ثلاثية الإيمان والعقل والدين 6/8


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 6094 - 2018 / 12 / 25 - 11:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

ثلاثية الإيمان والعقل والدين 6/8
ضياء الشكرجي
[email protected]o
www.nasmaa.org
ثم أقول إن معظم المسلمين، أو لنقل معظم الدينيين في هذا الزمان، بل عبر كل الأزمنة هم على الأعم الأغلب في حقيقة الأمر ظنيون في إيمانهم، ودليل ذلك عدم التزام الأكثرية الساحقة بأحكام الدين. فالذي يؤمن أن حكما ما هو حكم الله، ثم يخالفه، وهو يعلم أنه سيعذب بسبب هذه المخالفة عذابا شديدا لا يطاق ولا ينقطع، بحسب النصوص الدينية، لا يمكن أن يكون متيقنا من ذلك الإيمان، بل هو شاك بالضرورة، أو ظني الإيمان، وذلك من حيث يعي شكه أو ظنيته أو من حيث لا يعي ذلك، بل ربما يجهد نفسه ليحول دون أن يطفح الشك من اللاوعي إلى الوعي. فهل من المعقول أن إنسانا يذهب إلى مكان سياحي ساحر الجمال، يعلم بنسبة 90% أن هناك زلزالا مدمرا سيحدث أثناء فترة تواجده فيه، ثم يصرّ على الذهاب؟
بينما المتيقنون من حكمة الله وعدله ورحمته من المؤمنين العقليين اللادينيين، لا يعيشون هذا الهاجس، لثقتهم بعدل الله ورحمته. ومع هذا يعدّهم الدينيون كافرين، رغم إيمانهم اليقيني بالله، وسعيهم ليعبدوه عبر تجسيد وتنمية إنسانيتهم.
إذن الديني النصي اللاعقلي هو بالضرورة متعصب متطرف متزمت خرافي. بينما الديني العقلي لا يملك في آخر المطاف إذا أراد أن يبقى مؤمنا دينيا إلا أن يكون ظنيا وتأويليا. وفي تقديري إن اليقينيين هم إما البسطاء الذين يجدون آباءهم على ملة فيتبعون آثارهم، وإما هم المتطرفون المتعصبون الذين عطلوا عقولهم وعبدوا النص من دون الله، من حيث لا يشعرون. ثم المؤمن الظني يكون إيمانه الظني مقبولا من الله سبحانه وتعالى، وفي نفس الوقت يكون فاتحا عقله وقلبه ونفسه للآخر المغاير من غير تعصب أو انغلاق، بينما اليقيني، خاصة اليقيني في الممكنات العقلية، يكون على الأعم الأغلب منغلقا تجاه الآخر، ويعيش أزمة من عُقَد مستأصلة تجاه الآخر الكافر، أو المنحرف، أو المخالف، أو الفاسق، أو حتى العلماني، أما إذا انفتح مع ذلك على الآخر، لأن فطرته الإنسانية تلزمه بذلك الانفتاح، فهو يعيش في علاقته مع الله حالة أزمة عبر الازدواجية، لأن دينه بنصوصه يريده أن ينفصل عن الآخر نفسيا وقلبيا وعقليا، بينما فطرته وإنسانيته وطيبته وعقلانيته، كل ذلك يريده أن ينفتح على ذلك الآخر، إذن هو بحسب معايير الدين، لا معايير العقل والفطرة الإنسانية، لم يحب في الله ويبغض في الله، مما هو من ضرورات الإيمان الديني المتجذر، بل يشعر أنه اتبع هواه، فيتهم إنسانيته وطيبته وفطرته وعقلانيته، بأنه ليس إلا هوى، أو وسوسة شيطان، فيعيش عقدة الشعور بالذنب دائما.