حركة السترات الصفراء في فرنسا على ضوء المهمة التاريخية للبروليتاريا


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 6080 - 2018 / 12 / 11 - 05:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مع احترامنا لحركة السترات الصفراء في فرنسا، وما أنجزته في فترة وجيزة من تصعيد الاحتجاج والغضب لا زال مستمرا ضد سياسة ايمانويل ماكرون، جعلت كافة فصائل البرجوازية تضغط بكل قوتها لكي يتراجع ماكرون عن بعض سياساته المخربة لوضع البرجوازية الصغرى؛ إلا أنها تبقى مجرد حركة برجوازية صغرى بين الطبقات.

من أسباب تشكل هذه الحركة أن البرجوازية العليا بعد اكتمال هيمنتها المطلقة على الطبقة العاملة وأبعادها عن مدينة باريس لتعميق استغلالها في صمت مطبق بعيدا عن العاصمة، بدأت تهاجم المكتسبات التاريخية للبرجوازية الصغرى، لذلك ثارت شرائح هذه البرجوازية وبدأت تحارب سياسات البرجوازية العليا بتعبئة باقي شرائح البرجوازية الصغرى والطبقة العاملة من الشعب الفرنسي في إطار السترات الصفراء، وتركز بالخصوص على شخص ايمانويل ماكرون وتطالب بتحسين ظروفها المعيشية وفتح المجال أمامها لتحقيق تسلقها الاجتماعي والطبقي. علما أن فصائل من البرجوازية تدعم هذه الحركة ضد ايمانويل ماكرون لاضعافه خلال الانتخابات القادمة.

وتدرك البرجوازية العليا أن لا خوف علي نظامها من مطالب السترات الصفراء الإصلاحية، فالخوف كل الخوف من نهوض الطبقة العاملة لإسقاط النظام البرجوازي ككل والتي تخضع حاليا لتنويم تاريخي من قبل الأحزاب التحريفية والنقابات وحتى من طرف السترات الصفراء التي حددت سقف نضالها في تقليص الضريبة على المحروقات وفي تحسين شروط الاستغلال. وفيما يلي النقاط ال 42 التي جاءت في مطالب السترات الصفراء:

- صفر شخص بدون مأوى: مطلب استعجالي
- ضريبة على الدخل تصاعدية أكثر (الزيادة في الأشطر)
- رفع الحد الأدنى للأجر إلى 1,300 يورو
- تشجيع المقاولات الصغرى
- رفع ضرائب الشركات الكبرى (ماكدونالد، غوغل، أمازون، كارفور...) وخفضها بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة والحرفيين
- توحيد كل أنظمة الضمان الاجتماعي في نظام واحد
- إلغاء الزيادات الضريبية على الوقود
- الحد الادنى لمعاش التقاعد 1,200 يورو
- كل نائب منتخب له الحق في متوسط الأجر. نفقات تنقله تعوض إذا كانت مبررة
- ربط أجور الفرنسيين وتقاعدعم وتعويضاتهم بنسبة التضخم
- تفضيل عقود العمل الدائمة على المؤقتة
- تحديد السومة الكرائية وتوفير سكن بسومة كرائية معقولة خاصة لفائدة الطلبة والعمال غير المستقرين
- حماية الصناعة الفرنسية ومنع ترحيلها
- إنهاء سياسة التقشف
- علاج أسباب الهجرة
- معاملة طالبي اللجوء بشكل جيد
- ترحيل طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم
- سن سياسة إدماج حقيقية تحترم الهوية والثقافة الفرنسية
- الحد الأقصى للأجر 15,000 يورو
- تشغيل العاطلين
- الزيادة في تعويضات المعاقين
- منع تفويت ممتلكات فرنسا (سدود، مطارات...)
- توفير الإمكانيات للجهاز القضائي والشرطة والدرك والجيش. يجب احتساب ساعات عملهم الإضافية
- خفض أثمنة الغاز والكهرباء
- تخصيص كل مداخيل الطرق السيارة لصيانة هذه الطرق والطرق العادية وتعزيز السلامة الطرقية
- توفير الرعاية اللازمة للمسنين
- 25 تلميذ في القسم حد أقصى
- توفير الإمكانيات للطب النفسي
- تكريس الاستفتاء الشعبي في الدستور. إنشاء موقع أنترنت بسيط الفهم وفعال، يتمتع بإدارة مستقلة، لاستقبال اقتراحات المواطنين. كل مشروع قانون يحصل على 700,000 توقيع يلزم الجمعية الوطنية بنقاشه ثم عرضه على استفتاء شعبي في أجل أقصاه سنة من استكمال نصاب التوقيعات
- العودة إلى الولاية الرئاسية من سبع سنوات، وتنظيم الانتخابات التشريعية بعد سنتين من انتخاب الرئيس لتكون مقياسا لأدائه
- التقاعد في 60 سنة، 55 سنة للمهن المضنية (البناء...)
- إلغاء التعويضات الرئاسية مدى الحياة
- سن ضريبة على وقود السفن والطائرات

غير أن هذا المجهود الكفاحي الصوري الهائل سيفرغ النضال الثوري من مضمونه، بل يدفع نضال البروليتاريا الى الخلف مما يجعلها مجرد تابعة لاجندة ليست اجندتها وتقبل بجميع الاتفاقيات الإصلاحية البرجوازية الصغرى المملاة فوقيا والتي ستبرم مع البرجوازية العليا مما سيكرس وضعا جديدا من الخضوع المطلق للبروليتاريا لفترة زمنية أطول مستقبلا. لذلك لا يمكن للبروليتاريا أن تعول إلا على ذاتها وطبقتها وعليها أن تكون في مقدمة النضال بمطالبها الثورية الأساسية حتى تجر باقي الطبقات الأخرى ورائها نحو إسقاط الدولة البرجوازية والعمل المأجور والاغتراب السلعي وتثبيت مجالس العمال والفلاحين بمعنى إقامة ديكتاتورية البروليتاريا للقضاء على الطبقات من أجل مجتمع شيوعي بدون طبقات. وهذا يعني انتزاع كلي للسلطة من أيدي البرجوازية ووضعها في ايدي البروليتاريا.

فالقوى البروليتارية الأوروبية رغم تاريخها الزاخر بالتجارب والأحداث وتعمق الوعي الطبقي إلا أنها لا زالت تمر من مرحلة مخاض كبير تركها مشتتة وتخضع لمحاولات تنويم من طرف قوى تحريفية تدعي تمثيليتها. لكنها مع ذلك توجد في نفس الوقت في طور الاستيقاظ نتيجة الضربات الموجعة التي يوجهها لها عدوها الطبقي في ظل الهيمنة الإمبريالية الحقيقية على العمل، مما يلقي بالملايين من العمال نحو الفقر والهشاشة أو نحو مجازر الحروب التي تفتعلها البرجوازية لإعادة الحياة لنمط الإنتاج الرأسمالي بالإضافة إلى التدمير المنهجي للبيئة ولأساسات بقاء الانسانية. فالبروليتاريا تبقى المنقذ الوحيد لاستمرار النوع البشري.

الفتات الذي تصدق به ماكرون مساء يوم الاثنين على السترات الصفراء لا تتعادل مع غلاء المعيشة: 100 أورو إضافة إلى السميك الغاء الضريبة على المتقاعدين الذين يتقاضون أقل من 2000 أورو مع رفض قاطع إعادة فرض الضريبة على الثروات.

الوضع جد معقد إذن، فنضال الطبقات من أجل خدمة مصالحها يختلف من طبقة الى أخرى، فنضال البرجوازية الصغرى أو ما يسمى بالطبقة الوسطى والتي تتسم بطابعها الانتهازي التسلقي لكونها تشتغل في قطاع الخدمات على الخصوص والمرتبطة بتحقيق فائض القيمة المكون لأرباح البرجوازية العليا وحيث تقتطع منه البرجوازية الصغرى حصة مهمة يجعلها تعيش في وضع مادي مريح يمكنها من العلم والمعرفة ويجعلها تتطلع الى بلوغ مصاف البرجوازية العليا، لكن هذه الطبقة المكونة من المحامون والاطباء والمهندسون واصحاب الورشات والمتاجر ووسائل النقل الخاصة ... الخ، عندما تتراكم عليها السياسات البرجوازية العليا والتي تحرمها جزءا من مداخلها وتنحدر بمستوياتها المادية لتقترب من المستوى المادي للطبقة العاملة، فإنها تجد في نفسها القوة والمعرفة اللازمة للاحتجاج ضد السلطة الحاكمة لكي تراجع سياساتها بما يخدم مصالحها الخاصة الملتصقة بمصالح البرجوازية العليا.

أما الطبقة العاملة والمنتجة الحقيقية لفائض القيمة والارباح المشكلة لرأس المال، فهي بالإضافة الى فقرها واستغلالها واضطهادها من طرف البرجوازية العليا مالكة وسائل الانتاج والمسيطرة سياسيا على جهاز الدولة، فإنها تخضع لحصار بوليسي ومخابراتي ومراقبة وثيقة من طرف الاحزاب والمركزيات النقابية لكونها تشكل اغلبية الشعب المنتج والتي يجب ان تضل خاضعة لنظام الاستغلال القائم وللمنظومة الايديولوجية والدينية التي تفرضها السلطة الحاكمة للبرجوازية العليا. فإذن فطريق الوعي الطبقي وادراك الطبقة العاملة لواقعها البئيس تحت الاستغلال قد ينظم صفوفها ويجعلها تدخل في صراع طبقي شرس مع مستغليها مستهدفة الاستيلاء على السلطة السياسية وفرض ديكتاتوريتها الطبقية لإنهاء عهد الاستغلال.

إذن فهذا التحول النوعي الذي تحيط بع العديد من المخاطر هو تحول جد معقد، وحيث لا يمكن للطبقة العاملة ان تعتمد فيه على أي طبقة منافسة أخرى، فالتجارب التاريخية أكدت على خطورة الثورة المضادة والتي قد تأتي من أقرب حلفائها. فمن قتل روزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنخت في المانيا سنة 1919 قبيل الثورة الألمانية، هم نفس اعضاء حزب روزا لوكسمبورغ ولبكنخت أي أعضاء الحزب الديموقراطي الاشتراكي بقيادة فريدريك ايبرت. فلكي تستمر سيطرة البرجوازية فإنها توظف كافة اجهزتها السرية والعلنية وادواتها الايديولوجية والدينية لكبح جماح الطبقة العاملة لمنعها من التحرر والانعتاق. فالبروليتارية إذن سجينة البرجوازية الى أن يتحقق وعيها الطبقي وتفرز أداتها السياسية الثورية.

هناك دائما شروطا لا بد من توفرها لقيادة الحركة العمالية نحو انجاز فعلها الثوري التاريخي، ويأتي في مقدمة تلك الشروط الوعي الطبقي، وهي مهمة صعبة ومعقدة يتضافر فيها الذاتي والموضوعي والفردي والجماعي مما ينشأ معه فضاء سياسي يوحد وعي البروليتاريا ويدفعها نحو خوض الصراع الطبقي بشراسة وبناء اداتها السياسية التي تراكم وعيها الطبقي وتدفع به نحو المزيد من تأجيج الصراع الطبقي واستهداف الاستيلاء على السلطة السياسية عندما يتوفر التنظيم على أطره الكفؤة لممارسة ديكتاتورية الطبقة العاملة.