الرق في الإسلام - تفسير آيات الرق خلال العصور


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 6091 - 2018 / 12 / 22 - 02:15
المحور: حقوق الانسان     

اعمل حاليًا على كتاب بالعربية والفرنسية عنوانه
الرق في الإسلام
تفسير آيات الرق خلال العصور

واود هنا ان اعطيكم مقدمة هذا الكتاب في شكلها الأولي لعل فيها بعض الفائدة
-----------

بدأ عبد السلام الترمانيني كتابه "الرق ماضيه وحاضره" الذي صدر في الكويت عام 1979 بالعبارة التالية:
قال الخليفة عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص عامله على مصر، وكان ابنه قد ضرب قبطياً سابقه فسبقه: "يا عمرو، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟".

وقد كرر هذه المقولة السيد حافظ الورديري، المتكلم الرسمي السابق باسم مسجد جنيف ورئيس مؤسسة التعارف في جنيف في عنوان مقال نشرته صحيفة سويسرية بتاريخ 23 ديسمبر 2017 مضيفًا فيه بأن كل الرجال والنساء متساوون وأحرار في القرآن قبل ذكر ذلك في وثيقة حقوق الإنسان.

كل ذلك مجرد دعاية. فمحمد واصحابه بما فيهم عمر كان عندهم رقيق وسبوا النساء وتاجروا بهم. وكانت أفريقيا أكثر القارات التي عانت من الرق من طرف الغربيين من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر، ومن طرف المسلمين منذ القرن السابع إلى القرن العشرين. أي أن الرق الذي مارسه المسلمون كان أكثر امتدادًا عبر التاريخ، كما يرى البعض أنهم استعملوا أبشع أنواع الوسائل لإقتناص العبيد والمتاجرة بهم. وقد عرفت كل المجتمعات نظام الرق وقام بتبريره أو غض النظر عنه رجال الدين والفلاسفة عبر العصور. ولم يتم السن على تحريم الرق والإتجار بالعبيد رسميًا على مستوى العالم إلا في الإتفاقية الخاصة بالرق في 25 سبتمبر 1926 والتي تم تكميلها باتفاقية عام 1956 لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق. ولكن الرق في السعودية على سبيل المثال لم يتم الغاؤه إلا في عام 1962 ولم تنضم لهذه الإتفاقية إلا في 5 يوليو 1973. وما أن سيطرت داعش على مناطق في العراق وسوريا حتى اعادت العمل به، فقتلت الرجال وسبت النساء وباعتهن في أسواق النخاسة كما سنرى لاحقًا.
ولا بد هنا من كلمة عن الإتفاقيتين المذكورتين لتحديد مجال بحثنا.

تقول المادة الثانية من الإتفاقية الخاصة بالرق في 25 سبتمبر 1926 بأن الأطراف في المعاهدة يتعهدون:
أ) بمنع الاتجار بالرقيق والمعاقبة عليه،
ب) بالعمل، تدريجيا وبالسرعة الممكنة، علي القضاء كليا علي الرق بجميع صوره.
وقد عرفت المادة الأولى الرق على أنه "حالة أو وضع أي شخص تمارس عليه السلطات الناجمة عن حق الملكية، كلها أو بعضها". وعرفت تجارة الرقيق كما يلي: "تجارة الرقيق تشمل جميع الأفعال التي ينطوي عليها أسر شخص ما أو احتجازه أو التخلي عنه للغير علي قصد تحويله إلي رقيق، وجميع الأفعال التي ينطوي عليها احتجاز رقيق ما بغية بيعه أو مبادلته وجميع أفعال التخلي، بيعا أو مبادلة عن رقيق تم احتي ازه علي قصد بيعه أو مبادلته، وكذلك، عموما، أي اتجار بالأرقاء أو نقل لهم".

وقد بينت المادة الأولى من الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق لعام 1956 الممارسات التي يجب الغاؤها:
تتخذ كل من الدول الأطراف في هذه الاتفاقية جميع التدابير التشريعية وغير التشريعية القابلة للتنفيذ العملي والضرورية للوصول تدريجيا وبالسرعة الممكنة إلي إبطال الأعراف والممارسات التالية أو هجرها، حيثما استمر وجودها، وسواء شملها أم لم يشملها تعريف "الرق" الوارد في المادة 1 من الاتفاقية الخاصة بالرق، الموقعة في جنيف يوم 25 أيلول/سبتمبر 1926:
(أ) إسار الدين، ويراد بذلك الحال أو الوضع الناجم عن ارتهان مدين بتقديم خدماته الشخصية أو خدمات شخص تابع له ضمانا لدين عليه، إذ كانت القيمة المنصفة لهذه الخدمات لا تستخدم لتصفية هذا الدين أو لم تكن مدة هذه الخدمات أو طبيعتها محددة،
(ب) القنانة، ويراد بذلك حال أو وضع أي شخص ملزم، بالعرف أو القانون أو عن طريق الاتفاق، بأن يعيش ويعمل علي أرض شخص آخر وأن يقدم خدمات معينة لهذا الشخص، بعوض أو بلا عوض، ودون أن يملك حرية تغيير وضعه،
(ج) أي من الأعراف أو الممارسات التي تتيح:
1- الوعد بتزويج امرأة، أو تزويجها فعلا، دون أن تملك حق الرفض، ولقاء بدل مالي أو عيني يدفع لأبويها أو للوصي عليها أو لأسرتها أو لأي شخص آخر أو أية مجموعة أشخاص أخري،
2منح الزوج أو أسرته أو قبيلته حق التنازل عن زوجته لشخص آخر، لقاء ثمن أو عوض آخر،
3- إمكان جعل المرأة، لدي وفاة زوجها، إرثا ينتقل إلي شخص آخر،
(د) أي من الأعراف أو الممارسات التي تسمح لأحد الأبوين أو كليهما، أو للوصي، بتسليم طفل أو مراهق دون الثامنة عشرة إلي شخص آخر، لقاء عوض أو بلا عوض، علي قصد استغلال الطفل أو المراهق أو استغلال عمله.
ووفقا للمادة السابعة، يشمل مصطلح تجارة الرقيق
جميع الأفعال التي ينطوي عليها أسر شخص ما أو احتجازه أو التخلي عنه للغير علي قصد تحويله إلي رقيق، وجميع الأفعال التي ينطوي عليها احتياز رقيق ما بغية بيعه أو مبادلته وجميع أفعال التخلي، بيعا أو مبادلة، عن رقيق تم احتيازه علي قصد بيعه أو مبادلته، وكذلك، عموما، أي اتجار بالأرقاء أو نقل لهم أيا كانت وسيلة النقل المستخدمة.

ونقرأ في موقع الأمم المتحدة في ذكرى اليوم الدولي لإلغاء الرق الذي يقع في 2 ديسمبر من كل عام:
العبودية ليست مجرد بقايا تاريخية. وفقاً لمنظمة العمل الدولية، فإن أكثر من 40 مليون شخص في جميع أنحاء العالم هم ضحايا للرق الحديث. وعلى الرغم من أن الاسترقاق الحديث غير معرف في القانون، فإنه يستخدم كمصطلح شامل يشمل ممارسات من قبيل العمل الجبري، واستعباد المدين، والزواج القسري، والاتجار بالبشر. وهي تشير أساسا إلى حالات الاستغلال التي لا يمكن للشخص أن يرفضها أو يغادرها بسبب التهديدات والعنف والإكراه والخداع و/ أو إساءة استعمال السلطة. وبالإضافة إلى ذلك، يتعرض أكثر من 150 مليون طفل لعمل الأطفال، وهو ما يمثل قرابة واحد من كل عشرة أطفال في جميع أنحاء العالم.

في كتابنا هذا لا نتعرض لهذا المعنى الواسع للإستعباد، بل للمعنى الضيق الذي تتكلم عنه الإتفاقية الخاصة بالرق في 25 سبتمبر 1926. فالإستعباد ظاهرة عامة حتى يومنا هذا وليست مرتبطة بتعاليم الإسلام.

من جهة أخرى، ليس هدفنا عرض الرق عبر العصور عند المسلمين. فهناك الكثير من الكتب، خاصة في اللغات الغربية، حول هذا الموضوع. وما يهمنا هو معرفة كيف فسر المسلمون آيات الرق في القرآن عبر العصور لنرى كيف برر المسلمون الرق في بدايته ومتى بدأت مقولة أن الإسلام كان يهدف لإلغاء الرق.

فأمام إدانة الرق في العصر الحديث تساءل البعض كيف لدين سماوي أن يسمح به ولم يحرمه كما حرم الخمر والزنا، ويضيفون بأن إباحة الإسلام للرق لدليل قاطع على أنه قد جاء لفترة محدودة، وأنه أدى مهمته وأصبح في ذمة التاريخ. فحاول بعض الكتاب المسلمين الرد على هذا الإعتراض مدعين أن الإسلام ضد الرق ولكنه اتبع منهج التدرج في الغائه. وفي المقابل هناك من يرى أن الرق باق مع بقاء الجهاد إلى يوم القيامة، وأن الغاءه في الدول العربية والإسلامية جاء بقرار سياسي من تلك الدول بسبب ضعوط غربية وليس بقرار من السلطات الدينية الإسلامية. هذه هي إذن المحاور التي تهمنا في كتابنا هذا.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه رغم الغاء الرق في مصر عام 1877، لم يلغي الأزهر تعليم نظام الرق من مناهجه الدراسية إلا عام 2015 . كما نجد كثيرًا من الفتاوى والأشرطة السنية والشيعية التي تضفي شرعية عليه.
وهذا الكتاب جزء من سلسلة كتب مكرسة لتفسير آيات إشكالية للقرآن خلال القرون. ويمكن طلب هذه الكتب ورقيًا من الأمازون، مثل كتبنا الأخرى.

وينقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول: الرق في اليهودية والمسيحية
الجزء الثاني: الرق في الإسلام
الجزء الثالث: نصوص المفسرين ذات العلاقة بالرق
ملحق: آيات القرآن ذات العلاقة بالرق
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://sami-aldeeb.com/livres-books
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb