الثورة في تونس بين المتحاملين عليها والمتمسكين بها


زهير الخويلدي
الحوار المتمدن - العدد: 6086 - 2018 / 12 / 17 - 23:57
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

لماذا يريد الشعب الثورة من جديد؟ وما الذي لم يتحقق بعد من استحقاقاتها ومطالبها المشروعة؟
مضت ثمانية أعوام على واقعة اندلاع شرارة 17 ديسمبر بالأطلس الصغير المضادة للشمولية والظلم والفساد وبقيت أحلام الساخطين مؤجلة وظلت آمال العاطلين وانتظارات المنتفضين غير قابلة للتحقيق. الغريب أن مطلب الثورة ظل قائم الذات من طرف الجميع بعد أن كان من قبيل المستحيل التفكير فيه، الشعب يريد الثورة من جديد من أجل تصحيح المسار وكنس بقايا الاستبداد ومنظومة الفساد والإفساد، وجزء من النخبة يريد الثورة من أجل تدارك ما فاته من نفوذ وإعادة التموقع في السلطة وافتكاك الحكم. لكن ما مشروعية مطالبة النخب الشعب بالثورة والإصرار على النزول إلى الشارع وممارسة الضغط على منظومة الحكم بغية الرحيل والاستقالة في ظل التداول السلمي على السلطة عن طريق الانتخابات؟
يزداد الصراع السياسي بين القوى المتنفذة في أجهزة السلطة ويزداد الشارع حيرة وتتصاعد الاضرابات وتتقلص المقدرة الشرائية للعائلة وتتضاءل موارد الأفراد وتتراجع الحظوظ لدى الفئات الشابة في الفعل. في حين يبحث الماسكون بزمام الحكم عن الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي ويفتشوا عن طرق تأمين استمرارية الدولة والإيفاء بالتعهدات المالية تجاه القوى المانحة والالتزام بالاتفاقات المبرمة مع الدول الأجنبية، تتجه المعارضة البرلمانية والمنظمات المهنية إلى التصعيد وتنادي بالقيام بالثورة في ظل وضع اجتماعي قاسي وحالة من الانغلاق والإحباط التي تنتشر وسط الشباب والفئات المهمشة من المعطلين.تتحمل القوى اليمينية مسؤولية كبيرة على تردي الأوضاع بسبب الخيارات الموغلة في التبعية والاستناد الى القوى الغربية والافراط في تصدير الأزمة نحو الشعب ورفض الضرائب على الموظفين والأجراء لكن القوى المعارضة اكتفت بالتعطيل والتشهير وتبادلت أدوار التحالف والتنسيق مع دوائر الدولة الخفية وبقيت منقسمة على نفسها وتعاني من التشتت وتقدم تناقضات ثانوية شكلية على تناقضات أساسية جذرية.من يتحامل على الثورة في تونس يتواجدون في كل مكان من جسد الدولة ويتحكمون في كل شيء تقريبا ومن يستبسلون في الدفاع عن حقيقة الثورة في حالة تراجع مستمر وهرسلة شاملة ولا يوجد تنظيم بينهم. لقد سئم الشعب من الوعود الانتخابية ومل من الانتظار وليس له من خيار سوى افتكاك سيادته على ذاته بنفسه وحسم المعركة مع البيروقراطية المقيتة والتكنوقراطية العاجزة على المبادرة والتعويل على طاقاته. من حق الشعب الموحد أن يريد من جديد الثورة في زمن الاحتفال بانطلاقتها على أمل استرداد الحقوق المهدورة والحريات المهددة ومن حق المعارضة أن تدفع إلى خيارات جذرية وترفض منظومة الحكم برمتها ضمن لعبة سياسية لا تخضع لقواعد مضبوطة ولا تخضع لمنطق معقول ورقابة مؤسسات دقيقة، ولكن المتضرر الأكبر من الانهيار الكبير هو الشعب والخاسر الأول من التصدع السياسي هو بنية الدولة وربما الضريبة التي قد يدفعها الجميع هو الركوب على الأحداث من طرف فلول الالتفاف وزمرة الارتداد وضياع البوصلة عن القوى المناضلة وفوات الفرصة عن الكتلة التاريخية القادرة على بناء الدولة الثورية. فمتى تتصالح النخب السياسية والمثقفة مع إرادة الشعب ومطالب الجمهور وتنخرط في الثورة الثقافية؟ ومن يشير إلى أن الثورة في تونس أصبحت فائض قيمة وتحولت إلى عملة صعبة يشيد بها العالم بأسره؟
كاتب فلسفي