وغيرها هي بعض التساؤلات الجوهرية التي ناقشها عدد من العلماء في كتب صدرت مؤخراً في أواخر العام 2018 سنناقش محتوياتها وأطروحاتها وسنتعرف من خلالها على عمر الكون المرئي الحقيقي وعمره التقديري ، وعن سيناريوهات نهايته ومصيره المتوقعة . وماذا سيكون موقف الأديان السماوية والتوحيدية في حالة تم إثبات وجود حضارات كونية أخرى متطورة ومتفوقة علينا تمتلك حقائق ومعلومات تكذب ما جاءت به تلك الأديان على مر القرون للسيطرة على عقول البشر وتسييرهم كالقطيع؟
في عام 1965 كانت بدايات المرض الذي تم تشخيصه قد بدأت تظهر عند ستيفن هوكينغ وكان يتكأ على عصا في مشيه وهناك ثقل في لسانه عندما يتحدث واشتهر بين العلماء أنه توصل إلى دليل علمي يثبت أن الكون المرئي ظهر للوجود في لحظة زمنية محددة في الماضي السحيق وإنه لم يكون موجوداً منذ الأزل . لقد نجح في تفسير وحل معادلات النسبية العامة لآينشتين وربطها بأخر نتائج الرصد والمشاهدات الفلكية فيما يخص التوسع الكوني مرفقة ببعض الفرضيات المقنعة من خلال التعامل معها بتقنيات رياضياتية متقدمة جديدة ابتكرها العالم البريطاني روجر بينروز والنتيجة التي توصل إليها هوكينغ مذهلة ومتألقة ومقنعة وأنيقة حيث أكد وجود " فرادة كونية singularité" في الزمكان قبل نحو 14 مليار سنة ومن هنا بدأ التعاون والعمل المشترك بين هوكينغ وبينروز حيث أصدرا ونشرا عدد من الأبحاث العلمية والكتب والدراسات المشتركة المتخصصة جداً أي لم تكن موجهة لعامة القراء. وكان بحثه عن حرارة الثقب الأسود وتبخره وإشعاع هوكينغ بخصوص الثقوب السوداء أمر جديد في الوسط العلمي الفيزيائي آنذاك في مجال الفيزياء النظرية. ولقد أثبت هوكينغ في أبحاثه النظرية أن للثقب الأسود أنتروبي entropie أي قياس لدرجة الفوضى واللاإنتظام تتناسب مع مساحته وحجمه وأن هناك ترابط بين النسبية والثيرموديناميك الحراري والفيزياء الكمومية أو الكوانتية التي تتحدث عن ظهور جسيمات أولية من الفراغ الكمومي أو الكوانتي . وهو الذي أكد أن هناك نوعين من الموجات التي بإمكانها إختراق النسيج الكوني لإطلاعنا عما حصل وما يحصل في الكون المرئي وهما: الموجات الكهرومغناطيسية les ondes électromagnétiques، ومنها الضوء وأشعة إكس وأشعى غاما والموجات المكروية والراديوية وغيرها، من جهة ، وهناك الموجات الثقالية les ondes gravitationnelles من جهة أخرى . الأولى مكونة من حقول كهربائية ومغناطيسية تنتشر بسرعة الضوء أي 300000 كلم/ ثانية، وعندما تتفاعل مع جسيمات مشحونة كالإلكترونات تجعلها تتردد لتوصل معلومة تحملها إلينا على شكل صورة أو صوت أو طيف ضوئي وتوجيهها نحو مكبر صوت أو شاشة أو تلفزيون أو كومبيوتر. أما الموجات الثقالية ، حسب آينشتين، فتترجم عبر تخلخلات وتأرجحات وتقلبات في الفضاء أو المكان، ضغط يعقبه تمدد، وكانت بداية لعلم الفلك الثقالي l’astronomie gravitationnelle. الذي يدرس الموجات التي تؤثر على بنية الزمكان وتشوهه مثل تلك النجمة عن تصادم الثقوب السوداء.
يتبع