السترات الصفراء ما بين العراق وفرنسا!


شاكر الناصري
2018 / 12 / 8 - 02:56     

في تحرك لافت، ارتدى المتظاهرون في العراق، في البصرة وبغداد، السترات الصفراء، للتماهي مع حراك السترات الصفراء في فرنسا، للتعبيرعن احتجاجهم ضد الواقع الحياتي والمعيشي البائس الذي يعصف بحياتهم، فيما تنخر البطالة أعمار وحياة وآمال الملايين من الشباب الذين يبحثون عن فرصة عمل تبعدهم عن واقع الفقر والتهميش والاهمال. وضد السلطة وقراراتها وفسادها وانحطاط برنامجها السياسي.

من المؤكد أن حراك السترات الصفراء في فرنسا، هو حراك كبير، وقد بدأت بوادر انتقاله إلى دول اخرى لاتختلف عن فرنسا في شيئ.. وسيتحول إلى ظاهرة احتجاج عالمي تنتقل من مكان إلى آخر.

ما يميز هذا الحراك هو الاصرار على تحقيق المطالب وتصعيدها، حيث لم تعد مسألة الضرائب التي فرضها الرئيس الفرنسي ماكرون، وتراجع عنها نهائياً، هي المطلب الذي سيتواصل الحراك من أجله، بل إن الامر تعداه إلى مطالب اخرى، رفع الاجور، وتحسين المعيشة، وتحسين شروط العمل وقد ترتفع وتيرة المطالب، لتصل إلى المطالبة بإستقالة ماكرون، بعد أن حصل الحراك على دعم اجتماعي هائل وسارعت نقابات عمالية - نقابة عمال الزراعة- لاعلان اضرابات وتحركات من اجل الحقوق وتحسين مستوى المعيشة ورفع الاجور.

ما يميز حراك السترات الصفراء في فرنسا أن العمال من سائقي الشاحنات، وهم الذين أعلنوه وهم الذين تحولوا إلى قادة الحراك ودفعه إلى مستويات متقدمة وحاسمة في مواجهة السلطة. والعمال هم أنفسهم من سيقود مظاهرات يوم غد، السبت، وسيكونون قادة المواجهات مع السلطة وشرطتها ومدرعاتها التي انتشرت في شوارع باريس. عمال فرنسا وقادة حراك السترات الصفراء، يدركون أنهم عمال يطالبون بحقوقهم ويخوضون الصراعات ضد الشركات واصحاب الرأسمال ويعلمون تماماً أن ماكرون هو حامي أصحاب رؤوس الأموال ومدراء البنوك. يدركون أن صراعهم الحالي هو صراع طبقي واجتماعي صارخ، وليس لديهم الرغبة لسماع صوت ما، يطالبهم بالانتظار ومنح السلطة فرصة لترتيب أوراقها ومراجعة قوانينها وقراراتها. وفي الغضون، صرح وزير فرنسي من الحكومة معبراً عن خشية جدية من تطور الأوضاع ومن دور الطبقة العاملة: "الخوف ليس من السترات الصفراء، بل من تعمق هذه الحركة والتحام الطبقة العاملة بها. هذا هو الخطر الأكبر"!!!

حتى ينجح أصحاب السترات الصفراء في العراق في فرض تراجع على السلطة وارغامها على الرضوخ للحركة المطلبية والاحتجاجية، فعليهم قطع العلاقة مع كل القوى السياسية والمليشيات وعدم التعويل على خطاب سياسي وفتوى رجل دين وتدخل من هنا أو هناك.. يجب عليهم رفض الاستماع إلى من ينادى باحترام مؤسسات الدولة والملكية العامة لأنها ملكية الشعب، فهذا كذب مفضوح، والمؤسسات المعنية هي مؤسسات يتعرض في الكائن العراقي للإذلال والامتهان والابتزاز، ولم تكن في يوم من الأيام إلى جانبه. فكل هؤلاء الذين تنتظرون تدخلاتهم وخطاباتهم هم السبب في كل مآسيكم وبطالتكم وفقركم وضياع حقوقكم. لأنهم قوى السلطة و حماتها.

تطوير أساليب الاحتجاج والتظاهر أمر ضروري جداً، وعلى الشباب المحتج ترك الممارسات السابقة التي جربوها ولم تحقق أي شيئ. عليهم طلب الدعم من رفاقهم العمال وشركائهم في الواقع الحياتي والمعيشي المرير. فالسلطة لن تستمع لأي صوت مادام لايمتلك القدرة على تهديد وجودها السياسي والاجتماعي، والعمال، وحدهم، من يمتلكون هذه القدرة، قد تكون قواهم مبعثرة ومشتتة وتواجه هجمة شرسة تستهدف وجودهم الطبقي والاجتماعي، حد انكار وجودهم، لكنهم يمتلكون القدرة على التنظيم وإعادة توحيد الصفوف و مواجهة السلطة. تاريخ الطبقة العاملة في العراق حافل بالمواجهات والاضرابات العمالية والمظاهرات التي زعزعت السلطة، قد يجد البعض إن هذا الكلام بعيد عن الواقع، لكنه واقعي جدا، وكل ما نحتاجه أن نبدأ بالعمل وأن نعيد الاعتبار لأنفسنا كطبقة عاملة يمكنها أن تغير موازين القوى وأن تكون صاحبة حضور قوي، سياسياً واجتماعياً وطبقياً. وأن ندرك ما تعنيه البطالة بالنسبة لنا، وكيف يمكن للقوى السياسية المتاجرة بما نعانيه. وحتى يكون للاحتجاج حضوره ويحظى بالدعم الاجتماعي فلابد من البحث عن أساليب نضالية واحتجاجية جديدة ومعبرة. يجب الخروج من منطق المهوال والاهازيج التي تدفع المتتبع للشعور بطغيان الإرث العشائري والديني والطائفي. حين تجابه سلطة ما عليك مواجهتها بأدواتك وأساليبك وشعاراتك الثورية المعاصرة، أترك خطابها ورموزها وأساطيرها. لن ينفعك ذكر الحسين وحمل راية باسمه. لأنه أداة السلطة في استلاب حقوقك واهمالك وسحق كرامتك..

حين ندرك ان الصراع الاساسي هو بين سلطة برجوازية تحمي الرأسمال وشركاته ومشاريعه، وبين طبقة عاملة، متشتتة ومعرضة للبطالة وتنتظر فرصة عمل من حكومة تمتهن المتاجرة بكرامة الإنسان، فسيكون للاحتجاج والتظاهر بعداً مختلفاً.